Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مجالس المحافظات ومهمة التصحيح

يعتقد اغلب الناس خصوصا في الدول الشرق أوسطية إن عملية قيادة الدولة تتم عن طريق الحكومة المركزية ممثلة برئيس الوزراء أو رئيس الدولة او الحاكم العسكري او الملك فقط ولا علاقة لأي جهة أخرى بقدر اختصاص المركز بذلك، وهذا تصور غير دقيق إن لم يكن خاطئا أصلا.

فالبلدان المتطورة والمتقدمة سياسيا،اجتماعيا واقتصاديا وقبل ذلك ديمقراطيا، لم تكن لتنهض لولا تكاتف وتعاشق الجزئين الرئيسين وتناغمهما معا في طبيعة العمل والسياسات، وهما:

1- الحكومات المحلية في المحافظات أو الولايات و المقاطعات.

2- الحكومة المركزية الاتحادية.

التغيير في العراق الذي أنتجته الانتخابات الأخيرة للمجالس المحلية احدث طفرة نوعية في المعادلة السياسية، خصوصا بعد تقدم أحزاب وكيانات لم تشترك في العلمية السياسية مسبقا وتشكيل ائتلافات بصيغ جديدة، مما أضاف بصمات هامة في مشروع التحول السياسي وثقافة التعدد، وهذا ما سينعكس إيجابا على أداء تلك المجالس، وعلى تشكيل التحالفات الجديدة التي بدت برسالة ايجابية من شخصيات مهمة في الساحة العراقية تمثلت (بطلب نسيان تراكمات الماضي وفتح صفحة جديدة) وهي خطوة تنم عن وعي سياسي كبير فيما لو طبقت فعلا.

هذا التقارب بين اغلب الكتل هو بداية البناء الصحيح للبلد عموما ولمصلحة المواطن خصوصا وهو يشير الى نفس جديد في ثقافة التفاعل بين الحكومات المحلية والمركز.

أما طبيعة التعاون الذي سيكون محل اهتمام واسع بين الحكومتين الاتحادية والمحلية، فسيترجم بنوعين:

1- دعم معنوي مهم ستقدمه حكومة المركز للمجالس المحلية، مترجم على ارض الواقع بعلاقة هادئة وطيبة، يكون التنسيق فيها على أعلى المستويات كون اكبر الكتل الفائزة تنتمي الى كيان سياسي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي السيد المالكي.

2- يقابله تماشي وتواصل مستمر من المجالس المحلية لسياسية المركز العامة، والعمل على تطوير المحافظات بطريقة (اللامركزية المنظمة).

هذا السياق من التعامل يمثل مرحلة متقدمة في التنظيم الإداري والسياسي في العراق، وينبأ بتناغم الأجزاء المختلفة للدولة وفق النظم الدستورية الجديدة حيث يشير الإمام السيد محمد الشيرازي في هذا المجال ضمن سلسلة (أفكار) العدد الخاص بنظام الحكم في الإسلام، الى ذلك بقوله: (أن نقل السلطات إلى مجالس محلية، ومنح المحافظين كافة السلطات والمسؤوليات.....، واختيار المحافظين من أبناء المحافظات، أو ما أشبه من الوحدات الإدارية أو الحكومات المحلية، هو تطبيق عملي للاستشارية بمفهومها الشامل لما في ذلك النظام من توافر للمبادئ التي تكفل له أعلى درجة من الاستشارية التي تستمد السلطة في صنع القرار من أبناء الشعب مباشرة بالمحافظات......).

انتخابات مجالس المحافظات والتي جرت يوم 31/1/2009 سارت بسلاسة جيدة (رغم بعض الأخطاء المهمة) والتي يرى الكثيرون أنها ستنطوي على تغيرات مؤثرة في آلية وأسلوب التعامل مع نتائجها وفق المعطيات الجديدة.

أهمية المجالس القادمة لا تكمن فقط في تصحيح وتلافي الأخطاء الكبيرة التي أنتجتها المجالس السابقة و النهوض بالخدمات اليومية والإدارية، إلا إنها قد تمتد الى ابعد من ذلك بترتيبها الخطوط الرئيسية للتحالفات السياسية لمرحلة البرلمان القادم بحيث ستشكل الحالة السياسية العراقية برمتها وتهيئ الأرضية لإصطفافات جديدة، من جانب آخر ستكون هذه المجالس في ساحة اختبار نيابة عن كتلها للانتخابات التشريعية المقبلة،فيما لو كان أداؤها جيدا وخلاف ذلك سيكون العكس أكيدا.

