مثقفوا شعبنا و متعة بطاقات السفر المدفوعة ؟
عودة متأنيّه قليلا في التاريخ الحديث ضمن جولة سريعه في ثنايا أكثر من نصف قرن مضى من تاريخ شعبنا (الكلدواشوريالسرياني) في العراق و بقراءة جيوبوليتيكيه وسوسيولوجيه معتدله للدور ألذي مارسته أطياف من أبناء شعبنا في مختلف المراحل , والمكان المتميّز ألذي تبوأته مجموعات متفاوته من النخبة المثقفة في الحركة الوطنيه والقومية من تاريخ العراق الحديث منذ بدايات القرن الماضي بعد تشكيل الدولة العراقية ولحد الأن, و اّلاف التضحيات ألتي قدمتها تلك النخب كدليل لمساهماتها المخلصة في فعالياتها على طريق تحقيق تطلّعات وطموحات الشعب العراقي عموما,سنخرج من هذه الجولة بنتائج مشرّفه في معانيها و في مصداقية إنتمائها للأرض و الوطن .لكن ومن أجل التعرّف على بعض ما ينتاب قسم من مثقفي شعبنا اليوم , لا بد لنا أن نقارن تلك المزايا ألتي تميّز بها أبناء شعبنا ونخبه سابقا في مواقفها وممارساتها مع الأخرى التي نعايشها اليوم, ربمّا نتائج هذه المقارنه سوف لن تسّر أو تريح حتى الغرباء عن واقعنا . كما وأن أسباب وصف حالنا اليوم بهذه السلبيه هي ليست مجرد إنعكاس لحالة شخصية يسودها شعور تشاؤمي خاص بها,وإنّما هي حقائق ستتجلّى معالمها أمامنا تلقائيا لمجرد قيامنا بإجراء مقارنة بيانيه ما بين الذي كنّا فيه سابقا وبين واقعنا الحاضر ونحن ذلك الجزء الحيوي من الكيان العراقي وخارطته السياسيه على مدى عقود الى حد ما بعد المتغيرات التي طرأت متتابعة لحد يومنا هذا الذي شهدنا فيه زوال أحد قلاع التجبّر و الطغيان كما عهدناه متمثلا في فترة نظام الحكم الصدامي.
لو تحدثنا إبتداءّ عن تعدادنا السكاني المتبقي اليوم في العراق, إنه حتما سيشكل الجزء الصارخ من صورة الحقيقة المخيّبه, كما لو تكلمّنا عن مؤسساتنا الدينيه و حجم دورها في مهمّة بناء جسور تواصل الأحبّة فيما بين اهلنا في الخارج والداخل, لرأينا بأن الذي يجري من ممارسات في كنائسنا خارج الوطن وطرق تعاطي رجالاتها مع جمهرة رعاياها ودورها السلبي الواضح في عكس ثقل شعبها السياسي في أرض أجدادنا هو عامل مضاف أخر إلى الصورة المعتمه التي نراها.
ما أوردناه يكفي أن يعطينا ملامح صورة قاتمة تنعكس في اليأس المتولّد في قلوبنا جميعا,أما الحديث عن مستوى حضورنا السياسي في الساحة العمليه, ففيه من العيوب والترّهلات ما يجعلنا نتحسّر فعلا كلّما نظرنا إلى ما فعلته وحققته الكيانات السياسية الأخرى المراوغة بينما لا زلنا نحن في مؤخرّة الركب غير مدركين للمطلوب منا فعله و عاجزون عن تحكيم عقولنا في عملية إختيار المسلك الصحيح من أجل مواكبة المسيره عموما, ممّا يتمخض عنه حالات من التخبط والتقمص برداء المعرفة الذي يستجدون فيه تحقيق سمة التعالي على الأخرين.
ولو عدنا بهمومنا في أمنية تحقيق تغيير واقعنا المؤلم بالإعتماد على جهود مثقفينا الذين يعيش أغلبهم خارج الوطن , فهم في حالة إنقسام مستمر فيما بينهم بدلا من أن يكونوا بمثابة حلقات مترابطة تشكل سلسلة منتظمه في تواصلها , حيث يتبيّن لنا بشكل واضح بين الفينة والأخرى _بناء لمصالحها الشخصيه_ إنفراد مجموعة منشطرة عن أختها لتتهافت مسرعة بغية مغادرة بيتها الذي يفترض ان يكون ذاته في مأواها.
