مقترحات لتعديل ؛؛قوانين الانتخابات؛؛ ليكون القرار الانتخابي اكثر حكمة.
المجتمع العراقي يعد من المجتمعات الشابة ذات النمو السكاني السريع فقد كان سكان العراق في نهاية الستينات لا يتجاوز5 ملايين نسمة وفي نهاية السبعينات أصبحت نفوسه بحدود 13 مليون نسمة. وفي نهاية التسعينات رغم مرور العراق بحرب طاحنة لسنوات طويلة ومشاكل اقتصادية كبيرة وحصار مدمر أصبحت نفوس العراق أكثر من 22 مليون نسمة والآن في نهاية العقد الأول في الألفية الجديدة وصل نفوس العراق الى 31مليون نسمة. هنا ببساطة يمكن أن نستنتج بان الحركات السياسية التي كانت موجودة في الساحة العراقية قبل عام 1980 أصبحت أقلية عام 2009 وليس لها دور يذكر ألا في ذاكرة للبعض وفي كتب التاريخ الحديث الذي لم يكتب بشكله النهائي حتى الآن ونخشى أن يتم تزويره!!! طبعا هذا الموضوع له أهمية كبيرة لأي عملية انتخابية.ولقد كتبنا وبينا تأثير ذلك في مقالة سابقة:http://www.yanabeealiraq.com/articles/ali-alzaky270309.htm
http://www.inciraq.com/pages/view_page.php?id=21011
http://www.almarsadnews.org/observatory-in-a-week/832.html
ونظرا لأهمية الموضوع نطرحه مرة ثانية كبوابة للتأمل في ديمقراطية العراق الجديد. أن من أهم أسباب فشل الديمقراطية في مجتمعاتنا الشرقية وعدم استقرارها هو أن القرار الجماعي غالبا ما يكون مشتت وغير حكيم وذلك عائد الى سمة مجتمعنا الشبابية التي تتسم بالثورية والتأثر الإقليمي الداخلي (العرقية الطائفية المناطقية العشائرية) أكثر من التأثر بالتوحد الوطني والسلام وتفهم الآخرين بحكمة. حيث أن الفئة الشبابية دائما تنجرف وراء الشعارات الرنانة غير الواقعية بسرعة وتنجرف وراء الأفكار البراقة وتأخذها الموجة وتأخذها الموضة وتتقلب أفكارها بسرعة كموجة تتصاعد ثم تختفي وتزول...
بينما توصف المجتمعات الأوربية بالمجتمعات الكهلة (غير الشابة) تكون فيها الديمقراطية مستقرة ومثمرة ومستمرة بثبات لما يخدم المجتمع لان هذه المجتمعات نموها السكاني قليل جدا وتكون فيها نسبة الفئات العمرية الشبابية التي أعمارها اقل من 30 عام والمسموح لها بالمشاركة بالانتخابات لا تتجاوز 30%من الناخبين. بينما مجتمعنا العراقي نسبة الفئة الشبابية المسوح لها بالانتخاب هي بحدود 60% من نسبة الناخبين ، لذلك فان القرار الانتخابي لمجتمعاتنا عادة ما يكون متهور وجنوني وثوري غير محسوب التبعات ويكون غير مستقر ويفتقر الى الحكمة والإستراتيجية. كما ان هذه الفئة العمرية المسيطرة على الشارع غالبا ما تسبب تسيد الجهل والتهور الشبابي في تشكيل ميليشيات مسلحة متمردة على كل الرؤى الاجتماعية القديمة وتطمح للسلطة ولا تحترم معنى الديمقراطية وهي بدورها أن تمكنت من السيطرة وتسلم الحكم ستكون هدفا لغيرها بالمستقبل عندما يأتي الجيل الذي يليها ليزيحها. كما ان صراع الأجيال وتقلب الأفكار سمة مهمة تميز مجتمعنا. وغالبا ما يحدث تصارع شديد بين الأجيال أي بين الأبناء والإباء من حيث الرؤية العامة.
