مرحى لفتوى الإمام السيستاني في مواجهة الإرهاب البعثي الداعشي
يتعرض العراق الآن إلى أخطر كارثة في تاريخه، لا تقل خطورة عن غزو المغول عام 1258م وانقلاب 8 شباط 1963. والخطر الداهم اليوم هو من نفس الشباطيبن في الداخل والخارج، ولكنهم جاؤوا هذه المرة بالعمامة واللحى الطويلة واللباس الوهابي وبأيديولوجية التكفيريين تبرر لهم حرب إبادة الجنس باسم الله والإسلام. وما حصل في مجزرة تكريت من قتل 1700 من الشباب في عمر الورود من طلبة الكلية الجوية ما هو إلا تمارين إحماء لما هو أدهى وأمر لو هم انتصروا. وما يسمى بانقلاب الموصل فقد دبر بمنتهى الخبرة والدهاء شاركت فيها جهات عديدة ومنها السعودية وقطر وتركيا والقيادة الكردستانية البارزانية، بدأ التنفيذ في ساعة الصفر بتدمير معنويات الجيش العراقي بطريقة خبيثة بعد أن انسحب الضباط الأكراد الموالين لبارزاني بالاتفاق المسبق مع الضباط من منطقة الموصل الموالين للبعث، والذين نجحوا في اختراقهم للجيش والتحضير لمثل هذه المناسبة الشريرة، رافقتها ومازالت حملة إعلامية واسعة من الإعلام العربي المضاد في شن حرب نفسية على الشعب العراقي وجيشه الباسل بأنهم نزعوا ملابسهم العسكرية واستبدلوها بملابس مدنية جلبت لهم من قبل المخططين لهذا الغرض الخبيث(1)
لقد ذكرنا، أن القصد من هذه الكارثة هو إعادة حكم البعث، وتدمير العراق. ولمواجهة هذه الجريمة الكبرى فلا بد من أن تكون المهمة الرئيسية للمخلصين العراقيين في هذه اللحظة التاريخية الحرجة والحاسمة هي التركيز على الوحدة الوطنية، وأن يكون كل شيء من أجل دحر الإرهاب وإفشال المؤامرة الخبيثة، والعمل على رفع المعنويات، وتوظيف كل المشاعر الوطنية والدينية والإنسانية لمواجهة الوحوش البشرية الكاسرة.
لقد عرف الإمام السيد علي السيستاني بحرصه الشديد على السلام الأهلي في العراق، ومنذ عام 2003، كان بمثابة صمام الأمان، يحث أبناء طائفته الشيعية التي تعرضت إلى حرب إبادة الجنس من قبل الإرهابيين التكفيريين، كان ومازال يحثهم على الصبر وضبط النفس، ويردد دائماً أن (السنة هم أنفسنا وليسوا أخواننا فقط). ولمواقفه المشرفة هذه، نال السيستاني تقدير واحترام الرأي العام العالمي حيث رشحته الصحافة البريطانية لجائزة نويل للسلام. ولما تعرض العراق إلى خطر الهجمة الداعشية الأخيرة مصحوبة بالحملة الإعلامية الشرسة في الحرب النفسية وتدمير معنويات الجيش والشعب أصدر الإمام فتواه التي دعا فيها إلى الوحدة الوطنية والتي جاءت في وقتها المناسب كحاجة وطنية وإنسانية ملحة، غيرت موقف أمريكا المتردد في مساعدة العراق لمواجهى الإرهاب.(2)
إذ جاء في تقرير راديو اوستن النرويجي: ” ان مسارعة الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جوية لمواقع المتمردين في الموصل وصلاح الدين، وربما الفلوجة، جاءت بهدف اقناع العراقيين بان اميركا تقوم بمهامها وهي تتكفل بمحاربة المتمردين وانه لا حاجة لتطوع مئات الآلاف من العراقيين للالتحاق بجبهات القتال” .(3)
ومن قرأ الفتوى الإمام السيستاني، أو سمعها من خلال خطاب وكيله الشيخ عبدالهادي الكربلائي في خطبة الجمعة (13/6/2014)، لم يعثر على كلمة واحدة تشير إلى أبناء طائفة معينة، سنة أو شيعة، أو ضد أية طائفة، بل أنها موجهة إلى كل الشعب العراقي بكل طوائفه وبدون أي إستثناء، لمواحهة الخطر الداهم من خوارج العصر من الإرهابيين الداعشيين الذين حولتهم آلهة الشر إلى روبوتات لتدمير الحرث والنسل. لذلك نالت هذه الفتوى استسحان وارتياح جميع الأخيار الشرفاء في العالم بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
