مطربونا الآثوريّون والغناء بإسم ( ألقـوش )
إلى مطـربـينا الآثـوريّـين الأعـزاء وكل المتغـنــّين بإسم ألقـوشسـلام الرب معـكـم ، وتحـياتـنا مع تشجـيعـنا لكـم جـميعاً
نعـلم مثـلما تعـلمون أن الموسيقى غـذاء للروح ترفـع سامعها إلى أجـواء رومانسية سامية ، وكـلمات الشـعـر تــَـدخـل القـلبَ بعـفــَوية ، فـيعـتصر شـجـوناً وإنـتعاشا ونشوة ولهـفة ورْدية ، فـترتسم عـلى الوجـه إشراقة وإبتسامة لا إرادية ، وقـد تكـون كـلماته صمّام أمان له فـيُـنــَـفـّس عـن حـسرات مدفـونة وآلاماً مكـبوتة خـفـيّة ، فـتـتدمّع العـينان وترتجـف الشفـتان وقـد ينفـجـر سامعُها بُـكاءاً كـبُـكاء الثـكـلى الصبرية . والشعـر الغـنائي الذي يمثــّـل لوحة جـميلة من الفـولكـلور عـند كـل الشعـوب ، هـو صورة يرسمها الشاعـر بكـلماته معـبّـراً فـيها عـن أحـساسه المرهـف ببـيئـته فـهـو مرآة تــُرينا عادات وتقاليـد المجـتمع كل في زمانه ومكانه . وقـد تـنـوّع الغـناء بنصوصه فـهـو للصلاة تارة ( شـَـبّاح لـْـمَـرْيا بْـقــُـدْشـيه ) وللوطن تارة أخـرى كالأغاني الوطنية ( موطـني موطـني ) وكـذلك الأهازيج الشعـبـية ( شورخ شورخ زيزا آلاها ياولـّوخـون خا بْـرونا عـزيزا ) ، ولكـن الذي نريده وما يهـمـنا الآن في هـذا المقال هـو الغـناء للحـب ، لفارسة الأحـلام ، للمُحِــبّة ، للحـبـيـبة ، للخـطيـبة ، للصديقة ، لشريكة الحـياة أو لفـتاة نــُعـجـب بها لجـمالها أو لصوتها أو لمَشـيَـتها ، ومَن يدري فالبعـض قـد يُعـجـب في شابة رشيقة أظافـرها .
إن التعـبـير عـن حـبنا لهـذه المحـبوبة يتــّخـذ أشكالاً وأشكالا كل منا حـسب ثـقافـته وإحساسه بما حـوله ، وبـيئـته التي توفــّر له الحَـيز المناسب الذي يـُمَكّـنه من المناورة بداخـله بكـلماته المسموح بها وإلاّ فـقـد يخـلق لنفـسه متاعـب هـو في غـنىً عـنها إنْ هـو تجاوز حـدود ساحـته أو عـبـثَ فـيها . والشاعـر يغـني لِـ ، وفي محـبوبـته ، كاسباً ودّها لتـنجـذب إليه كالفـراشة التي تقـترب من الورد لألوانها أو كالنحـلة التي تحـط عـلى الزهـرة لرحـيقـها ، ولا ( ولن ) تحـط عـلى الصـبّـير طول حـياتها .
وفي المجـتمعات القـديمة وبعـضها الحالية أيضاً لا تزال محافـظة في تقاليدها ، فالغـزل ليس مباحاً عـندها والبَوْح بإسم الحـبـيبة غـير مقـبولٌ فـيها ، فـكيف الحال إذا أصرّ المُـغـرم أن يتغـنـّى بمعـشوقة قـلبه ليُلفـتَ إليه نظرها ، كي يحـرك تـنهّـداتها ، ويُـنبّـه بعـضاً من رفـيقاتها إلى حـبّه لها فـيزدَدْن فـرحاً لها أو حـسداً منها ؟ إنه يضطـر إلى التلميح إلى عـشيقـته بصورة رمزية واصفاً إياها من خـلال أحـد ملامحـها البارزة ، فإذا كانـت مرتدية رداءاً نيليّ اللون مثلاً يقـول فـيها : ( يا أمّ الفـستان النيلي ... ) ، أو لضفائرها فـيقـول : يا أم الجـدائل ، أو لسَـواد عـيونها فـيقـول : يا أم العـيون السود ، وفي هـذه الحالة لا يُعـطي مستمسكاً عـلى نفـسه من جـهة ، ومن جـهة أخـرى فإن مَن يهـمه الأمر يعـرف نفـسه فـينـتعـش ، والآخـرين يـدركـون مَن هـو المقـصود فـيجـول في خاطرهـم ما يجـول .
