مقارنة بين بياني المجمع البطريركي وبيان لقاء أساقفة الشمال
بعد انعقاد المجمع البطريركي الكلداني في دير السيدة بجوار ألقوش في الفترة ما بين 1 _ 5 حزيران 2007، ولقاء أساقفة وكهنة أبرشيات المنطقة الشمالية في عين سفني بتاريخ 2 تموز 2007. كثر الجدل حول مجريات وقرارات هذين الحدثين، وذلك من خلال ما كتبه العديد من الأخوة على صفحات موقعي عينكاوة ونيركال كيت. وهنا أشير أن من حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه، وهذا حق شرعي له. ولكن أن يجعل نفسه ناطقاً رسمياً لأحد فهذا غير مقبول. نحن نحب كنيستنا ونريد إبداء رأينا بصدق وإخلاص لخيرها. ونفتخر دوماً بأننا أبناء الشهداء. ونحن أبناء كنيسة المشرق أتباع مار توما الرسول مؤسس كرسينا البطريركي، فمعروف عنا أننا لا نؤمن إلا إذا وضعنا إصبعنا على الجرح. ويبدو أن البعض لم يقروا ما هو مكتوب، بل راحوا يفسرون ما ليس مكتوباً. ومن هنا علينا أن نتأمل بعمق وروية في بياني المجمع البطريركي وبيان لقاء أساقفة الشمال، بعيداً عن العواطف والمحسوبيات، ونقارن بينهم بصدق ومسؤولية، غير مندفعين وراء الشعارات الفارغة والتي يقول فيها المثل " حبر على ورق ". لأننا اليوم نقف على مفترق الطرق، ويتطلب الظرف الحالي منا أن نكون حكماء في مواقفنا، متحدين بقرارنا. حتى نحافظ على وجودنا وحضورنا المهدد من قبل أعداء البشرية. وإذا بقينا على حالة التشرذم والإنفكاك فهذا عدو أخر يعجل في إنهاء وجودنا. إنها مرحلة مصيرية يتوجب على الجميع ترك الصراعات والمنافسات الغير صالحة، والعمل معاً من أجل شعبنا المعذب الذي يعاني أشد المعانات في ظل ظروف صعبة وقاسية. ولا دواء لهذا الداء سوى وحدة الكلمة والترفع إلى مستوى المسؤولية. والابتعاد عن المتاجرة بمآسي شعبنا لمنافع شخصية، واستغلال هذه الظروف لتحقيق المزيد من المأرب الشخصية. متناسينا قول بولس رسول الأمم: " تنافسوا بالصالحات ".قد يستغرب القارئ العزيز أن في عنوان مقالي هذا ذكرت " بياني المجمع البطريركي "، نعم أنه أمر غريب وسابقة خطيرة أن يصدر عن المجمع المذكور بيانان خلافاً للأنظمة والقوانين المتبعة. فمن المعروف أن بعد انتهاء السينودس يقرأ أو ينشر أمين عام السينودس البيان الذي أجمع عليه المجتمعين. لكن مع الأسف الشديد صدر من أحد نواب غبطة البطريرك بياناً عن السينودس وعلى موقع البطريركية الرسمي ثم على موقع عينكاوة، قبل أن يذيع الأمين العام البيان الرسمي الصادر عن السينودس في ختام أعماله. ناهيك عن تسرب أسماء الأسقفين المنتخبين من قبل الأساقفة المشاركين فيه والسينودس لم ينهي أعماله بعد. هذه الظاهرة تعبر وبكل وضوح عن أجواء الانفعال والتكتل التي فيها انعقد السينودس !!!. ويؤلمني القول أنها منافسة غير صالحة بين بعض أعضائه. وألا ما سبب نشر بيان معاون البطريرك قبل أن يذيع الأمين العام البيان أصولاً. واعتقد أن بيان أساقفة الشمال أشار لهذه الظاهرة من خلال الجملة: " الارتجال في الإدارة ".
