Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مسيحيو الموصل يحمّلون الأميركيين وسلطات محلية مسؤولية تهجيرهم!

مسلمون يحرسون منازلهم وهيئات محلية ودولية تتولى إغاثتهم ...
جميل روفائيل الحياة - 31/10/08//
أثارت أعمال التهجير التي تعرض لها مسيحيو مدينة الموصل (390 كلم شمال بغداد) اهتماماً واسعاً محلياً ودولياً، لكونهم من أقدم سكان المدينة ويشكلون مكّوناً رئيسياً فيها.

وساهمت التصريحات المتناقضة التي صدرت عن السلطات في الموصل ومحاولاتها نفي المعلومات المتداولة من داخل الموصل وأحاديث المهجرين، في زيادة الشك في صدقية تعامل الأطراف الحاكمة بحسب المحاصصات الطائفية والعرقية، مع هذه القضية ذات الأبعاد الوطنية والإنسانية، كما أن عدم مبالاة القوات الأميركية المنتشرة في الموصل بما يجري ساعد في غموض الصورة ووضع المسيحيين في حال من فقدان الثقة وعدم الاطمئنان إلى وجود من يحميهم، بحيث بات السبيل الوحيد لنجاتهم هو فرارهم إلى ضواحي الموصل الشرقية والشمالية التي تنتشر فيها البلدات والقرى المسيحية والأديرة والكنائس.
2200 عائلة
أبلغ عادل ميخا رفوكا مسؤول لجنة الهجرة والمهجرين في المجلس البلدي لقضاء تلكيف «الحياة» أن «نحو 2200 عائلة (حوالى 11 ألف شخص) مسيحية غادرت الموصل في موجة الهجرة الحالية وتم تسجيل غالبيتها لدى الجهات المختصة الحكومية والإنسانية (حتى الاثنين 27/ 10) في أقضية تلكيف والحمدانية والشيخان ذات الغالبية السكانية المسيحية وفي محافظتي دهوك وأربيل، إضافة إلى أكثر من 400 عائلة أخرى توجهت إلى سورية ولبنان. وبحسب المعلومات، لا يزال يوجد داخل الموصل أكثر من 7000 عائلة يحميها جيرانها وأصدقاؤها المسلمون الذين إمّا نقلوهم إلى بيوتهم أو أرسلوا أولادهم لحراسة دورهم وتوفير حاجاتهم الغذائية، بانتظار تطور الأوضاع، إذ من الصعب أن تستمر حبيسة البيوت بحراسة المعارف المسلمين، علما أن الموصل كانت تضم أكثر من 20 ألف مسيحي عام 2003 وبسبب المغادرة المتواصلة للمدينة نتيجة عمليات القتل والاعتداءات بات عددهم قبل الهجرة الأخيرة في حدود 10 آلاف إلى 15 ألف شخص».

وأضاف: «شكلت هذه الموجة عبئاً على سكان القرى المسيحية في المنطقة، الذين توافد عليهم الآلاف من مسيحيي العراق في السنوات الخمس الأخيرة، بينهم 2800 عائلة استقرت في قرى قضاء تلكيف من ضمنها مئات العائلات من الموصل نفسها، وزاد من تفاقم محنة النازحين حالياً أن منظمات الإغاثة لم تهتم بهم منذ البداية بسبب التعتيم الإعلامي الذي مارسته السلطات في محافظة نينوى (الموصل) وفي بغداد، ما جعلنا نشكل لجنة في كل قرية من ممثلي الأحزاب وكاهن القرية ومختارها، لمعالجة أمور القادمين الخاصة بالسكن والمواد الغذائية والدراسة... واضطررنا في البداية إلى جعل الكثير منهم في ضيافة الأهالي بعدما اكتظت الكنائس والأديرة والقاعات بهم، قبل ان يتولى فرع الهيئة الطبية الدولية في أربيل تقديم المساعدات والمواد الغذائية لهم، إضافة إلى منح وزير مالية إقليم كردستان سركيس أغاجان (من طريق غرفة عمليات المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري) 250 ألف دينار عراقي (225 دولاراً) لكل عائلة، ووزارة الهجرة والمهجرين العراقية (منحة رئيس الوزراء نوري المالكي) 300 ألف دينار (265 دولاراً) لكل عائلة، وقدمت جهات إنسانية محلية ودولية مساعدات مالية وغذائية ومواد إغاثة أخرى متنوعة، ومن هذه الهيئات الهلال الأحمر العراقي ومنظمة الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية وحكومة اقليم كردستان والشيخ عبدالله عجيل الياور عن العشائر العربية في محافظة نينوى».