وفي شأن الشعـر الغـرامي فالحـبـيب يتفـنــّـن في وصف محـبوبته بأجـمل الكـلمات وألطف العـبارات مبالغاً بأرقّ المصطلحات ، كـيف لا ! إنها جـميلتــَه يُسمعـُها شجـونه وخـواطره فـيرسم القـمر مرة عـلى وجـهـها ، ومرة أخـرى يرى الشمس عـلى مُـحَـيّاها ، فـرط الرمان عـلى خـدّيها تارة ، وتارة أخـرى اللآلىء في عـينيها ، إنه مُحِـقّ وهي تستحـق . ولكن - وكـلكـم ستـؤيّـدونـني - ليس من المعـقـول ولا أحـد يصدّق أن حـبـيباً يقـول لحـبـيـبة قـلبه : أنـتِ متعـفــّـنة !! . فـما الخـبر مِن كـل هـذا يا تــُرى ؟
قـبل سنـين ولستُ أدري كـيف حـصل ، أنّ إثـنان من شبابنا الألقـوشي في إحـدى ضواحي سـدني حـيث الكـثافة السكانية المسيحـية العـراقـية ، جـهّـزا بعـض الكـلمات وإدّعـيا بأنها من تراث ألقـوش ويعـرفانها من زمن مضى ( وأنا شخـصياً أكـبر منهـما عُـمراً ولم أسمع بها قـط ) ، أبـياتها تـتغـزّل في فـتاة . يصف الشاعـر فـيها كـيف كان يتمشـّى في دروب ألقـوش ويغـنـّي في طريق الدير (( سـقــْـلي لألقـوشْ بخــْـضارا ، بْـديرا عْـلايا بســﭘارا ، كـُـلاّح أورْخا بزمارا ..... هاوَرْ ليه هاوَرْ ليليه )) فـرأى فـتاة فـتغـزّل بها وأسهـب بالكـلام عـنها متمنياً أن يأكـل فـمها ، وقـد ورد فـيها ما يُـقـزّز النفـسَ عـند وصفه لها . ثم قـدّماها إلى مطرب آثوري في المنطقة وغـنـّاها دون أن يـدرك كل معانيها ، إنما كان يقـصد أن ينال رضى الألقـوشيّـين بها ، وصار بقـية المطربـين يقـلدونه تقـليداً أعـمى في غـنائها . ومن المؤكـّد أنـنا لو خاطـبْـنا حـبـيـبة المطرب نفـسه أو إحـدى محارمه بتلك الكـلمات فإنه بلا شـك سيُستـثار وينزع عـنه سـترته ، ويطوي أكـمام قـميصه عـدة طـيـّات ، وقـد يحِـلّ حـزام سـرواله ، ويسـتعـدّ للعـراك لا مَحالة وكل الناس سـيؤيّـدونه ضدنا . فـمن بـين تلك التعابـير الغـير اللائـقة : ( سـنـّـكْ مْخـيلا لـْـعَـقارا - بْـناثا أْريليه جـنگـارا ) ومعـناها : الحـشرة الضارة ضربـتْ الحـقـول الزراعـية – والزنجار ( أو الأوكـسيد ) ترسّـبَ عـلى البنات ! فـهـل يوجـد مطرب واحـد يقـبل أن نصفَ خـطيـبـته أو رفـيقة عـمره أو أخـتـَه بترسّـب الزنجار عـليها ؟ ثم كـيف يرتضي لنفـسه هـذا المطرب الشهـم أن يقـول ( خـلـّي آنا أو كـمّا ) وهـو يتـذوّق فــَمَ فـتاة يعـرف مُسبقاً بأنه مزنجـرٌ قـذرٌ ؟
