متى تتجرأ هيئة الإعلام والإتصالات وتقطع لسان الفتنة الطائفية؟
علمتني التجربة الصحفية واطلاعي على تجارب العالم في مجال حرية التعبير من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق بان هذه الحرية لها حدود وتمارس في ظل تشريعات ولوائح للانضباط الداخلي والسلوك الأخلاقي ، وعند الخروج عن ذلك فان العقوبات والردع القانوني هما الوسيلة لقمع الخارجين عن القانون في وسائل الإعلام المختلفة ،لان حماية الوطن والمواطن فوق كل الاعتبارات ، كل هذا المعيار تخشى إن تطبقه هيئة الإعلام والاتصالات لقطع لسان الفتنة الطائفية، وهذا الموقف المتردد بل المتخاذل ربما له أسباب وعلى مجلس هيئة الأمناء ورئيسه ان يبرر موقفه أمام الرأي العام العراقي .ليس جديدا الإشارة إلى إن حرية التعبير حق غير مطلق كما نصت عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكررتها المادة 19 أيضا من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي أعلنتها الأمم المتحدة في عقد الستينات وقد أكدت كما أكد الإعلان ان هذه الحريات مشروطة بالمادة 29 التي تؤمن التوازن وتضع حدودا لكي لا تتجاوز هذه الحريات على الأمن العام والمصالح العليا للدولة وان لا تثير الأحقاد وتشيع الكراهية والعنصرية والطائفية وان لا تتقاطع مع حريات الآخرين والمصالح العليا للدولة والمجتمع ، وانطلاقا واستنادا لكل المعايير التي تنظم الإعلام وحرية التعبير في الشرق والغرب للأنظمة الدكتاتورية أو الديمقراطية التي تجمع ما بين الحقوق والواجبات وما بين الرأي والرأي الآخر وتطلق الحريات شرط ان لا تنتهك سلامة الوطن وكرامة المواطن ولا تدعو للطائفية او العنف ، وهذه المعايير تلتزم بها وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية والهولندية والكندية وحتى البنغالية .
ولعل القاعدة الوحيدة التي تشذ وتنحرف عن هذا المسار هي مجموعة من وسائل الإعلام العراقية التي تقودها شخصيات لها ارتباطات سياسية مع جهات مشبوهة دولية وخليجية تدفع لها ملايين الدولارات لتدمير الشعب العراقي وفي مقدمتها قناة الشرقية وصاحبها سعد البزاز الذي أهدت له السعودية مؤخرا طائرة شخصية تمكنه من ملاحقة ومتابعة الخطط الدعائية لإثارة الفتنة في العراق وليس هناك من ينافسه في هذا المسعى سوى عون الخشلوك تاجر السكائر والمشروبات الروحية وصاحب البغدادية وما يرتبط به من أبواق دعائية وسماسرة تثير الفوضى ضد الحكومة العراقية ، وآخرون يشرفون على قناة الانبار والفلوجة وقناة الرافدين للمعتوه حارث الضاري وقناة بغداد الطائفية لصاحبها المجرم الهارب طارق الهاشمي وقنوات أخرى في نينوى وجميعها تمارس عملية التسميم والدس بإشراف وتدريب قناة الجزيرة التابعة لقاتل أبيه حمد آل ثاني رجل الشيخة موزة ، وآخرون لا تتسع هذه المقالة لذكرهم جميعا .
ولعل المتابع والقارئ الذكي يستطيع ان يميز نعيق الغربان في العديد من الصحف والفضائيات والإذاعات والمواقع الالكترونية وآخرين يمثلون دورهم عبر لقاءات صحفية وحوارات تهريجية يتزعمها نفايات وأيتام النظام السابق وشلل من الفاسدين يريدون ان يصوروا للناس بان العالم كله فاسد وليس وحدهم من اختلس أموال الدولة وتآمر على الشعب وسرق حتى بطاقته التموينية .
نعود للإشارة الى عجز هيئة الإعلام والاتصالات وهي المخولة بموجب القانون واستنادا للأمر 65 الذي شكل بموجبه بريمر عام 2004 هذه الهيئة وبانتظار تشريع القانون الخاص بها من البرلمان العراقي ، وهي الهيئة المستقلة الأولى التي يفترض فيها إن تمارس دورها الأخلاقي في حماية الشعب العراقي من الفضائيات ووسائل الإعلام التي خرقت قواعد وضوابط البث التي وضعتها الهيئة حيث تجاوزت هذه القنوات على كل الحدود المتعارف عليها في العالم لممارسة حرية التعبير وتحولت بسبق إصرار وترصد إلى وسائل سياسية لإثارة الفتنة الطائفية وتدمير المجتمع والدعوى للعنف ، وهي بذلك قد أسقطت شرعية وجودها وأصبحت بؤرا للأفاعي تنفث السموم والأحقاد .
يترقب المجتمع اليوم ان تنهض الهيئة بمسؤلياتها الأخلاقية ولا تتوقف بحدود توجيه التنبيهات والإنذارات والدعوة الخجولة لتهذيب الخطاب الدعائي لهذه القنوات التي أصبحت ناطقة بإسم القاعدة والطائفيين والبعثيين والعنصريين والانفصاليين ، فما الذي تنتظره هذه الهيئة لقطع السنة هذه الفضائيات المحرضة على العنف؟ ، هل تنتظر المعجزة أم تنتظر ان تصحوا الضمائر الميتة التي ارتضت لنفسها ان تبيع أخلاقيات المهنة بل تخون الوطن مقابل حفنة من الدولارات المغمسة بدماء الأبرياء العراقيين؟ .
إن الهيئة بمجلس امنائها ورئيسها تتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية أمام الشعب العراقي لتراخي مواقفها وضعف إجراءاتها في غلق هذه القنوات الطائفية ومطاردة المرتزقة الذين يحركون عجلتها من داخل العراق وخارجه .
firashamdani@yahoo.com
Mr. FIRAS G. AL-HAMADANI
WRITER & JOURNALIST
Baghdad - IRAQ