وأوضح مسؤول لجنة الهجرة والمهجرين في المجلس البلدي لقضاء تلكيف، أنه «حضر الأربعاء في 15/ 10 مع ممثلي الأقضية والنواحي والمهجرين، اجتماعاً في ناحية برطلة في قضاء الحمدانية ضمّ وزراء الحكومة العراقية للدفاع والتخطيط والصناعة والهجرة والمهجرين وقادة عسكريين وأمنيين من بغداد والموصل وعدداً من أعضاء البرلمان والناطق العسكري للقوات العراقية، الذين تفقدوا المهجرين واستمعوا منهم إلى الوضع العام في الموصل الذي رافق ارتكاب الجرائم، وقدم الناطق العسكري اعتذاره عن التصريحات الخاطئة التي كان أدلى بها في شأن هول الكارثة، موضحاً أن ما صرح به في خصوص المبالغة سببه معلومات غير دقيقة تم تزويده بها من الموصل وسيتم فتح تحقيق في شأنها».

وبالفعل، وصل الى الموصل بعد عودة الوفد لواءان من الجيش والشرطة، إضافة إلى مجموعات عسكرية وأمنية أخرى انتشرت بكثافة في أنحاء المدينة وخصوصاً في مناطق وجود المسيحيين، الذين يبدون رغبة في العودة في حال التأكد من تحسن الوضع الأمني، فيما عاد كبار السن والنساء من نحو 200 عائلة إلى منازلهم في الموصل لمعاينة الوضع.
شهادات واقعية
يقول شماس حنا (45 عاماً) وهو نزح إلى بلدة ألقوش (40 كلم شمال الموصل): «إن ما حصل حالياً كان منظماً وبالاتفاق بين جهات إجرامية وعناصر من السلطة، غايته إخلاء الموصل من المسيحيين بدليل أننا رأينا عربات للشرطة وعليها مكبرات الصوت تجوب الشوارع وتخيّر المسيحيين بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل أو مواجهة القتل، كما رأينا شباباً من دون أي قناع يلصقون بيانات على جدران المساجد والكنائس وأطراف الشوارع تتضمن الخيارات نفسها وإقامة نقاط تفتيش في شوارع المدينة وفحص الهويات لمعرفة المسيحيين، وكل هذا يجري علناً عكس حالات القتل والخطف السابقة التي كانت متفرقة ومتباعدة، واخترنا الهروب ما دامت الأوضاع أصبحت خطيرة تسودها الحيرة والغموض».

وأضاف: «من الصعب أن نثق بسلطات الموصل ما لم تُتخذ إجراءات جذرية وشاملة فيها، لأنها كانت السبب في كل محن الموصل ومن الصعب التصديق أنها ستغير سلوكها، مع اعتقادنا بأن الأميركيين يدعمونها لأن تصرفاتها تمنحهم الذرائع لبقاء قواتهم في المدينة... وقد علمنا بنشر قوات كبيرة من الجيش والشرطة ولكن لا تزال الإجراءات دون المستوى الذي يضمن الاطمئنان، حيث ان عمليات اعتقال المشتبه بهم تسير ببطء ولا يتعدى عدد المعتقلين بضع عشرات من الأشخاص على رغم أن أفراد عصابات الإجرام يعدون بعشرات الآلاف وهم معروفون لدى الشرطة، ولم تعرض الحكومة معلومات واضحة عن أي معتقل أو عن اعترافاته ليقف الناس على الحقيقة... ولا تزال التهديدات متواصلة فقد تم توزيع منشورات تهديدية جديدة للمسيحيين مساء 25/ 10 في حي العربي الذي تسكنه أعداد كبيرة من المسيحيين، والكل يعرف أن الأمن لن يسود الموصل ما لم تتم حملة تصفية جذرية للمجرمين والعناصر الحكومية والأمنية المتواطئة معهم، وهذا ما تتجنبه الحكومة في بغداد دائماً لأسباب مجهولة لدى عامة الناس، ولهذا تهدأ الأمور فترة ثم تعود أعنف مما كانت عليه، منذ خمس سنوات وحتى اليوم».

وشكر شماس حنا جيرانه وأصدقاءه المسلمين الذين زاروه في ألقوش للاطمئنان على وضعه وعرض مساعداتهم عليه، وأكد أن الكثير من المسلمين يزورون معارفهم المهجرين في مختلف القرى باستمرار، ويقدمون لهم صورة عن الوضع في الموصل، وهم المصدر الرئيس لمعلومات المهجرين عن أحوال الموصل الحالية.