وفي الحـقـيقة ومنذ أن سمعـتُ هـذه الأغـنية لم يتسنّ الوقـت ولا سنحـتْ لي الفـرصة أن ألاقي المطرب الأول كي أنبّـهه عـلى هـذه الأغـنية ، ولكن سبق أن توفــّرتْ لي وإلتقـيتُ آخـرين في قاعات الإحـتفالات ، فـكـنتُ أنـتظر إلى نهاية الحـفلة لأنبّه عـليها . فـفي شهـر آب / 2005 حـضرتُ حـفـلة خاصة بنا ، وكانت ممتعة غـنـّتْ فيها مطربة ومطرب . فالمطربة قـدّمَتْ نفـسها لنا في بداية الحـفـلة كما عـرّفــَـتــْـنا بخـطيبها الشاب الذي كان يرافـقـها ، وقـد لـفـتـَـتْ إنتباهي هـذه الكلمات حـين وردتْ في أغـنية غـنـّـتــْها والناس يرقـصون عـلى ( حـسّ الطـبل ) ولا يهـمّهـم ما الذي يغـنـّيه المطربون والمطربات ، وقـلتُ مع نفـسي متسائلاً : أين تلك الطبقة الألقـوشـيّة المثـقـفة التي كانت تـَعـتـَبر نفـسها واعـية وحـسّاسة لكـل صـغـيرة وكـبيرة ؟ أين أولئك الذين كانوا ( يـلـگـفـوها وْهِـيّة طايرة ) ؟ أين أبناء ألقـوش يـمّا د ْمَـثواثا ؟ أين آباؤنا وأجـدادنا الأميّون في ثـقافـتهـم ولكنهـم حُـكـَماءٌ في نقاشاتهـم ، بليغـون في عـباراتهم ، متكـلـّمون في ديوانهم ، راصـدون في بُـعـد نظرهم ، ومُحَـلـّـلون في آرائهم ؟ وأين هـم اللذين يقـولون : نحـن ونحـن .... ؟ فإنتظرتُ حـتى انتهاء الحـفـلة وعـندها بدأ أعـضاء الفـرقة برزم أجـهـزتهم فـتقـدّمتُ إلى الخـطيب العـزيز وقـلتُ له : لقـد عـلِمْـنا من كلام المطربة أنك خـطيبها فأهلاً بك ، قال : شكراً . قـلتُ له : حـضرتك تعـرف كيف يُغازل الخـطيبُ خـطيبتـَه بكـلمات جـميلة كأن يقـول لها مثلاً : وجـهُـكِ كالقـمر ، عـيناكِ دُرّتان ، ثـغـركِ باسمٌ كالفـستق ... قال : صحـيح . قـلتُ له : هـل يمكن أنْ يقـول مثلاً : وجـهكِ شاحـب ، كأنّ غـباراً نــُـثِـر عـليه ؟ قال : كلا ، ولا يجـوز ذلك ! قـلتُ له : هـل يليق أن نقـول لخـطيبـتـنا : أنتِ مُـتعـفــّـنة ، مزنجـرة ؟ قال : ذلك غـير معـقـول ، أيّ نوع من خـطيب يكـون ذلك الذي يقـول لعـزيزته مثل هـذا الكلام ؟ قـلتُ : إذن هـذا النوع من العـبارات غـير لائقة بين الحـبيـبَين . قال : أكـيد . قـلتُ : ولكن خـطيبتك الموقــّرة قالتْ مثل هـذه التعابـير ؟ قال : كـيف ؟ أنا لم أركـّز عـليها ، هـل ذلك معـقـول ؟ قـلتُ له : نعـم قالت بالأغـنية الفـلانية . وعـندها إسـتدركـني وقال : أنّ هـذه أغـنية يغـنـّيها المطرب الآثوري الفـلاني ، قـلتُ له : صحـيح لأنّ إثـنـَين من شـبابـنا الألقـوشيّـين أعـطيا هـذه الكـلمات له ، ولكن عـلى المطرب أن ينتـبه إلى ما يُـقـدّم له من قـصائـد للغـناء فـقـد يكون فـيها ألفاظاً بذيـئة لا يرتضيها السامع . قال : في الحـقـيقة حـينما نصل إلى البيت سأناقـش الموضوع مع خـطيبـتي . قـلتُ له : شكـراً . ثم غادرنا القاعة ولم تـتوفـر لي الفـرصة كي أسمعـها منها ثانية وهي تغـنـّيها . وفي مناسبة أخـرى كـرّرتُ الكـلام عـينه مع إحـدى الفـرق الغـنائـية المحـلية في سـدني وأبـدوا الإنـدهاش نفـسه ما عـدا أحـدهـم الأقـرب إلينا وهـو عـضو في الفـرقة ذاتها حـين قال : وماذا بها ؟ قـلتُ له : هـل تقـبل أن يُقال لأخـتكَ أو خـطيبتـكَ هـذا الكـلام ؟ فأجابني : وماذا بها ! فـتركـتـُه وقـلتُ مع نفـسي : إذا بقـيتْ الأمور بأيدي هـذا الجـيل المائع فـلـنـُحـَضّرالكـفن لقـيَم الآباء وتراث الأجداد . ولكـنـني لمّا نبّهْـتُ رئيس فـرقـته حـول الموضوع نفـسه كانت إستجابته بطريقة أخـرى ، فـفي حـفـلة لاحـقة إخـتصر المطرب الأغـنية ولم يصل إلى الكـلمات المذكـورة آنفاً مطلقاً . أما في حـفـلة أكـيتو 1/4/2007 فإن مطرباً جـديداً تـتطرّق إلى الأغـنية موضوع البحـث وقـد كـلـّمتـُه بشأنها بأسلوب دوبلوماسي وقـلتُ له : إذا أعـطـيتــُك كـلمات لأغـنية هـل ستغـنــّيها مهـما كان النص ؟ قال : طبعاً لا ! ولما ذكــّـرْتــُه بالأغـنية التي نحـن بصددها أظهـر تفـهّـماً مُرضياً لنا وسجّـل عـنده ملاحـظتي وتصحـيحي لتلك الكـلمات بأخـرى بديلة لم تؤثر عـلى الوزن والقافـية والإيقاع وهي - بْـناثا زدْليه إيقارا - في تلفـونه النقال ( موبايل ) ووعـد بالأخـذ بها ، وسنرى لاحـقاً أنه كان ملتزماً و ذو أخلاق عالية . فـفي الـ شيرا التالي والمصادف في يوم 22/4/2007 أطربنا هـذا المطرب وإتضح أنه خـفـيف الدم ، مُريح وبشوش يتقـبّـل النقـد والتصحـيح حـيث أنّ فـتيات أخـبَرنـَـني حـين إستمعـنَ إليه في أغـنيته الفولكـلورية الألقـوشية هـذه ، قال : ( بْـناثا زدْليه إيقارا ...... بدلاً من : بْـناثا أريليه جـنـْﮔارا ) ! إنه المطرب الصاعـد بسّـام الريگاني المحـبوب .
وهـناك موضوع آخـر ....:
إنـنا نستغـلّ أعـيادنا الدينية فـنقـيم فـيها حـفـلاتـنا الإجـتماعـية إبتهاجاً بعـيد ميلاد ربنا يسوع المسيح أو فـرحاً بقـيامته مِن بـين الأموات ، أو إحـياءاً لذكـرى رمز ألقـوش ( ربّان هـرمزد ) أو أية حـفـلة ترفـيهـية أخـرى ، وهـل عـندنا مُـبرّر آخـر لها عـدا التعـبـير عـن سـرورنا بها ؟ ولكـنـنا إذا قـلنا لأحـد المطربـين أن يغـني في الحـفـلة نشيداً دينياً ! سيقـول الكـثيرون أنـنا لسنا في كـنيسة ، طيّـب . وإذا قـلنا دعـونا نغـنــّي بإسم القـديس أو الـﭙاطريرك الفـلاني الألقـوشي الشهـير ! فـمن حـق الكـثيرين أن يُعارضوا بــِقــَـوْلهـم : نحـن جـئـنا لكي نأكل ونشرب ونرقـص بهـذه المناسبة السعـيدة فـما الداعي إلى ذكـْر إسم مَن مات ؟ وكـذلك لا يقـبلون أن نغـنـّي بإسم الأخـوية الكـنسية الفـلانية ، وهـذا حـقـهـم وأنا أؤيّـدهـم ، فالمبدأ في كـلامي باتَ واضحاً . إلاّ أنّ بعـض مطربـينا ( حـسبما يفـكـّرون ) يودّون أن يكـسبوا تعاطفـنا ورضانا بطريقة لم نكـلـّـفـهـم بها يوماً ، مستـندين إلى الإتجاه السياسي المزعـوم أو المُـفـترض خـطأ عـن الألقـوشيّـين ، فـيذكُـرون أثـناء غـنائهـم في حـفـلاتـنا الميلادية أو القـيامة ، إسم الحـزب الفـلاني أو الرجـل الفـلاني المنـتقـل إلى الديار الأبدية .
