مرة أخرى حول الحكم الذاتي للشعب الكلدي الأشوري السرياني !
كنت أتوقع ردود فعل بعض الأخوة الكرام على رؤيتي وموقفي من قضية الشعار المطروح منذ العام 2007 والخاص بغقامة الحكم الذاتي لمناطق الشعب الكلداني الآشوري السرياني. وليس في ذلك ضير. فالرأي والرأي الآخر مطلوب لتأمين الرؤية الواقعية لما نعالجه من مشكلات. والاختلاف في الرأي يفترض أن لا يضيع للود قضية. فإلى جانب التعليقات التي كتبت بشأن الموضوع وصلتني رسالة من صديق عزيز يؤكد نفس الآراء التي وردت في تعليقات العديد من الأخوة أو مقالاتهم , ومنهم السيد أنطوان دنخا من شيكاغو , كما تحدثت عبر الهاتف مطولاً حول الموضوع مع بعض الأصدقاء.من أطلع على افكاري ومواقفي السياسية يعرف تمام المعرفة موقفي من حق الشعوب في تقرير مصيرها. ولم يكن موقفي عبثياً حين وقفت على جانب الحكم الذاتي للشعب الكردي ومن ثم إلى جانب الفيدرالية الكردستانية , وقد قاتلت مع غيري في سبيل ذلك. فحق الشعوب في تقرير مصيرها مسألة ثابتة ولا تحتاج إلى نقاش. ومن حق أي جماعة بشرية أينما كانت أن تطالب بما تشاء ولن اقف بوجهها. ولكن ماذا تعني المطالبة بالحكم الذاتي , ومدا واقعية تحقيق مثل هذا الشعار لا في ظل العراق الراهن , بل وفي المستقبل غير البعيد أيضاً؟
يبدو أن البعض يخلط بين موقف المبدئي من حق تقرير المصير وبين موقفي السياسي الذي يرتبط بتحليل واقع العراق وظروفه الملموسة وما يفترض ان يبنى على ذلك من مواقف واهداف وشعارات, ومثل هذا الخلط وقع فيه الكثيرون من الأحبة لأنهم فوجئوا بموقفي, في حين أن الأصدقاء يعرفون هذا الموقف.
بعض الأخوة الكرام لم ينتبهوا إلى رأيي وموقفي الصريح والواضح من فيدرالية الجنوب التي وقفت ضدها ايضاً, رغم جملة من الأصدقاء الذين دعوا إلى أكثر من سبع فيدراليات في العراق, لأني كنت ولا زلت مقتنعاً بأنها سوف لن تكون في صالح الشعب العراقي وستزيد الأمور تعقيداً, إذ أنها لن تكون سوى فيدرالية طائفية مقيتة تساهم في زعزعة الأوضاع في العراق وتنشط التدخل الإيراني المباشر في الشأن العراقي, ولكني دعوت إلى إقامة فيدرالية رافدينية في الوسط والجنوب , وبالتالي يتكون العراق من فيدراليتين وحكومتين إقليميتين وحكومة اتحادية , كما يمكن أن ينشأ مجلس نيابي على أساس المواطنة ومجلس اتحادي على أسس قومية.
لا بد لي من الإشارة إلى أن الأخوة الذين يقطنون في الخارج مثلي لا يريد البعض منهم أن يدرك حقيقة الوضع في العراق ولا حقيقة الصراع عليه محلياً وإقلميا ودولياً , ولا يريد هذا البعض أن يدرك وجود مؤامرة حقيقية لتهجير كل مسيحيي العراق إلى خارج العراق, تماماً كما حصل للمواطنات والمواطنين اليهود في العراق والذين بلغ عددهم في العام 1946/1947 وقبل التهجير الجماعي بحدود 150 ألف نسمة. ولم يبق منهم في العراق في الوقت الحاضر نفر واحد. وقد سجلت هذا في كتابي الموسوم "محنة يهود العراق الذي صدر عن مؤسسة حمدي للطباعة والنشر في السليمانية في العام 2006.
جماعات محلية في العراق تعمل ليل نهار وبشكل دءوب ومنظم لتهجير المسيحيين, كل المسيحيين بدون استثناء. إيران وبعض الدول العربية تسعى إلى ذلك أيضاً وبقوة متعاظمة وإصرار عجيب. قوى القاعدة وقوى إسلامية سياسية شيعية وسنية متطرفة تعمل من أجل هذا أيضاً. والتسيق بين الداخل والخارج قائم على قدم وساق وباتجاهات وتحالفات مختلفة. وفي دول الاتحاد الأوروبي يجري السعي الحثيث لقبول المزيد من اللاجئين المسيحيين, بل يتخذ هذا الاتجاه أبعاداً جديدة وخطيرة, وهناك مواقع في دول معينة توظف أموالاً طائلة لتنشيط هذا التوجه. ولولا الخشية من أتهام أوروبا بالتحيز للمسيحيين لقبلت عدداً أكبر من المسيحيين المهاجرين من العراق أو حتى لحصرت القبول بهم فقط. وأتحدث عن هذا الموقف بدراية تامة وليس من باب الاعتقاد أو التصور. وقبل سفري إلى العراق بقليل تحدثت مع الكنيسة الكاثوليكية في برلين وفي ندوة مفتوحة كيف أنهم بسياساتهم الراهنة يشجعون التآمر, سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه, على تهجير المسيحيين من العراق. وهكذا هو الأمر مع الصابئة المندائيين.
