Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مسيحيو العراق يبدأون صوم الباعوتا

07/02/2006

بغداد–( أصوات العراق)

في الوقت الذي يحتفل فيه شيعة العراق والعالم بالأيام العشر الأولى من شهر محرم

" أيام عاشوراء"، احيي مسيحيو العراق امس الاثنين "صوم باعوتا" الذي يعرف أيضا باسم (صوم نينوى) ويعود إلى نحو 800 سنة قبل الميلاد ،حيث يفترض- حسب العادات القديمة- أن ينقطع فيه الناس عن الأكل والشرب ثلاثة أيام مستمرة.

و"باعوتا" كلمة سريانية تعني الطلب، وبالرغم من أن هذا الصوم يعود إلى ماقبل ظهور السيد المسيح..إلا أن مسيحيي العراق( آشوريين وكلدان وسريان) هم المتفردين بصوم باعوتا حتي الآن ،إذ لايعرف لدى الاوربيين أو بقية المسيحيين الشرقيين.

أما قصة "صوم باعوتا" فيرويها سفر يونان من العهد القديم في الكتاب المقدس ،الذي يحكي" أن الله أمرالنبي يونان بالذهاب إلى نينوى (مملكة في بلاد الرافدين ـ العراق حاليا) لينادي بينهم بالتوبة ،ولما كان أهل نينوى معروفين ببأسهم وبطشهم..قرر يونان الهرب إلى مكان آخر بواسطة سفينة ،فسخر الله لها ريحا قوية أدت إلى اضطراب البحر واهتزاز السفينة ،فطلب ربانها من المسافرين الصلاة -كل إلى ربه- ليجتازوا المحنة." ويضيف سفر العهد القديم" أما يونان فكان يعرف بالأمر..وأبلغ المسافرين معه بحقيقته ، وطلب منهم أن يرموه في البحر..فأمر الله حوتا بابتلاع يونان."(سفر يونان-الإصحاح الاول والثاني).

ويشير إلي أن "الاحداث تتوالي على يونان النبي حتى يصل إلى نينوى(عاصمة الآشوريين) وينادي بينهم بالتوبة..وهو غير واثق من استجابتهم لندائه ،لكنه يتفاجأ باستجابة أهل المدينة وملكهم الذين يقرورن الصوم لمدة ثلاثة أيام مستمرة ،حتى يعفو الله عنهم..ويرجع عن غضبه ولا يعرضهم للتهلكة."(سفر يونان-الإصحاح الثالث).

وأعاد مسيحيو العراق إحياء(صوم باعوتا) في القرون الأولى بعد انتشار المسيحية ،ويقول الأب الخوري توما إبراهيم (راعي كنيسة) لوكالة أنباء(أصوات العراق) المستقلة عن سبب ذلك " تذكر المصادر الدينية لدينا أن كركوك وضواحيها كانت اجتاحتها وباء خطير فتك بالاهالي، فدعا مار سوريشو مطران بغداد وكركوك إلى صوم الباعوتا ،مقلدا بذلك أهالي نينوى، لعل الله يستجيب لهم ويخلصهم من الوباء."

ويتابع الأب توما قائلا "وبالفعل استجاب الله لهم ،وفي اليوم الثالث انتهى الوباء من بينهم..وهو ما دعا مسيحيو العراق لإحياء هذا الصوم ثانية." ويشير الأب توما إلي أن "الصوم ولكونه خاص بالآشوريين من اتباع الكنيسة القديمة (آثوريين) أو الكنيسة البابوية (الكلدان) أوالسريان،فهو صوم يخصهم وحدهم..إلا أن انتشارهم في البقاع جعلهم يحيون هذا الصوم في أماكن تواجدهم."

ويقضي(صوم الباعوتا) بالانقطاع عن الأكل والشرب تماما لمدة ثلاثة أيام متتالية ،وفي اليوم الثالث يفطر الصائم بتناول(القداس) أولا يوم الاربعاء ليعلن عن فطوره . لكنه يبقى صائما (صوم عادي اي بعدم تناول اللحوم ومنتجات الحليب والبيض) ويوم الخميس يفطر بشكل كامل. وموعد(صوم باعوتا) ليس ثابتا كل عام كبقية صيام المسحيين، بل يتغير تاريخه..ويتراوح عادة بين منتصف كانون الثاني يناير إلى أواخر شباط فبراير ،وحسب تحديدات تتم من قبل رؤساء الكنائس اعتمادا على تقويم خاص، إلا أن الكنائس العراقية باختلاف مذاهبها تلتزم جميعها بهذا الصوم..وفي نفس الوقت،ماعدا الكنيسة الشرقية القديمة.ومهما اختلف تاريخ بدء الصوم إلا أنه يصادف يوم(الإثنين) دائما..لينتهي يوم(الاربعاء) كصوم باعوتا،ويوم (الخميس) كصوم عادي.