ومن خلال ما نشره السيد مؤيد هيلو على موقع عينكاوة تحت عنوان " رد هادئ على بيان المطارنة الكلدان في المنطقة الشمالية ". ومن بعده السيد منصور توما ياقو في نفس الموقع تحت عنوان " ما بين سطور بيان أساقفة المنطقة الشمالية ". يبدو لي أننا لا نزال نعاني من ذاك الداء العقيم، وهو الانجراف خلف العواطف من خلال الشعارات البراقة دون تمحيص الأمور والوقوف على حقيقتها. ففي البداية يسأل السيد هيلو ما المقصود بالتأوين، وكأنه ليس عاشاً في أمريكا، ولا يعرف المصطلح المتداول جداً في العديد من المجالات :
أي " up to date " الذي يعني التكييف حسب الزمان والمكان، بحسب ثقافة كل عصر وحساسيته، والخروج عن التقليد الذي أنهك الكنيسة، في زمن نحن بأمس الحاجة للتجديد، والخروج من التقوقع للانفتاح والانطلاق نحو الأفضل والأجدى. والتجديد لا يعني إلغاء الطقوس الكنيسة والممارسات كما يقول، لكنه استمرار للحياة والتواصل، ومواكبة المستجدات حتى تكون ملائمة للعصر الذي نعيش فيه. فما كان صالحاً للسلف ليس بالضرورة مفهوماً للخلف !.
أما أن يتهم السيد ياقو أساقفة الشمال بالخروج عن الطاعة الموجبة للرئاسة لعدم حضورهم السينودس، فهذا قول غير مقبول. لأن رأس الكنيسة يترأسها بالمحبة، وعليه أن يكون أباً للجميع. ويضع نصب عينيه مصلحة كنيسته، وعليه الاستماع للجميع دون تمييز.
وأما القول بقاؤنا أبرشيات صغيرة فهذا لا يعني دمج أبرشيات مع بعضها، بل الدعوة لتكون أبرشيات كبيرة بعطائتها خاصة في زمن الشدة والمحن. ثم لماذا لا تندمج وهذا قد حصل مرات عديدة في تاريخ كنيستنا الكلدانية. وهذا يعني حرص المقترحين على التوحيد والتنسيق خاصة في الظروف الصعبة. لماذا جعل البطريرك البصرة وكالة بطريركية وهي اليوم بحاجة ماسة إلى أسقفها ليرعى ويشجع ويحافظ على القطيع، بدل كاهن لا حول له ولا قوة.
وما التخبط التي تعاني منه رئاسة كنيستنا سوى دليل على ضعف الإدارة، التي لم تجدد ذاتها حسب المستجدات، والتحضير لأخذ دورها في زمن الصعوبات. وخير دليل على ذلك مقرارات المؤتمر البطريركي العام للكنيسة الكلدانية الذي انعقد سنة 1995، وكان عنوانه: " انبعاث _ حياة _ تجدد ". وشكل فيه العديد من اللجان منها للطقوس والأسرار والإيمان والإكليروس والدعوات الكنسية والعلاقات والرهبانيات والتثقيف والإعلام والنشر والعلمانيين والتاريخ والتراث والمسكونية والديانات والأموال والمؤسسات الكنسية. وبعد مرور أثنا عشر سنة لم نجد على أرض الواقع أي تطبيق لتلك القرارات. قد يبرر البعض ذلك بظروف العراق الحالية، لكن هل تناسينا أن هذه الظروف ظهرت في النصف الثاني من سنة 2003، وقبل هذا التاريخ كان وضع العراق مغاير لما عليه اليوم، وكان قد مضى على المؤتمر أكثر من ثماني سنوات، ومع الأسف الشديد بقيت تلك القرارات حبر على ورق. ولم نشعر بانبعاث ولا بحياة ولا بتجدد. وكما ذكر السيد هيلو كان غبطة البطريرك معاوناً بطريركياً لأكثر من أربعين سنة، هذا يعني أنه اكتسب خبرة مميزة من خلال مركزه طوال هذه الفترة. لكننا في هذه المرحلة ومنذ أن تسنم غبطته السدة البطريركية لم نرى أي موقف يبين لنا عن عمق هذه الخبرة. وأي خطاب موحد سمعناه من غبطته سوى الهروب إلى الوراء، وترك الرعية تتخبط بمآسيها. ومن منا لا يعرف كيف وصل للسدة البطريركية وهو مطران متقاعد !!!