نعم لم يعد لدى القسم من مثقفي شعبنا صعب أن تنبهر منجرفة وراء الإغراءات المعروضه وهكذا الإنخداع ببعض الشعارات البراقه التي سيتم تذيلها بتواقيع اسماء( مثقفين ونخبويين مستقلين ) كما يوسمون أنفسهم بها, يدعّون السعي من خلالها إلى خدمة ومساندة شعبهم في وحدته وتحقيق مطاليبه لا أكثر!! , ولكن حين البحث عن ماهيّة المسوّغات الشرعيه ألتي تخوّلهم وتورطّهم في القيام بمهام صعبة ومعقده مثل التي يزجون أنفسهم فيها, ترانا لا نلمس أية دلائل منطقيه تؤكد قدرتهم على الإلتزام الحقيقي والمخلص في إنجاز ما يزعمون تحقيقه , ربمّا تبدو هذه المهام في نظرهم سهلة لأنهم ليسوا ممّن يمتلك الخبره السياسية التي تسعفه في فهم الأمور على حقيقتها أو في تحمّل مسؤوليات تبعاتها ,لأنهم وبكل بساطة بعيدون جغرافيا وعلى مدى سنوات عديده إن لم نقل عقود عن الواقع المرير الذي يتأزم ويتألم فيه ابناء شعبنا جراء الألاعيب التي تحاك ضده خفية , مثلما يقول المثل (الذي يده بالنار ليست مثل الذي يده بالثلج) او كما يقول المثل الأخر (لا يحك جلدك إلا ظفرك).
من كل ما ذكرناه,والحديث عن مثقفينا , إنني أرى نفسي ألتي كانت تود وتقدّر بمحبة فائقه كل أبناء شعبنا وبالأخص مثقفينا الذين يعول عليهم دائما في كشف الحقائق وإيجاد المخارج السليمه لكل معضلة تحل فينا , نستنتج اليوم لنرى بأن البعض من الذين وسموا أنفسهم مثقفين, وفيهم من نكنّ لهم كل الإحترام كما أسلفت , لمجرد أن يتم عرض تذكرة سفر مجانية (( أستوكهولم/اربيل _أربيل/أستوكهولم )) عليه وعلى حساب الجهة التي تموّل المؤتمر , يتهافت على قبول وتقبيل التذكره وكأنها صك الغفران , من دون أن يجهد نفسه بالسؤال عن سبب ذهابه وعن الأهداف المرسومة المعلن وغير المعلن منها لهذا المؤتمر المنعقد في أربيل , و لا عن مشروعية الأسس السياسيه المعتمده وأجواء عقد هكذا مؤتمرات.
لقد غدت ومع الأسف , أمنية قضاء عدة أسابيع في أربيل ببطاقة سفر مدفوعة مقدما هي السبب الكافي لمثقفنا كي يضاف إسمه الى قائمة الحاضرين في المؤتمر دون أي إشاره تدلل على أنه سيكون له دورا سياسيا حقيقيا في تحقيق ما يستوجب تحقيقه من أجل خدمة شعبنا , اما ما سيتمخض عن ذلك المؤتمر, (( فمثقفنا)) السائح , الحاضر بجسمه والمغيب بأفكاره سوف يكون كمن هو إسمه في الحصاد لكن منجله مكسور, وستنتهي مهمته بإنتهاء المؤتمر ولا أبالغ لو قلت بانه سوف لن يكون مسموحا له متابعة تنفيذ اي شيئ يصدر عن المؤتمر ولا حتى الإعتراض على أية نقطة لو رأها غريبة,ربما سينتقدني البعض في مأخذي هذا, لكن الرسالة يمكن قراءة غالبية مضمونها من عنوانها دون التعنّي في قراءة أسطرها , اي أن مثقفنا قد أصبح مع الأسف, وسيلة سهله وأعذروني لو قلت بأنها قاربت الرخص في إندفاعها المستميت لتحقيق غاية الأخر والتي هي أكبر من حجمه بكثير, و سنرى كيف أنّ الباقي من الأمور المهمّة والحسّاسة سيبقى متروك لمن سيدير النتائج لاحقا في إعلان أعداد الحاضرين ومصاريف بطاقاتهم وتكاليف المؤتمر وهكذا صياغة البيانات البراقة التي ستضاهي بالتاكيد قدر و حجم المصاريف التي خصصت لذلك المؤتمر