ولتغير الأوضاع عما كانت عليه أيام زمان،وإنشغال الناس بالعمل وزيادة الواجبات كلها ،أمور صعبت من الصوم لثلاثة أيام دون مأكل أو مشرب..وبالتالي فإن العديد من الناس الان يصومون "الباعوتا" بالإنقطاع عن الأكل والشرب إلى الساعة 12 ظهرا أو إلى السادسة مساء. وكما تقول مارلين(موظفة) لوكالة أنباء( أصوات العراق) المستقلة " أنا أعمل.. وعملي يتطلب مني الحركة ،ولذلك احتاج للطاقة..ولا استطيع أن انقطع عن الأكل لثلاثة أيام ،لذا أصوم إلى الظهر فقط. "

لكن مارلين لاتخفي إعجابها بمن يتمكن من الصوم لثلاثة أيام، ويمارس حياته وواجباته اليومية في الوقت نفسه.

وهناك تقليد يشتهر به مسيحيو العراق وهو صنعهم (البوخين) لأكله عقب صيام الباعوتا، وهو خليط مؤلف من طحن سبعة أنواع من الحبوب ،وله علاقة بالتراث.

تقول السيدة جنتو جبري ،وهي إمراة أربيعينة العمر لوكالة أنباء (أصوات العراق) المستقلة " تعودنا على ذلك من أمهاتنا ،وهو تقليد مفاده أن من يصنع (البوخن) مالحا.. واذا ما أكلها الشخص قبل النوم فإنه يلتقي بشريك أو شريكة حياته (فى المنام) وهو يعطيه ماء."

وتضيف أنها "لكونها إمرأة مؤمنة وملتزمة بالتقاليد.. فإنها تلتزم كل عام بصوم الباعوتا."

ويقول السيد طارق متي انه يصوم (الباعوتا) إلى الظهر لكون طبيعة عمله كسائق لاتسمح له بالصوم الأيام الثلاثة كاملة. وأشار لوكالة أنباء( أصوات العراق) المستقلة أن "صوم الباعوتا يتزامن هذا العام مع إحياء الشيعة لطقوس عاشوراء ،كما يأتي متزامنا مع الاحتجاجات التي تجتاح العالم على(نشر) رسوم الكاريكاتير المسيئة إلي النبي محمد ،ومع تعرض كنائسنا لهجمات وانتشار الفوضى والاضطراب في كثير من الدول."

ويضيف" كل ما اتمناه أن ينظر الله لأحوالنا..ويرحمنا كما رحم آباءنا في نينوى،وهو قدير على ذلك."

ويرى البعض أن التزام أهل نينوى بالصوم في السابق يفند ما أشاعه اليهود عن الآشوريين من كونهم (وثنيين) ,ويقول السيد ولسن لوكالة أنباء( أصوات العراق) المستقلة " لا أفهم كيف يوصف اباؤنا بالوثنية من قبل اليهود ،بينما هم استجابوا لنداء النبي يونان وأقاموا الصلاة والصوم." ويتابع متسائلا " إن كانوا كذلك ولايؤمنون بالله..فلماذا صاموا إذن؟ أيعقل أن تلبي نداء لإله لاتعرفه ولا تؤمن به ؟!"

والأمر اللافت هنا هو أن قصة "النبي يونان"هي نفسها قصة "النبي يونس" لدى المسلمين،مع اختلاف الأسماء ،والقصتان مستمدتان من التاريخ القديم..أو العهد القديم للكتاب المقدس،وهو مايعد أمرا واردا وطبيعيا لكون الديانات التوحيدية الثلاث موطنها الاصلي الشرق الاوسط ،وهو مايؤدى بطبيعة الحال إلى توارث العديد من العادات والتقاليد بين أتباع الديانات الثلاث. Opinions