ويؤكد نعيم أبلحد (النازح إلى بلدة قره قوش بغديدا 25 كلم شرقي الموصل) وهو موظف حكومي: «تمت أعمال القتل والتفجير والتهديد علناً، وعندما كنّا نراجع السلطات لم نكن نحصل على غير الوعود الكاذبة، ونحن حالياً في حال من عدم الثقة ولا يمكن أن نصدق ما نسمعه من السلطات إلاّ بعد مرور وقت مناسب وتنفيذ اعتقالات ومحاكمات علنية للمجرمين وإبعاد المسؤولين الحكوميين والأمنيين الذين تثبت علاقتهم بالجرائم التي حدثت».

وقال عضو برلمان إقليم كردستان روميو هكاري لـ «الحياة»، ان «برلمان الإقليم طالب السلطات بالإسراع في إعادة المهجرين إلى المناطق التي غادروها نتيجة الاعتداءات، وذلك في جلسته التي استمع فيها إلى تقرير قدمه هو (روميو) عن أوضاع المهجرين بعد زيارة قام بها برفقة زميله العضو في البرلمان جمال شمعون للكثير من القرى التي لجأوا إليها، وخصص البرلمان مئة مليون دينار (حوالى 90 ألف دولار) لمساعدة النازحين». ورفض هكاري محاولات بعض الجهات الربط بين الاعتداءات التي يتعرض لها المسيحيون وبين مطالبتهم بحقوقهم في التمثيل في المجالس البلدية ومنطقة الحكم الذاتي، خصوصاً أن مدينة الموصل ليست ضمن منطقة الحكم الذاتي التي يطالب المسيحيون (الكلدان السريان الآشوريون) بها. وأكد هكاري، أن مجلس النواب العراقي سيوافق قريباً على مطلب المسيحيين (الكلدان السريان الآشوريين) بتخصيص مقاعد ثابتة (كوتا) لهم في مجالس المحافظات يتم انتخاب ممثليهم من جانبهم «على رغم التأخير الذي حصل في إقرار هذا الحق بسبب الخلافات بين النواب الأكراد والنواب الشيعة على أمور أخرى لا علاقة للمسيحيين بها».

ومع ذلك لا يزال الغموض يخيم على الجهة القائمة بالاعتداءات ضد المسيحيين، فمحافظ نينوى (سني) دريد كشمولة ونائبه (كردي) خسرو كوران تفقدا النازحين ونفيا أن تكون للحكومة علاقة بما يحصل، وخطباء الجوامع في الموصل دعوا إلى وضع حد لمسلسل استهداف المسيحيين، والحزب الإسلامي في الموصل دعا الحكومة إلى التدخل الفوري للحد من اغتيال المسيحيين، ووجهاء أحياء في الموصل تعهدوا بحماية المسيحيين... وحتى الفصائل الإسلامية المسلحة دانت ما يجري من تهجير للمسيحيين، ومنها (جبهة الجهاد والتغيير) التي تتكون من 8 فصائل مسلحة بينها (كتائب ثورة العشرين وجيش الراشدين وكتائب محمد الفاتح) أعلنت رفضها الأعمال المسلحة التي تستهدف المسيحيين في الموصل... اما تنظيم «القاعدة» فقد أصدر بياناً نقلاً عن أبو عثمان الأنصاري أحد قيادييه في الموصل نفى علاقته بعمليات التهجير وأكد وجود مراسلات بينه وبين الطائفة المسيحية، واعتبر الجيش الإسلامي «أن ما يجري للنصارى يدخل ضمن محاولات تشويه صورة المجاهدين وسيقوم المجاهدون بملاحقة الأشرار الذين يقفون وراء هذه الجرائم وإنزال القصاص العادل بهم». أما الجهة التي أطلقت على نفسها «جبهة الدفاع عن حقوق المسلمين» وأعلنت مسؤوليتها عن استهداف المسيحيين فهي غير معروفة ولم يسمع أحد بها قبل الآن، ما يدعو إلى الشك في حقيقة وجودها أصلاً.
اسماء ضحايا
أسماء المسيحيين الذين تأكد اغتيالهم بحسب تقارير المستشفيات في الموصل حتى 12/10/2008، علماً انه يوجد نحو خمسين مسيحياً آخرين من المخطوفين والمفقودين لا يعرف مصيرهم:

