Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مدننا الآمنة مستعدة لترجمة الأرقام إلى إنجازات

منذ بداية هذا العام سمعنا الكثير عن الموازنة العامة للبلد والتي لم تسبقها أية موازنة أخرى منذ عقود خلت في ضخامة أرقامها وتوجهها قدر الإمكان إلى المحافظات القادرة على صرف مخصصاتها المالية في بناء المشاريع الخدمية ومد شبكات الخدمات الأساسية إلى كل مكان ورغم كون الحديث عن هذه الأمور ليس جديدا لأنه سبق وأن صرح مسؤلين كبار عن انطلاق حملات الأعمار خصوصا في بعض المناطق الآمنة المستعدة لهضم الأرقام المالية العالية بكل جدارة ولكن مع الأسف كل تلك التصريحات ترافقت بوقف التنفيذ إذ إلى حد هذا اليوم ليس كل ما سمعناه من أرقام سوى مجرد كلام ولم نلمس شيئا منه على ارض الواقع .
صحيح أن عملية التنمية مهمة جدا ولا يمكن أن تتجاهل ظروف المجتمع المحيط بأي مشروع تقدم عليه الحكومة ولكن مخصصات التنمية تكاد تكون شبه متساوية بين مختلف مناطق القطر وإذا تجاهلنا توقف تنفيذ عملية الأعمار في بعض المناطق الساخنة والتي تشهد أعمال عنف مما يجعل مبررات تأخر مشاريع الأعمار فيها مقبولة لأن المناخ الأمني غير ملائم ستظهر أمام الملاحظ مقارنة من نوع أخر بين مناطق أمنة تشهد أعمارا مكثفا وحركة نشيطة مستندة في ذلك على حصتها من التمويل ومناطق أخرى لا تقل عنها أمنا واستقرارا وأيضا لها حصة ثابتة في تمويل التنمية ولكنها لم تشهد أية عملية تنموية أو أعمار اقتصادي شامل حتى في أدنى التفاصيل وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي تقف وراء تجاهل الساسة لتلك المناطق وحجب الأموال عنها . هل يفتقرون إلى دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع التي من المزمع تنفيذها ؟ أم أن وزارة التخطيط لم تحدد الأولوية في تنفيذ المشاريع التنموية ؟ أو قد يكون السبب سياسيا . كأن يكون حول قرار حاسم يحدد مصير تلك المناطق ؟ وعلى سبيل المثال وليس الحصر لو أقمنا مقارنة بين حركة الأعمار والتنمية التي تشهدها مدن كردستان الحبيبة وبين ما يحصل على مسافة عشرات الكيلو مترات منها يخال للمراقب كأنه أنتقل بين نظامين أو دولتين أو عالمين متناقضين بالرغم من وجود الكثير من البقع الآمنة الشاسعة جدا لا تقل أمنا واستقرارا عن مناطق الإقليم ولكنها وضعت في قائمة انتظار الحياة إلى اجل غير مسمى .
أن الأرقام التي تضمنتها الموازنة التي خطط لها ساستنا وناقشوها واقروها في الكثير من مؤسسات السلطة هي فعلا الموازنة التي لطالما انتظرتها مدن كثيرة منتشرة في العراق وتؤكد الحقائق فيها بأنها فعلا مدن ومناطق أمنة قادرة على ترجمة الأرقام الواردة في موازنة عام (( 2007 )) إلى خطوات أولى في إنجازات ربما لن تنتهي ألا بعد سنة أو عقد ولكنها ستبعث الحياة في اقتصاد تلك المدن وتشجع سكانها على العطاء خصوصا وأنها تشكو كثيرا من نقص حاد في أسباب الحياة ومتطلبات العيش الرغيد ولا يوجد في الكثير منها فرصة استثمارية فاشلة أو خاملة بل يوجد نقص وحاجة ملحة إلى البناء في كل مجال وإلى الاستثمار في كل قطاع بدءا من الخدمات مرورا بالعقارات وأنتهاءا بالترفيه والرياضة أو حتى التشجير لأن أكثرها محاط بمناطق شبه صحراوية مفتقرة في ذلك إلى حزام أخضر ولم يغرس في ساحاتها العامة شجرة واحدة منذ عقود بل حتى القائم من الحدائق فيها تطاول عليه كل من هب ودب .
ليس المطلوب صرف وبذخ دون الارتكاز على أساس أو دراسة اقتصادية شاملة وملمة بعملية الصرف أو جلب أنماط من السلع التنموية لا تتناسب مطلقا مع الحالة العامة للبلد ودرجة الوعي السائدة فيه إذ لم تقاوم منصات انتظار الركاب (( الزجاجية )) في نقاط وقوف الحافلات سوى بضعة أيام وتحولت إلى أكوام من الزجاج المكسور بعد أن أصبحت نقاط لتسلية الأطفال بلعبة رمي الحجر أو وقعت في مرمى الأطلاقات النارية وما أكثرها في شوارعنا اليوم ولا يمكن أن يترك المواطن بعيدا عن عملية التنمية بل يجب أشراكه في بناءها والحفاظ عليها والمساهمة في تغطية تكاليفها من خلال فرض رسوم على كل استخدام لكي يحترم المستفيد مصدر منفعته الجديدة وكلفتها سواء من شبكة الصرف الصحي أو طريق جديد فتح للتو أو ساحة عامة ألبست حلة خضراء أو لتر ماء واحد نقي يصل إلى منزله حتى لو كان بكلفة زهيدة فهو فعليا يكلف الدولة أكثر مما ندفع بكثير .
ويبقى المهم أننا نبرهن اليوم للمسؤولين بأن أيامنا مهمة وبان طاقاتنا متاحة أمام كل من يرغب في استغلالها لخدمة البلد ومدننا الآمنة مفتوحة وترحب بأية عمليات أعمار أو حتى بالاستثمارات الخارجية أن وجدت واغلب أبنائها مستعدون للتعاون مع من يعمل أو يقدم سواء كان أجنبيا أو عراقيا .
المهم أن نبصر شيئا يستحق الثناء عليه وصروحا وإنجازات يكتب عنها في التاريخ بأنها جاءت من تخصيصات الموازنة الهائلة التي أقرتها الحكومة العراقية في ذلك العام . عصام سليمان - تلكيف Opinions