كما أن مجتمعاتنا تتميز بنمو وتعاظم نسبة غير المتعلمين الى نسبة المتعلمين فيها مع الزمن مما يؤدي الى وصف مجتمعاتنا بأنها متزايدة الجهل وغير قادرة على مواجهة تحديات الزمن ما لم تكون هناك رؤيا محلية خاصة بظرفنا وطبيعة تكوين مجتمعنا لاستثمار الايجابيات والتقليل من السلبيات مع الزمن . إذ غالبا ما يكون استقرار مجتمعاتنا مبني على الألم بوجود دكتاتوريات حاكمة و بتراجع خدمات كبير يتزايد مع الزمن ولا حل أمام الإنسان ألا بالصبر والتحمل والتأقلم والقنوط والاستسلام مما ولد سمة ضافية وهي السلبية الكبيرة للإنسان العراقي المحروم. أن الجهل الاجتماعي في الرؤية الموحدة وتسيد الأفكار غير الناضجة والعشوائية وغير الواضحة يكون ناتج عن وجود معلمين(مربين) أعدادهم اقل بكثير جدا من أعداد غير المتعلمين ولا نقصد بالمعلمين هنا فقط الذين يعلمون بالمدارس. بينما في المجتمعات الأوربية يكون توزيع الفئات العمرية تقريبا منتظما لمدى واسع من الأعمار. أي أن نسب الإعداد متساوي تقريبا للجميع الأعمار حيث أن الأسر غالبا ما تنجب طفل أو طفلان لذا تكون رعايتهما وتوفير احتياجاتهما سهلة على العائلة وعلى الدولة وذلك لان نموهم السكاني لا يسبب أي مشاكل لا يمكن تداركها مع الزمن. كما أن أجراء الانتخابات في بلدانهم كل 4 سنوات سوف لا يسبب انقلاب كبير في سياسة البلد ولا بمشاريعه الإستراتيجية لذا كل حكومة تأتي سوف تكمل ما بدأته الحكومة التي قبلها.
نحن هنا نتحدث عن دور الفئة الشبابية في الانتخابات الديمقراطية العراقية ودورها الكبير في فشل العملية الانتخابية على المدى القريب والبعيد في العراق الجديد. ولا نقصد هنا أن نضع كل أسباب الفشل على هذه النقطة لكن هذه نقطة مهمة فعلا ويجب الانتباه لها ويجب تغير قوانين الانتخابات العراقية لتكون مناسبة لتجاوز سلبيات هذه المسالة وربما يجب الانتباه لها أيضا حتى في عملية كتابة الدستور العراقي وتعديله بما يناسب مجتمعنا. أن الفئات العمرية اقل من عمر 30 سنة غالبا ما تكون غير مستقرة وغير مستقلة اقتصاديا . كما أن اغلب هذه الفئة من عمر( 18 الى 30 ) تكون عالة على أسرها . واغلبهم يكونوا أما طلبة أو عاطلون عن العمل أو غير مستقرون بعمل واحد وخبرتهم في الحياة العملية والاجتماعية قليلة أن لم نقل معدومة. اغلبهم يتأثرون بقرارات التوظيف والعمل لذلك فان من يوفر لهم فرصة العمل حتى لو كان العمل هو عبارة عن بطالة مقنعة على حساب المجتمع سيكون بنظرهم وطنيا ومجاهدا وصالحا حتى وان كان منافقا وكاذبا وسيكون له شعبية كبيرة. لذا فان هذه الفئة سوف تميل باتجاهه وسوف ترفع شعارات وهتافات تؤيد من يعمل ذلك ، وسيكون رأيهم بالشارع هو السائد. بالحقيقة هم لا يروا مصلحة الوطن ألا من خلال مصالحهم الخاصة وهذا ليس عيبا فيهم وإنما قد يكون عيبا بالسلطة التي لا تفكر بإستراتيجية لاستيعابهم وتوفير فرص عمل مناسبة لهم وتنمي اقتصاد البلد وتستثمر جهودهم بشكل صحيح. للأسف حكومات ما بعد سقوط هبل بغداد لم تنتبه لذلك حيث أن حلول هذه الحكومات لمشاكل البطالة كانت آنية وغير ناضجة حيث قامت بأجراء تعيينات هائلة سببت بطالة مقنعة كبيرة وأدت الى حدوث ترهل أداري كبير وأفرغت خزينة الدولة دون انجاز عمل حقيقي ومهدت لنشوء مافيات السرقة والفساد الهائل في مؤسسات القطاع العام في البلد وبنفس الوقت أدت الى انهيار كبير في مؤسسات القطاع الخاص بسبب ارتفاع أجور الأيدي العاملة مما سبب انهيار عظيم في مختلف المهن والحرفيات التي كانت تستوعب الكثير من الأيدي العاملة قبل السقوط وكانت تسهم بدعم اقتصاد البلد.