لكن هناك من في قلوبهم مرض من كتاب سخروا أقلامهم للطعن بهذه الفتوى الوطنية ومحاولة تشويهها تحت غطاء العلمانية ومناهضة الطائفية، والحرص على الوحدة الوطنية لأغراض كيدية تصب في خدمة الطائفية وداعش ومن سخر داعش لتدمير العراق. لا أريد هنا أن أذكر كل هؤلاء الحاقدين من أصحاب الأقلام المأجورة، ولكني أكتفي بالإشارة إلى واحد منهم لأني كنت أتوسم فيه الحرص على الوطنية، ولخلفيته اليسارية، ولكن يبدو أن ثقافته الماركسية لم تخلصه من آفة الطائفية التي ابتلى بها العراق. والكاتب هذا هو السيد حامد الحمداني الذي نشر مقالاً له في موقع الأخبار، بعنوان: (حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة). لا شك أن العنوان جميل ولكن الشيطان في التفاصيل، إذ يقول: "لقد راعني تحول موقف المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني الذي التزم به فيما سبق لجمع سائر اطراف الصراع والحفاظ على السلم الأهلي في العراق، ليعلن وبكل صراحة فتواه الجديدة التي دعا فيها سائر ابناء الطائفة الشيعية الى حمل السلاح ضد اخوتهم ابناء الطائفة السنية واصفاً من يموت منهم في هذه الحرب المجنونة بالشهيد، وهكذا زج المرجع الأعلى السيد السيستاني نفسه كطرف في الحرب الأهلية التي باتت على الابواب، وانا هنا ادعو السيد السيستاني ان يعيد النظر بدعوته الخطيرة هذه لكي لا يتحمل وزر هذه الحرب التي يجري الاعداد لها قبل فوات الأوان".(4)
فهل هناك تزييف أكثر من ذلك؟
كنت أتمنى على الكاتب أن يحترم ماضيه اليساري، وعمره الذي تجاوز الثمانين، وشيبته، ويتجنب الوقوف إلى صالح الإرهابيين. ولا أدري من أين أتى بعبارة (دعا فيها سائر ابناء الطائفة الشيعية الى حمل السلاح ضد اخوتهم ابناء الطائفة السنية).أليس في هذا الكلام تحريض على الفتنة الطائفية؟ فكما أوضحنا أعلاه، أن الفتوى موجهة لكل العراقيين بدون تمييز وبدون ذكر اسم أية طائفة، وضد منظمة داعش الإرهابية التي أغلب مقاتليه أجانب من الشيشان والأفغان وغيرهم، لذلك فقد أساء الكاتب إلى أبناء طائفته السنية حين اعتبرهم دواعش، وهم براء من داعش.
لقد أساء السيد حامد الحمداني إلى سمعته حين وقف مع الطائفي ومفتي الإرهاب الشيخ يوسف القرضاوي الذي تهجم على فتوى السيستاني. ويكفي السيستاني فخراً وشرفاً أن أبناء السنة استجابوا لفتواه قبل الشيعة، وهنا أستشهد ببعض الشهادات التي يمكن أن تفضح تعصب الحمداني وأمثاله من أدعياء اليسار والعلمانية المزيفين ومقاصدهم الكيدية.
قال فضيلة الشيخ خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق فرع الجنوب، والوجه الأبرز في تأسيس جماعة علماء العراق، ما يلي: " إن سماحة السيد السيستاني ابلغني بان السنة هم انفسنا وليسوا اخواننا فقط. وأيد الملا في حديث متلفز، ما ذهب اليه المرجع الديني الاعلى سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني وحثه العراقيين على الابتعاد عن التصرفات التي تسيئ لوحدة الشعب العراقي، منتقدا القرضاوي الذي اعتبر ما یحدث في العراق “ثورة شعبیة”، قائلاً: لم أستغرب من بیان القرضاوي لأن جذور اتحاد هیئة علماء المسلمین معروفة." (5)
كما وأعلن النائب عن قائمة الرافدين يونادم كنا (مسيحي)، في تصريح صحفي عن دعمه وتأييده للفتوى التي أصدرها المرجع السيد علي السيستاني للجهاد ضد داعش وأعوانها من العصابات الإرهابية. وقال إن فتوى السيد السيستاني موجهة لكل العراقيين وليس لطائفة أو مذهب معين، والمراد منها إسناد ودعم الجيش العراقي والقوى الأمنية في حربها ضد عصابات داعش الإرهابية، لتحرير الأرض العراقية المغتصبة في الموصل وغيرها من المدن العراقية. وأضاف: "أننا ندعم الشباب العراقي في تطوعه دفاعاً عن الموصل وكنائس الموصل التي دنسها داعش الإرهابي، ونقوم بهذه المهمة كعراقيين وليس كطائفة أو دين، فالموصل مدينة عراقية" (6)
وإذا لم يكفي هذا، فنقدم إلى المفكر الماركسي سابقاً، والديمقراطي الليبرالي حد النخاع حالياً، السيد الحمداني، شهادة السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وهو بالتأكيد ليس شيعياً رافضياً، ولا من أتباع السيد السيستاني، انتقد بشدة الممارسات الاجرامية لعصابات "داعش" في العراق. فيما اعلن دعمه الكامل للبيان الذي أصدره المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي اكد ضرورة حفظ وحدة العراق. وأفادت وکالة "آسوشیتد برس" الامریکیة في تقرير بأن" بان کي مون اعرب عن قلقه البالغ ازاء المجازر التي ترتکبها عصابات داعش الاجرامية، و طالب بمحاکمة مرتکبیها محذرا من العواقب الوخیمة للعنف في العراق، الذي یمکن أن یزید من تفاقم الصراع و یأتي بعواقب وخیمة على المنطقة بأسرها".
