مدينة الله
ها نحن نقف على تلة المشهد الغائب، وعلى مشارف المغيب، ونطل على مدينة الله من خطو نظرة لنرى أسئلة تذوب في جرن ملتهب من سُعال طفحت بها الحناجر التي هتفت فأشفقت عليها الأيام من أزمنة قلّبت بها الصفحات وصارت نسيا منسيا.على مرمى كلمات تفرش الطريق بأشواقٍ واهمةٍ ترصفها بأحلام لا تحمل غير أضغاثها... نطل على مدينة الله التي لم تجزل لها الأعطيات الكاذبة ولا الوعود المسلوقة بلعاب الخطاب المكرور على مسارح الأمسيات التائهة بالتصفيق والهتافات المائسة بأضواء تطيح بالمارق نحو الحكاية على وجهه ليرى دمعة هرمة ما زالت تكبر.
نطل على مدينة الله... ونراها بزهو حزنها وبأثير طعمه وما زالت تنتظر ما حطه سيل القمم ولم تُخرج لها ما كان في جيوبهم من أمنيات وأغنيات ونشيد مكرور أُتعبنا من سامعه ومن كسل اللحن الذي بتنا نهرب منه تماما كإشارة الأخبار الكاذبة والمكسوة بعسل لا تعرف النحلة عنه شيئا ولم تذْكُره في مشاوير حدائقها.
وها نحن نطل على مدينة الله نودعها بحسرة وألم ومرارة، ونودع عامها بما تيسر من أمل على بقاء ربما ينشر غيمة ذات عام أو أعوام لتمطره على سنواتها العجاف لتورق الآمال وتنضج الأمنيات من جديد ونعيد الكلام على حبر الكلام ... والكلام أصبح كخرقة بالية وكطبيخ عجوز منسي في خزانتها العجوز.. والتبريد للصحن لم يكن أكثر من وضع عصب الأمنيات هناك، والعجوز التي لم تهنأ بما سكبته جاراتها من قطران على رسغها كي تتثاقل بالموت البطيء ... الموت الذي شاخ وهرم على جبالها وصار صخرة تدق الحياة لتبقى الحياة في نسغ القلب وفي جذر زيتونها السيّال بروح البقاء.
نطل على مدينة الله والتلة في مشهدها تحمل شمسها التي تغيب كلما لاحت على قبتها، واخضرار المسجد لم يمنح المتمتع بكأس الشاي المختمر والمُحمرّ بفعل الخجل إن كان...أوإن كان يذكرونه!، وتحانين الأجراس تلوذ بصمتها تنام في شق السور البديع الذي تهال عليه أحمال بطش ونهم جشع من غريب أقام ما أقامت هي في حسرتها أو تكاد أنْ تتأبد بها.
نطل على مدينة الله ويتساءَل ... من لك.. وأنت تكتب والكلام نهر دم الزيتون السياّل... طافح في مجرى الألم المقيم في جذر ما زال يلوّح بالغربة وما زال يصرخ بالغريب والشقيق يلهو على موائد الكلام ومازال يعدّ النشيد القاسي المرّ والخطاب الناري واللحن...و كل هذا سوف يعيد زمان القدس بكامل بهائه..!!