وهل دعوة أساقفة الشمال إلى دراسة وضع النازحين وتعين كهنة لهم يعتبر خروج عن القانون ؟ ألا تعلم البطريركية أن في سوريا أكثر من عشرة آلاف عائلة كلدانية نازحة، وفي الأردن أكثر من خمسة آلاف عائلة، وفي لبنان أكثر من ألفين عائلة. ناهيك عن تركيا ومصر وغيرها من دول الشرق الأوسط. أليس من العار أن تكون أبرشية بيروت الكلدانية بدون كاهن كلداني يخدم ويسهر على نفوس الرعية، حتى يضطر أسقفها للتعاقد مع كاهن ماروني ليساعده في مهامه. أم أن تصدير كهنتنا إلى أوربا وأمريكا هو الحكمة بعينها. مقابل حفنة من الدولارات يدفعها أساقفتنا الأجلاء في أمريكا لرئاستنا وأساقفتنا في العراق، للحصول على أفضل الكهنة. لماذا نقول أن هناك مخطط لتفريغ المسيحيين من العراق، ونخجل أن نقول أن أحبارنا يفرغوا العراق من الكهنة ؟.
وأما القول أن البطريركية انتقلت إلى أربيل مؤقتاً، فبالحقيقة لم نسمع بهذا الخبر العاجل، ومن أين أتيت به. وحتماً ستنظم أعمالها حسب الوضع الجديد الناشئ عن النزوح. وإنشاء الله سوف تنظم الدائرة البطريركية السجلات والأموال ؟. كلام غريب. وهل يوجد في البطريركية سجل للأموال حتى يدعوا أساقفة الشمال البطريركية الكريمة للعمل على ذلك. وإذا ما قاله أساقفة الشمال عن عدم وجود ذلك صحيحاً، فتلك مصيبة كبيرة، فهل يعقل أن مؤسسة بطريركية لا تملك سجلات منظمة. علماً أن أبسط البقالين يملكون سجلاً يدونون فيه الصادر والوارد، فما بالك إذا افتقدت رئاسة كنيستنا لذلك ؟.
أما التعليق على انتخاب أساقفة جدد من الكهنة الذين يشهد لهم بروحية عالية وسمعة حسنة وثقافة منفتحة وإدارة حكيمة، أفليست هذه الصفات هي المطلوبة في شخص المنتخب لدرجة الأسقفية. أم أنك تجد من الأفضل اختيار الأساقفة لاعتبارات عشائرية ؟. وإذا كان أساقفة الشمل قد أشاروا إلى ذلك أليس بعد تسرب أسماء المنتخبين الجدد ؟
أما القول أنا كهنتنا لا ينقصهم شيئاً، وأن أحوالهم على ما يرام. إنه مجرد كلام، فالكثير من كهنتنا يفتقدون لأبسط الأمور، والرئاسة غير مبالية بطلباتهم، غاضة النظر عن معاناتهم. وتستطيع التأكد من ذلك عند سؤالك الكهنة الذين تركوا العراق.
أما استشهادك بكنيسة مطرانية كركوك التي وصفتها بأنها أية في الفن المعماري الإغريقي المطعم بالمرمر الإيطالي الثمين. ثم تتوقف بعد أن تضع عدة نقاط. أنها علامة تؤكد أن شيء ما يقصد به، وكان من الأفضل أن يذكر ما كان يدور في باله. نعم نفتخر بكنيسة ومطرانية كركوك التي يعود الفضل في تشييدها إلى مطرانها السابق أندراوس صنا والحالي لويس ساكو. وهنا أسئل السيد هيلو أيهما أفضل أن تكسى صروحنا الدينية بالمرمر الإيطالي الثمين من قبل رؤسائنا الروحيين، أم يجمعوا الأموال من هنا وهناك ويصدروها إلى بنوك أمريكا وأوربا ليضعوها في حساباتهم الخاصة، ليتعارك عليها الوراثة فيما بعد.
وهل تناسى السيد هيلو أن أبرشية كركوك تقوم بواجباتها تجاه النفوس، من خلال العمل الحثيث والمثمر على جميع الأصعدة. وهي الأبرشية الوحيدة حسب علمي لا تمد يدها لتأخذ مالاً من هنا وهناك إلا من المؤسسات الكنسية. وكهنتها يعيشون بعز وكرامة، متمنياً أن تكون نشاطات جميع الأبرشيات على هذا المستوى الرفيع من المسؤولية.
أما التعليق على الطلب لتشكيل محكمة كنسية في المنطقة الشمالية، للنظر في القضايا الكثيرة التي تنتظر قراراً. فما هو الخلل بذلك، وأليس من المفروض على الرئاسة أن تفكر بذلك خدمة لأبناء الكنيسة. أما التعليق على تعين أسقفين كعضو دائم وكرديف دون إبداء الرضى. فاللياقة والاحترام تدعوان إلى طلب رأي من يختار لمركز ما، بدل هذا التصرف المشبوه والذي له خلفيات مقصودة لغاية في نفس يعقوب.