1- بشار نافع سعيد (28/9 مهندس اغتيل أمام داره في حي البلديات) 2- حازم توما يوسف (4/10 اغتيل في محله في باب السراي) 3- إيفان انويا يونادم (4/10 اغتيل بالقرب من منزله في حي التحرير) 4- زياد كمال (معاق 6/10 اغتيل في حي الكرامة) 5- امجد هادي بطرس (عامل بناء 7/10 اغتيل خلال عمله في حي الصديق) 6- ولده حسام أمجد هادي بطرس (7/10 اغتيل مع والده خلال عملهما في بناء أحد الدور في حي الصديق) 7- خالد جرجيس السماك (7/10 صيدلي اغتيل في حي المحاربين) 8- جلال موسى عبدالأحد (8/10 اغتيل قرب منزله في حي النور) 9- واركيس ألطون (12/10 اغتيل في محله في حي الإخاء) 10- آرا ألطون (12/10 اغتيل خلال وجوده في محل عمه واركيس في حي الإخاء) 11- ريان نافع بشير (12/10) 12- الدكتور طارق القطان (12/10) 13- نافع بشير جموعة (12/10) (هؤلاء قتلوا خلال فترة التهجير الحالية).

(أسماء أشخاص قتلوا قبل ذلك في فترات متفرقة)

14 - المطران بولص فرج رحو 15 - فارس جرجيس خضر 16- رامي حكمت بولص 17 - الأب يوسف عادل عبودي 18 - الأب رغيد عزيز كني 19 - وحيد حنا ايشوع 20 - بسمان يوسف داود 21 - غسان عصام بيداويد 22- الأب منذر السقا 23 - الأب بولص اسكندر (عثر على جثته مقطوعة الأجزاء) 24 - سمير الشماس 26 - ماثيو شمعون بطرس 27 - بسام يوسف الياس 28 - باسم حنا عبو 29 - فوزي اوكينا 30 - خالد كوركيس ساكو 31 - فادي ميخائيل حناني 32 - نعمت متي جدو 33 - نزهت صليوا يونان 34 عبدالكريم هرمز بحودا 35 - توما هرمز كني 36 - عامر جميل قطان 37 - البير يوسف كوركيس 38 - شكيب بولص اسحق 39 - خيري بولص القس اسحق 40 - غسان الموصلي 41 - سنابل نوئيل الطباخ 42- ايمن ايشو 43 - فارس ايشو 44- رائد ابلحد 45 - عبد الخالق باكوس 46 - راني يوسف حنا 47 و 48 - مازن ابونا وأمه 49 - هيثم خضر 50 - اردوان جميل يونان 51- سركون صباح يعقوب 52 - فارس دانيال زيتونة 53 - هيثم حازم غزالة 54 - جميل حنا سيفو 55 - رعد جميل ميخا 56 - زيد وليد البراق 57 - انمار اكرم رفو 58 - زهير يوسف اسطيفو 59 - لؤي سلمان نعمان 60 - فادي حبش 61 - ثامر نجيب عزوز 62 - اكرم عزيز يوسف 63 - نمرود عيسى اسطيفو 64 - هاني يوخنا نعوم 65 - ريمون فارس شمعون 66 - فراس موفق هادي 67 - رعد ايشوع نعوم 68 - نيسان صليو شموئيل 69 - خالد بولص توما 70 - بسام صبري جرجيس 71 - ميسر رفو جبو 72 - ابراهيم منصور كيخوا 73- صفاء صباح خوشي 74 - رغد مرقس 75 - منتهى سليمان النجار 76 - سعاد سعيد ابراهيم 77 و 78 - دليلة وابنتها 79 - تغريد عبد المسيح 80 - حلا عبد المسيح 81 تارا بطرس هدايا 82 - ياسمين بوداغ موشي 83 - سناء توما 84 - فالنتينا بشير فرج 85 - منال سعدالله متي 86 - ماروسا جرجيس 87 - هيلدا زهير اسطيفان 88 - اسماعيل يوسف صادق (قاضي في محاكم الموصل ) 89 - صباح هرمز بوتاني 90 - يوسف نبيل اسماعيل 91 - كوركيس بريخا يوحنا 92 - رعد القطان 93 و 94 - صابر خليل داود وشقيقه.
الموصل والتاريخ
تمثل الموصل إحدى أقدم مدن العراق، إذ نشأت بعد سقوط نينوى (612 ق. م.) حيث انتقل إليها من تبقى من سكان نينوى الآشوريين وسموها (حصنا عبرايا) أي (القلعة التي على الضفة الأخرى) من دجلة ، وعند دخول المنطقة ضمن الدولة العربية الإسلامية (637 م) أطلقوا عليها اسم الموصل لوقوعها على الطريق الموصلة بين الشام وبلاد فارس، ولها ألقاب عدة من بينها : الحدباء والخضراء والفيحاء وأم الربيعين ، وانتشرت فيها المسيحية منذ القرن الأول الميلادي، وظلت راسخة على رغم الاضطهادات التي تعرض المسيحيون لها، وقد توافر لهم الأمان في القرن العثماني الأخير والعهد الوطني الملكي الذي تلاه، فأصبحت مقراً لبطريركية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العالم ومركزاً رئيساً في بلاد ما بين النهرين لزعامات الكنائس الشرقية، وكانت نسبة المسيحيين فيها خلال العهد الملكي في حدود 25 في المئة من سكانها بدليل أنه كان يمثلهم نائبان أحدهما كاثوليكي والآخر أرثوذكسي في مجلس النواب العراقي من مجموع سبعة نواب يمثلون المدينة، في حين كان يمثل نائب واحد القرى المسيحية المحيطة بها، علما أن التمثيل المسيحي الكلي في مجلس النواب العراقي كان ستة نواب من بين مئة نائب يتكون منهم المجلس في ذلك الوقت، والنواب المسيحيون الثلاثة الآخرون، كان اثنان منهم يمثلان مسيحيي بغداد وواحد لمسيحيي البصرة، ولم يتأثر وضع المسيحيين العام بالإجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات العسكرية في العهد الملكي لقمع الحركة المسلحة الآشورية التي اندلعت في مناطق المسيحيين بجوار مدينة دهوك عام 1933.

