مقال واسم مستعار
أخبرني صديق لي أنه كتب موضوعا جريئا يخص الوضع السياسي الساخن في عراقنا الجريح، وموضوعا كهذا يمسّ أحد الحيتان الكبيرة في العملية السياسية التي يتصارع عليها قوى مختلفة وبممارسات يندى لها الجبين من قتل ودمار الذي أصبح واقعا روتينيا مع شديد الأسف تعيشه خاصة بغداد التي هي مركز القرار والسلطة والموقع الذي إذا تم حسمه تتم السيطرة على مقاليد الأمور للإيثار بأكبر قدر من المكتسبات في مستقبل العراق، هكذا موضوع يكون غير مسموحا له أن يرى النور!!!وهذه التي أسماها حيتان لا يهمها مطلقا أن تأكل الأسماك الصغيرة، لأنها يجب أن تستمر بالإبحار، فأهدافها لم تُنجز بعد ولا زال أمامها أسطول من حيتان أخرى تُصارعها بغية أثبات القوي منهما مكانته وفرض هيبته على الآخرين، وجراء ذلك نرى ونسمع يوميا أنه تم العثور على العشرات من الجثث المجهولة الهوية!!! وهكذا الاسم يُطلق عليها وبسهولة وكأن الإنسان هذا المخلوق العظيم عند الفراغ منه كهدف سياسي ورميه على الطرقات جثة هامدة يصبح صفرا على الشمال مجهولا لا يعرفه أحد!!!
كما حدثني صديقي أن مقالته تطرقت لمكونات شعبنا العراقي التي لا حول لها ولا قوة والتي هي بعيدة جدا عن اللعبة السياسية ولا همّ لها سوى العيش الآمن والسعي نحو مستقبل أفضل من خلال عَرَق الجبين والعمل المضني وبشرف، وأيا كانت السلطة عندها فالمهم أن تفرض القانون وتطبقه وهي بالنتيجة تحترم هذا القانون وتعمل تحت مظلته لكي تستمر بالعيش وتخدم أفرادها وبالنتيجة تخدم العراق ككل.
ونتيجة جرأة المقال خاف أن ينشره هذا الصديق بالاسم الصريح مغبة أن يصبح هو الآخر جثة مجهولة يوما ما، فقام بالتسجيل بأحد المواقع الإليكترونية باسم مستعار لينشر الموضوع ويوصل الرسالة لأكبر قدر ممكن من الجمهور الذي اختلطت عليه الأمور ولم يعد يميز بين الأبيض والأسود ... بين الوطني الصميمي وبين السياسي اللعوب.
وإيصال رسالة كهذه لشعب العراق وكشف زيف ادعاءات هذا أو ذاك من الكتل السياسية ليس بالأمر المُتيسر في عراق ما بعد السقوط، رغم تعدد القنوات الاعلامية وتوفر الاتصال عبر الشبكة العنكبوتية والآلاف من المدونات الحرة وعشرات الجرائد، لأن من يريد إيصال رسالة، فعليه نشرها في موقع أو جريدة معروفة يقرأها الناس بكثرة، فما فائدة نشر المقال في موقع لا يزوره سوى عدد محدود وربما هؤلاء أيضا لا يقرأون المقال فيكون مصير الرسالة سلّة المهملات وحرمان العراق من حزمة الضوء الذي أجهد صديقنا هذا نفسه بالتحليل والرصد حتى وصلته فكرة مقاله وبالنتيجة تصبح هذه الفكرة لنفسه فقط.
ونعود للمقولة الحكيمة التي تقول عن من رأى منكم منكرا فليغيره... وهنا يصبح التغيير بقلبه خاصة أن صديقي كما قال لي أنه أنهى مقالته بعبارة (أللهم أشهد أني بلغت)، لكي يزيح عن كاهله الصورة الرهيبة التي طرأت على باله وهو يحلل الأحداث ويستقريء المستقبل ويكشف زيف البعض لكي لا ينخدع به المؤمنون!!!
لكن أين كان مصير المقال وما الذي آل إليه؟ يقول لي صديقي أنه في اليوم التالي لنشره مقالته في هذا الموقع الذائع الصيت أقله بين العراقيين، ذهب ليرى الاصداء التي وصلت عليها لأنه حاول فتح المقال مجددا ليعرف كم من القراء اطلّع عليها وقرأها مؤملا نفسه بأن رسالته قد وصلت لعدد منهم وهكذا يتم نشر فكرته لكي لا يُخدع العراقي ويُلدغ من جحر مرتين وربما مرات كثيرة!!! ففوجيء أن الاسم المستعار الذي سجّل بموجبه في ذلك الموقع قد تم مسحه!!!!، والمقال قد تم رفعه!!!
إذا نحن في زمن الديمقراطية!!! وهذا الذي قام به الموقع قد زاد من قناعته أن ما ذهب إليه من تحليل كان هو الصواب، وأيقن أن الديمقراطية أيضا في مواقعنا الأليكترونية هي الأخرى قد حُرمت منها وربما هذه أيضا تستلم تمويلها من الحيتان الكبيرة ولا تسمح إلا بما يُكتب ويُنشر من مقالات لا تمسها بل ربما بما يُمجدها فقط!!!
فقال لي صديقي بعد أن رأى أن المستقبل أصبح أكثر قتامة واكتشافه زيف ديمقراطية المواقع وتقييد الأقلام وتحجيم الأفكار أن واقعا كهذا مؤلم جدا وأن انخداع أعدادا كبيرة بموقع يرون فيه أنه واحة لتفاعل الأفكار هو مضيعة للوقت والجهد وأن الأموال قد تم صرفها لتمويل هذه أيضا حتى تراقب ما يُكتب ويُنشر فيها ويتم رمي ما يمسّ المُمولين إلى سلات المهملات ليبقى التحليل ناقصا ويستمر العراقي جاهلا بما يجري من حواليه وتستمر الحيتان الكبيرة بتمرير مخططاتها وتهيئة الأجواء لأنفسها في مستقبل العراق، أما الشعب المسالم والعفيف والنقي الذي يرفض الغش والخداع ويؤمن بالقانون والاخلاص فليذهب إلى الجحيم وحتى لو أصبح كتلا لحمية متناثرة هنا وهناك بتفجير أو عمل إرهابي يتم لصقه بالقاعدة الحل الجاهز أمام هذه الكتل فلا يهم، فالمهم أن يحيا الريس وأن يطول عمره.