العقبات التي كانت تواجه المجالس قد أزيل اغلبها وخصوصا بعد إقرار قانون خاص بها مصوت عليه من قبل البرلمان يحدد صلاحياتها ويساهم في رسم خطط عملها، وفي حقيقة الأمر فان الأهم من ذلك هو الارتياح الكبير الذي تشعر به الحكومة المركزية من كون اغلب النتائج التي جاءت بها الانتخابات المحلية تصب في ساحة تقوية الحكومة المركزية كون الكتلة الفائزة الأولى في اغلب المحافظات ولاسيما الجنوبية والوسط هي كتلة(ائتلاف دولة القانون) التي يرأسها نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، والذي ما فتئ أن دخل بمشاكل كثيرة مع المجالس المحلية السابقة والتي لم تكن (وفق رؤية المركز) تتبع صيغ نظامية بالتعامل مع أسلوب النظام الاتحادي بل كانت ترتبط بأسسها الحزبية أكثر منها خضوعا لتوجيهات المركز، وهذا بمجمله يشكل مناخا مناسبا لانطلاق المجالس الحالية بروحية وعقلية جديدة.

التغيير المنشود الذي يترقبه الجميع في المجالس المحلية لا يكمن في استبدال الشخوص فقط وإنما يتمثل بتغيير النهج والخطاب والرؤية، والفرصة متاحة بشكل كبير لذلك بأخذ المجالس دورها الحقيقي في خدمة مهمة وفعالة للنهوض بواقع المحافظات المزري، بعيدا عن المشاكسات السياسية والاصطفاف الحزبي.

ومن هنا يمكن ان نجمل بعض ما هو مناسب من خطوات للبدء به في المرحلة الجديدة:

آ- وضع نظام داخلي لكل مجلس محافظة بعد المباشرة بمهامه ويُطلع المجلس أعضاء مجلس النواب في المحافظة والقادة السياسيين والاختصاصيين من أصحاب الكفاءة ومراكز الدراسات، على هذا النظام والذي قد يختلف من محافظة إلى أخرى وحسب احتياج وطبيعة المحافظة، وان يتعهد المجلس بالالتزام بما ورد فيه حال حصول الموافقة عليه.

ب- يقدم المجلس والأعضاء خططهم المستقبلية تحريراً لما يصبون القيام به ويتم مراجعة ذلك بين الفينة والأخرى من قبل لجنة مستقلة مشكلة (من نفس الأعضاء او من منظمات مجتمع مدني) لهذا الغرض، تقيم عمل الأعضاء منفرداً والمجلس سوية، وتقدم التوصيات اللازمة بما تراه مناسباً.

ج- يقدم المجلس بعد فترة لا تتجاوز الشهر من بدء عمله تقريرا مفصلا عن الوضع الإداري والخدمي للمحافظة وبيان نقاط الضعف والقوة في دوائر المحافظة.

د- إنشاء لجان للاستماع الى الشكاوي تعمل على مدار الأسبوع وتطلب من جميع الدوائر إيفاد مندوبين ممثلين عنها لحضور الجلسات ووضع خطة خاصة بكيفية جدولة ذلك بين دوائر الدولة خلال أسبوع.

هـ- متابعة النتائج التي تفرزها اللجان التحقيقية وإعلانها إمام الملأ لما له من أهمية في ردع المسيئين والمتجاوزين وعدم الرضوخ للمجاملات والمساومات على حساب الحق العام.

و- تشجيع العمل الجماعي الميداني والإشراف على ذلك بمساهمة الأعضاء مع بعض الدوائر الخدمية في المعايشة اليومية (المسؤولية من موقع أدنى) والاستماع ومعايشة ما يعانيه البعض من الموظفين البسطاء من الاستغلال من قبل المتنفذين في بعض دوائر الدولة.

ز- التواصل الميداني مع القاعدة الشعبية وبفترات متقاربة والوصول الى المواطن في ابعد نقطة من المحافظة والاستماع لهمومه واحتياجاته.

ح- تشكيل لجان للتدقيق في عمل الدوائر الخدمية وتقييم عمل مسئوليها وموظفيها وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تواجهها سواء بالتصدي المباشر او المساعدة في إيصال متطلباتها لحكومة المركز.

ط- الاهتمام الجدي والواسع بحقوق الإنسان وتشكيل لجنة فعالة بهذا الاتجاه تأخذ على عاتقها متابعة ومحاسبة المتجاوزين على هذه الحقوق وأشاعتها كثقافة عامة.

المواطن العراقي في جميع المحافظات مازال في حالة ترقب حذر لما ستقدمه له المجالس الحالية كونها الحالة التي دافع عنها السياسيون بقوة واعتبروها علامة ومنعطف كبير لبداية التغير في سياسية التوافقات الى سياسية الكفاءات والخدمات،وكانت الوعود تنصب وتراهن على نجاحها وتعتبره بداية النجاح الفعلي، فيما رسم البعض الآخر بداية الديمقراطية الحقيقة في الانتخابات الأخيرة لابتعادها عن المد الطائفي والعصبي نوعا ما، لذلك فان فشل هذه التجربة والمرحلة قد يشكل صدمة كبيرة لا تحمد عقباها على جميع الأصعدة وهذا ما لا نتمناه بطبيعة الحال.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com




Opinions