فـفي حـفـلة عـيد القـيامة 16/4/2006 أثبتَ أعـضاء الهـيئة الإدارية وأغـلب الحاضرين ( إنْ لم أقــُلْ جـميعهم ) أنهم لا يهمّهم ماذا يغـنـّيه المطرب ولذلك لا يعـطون أذناً لما يقـوله من كـلمات أوعـبارات ، تلك التي يُـؤمّـل فـيها أن تـنقـلهم إلى أجـواء رومانسية مـمتعة ومُلهـمة تـنشرح لها قـلوبهم وتريحـهم من روتين العـمل اليومي وتصل بهـم إلى قـمة النشوة والفـرح ، فـبدلاً من كـل ذلك نراهـم يرقـصون عـلى ضربات الطـبل وإيقاع الدفـوف ليس إلاّ ، فـلا إلهام ولا إعـجاب ولا رومانسـيّات ، وكـأنّ لسان حالهـم يقـول : ( نرْگـصْ وْ ياهـو مالـَـتــْـنا بالإنـﮕـليز) . صحـيح أنـنا حـين حـضرنا الحـفـلة بمناسبة عـيد قـيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات لم نأتِ للصلاة ، ولكـنـنا بالوقـت نفـسه لم نأتِ لأيّ غـرض سوى التعـبير عـن فـرحـتــنا بهـذا العـيد فـنغـني لأولادنا ، لبناتـنا ، لأعـزائنا ، لبلدتـنا ألقـوش ، نغـني بالحُبّ والغـرام وبعـبارات تراثـنا الإجـتماعي وحـتى بفكاهات بريئة ضمن حـدود الذوق المقـبول . ولكـن المناسبة ليستْ سياسية كي نهـتـف أو نغـني بالسياسة ولا هي عـيد ميلاد شخـص ما لكي نمـتدح إسمه ، فـلهـذه المناسبات حـفـلات خاصة ومحـدّدة تقام لهـذا الهـدف حـصراً ، وأؤكـّـد أنّ حـفـلات كـهـذه لا يتطـرق فـيها المطرب إلى ذكـر إسم قـديس أو أخـوية كـنسية لأنّ لا عـلاقة لهـذه بتـلك . فـهـل من الصحـيح أنْ يتطرّق المطرب في غـنائه - وفي عـيد القـيامة المجـيدة - إلى التـنظيم السياسي الفلاني وأياً كان لونه أرجـوانياً أم گــُـلـگــُـلياً ؟ أو إلى إسم شخـص إنتقـل إلى الديار الأبدية والذي نطلب الرحـمة له ؟ والأكـثر من ذلك فالمطرب صار يتمادى في غـنائه فـيتمنـّى بلسان شبابنا أن تبعـثهـم أمهاتهـم إلى حـيث مَنْ غادرَنا ورقـد حـتى يوم القـيامة بحـجة أنّ تلك الكـلمات كانت تـُردّد في يوم ما !. فـمَنْ منا يقـبل أو يتمنى لأولاده أنْ توفـيهم المنية اليوم حُـباً بالإنتقال وبسرعة لمرافـقة مَنْ قـد توفى سابقاً ؟ هـل أصبحـنا مِن أتباع .......... ؟؟ إنهم لم يستـفِـدوا من حِـكـَم غـيرنا حـين قالوا : إنّ مَن كان يعـبد فلاناً فإن فلاناً قـد مات ، ومَن كان يعـبد الله فإن الله حيّ لا يموت . وإذا كان اللاأباليّون لا يهـمّهم الأمر فـهناك الكـثيرون يهمّهم . وفي نهاية الحـفـلة تكـلمتُ مع عـدد من الأعـضاء وقـلتُ لهم : هـل كـنتم قـد رتـّبتم برنامجاً للمطرب ؟ قالوا : لا . قـلتُ : هـل كنتم قـد أوصيتـموه بماذا يغـنـّي ؟ قالوا : لا . قـلتُ : هـل إستمَعـتم إلى ما غـنـّاه المطرب ؟ قالوا : لا . ولما أعْـلـَـمْـتـُهـم بالموضوع إنـدهـشوا ( وقـد يكون إندهاشهـم مصطنعاً والله أعـلم ) ! ولكـنـني لم أستغـربْ من دهـشتهم فـحالهم حال الكـثيرين . وكانت ردود فـعـلهم متباينة فـمنهـم مَنْ كان منطقـياً في تفـكيره وحـريصاً عـلى السلوك الرزن والقـويم فأيّـد كلامي ، ومنهم مَنْ كان لا أبالياً وكأنه ليس في هـذا العالم ، ومنهم مَنْ كان حائراً بـين الـتأيـيد أوالرفـض خـوفاً من الإنـتقاد لأنه ليس شجاعاً ، والبعـض الآخر حـين سمع كلامي تصرف كالثعـلب فـحاول لاحـقاً التسلـّـل إلى المستـنقـعات للإصـطـياد بالماء العـكر ، فإذا حالفه الحـظ واصـطاد ضـفـدعة يلوّح بها نهاراً أمام زبانيّـته ، ثم يُلـقـيها في نفـس المستـنقـع ليلاً فـهـو ليس مستفـيداً ولا مُـفـيداً ولكـنه.....! يُحـبّ الأيقاع بغـيره عـسى أنْ يبقى هـو واقـفاً فـيراه الناس ، ولكـني لم أتـركـْه عـلى هـواه ، بل برَدْتُ وَمَحَـيْتُ رأسَ شـصّـه المدبّب بالمِـبرَد فـصار ناعـماً محـدّباً لا يصيـد البتة .
وقـبل الإحـتفال بعـيد الميلاد المجـيد لهـذا العام ، عـلِـمْتُ أن المطرب الذي غـنـّى في يوم 16/4/2006 الماضي هـو الذي سيغـني لنا أيضاً في حـفـلة عـيد الميلاد 25/12/2007 الحاضر ، لذلك نبّـهـتُ أحـد الإخـوة - وهـو حـريص عـلى مثل هـذه القـيَم - وكـلـّمتــُه بهـذا الخـصوص كي يتدارك الأمر مسبقاً فـوعـدَ وفـعـلاً جاهـدَ . ولكـن القـصة تكـرّرَتْ حـين ذكـر المطرب المشار إليه ، في غـنائه الحـزب الفـلاني والقائـد الفـلاني مرة أخـرى ! . ولما نوّهْـتُ الأخ في حـينها وهـو في حـلقة الدبكـة وقـلتُ له : هـل سمعـتَ ما الذي قاله المطرب ؟ قال : لا . قـلتُ : لقـد كـرّر العـبارات .... ! وفي الحـقـيقة إستغـرب وقال : كـيف حـصل هـذا ! إنـني في البارحة نـبّـهـتُ الإخـوة حـول هـذا الموضوع !! وأضاف : رأيتُ أحـد الأعـضاء قـبل قـليل يهـمس في أذن المطرب ، فـربما كان يُـكـلـّمه بهـذا الشأن ! وحـين أراد أن يتابع الموضوع آنـياً ، رجَـوتــُه أن ينسى الأمر حـتى إجـتماعـهـم المقـبل فـلا نريد أي مُـنغــّص في الحـفـلة .
إن مطربـينا الآثوريّـين حـريصون عـلى ملء أجـواء حـفـلاتـنا بالبهـجة والسرور ، فالأفـضل أن يخـتاروا ما هـو مناسب لكل مناسبة ، فـلكل مقام مقال ولكل قـضية نضال . ونحـن في غاية الحـرص عـلى مشاركاتهـم معـنا أفـراحـنا ، والله من وراء صفاء نياتـنا .