وأما اختيار أبرشية ألقوش لتكون مركزاً لقسم الصغار دون استشارة راعي أبرشيتها، فهذا أيضاً تجاوز على القوانين الكنسية. فقد جاء في القانون 190 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية: " يمثل الأسقف أبرشيته في جميع الأمور القانونية ". فهل تناسى السينودس أنه يمثل مؤسسة كنسية، لها قوانينها وأنظمتها. وإذا دعا أساقفة الشمال الرهبانيات للعمل في هذه الأبرشية، فلماذا يعتبرها السيد هيلو دعوة متأخرة. فهل يعتقد أن هذه الأبرشيات قد فقدت الحياة لا سمح الله ؟. وهل الحياة الكنسية محصورة في أبرشيات أمريكا التي يعيش فيها.
أما اعتقاد السيد ياقو أن عبارة أساقفة المنطقة الشمالية سيخلق انقسامات داخل الكنيسة، فهذا اعتقاد في غير مكانه. لأن هؤلاء الأساقفة مشهود لهم من الجميع عن عمق محبتهم للكنيسة. والدليل على ذلك تفانيهم في رسالتهم، ورعايتهم القطيع بجد ومحبة.
أما عدم الإشارة إلى أسقف نينوى الذي كان بين أساقفة الشمال في اللقاء الأولى، والذي عقد قبل السينودس البطريركي، وما عليك إلا أن تسأل أسقف الموصل لماذا أنضم إلى أساقفة الشمال في البداية، ووقع معهم بيانهم الأول. ثم تراجع وحضر السينودس البطريركي لأسباب معروفة ؟. وأما أن يقول السيد ياقو أن بيان السينودس البطريركي كان محقاً بتجاهل الأساقفة المقاطعين، فهو بذلك يكشف عن نفسه بأنه محامي دفاع عن طرف دون أخر، مناقضاً نفسه بنفسه لما عبر عنه في بداية مقاله حيث قال: " مهما حصل سنبقى نحن الرعية وهم الرعاة الذين نتخذهم كمثل أعلى لنا. . . هذا هو رأيي وإيماني " ؟. ولماذا يستغرب السيد ياقو من دعوة الأساقفة لعقد سينودس تحت رعاية الكرسي الرسولي، ويعتبر ذلك تجاهل للكرسي البطريركي. وهل تناسى أن أساقفة كنيستنا اجتمعوا سنة 2003 في بغداد لانتخاب خلفاً للبطريرك بيداويد، وعلى مدى 15 يوماً لم يتوصلوا إلى نتيجة. ثم عقدوا اجتماع أخر في روما تحت رعاية الكرسي الرسولي. وجرى ما جرى ! ! ! فلماذا لم يقل يومها أنه تجاهل لكرامة الكرسي البطريركي ؟
ولا بد من شكر السيد هيلو دعوته إلى وحدة الصف والوقوف مع قيادتنا الوحيدة متمثلة بغبطة البطريرك وإخوته وأبناؤه المطارنة والقساوسة والرهبان والاكليروس ومعهم المؤمنين واجب ديني والتزام أخلاقي في هذا الوضع الصعب والمرير. دعوة نتمناها جميعاً.
كما نتمنى أن تكون رئاستنا جديرة بالثقة حتى نلتف حولها. وأخيراً أذكره أن جميع الملح لم يفسد كما قال، ولكننا لا زلنا نملك ملحاً جيداً نستطيع أن نملح به، وما علينا إلا أن نقتلع الملح الفاسد حتى تستقيم الأمور ؟.
أختم مقالي بمثل شعبي: " يحكى أن رجلاً ذهب إلى السوق ليشتري سمكة. وما أن وصل هناك حتى أخذ يتفحص ذيل السمكة. فصاح به بائع السمك قائلاً: يبدو لي أنك في حياتك لم تشتري سمكة، لأن الذي يشتري السمكة ينظر إلى رأسها متفحصاً غلاصمها ليتأكد من عدم فسادها. فرد عليه الرجل بالقول: اسمع يا بائع الأسماك منذ نعومة أظفاري أشتري السمك، وأميز السمك الجيد من السمك الفاسد. وما أن نظرت إلى رأس سمكتك حتى عرفت أنها فاسدة. لكنني تفحصت ذيلها حتى أرى هل وصل الفساد إلى ذيلها أم لا " ؟.