متى نكسر حاجز الصمت
عرفت بلاد الرافدين عبر تاريخها الطويل أمر أنواع الظلم، إنها قصة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستغلال القوي للضعيف، بالاعتداء والإكراه بسبب العرق آم الدين آم الفكر في حوادث تشكل في جمعيتها التاريخ ذاته، أوليس التاريخ هو سجل الحروب والكوارث؟ نعم إلى درجة كبيرة، ومع ذلك وضعت ثقافة حضارة بلاد الرافدين الخطوط العريضة وفقا لمعايير أخلاقية وقيم تضبط بها خيارها الارتقاء نحو الأفضل، وكلما نزعت هذه القيم نحو الجانب الإنساني، نزعت ثقافة الحضارة لمواكبة التطور والارتقاء والمحبة، وكلما نزعت هذه المعايير نحو التشدد أو الهمجية، نزعت ثقافة الحضارة إلى الفوضى والتقهقر.في هذه الأيام يشعر أحدنا كما لو أن البشرية لم تتقدم قيد شعرة منذ بداية وجودها على هذه الأرض والى يومنا هذا، وفي تقديري لم يبلغ التسلط وظلم الإنسان لأخيه الإنسان عبر التاريخ كله كما بلغ في زمننا هذا، ونحن نجد أنفسنا لا نبكي من أمر إلا وبكينا عليه بعد فترة قصيرة من الزمان، إذ أن الأسوأ عندما يحط الرحال يجعل السيئ مستحبا وجميل في عيوننا.
لم يكن العراق جنة قبل فجيعتنا في احتلاله ، ولم تكن حقوق الإنسان فيه على خير ما يرام، ولكننا اليوم نقف بنظرة الذهول لما يحدث عندما يصل الإنسان لدرجة غائرة من دنو الوازع الأخلاقي، فإذا سولت له نفسه انه يستطيع أن يرتكب ما يريد ارتكابه ثم ينفذ بجلده فهو يفعله بكل برود آيا كانت حيوانية و وحشية الجرم بخصوص المنطقة أو المدينة أو القرية أو دور العبادة أو أهاليها العراقيين، فأين هو العراقي في هذه البلبلة؟ بل وما هو العراق؟ هل هو وطن ؟ وما معنى الوطن الذي يحمله هذا أم هؤلاء؟ هل هو نفس المعنى الذي يحمله أهل تلك المدينة أو القرية؟ وما الذي لقوه من ذلك الوطن كي يكون له معنى عندهم!! أم هل هو نفس المعنى الذي نحمله نحن في بلاد الغربة تلك الصورة للوطن، هل ونحن وأهل تلك القرية أو المدينة نفهم كلمة الوطن بنفس المعنى؟ دعوني أحدثكم قليلا عن هذا الفرق الذي هو بيننا وبين من سبقونا في التاريخ البعيد والقريب، مثل هذه المجازر العرقية والمذهبية كانت تحدث بشكل وأخر في عهودنا القديمة ولا تهز لها شعرة شخص لمن لا يعنيه الأمر ولا يمسه، بمعنى انه بعيد عن منطقة المصائب ولكنا اليوم نتأثر ونسعى للتأثير بما يحدث وعلى ما يحدث بعيدا عنا لأهل وطننا بكل أطيافهم، هل لأنهم عراقيون؟ لا أريد الانكفاء على هذه القيمة كثيرا فهي قيمة خاوية أفرغت محتواها في هذا العصر، ولكن لأنهم ولأننا بشر، والبشر بالأم البشر يحس أو هكذا يفترض به.
أما نحن مسيحيي العراق " كلدان وأشوريين وسريان " سكان هذه البلاد الأصليين، هل مشاكلنا تنتهي هذه إذا توقف القتل والخطف والاغتصاب والتشريد في عراقنا؟ وهل كنا على خير مايرام قبل ذلك؟ فالتطرف العرقي والديني والمذهبي حتى في الدوائر الرسمية يشكل تهديدا متزايدا في العراق، وما هو الحل إذن؟ وما هي إمكانياتنا الحقيقية في مؤازرة شعبنا؟ والى أي مدى نستخدم ما عندنا من إمكانيات؟ وهل نحن نتكلم أكثر مما نفعل؟ وما الذي يمنع أن يكون الكلام فعلا في مستوى من المستويات؟ وما هو المعيار في هذا وذاك؟ ما يحدث في العراق ألان انه تطهير عرقي وديني جار على قدم وساق في إجبار وتهجير السكان الأصليين من " الكلدان والسريان والأشوريين " المسيحيين على مغادرة مناطق سكناهم، والحكومة لم تسعى بصورة جادة لحل متناقضات الواقع المأزوم. إن الأعمال الاقصائية العرقية والدينية بشعة بالبديهة والفطرة، ولكن ما بال أقوام ينبذونها في منحى ويدعمونها في منحى، أم إن القضية تستحق مسمى مختلفا عن التطهير العرقي والديني؟ إذا فأي من التطهير هو؟ وما الهدف الذي يجنيه صاحبه من ورائه؟ ومتى نستطيع أن نكسر حاجز الصمت؟ وكيف الكر والتقدم للأمام دون رومانسية أو خداع النفس؟ وهل ترى سيكون يسيرا؟ أم يتحول لحاجز يقف أمامنا مدى الحياة؟ فتموت معه كلمة الحق والعدالة والمساواة. لقد ثبت إن الصوت طاقة لا تتبدد ولا تفنى، وقد لا يقع في الاذن المناسبة في الزمان المناسب، ولكن لكل صوت اذن تلتقطه وله زمان، والزمان زمانكم، تعالوا جميعا مثقفين وسياسيين ورجال دين وكل من موقعه إلى أن نكسر حاجز الخوف وحاجز الصمت، لنا الحق في الاحتجاج وإثارة موضوع شعبنا المسيحي العراقي " كلدان وسريان وأشوريين " مما يعانوه إعلاميا وسياسيا على كافة المستويات، وأمام المؤسسات الحقوقية وفي المحافل والأوساط الدولية لما نص عليه القانون الإنساني الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.