ويذكر ان شیخ الفتنة الطائفیة یوسف القرضاوي وصف الهجمة الاجرامية الشرسة على العراق بقیادة عصابات "داعش" بـ"الثورة الشعبیة". (7)
والملاحظ أن هؤلاء الكتاب الذي أثاروا كل هذه الضجة ضد فتوى السيستاني الوطنية الداعية لوحدة العراق، سكتوا سكوت أبي الهول عن مئات الفتاوى وربما الآلاف التي صدرت وتدعو إلى قتل الرافضة، الشيعة، الصفوية، الفرس المجوس، الأنجس من اليهود ...الخ، لم يحذر مثقفو الطائفية من هذه الفتاوى الصريحة لإشعال الفتن الطائفية والحرب الأهلية، ولكن عندما صدرت فتوى واحدة من السيد السيستاني للدفاع عن العراق من الإرهاب انبرى هؤلاء المثقفون بالتحذير من الحرب الأهلية. ولكن لكونهم اقرب للإرهاب طالما هدفهم الرئيسي هم الشيعة، سيحذرون ويحذرون من الحرب الأهلية حينما ينبري الشيعة للدفاع عن وجودهم.
كما سكت هؤلاء سكوت الشياطين الخرس عن فتاوى العشرات من مشايخ الوهابية التي أفتت بقتل الروافض، مثل الشيخ عبدالمالك السعدي، شيخ التكفيريين الذي أفتي مؤخراً لمجرمي داعش باغتصاب النساء في نينوى. (8)
وبناءً على كل ما تقدم، نقول، نحن أيضاً من حقنا أن نحذر السيد حامد الحمداني وأمثاله من أدعياء اليسار الذين يمارسون الطائفية بلباس العلمانية واليسارية، وهم في الحقيقة أعداء اليسار والعلمانية لأنهم سخروا أقلامهم لتحقيق المؤامرة الكبرى التي تورط فيها أحط الرجعيين في العالم وحتى الغرب، وسخروا لها السعودية وقطر وتركيا، وللأسف الشديد ضموا إليها حتى حكومة الإقليم الكردستاني. فهذه الهجمة الشرسة أكثر شراسة من هجمة 8 شباط 1963، تهدف لعودة البعث إلى حكم العراق ثالثة عن طريق عصابات الإرهاب الإسلامي الوهابي، وسخروا لها الإعلام العالمي الذي تجنب لحد الآن تسمية داعش بالإرهاب، بل اكتفوا بتسميتها بـ(السنة المتطرفين)، والسنة منهم براء. كما وما انفك الإعلام الغربي والقادة السياسيين يرددون عبارة مفادها أن سبب هذه "الانتفاضة الشعبية" هو عزل السنة والكرد من قبل المالكي وتفرده بالسلطة. وهم يعرفون حق المعرفة أن ليس هناك عزل ولا تهميش، ولا يمكن للمالكي أو أي شخص آخر في هذا المنصب أن يكون دكتاتوراً وهو لم يستطع حتى الدفاع عن نفسه إزاء هذه الحملة المسعورة من موجة الأكاذيب ضده، والشتائم عليه علناُ وفي الإعلام المضاد في العراق وحارجه. ولكنها ذريعة تستغلها الدول الغربية لتبرير تقاعسها في نصرة العراق وترك الجريمة أن تمر، وبعد ان ترتكب المجازر الوحشية وإبادة الجنس وفوات الأوان، لينتبهوا ويذرفوا دموع التماسيح على حقوق الإنسان في العراق.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- فيديو، شهاده الجنود لماذا ترك الجيش العراقي الموصل بعد دخول داعش
http://www.youtube.com/watch?v=96Zbp7v9Gtg&feature=youtube_gdata_player
2- المرجعية الدينية العليا تفتي بوجوب الدفاع عن العراق وشعبه وتعتبر من يقتل دفاعا عن بلده شهيدا
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170287.html
3- ” راديواوستن” النرويجي: قلق امريكي بريطاني من تشكيل جيش ثاني في العراق
http://www.abna.ir/arabic/service/iraq/archive/2014/06/16/616374/story.html
4- حامد الحمداني : حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170537.html
5- خالد الملا : السيد السيستاني أبلغني أن أهل السنة هم أنفسنا وليسوا فقط أخواننا
http://www.qanon302.net/news/2014/06/17/21803
6- كنا : فتوى المرجع السيستاني ليست للشيعة فقط
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170572.html
7- بان كي مون يعلن دعمه لبيان السيد السيستاني
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22798
8- السعدي شيخ التكفيريين يفتي لمجرمي داعش باغتصاب النساء في نينوى
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22895