بينما الفئات العمرية ذات الخبرة والتجربة الطويلة والتي أعمارها اكبر من 30 عام فهي في الغالب مستقرة اقتصاديا بالوظائف الخاصة والعامة واغلبهم لديهم أسرهم واستقرارهم يجعلهم ينظرون برويه وبرؤية واضحة للمستقبل وبذلك سوف يكون قرارهم الانتخابي أفضل وانضج وأكثر معقولية من الفئة العمرية الشابة . لكن للأسف ثقلهم الانتخابي محدود جدا وهؤلاء هم ما يمكن أن نسميهم بالمعلمين. لذا يجب أن يقوموا هؤلاء بدور اكبر بتثقيف الشباب وترويض فكرهم الثوري وجلبهم للقرار الحكيم، لكن هذا لا يعد أن يكون سوى أمنية ، خصوصا تحت ظل خيمة الاغتراب الفكري والتشوه ألقيمي الكبير الذي رافق الإرهاب الوافد للعراق. لكن يبقى التعليم هو رسالة ويجب على كل مربي أن يقوم بدوره الايجابي وتقليل تأثيرات الاغتراب والتجهيل وتوضيح الصورة للمواطن العراقي البسيط..
المقترحات لتجاوز ذلك هي يجب تعديل قوانين الانتخابات والتهيئة لها وتدريسها بالمناهج التربوية وتثقيف الإنسان عليها في كل مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. يجب تثقيف المجتمع بالوطنية والإستراتيجية ويجب أن يفهم كل عراقي من ابسط مرحلة دراسية الى أعلى مرحلة دراسية ووظيفية حقوقه وواجباته ويجب أن يتم التركيز على أن تكون المصلحة العامة قبل جميع المصالح الفئوية والخاصة ويجب أن يتم غرس ذلك في نفوس الأطفال قبل الكبار . هنا نطرح مجموعة من المقترحات كحلول فردية لهذه المشكلة :
1.رفع مستوى أعمار الناخبين الى اكبر من عمر 18 سنة بحيث تكون نسبة الأعمار التي اقل من 30 عام نسبتها اقل من 30%...
2.أو أجراء انتخابات وبنسب مختلفة حيث تفصل القوائم الى نوعين للفئات الشابة يكون لها نسبة 30% من الثقل الانتخابي العام والفئات الحكيمة يكون لها ثقل 70%.
3.أذا كان الحلين السابقين غير مناسبين وتنفيذهما يسبب مشاكل . ممكن تغير نمط الانتخابات وجعلها انتخابات غير مباشرة...وذلك بان تكون الانتخابات على مرحلتين:
•المرحلة الأولى : انتخاب ناخبين بأعمار ناضجة وشروط معقولة لكي يقوموا هؤلاء المنتخبون بالانتخاب بدل من المجتمع في المرحلة الثانية.