لكن الوضع المسيحي في الموصل بدأ بالتعرض للمعاناة ابتداء من عام 1960 إثر انتشار التسيب والفوضى بعد نحو عام من عمر الانقلاب الجمهوري وحكم عبدالكريم قاسم نتيجة هيمنة الاتجاهات المتطرفة والعنصرية على المدينة بسبب النزوح الكبير من الأرياف الجنوبية إليها حيث كان غالبية هؤلاء النازحين من غير المتعلمين ومن مجتمعات مغلقة ليست لها تجربة العيش المشترك مع الديانات غير الإسلامية إضافة إلى فقرها الذي استغلته العصابات الإجرامية والأفراد من أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية، وبعد عمليات القتل والاضطهاد التي عمت المدينة ضد المسيحيين في ذلك الوقت أضطر الآلاف منهم للانتقال إلى بغداد وتكونت منهم أربعة أحياء كبيرة في جنوب شرقي بغداد هي الغدير وبغداد الجديدة وتل محمد والنعيرية وغادر الكثير منهم العراق بعد ذلك، كما استقرت البطريركية الكلدانية وزعامات الكنائس الشرقية ومؤسساتها في بغداد.

وخلال السنوات السبع الأولى من حكــــم البعث الذي تولى السلطـــة عام 1968 توافر الأمان لمسيحيي الموصل وجوارها وغيرهم من مسيحيي العراق كما صدرت مراسيم جمهورية بمنحهم كامل حقوقهم الدينية والثقافية واللغوية والاجتماعية، إلاّ أنه منذ 1975 بدأت تطالهم سياسة «التعريب»، فتم تهديم 183 قرية لهم ومنع أهلها من العودة إليها، فاضطروا إلى التشتت في المدن والقرى في شمال العراق أو الرحـــيل إلى بغداد وخارج العراق، وبعد عام 1990 وفي خضم مزايــدات صدام مع الأنظمة الدينية في المنطقة وإعلانه تطبيــــق «الصحوة الإيمانية» في كل أنحاء العراق وإدخال مادة الدين الإسلامي ضمن المناهج الدراسية لكل طلبة مدارس العراق وفرض تأدية الامتحانات فيها كمادة أساسية واستيلائه على قسم من أراضي القرى المسيحية التي لم يلحقها التدمير وتوزيعها على المستوطنين الذين جاء بهم من وسط العراق وجنوبه، عمّ الاستياء المسيحيين من سوء حياتهم في العراق وهاجر الآلاف منهم إلى دول العالم ما أدى إلى نقصان عددهم في العراق من ثلاثة ملايين إلى أقل من مليون، ومع انتهاء حكم صدام بعد سنوات قليلة من تطبيق «صحوته الإيمانيــــة» ومغادرة غالبية المستوطنيـــن القرى، عاد الكثير من المسيحيين إلى ديارهم وتمت إعادة الحياة لـ125 قرية من بين 183 قرية مدمرة، بجهود وزير مالية إقليم كردستان سركيس أغاجان والمؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية وانتشار الوعي القومي (الكلداني السرياني الآشوري)، كما عاد الكثير من مسيحيي الموصل إليها لمواصلة حياتهم وأعمالهم فيها، لكن عدم استقرار الأوضاع في الموصل أدى إلى استئناف النزوح الكبير منها.

Opinions