هذه الحقيقة, سواء رغب البعض بإدراكها أم لم يرغب, فأنها حقيقة قائمة وستأخذ ابعاداً جديدة, ومن المؤسف حقاً أن أتحدث عن هذا والألم يحز في قلبي لأني أدرك ماذا يجري وماذا يراد أن يحصل في قادم السنين.
ولكن المندفعين من قوميي الشعب الكلدني الآشوري السرياني المتعصبين لا يريدون سماع ذلك فهم لا يسمعون إلا صوتهم ولا يريدون سماع الصوت الآخر الذي يحذرهم من مغبة ما يمكن أن يحصل ويحاول تجنب الوقوع في مطب يزيد من آلام الجميع.
أقدر بوضوح كفاءة الأستاذ جورج منصور واقدر دوره المتميز في قناة عشتار الذي أسس لها ووضع برامجها الأساسية وأدارها بحيوية واستقلالية فائقة وأرساها على اسس سليمة. ويمكن لأي متتبع لقناة عشتار الفضائية أن يلاحظ الفرق الشاسع بين ما كانت عليه القناة حين كان مديرها العام السيد جورج منصور, وبين ما آلت إليه بعد أخراجه منها. لا أختلف في ذلك مع من اشار إلى إمكانيات وكفاءات الأستاذ منصور لأني أعرفه حق المعرفة.
النظم السياسية والإدراية ليست غاية بذاتها, بل هي أداة لتحقيق المهمات وتحقيق الأهداف. والإدارة المحلية للمدن والمناطق التي يعيش في ظلها المسيحيون أو الشعب الكلداني الآشوري السرياني هي الضمانة الفعلية لتأمين حقوقهم القومية والإدارية والثقافية, وهي أفضل بكثير من اي حكم ذاتي حالياً يتوارى خلف الإقليم أو العراق. ولن أبوح بسر حين اقول بأن قيام حكم ذاتي في الإقليم سوف لن تدمج به المناطق المقامة في القسم العربي من العراق.
لم أطلع على تصريحات قادة إقليم كُردستان حول موضوع الحكم الذاتي للشعب الكلداني الآشوري السرياني, وإذا كانت القيادة الكردستانية تشجع حقاً وتريد إقامة حكم ذاتي للكلدو اشور سريان في المنطقة, فلتبدأ بالمناطق الموجودة في إقليم كردستان العراق وتحت إدارتها, ولتجمع شتات تلك المناطق في كيان واحد وتعيد المناطق المقطعة من نواحي واقضية تلك المناطق وغيرها إلى حدودها الإدارية القديمة التي كانت عليها منذ العام 1962 مثلاً. عندها يمكن القول بتطابق التصريحات مع الوقائع. ومن جانبي أشك بذلك, لأن هذا ليس من مصلحة أحد, فهو ليس في مصلحة الكرد ولا في مصلحة الشعب الكلد اشوري سرياني مثل هذه التجزئة حالياً. وأعتقد أنهم يتفقون تماماً في أن تكون هناك إدارة ذاتية في الأقضية والنواحي وفي القرى, سواء اكانت مسكونة بالكلدان أم بالآشوريين أم السريان. كم أتمنى أن تكون الطروحات أكثر وعياً بالواقع العراقي وأن تبتعد عن التصورات والرغبات الذاتية التي لا يزكيها الواقع الراهن ولا المستقبل.
الآشوريون والكلدان يشكلون جزءاً أساسياً وأصيلاً من بناة الحضارة العراقية القديمة والحديثة والمعاصرة. وهذا القول ليس لدغدغة المشاعر أو المجاملة, بل هم حقاً كذلك وعليهم أن يمارسوا ذلك لاحقاً. وإذا كنت أرى أن الإدارة المحلية هي الأصوب لهم, فليس من حقي أن أمنع من يريد يرفع شعارات أخرى, وارجو له الموفقية, شريطة أن يأخذ بالاعتبار ما يسميه البعض المخاوف الزائدة, وأتمنى أن تكون مخاوف زائدة لا غير. الحكم الذاتي سيكون المقدمة للذوبان الفعلي والتهجير القسري العدواني وطمس التراث والتاريخ والحقوق, وأتمنى أن لا يكون ذلك وأن نناضل من أجل منع وقوع ما أخشاه. لست عالماً بالغيب ولا منجماً أو قارئاً في فنجان, ولكن لي تجربتي السياسية التي تقول ما لا أريد التصريح به تماماً, رغم أني لا أخشى لومة لائم, ولكن لكي لا يقول البعض بأن الرجل يبالغ بالخشية والمخاوف. وإذا كان البعض يعتقد بأن ملايينه تساعده على فعل السحر فليجرب ذلك, شريطة أن لا يضحي بالشعب الذي أحترمه وأحترم تراثه وتقاليده وحضارته!
27/4/2009 كاظم حبيب