•المرحلة الثانية : هي مرحلة الانتخاب النهائي للنواب من قبل ممثلي الشعب الذين فازوا بالمرحلة الاولى.
فمثلا في أي مدينة يحدد مجموعة من المرشحون لكي ينتخبوا كنواب عن المجتمع ليقوموا بدورهم في مرحلة لاحقة بالانتخاب نيابة عن المجتمع. كأن يحدد لكل ألف شخص نائب ينتخب عنهم... وهذا معمول به في العديد من بلدان العالم ومنها أمريكا... حيث تحدد مؤتمرات انتخابية في المدن والولايات تسبق الانتخابات العامة. وهنا بالتأكيد سيكون القرار أكثر نضجا ومعقولية... لان عامة الناس اغلبهم وحتى الفئات الحكيمة منهم لا يعرفوا الشخصيات المرشحة ولا يعرفوا برامجها الانتخابية بشكل واضح لذا فان تحديد نواب عن المجتمع بشروط معقولة للانتخابات العام سيكون أفضل وتكون الدعاية الانتخابية ممكنة وغير مكلفة ولا يوجد فيها خسائر وهدر كبير.
4.كما يمكن التقليل من هذا التأثير بأجراء انتخابات نصف البرلمان خلال كل عامين . أي أن نصف البرلمان يخرج بأجراء تصفية داخلية (بالنسبة للدورة الأولى للبرلمان) بعد عامين على انتخابه ويتم تعويض النصف الأخر بانتخابات جديدة. بعد سنتين أخريين يتم أخراج النصف الذي أكمل أربعة سنوات في البرلمان وأجراء انتخابات جديدة لتبديل هذا النصف وهكذا يستمر الانتخاب لنصف البرلمان لكل عامين وبهذا يقل تأثير الانقلاب الكبير لكل أربع سنوات واستيعابه بتأثير نصفي لكل عامين.
5.كما يمكن تقليل التأثير السلبي للفئة الشبابية في الانتخابات بأجراء انتخابات في المدن والقرى (عقد مؤتمرات انتخابية) لتحديد المرشحين الذين ممكن أن يقدموا للانتخابات النيابية اللاحقة. وذلك بان يسمح فقط لمن تجاوز 40 عام بالانتخاب . حيث يقوم هؤلاء بانتخاب المرشحين ومن يفوز سيكون له الحق في الترشيح ضمن القوائم الانتخابية التي سترشح للبرلمان. بعد ذلك يتم تحديد قوائم الانتخابات للكتل والحركات السياسية ليكون أعضائها من بين الذين فازوا بالانتخابات في المؤتمرات الانتخابية السابقة فقط. وبذلك سيكون المرشحون اغلبهم بمستوى عالي من المسؤولية ويكون القرار الانتخابي أكثر نضجا . وسوف لا يكون هناك غبنا كثيرا ولا ظلم للمجتمع فمن لا يستحق الترشيح سوف يرفضه المجتمع ابتدءا في المؤتمرات الانتخابية. بعد ذلك يتم أجراء الانتخابات العامة لانتخاب النواب من قبل جميع الأعمار المسوح لها بالانتخاب.
كثيرا ما نجلس أحيانا بجلسات نحدد نقاشنا فيها حسب مستوى عقول من نحاورهم وهذا ليس عيب لكن يجب تجاوز السوء الانتخابي ويجب أن يعطى ثقل اكبر للحكمة من التهور والثورية المتذبذبة. أن حكم بلد لا يحتاج الى الصراع الثوري بقدر ما يحتاج العدالة وتفهم الآخرين واستيعابهم ويحتاج الحزم وتطبيق القانون واحترامه . لذا يجب استثمار الوقت وفهم خصوصيات مجتمعنا قبل أن نعمم أي تجربة ديمقراطية عليه.
د.علي عبد داود الزكي drali_alzuky@yahoo.com