ملاحظات سريعة حول ما سمي بمسودة( قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في العراق).
اولاً : حصلنا على نسخة من مسودة سميت بمسودة "قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في العراق" من الأنترنيت وبواسطة أحد الأصدقاء، ونحن في قمة القضاء العراقي، حيث أعدت المسودة المذكورة دون علمنا واطلاعنا، وكأن الموضوع هو فخر واعتزاز لمن قام بمهمة اعداد المسودة اعلاه... فالموضوع أبعد من ذلك بكثير، اذ ان مهمة التصدي لمشروع هكذا قانون، ليست من السهولة والسرعة التي اعد بها، فهل من المعقول بيان ملاحظاتنا على مواقع الانترنيت، وقد أمضينا أكثر من ثلاثة عقود في سوح القضاء العراقي؟ ...ثانياً : تسمية مسودة القانون بـ (قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في العراق)، هي تسمية غير موفقة وخاطئة من الناحية اللغوية، وتتناقض وأحكام المادة الأولى من نفس المسودة، فالمشروع المذكور، وفي حالة اقراره من قبل الجهة التشريعية المختصة بالتسمية أعلاه، فأنه سوف يطبق والحالة هذه على المسيحيين العراقيين الموجودين في العراق، أما هؤلاء الموجودين خارج العراق فأنهم غير مشمولون بأحكامه... وهو عكس ما ذهبت اليه المادة الأولى من المسودة ـ المنوه عنها ـ فكان من الأجدر تسميته بـ " قانون الأحوال الشخصية لمسيحيي العراق أو قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين العراقيين". فيكون عندئذ شاملاً بأحكامه جميع العراقيين من المسيحيين، داخل العراق وخارجه.
ثالثاً : وقعت بأيدينا قبل مدة مسودة أخرى لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين العراقيين، تحت أسم "مسودة قانون الأحوال الشخصية لمسيحيي العراق" فأن تلك المسودة كانت أكثر دقة من حيث الصياغة القانونية واللغوية والأحكام التي جاءت بها كما ان تسمية المسودة ذاتها كانت أكثر دقة وشمولاً من المسودة اللاحقة لها وللاسباب المبنية أعلاه.
رابعاً : تعد مشروعات القوانين ويتم اقرارها وفق احكام المادتين 60 و 61 من دستور جمهورية العراق.
خامساً: ان اعداد المسودة المنوهة عنها استناداً الى احكام المادة (41) من دستور جمهورية العراق هي محاولة (كمن يضع العربة قبل الحصان). فالمادة المذكورة هي مادة خلافية ضمن مواد اخرى بين الكتل السياسية الموتلفة في الحكومة العراقية... وهي لازالت موضع النقاش وبحث وتمحيص في لجنة التعديلات الدستورية التي شكلت من قبل الجهة التشريعية المختصة وخاصةً المادة اعلاه، سواءاً بأبقائها على حالها أو بتعديلها، أو حذفها... أما الأستعجال بالتصدي لمشروع هكذا قانون (له تفسيرات متعددة ومآرب اخرى، لا نرى موجب لسردها هنا.
سادساًً : فلنفترض أن رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والأيزيديين والصائبة المندائيين مخول من قبل جهة رسمية، بالدعوة لاعداد مشروع قانون للاحوال الشخصية للمسيحيين، فأنه ليس مخولاً وليس من حقه اختصار اعضاء اللجنة المكلفة باعداد مسودة القانون المذكور ببعض الأشخاص من منتسبي ومستشاري دائرته فقط ومن المحامين، في الوقت الذي تعج فيه ساحة القضاء العراقي بمواهب لها ثقلها ومكانتها القانونية المرموقة في هذا المجال، وأما تبرير عدم التوسع في اعضاء اللجنة بالناحية الأمنية المتدهورة، حسبما تطرق الى سمعنا من قبل أحد أعضاء اللجنة وان كان ذلك أحد الأسباب، لكنه ليس بالسبب المهم، وهو أمر غير مقبول فكان من المفروض والحالة هذه التريث لحين استقرار وتحسن الوضع الأمني، وازالة الخلافات الحاصلة حول بعض المواد في الدستور وخاصةً المادة (41) منه… لأننا عملنا في ظل القوانين السابقة سنوات عديدة، فكان بأستطاعتنا الأنتظار سنين اخرى، ثم نأتي بقانون شامل يتمكن عامة الناس من استيعاب احكامه، ويسهل تطبيقه من قبل القضاء العراقي.
فكان يجب قبل اعداد مسودة القانون هذه أو غيرها وبعد استقرار الوضع الأمني والدستوري كما سبق القول، الأتصال بممثلينا في مجلس النواب وبرؤساء الطوائف المسيحية أو ممثليهم كافة وليس بأغلبهم لأن القانون في حالة اقراره سوف يطبق على أبناء الكنائس جميعها في العراق، وليس على رعايا كنائس معينة دون اخرى وكذلك الاتصال بمن يعنيهم الأمر من المسيحيين المتضلعين بالقانون من القضاة وأعضاء ادعاء عام وغيرهم ومن ثم دعوة كل ذي علاقة عن طريق اعلان لمدة مناسبة وفي وسائل الأعلام كافة بأن هناك نية لأعداد مشروع قانون للاحوال الشخصية للعراقيين من المسيحيين، ومن ثم عقد مؤتمر عام وموسع وبعد ذلك انتخاب لجنة من بين الحضور وبرئاسة أحد من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال القضاء كما بينا اعلاه، وعضوية الطوائف المسيحية كافة، ومن خبراء في اللغة العربية والسريانية ومختصين في مجال علم النفس وغيرها من العلوم ذات الصلة للوصول الى صياغة تتضمن الأحكام المشتركة للمذاهب المسيحية ـ في مناحي الحياة الأجتماعية المختلفة بحيث يكون القانون المعني بعد اقراره أقل عرضة للتعديل والتغيير في ما هو قادم من الأيام، وبعد انتهاء تلك اللجنة من اعداد مسودة مشروع القانون المكلفة به، ان تقوم بطرحها على الشعب وبوسائل الأعلام المختلفة، حتى يتمكن كل فرد من الأطلاع عليها والأدلاء بدلوه بما ورد فيها من أحكام، ومن ثم اعداد صياغتها بشكل نهائي وأن تذيل بتواقيع جميع أعضاء اللجنة، وخاصةً ان يكون من بين هؤلاء رؤساء المذاهب المسيحية في العراق أو ممثليهم لكي تكون كافة المذاهب الموقعة على مسودة القانون ملزمة بالأحكام التي يتضمنها مشروع القانون المعد في حالة اقراره من قبل الجهة التشريعية وبعد ذلك يأخذ مشروع القانون طريقه الى التشريع من قبل مجلس النواب العراقي... هل دعيت الشخصيات القضائية والقانونية من خارج دائرة الأستاذ عبدالله النوفلي للمساهمة في اعداد مسودة القانون التي نحن بصددها.. الجواب كلا.. نعم هناك ظروف أمنية غير مشجعة للتجوال داخل بغداد كما سبق القول، ولكن هذا لا يبرر ابداً تشكيل لجنة اعداد المسودة ـ موضوعة البحث ـ بالسرعة والكيفية التي أشرنا اليها آنفاً، فهل كانت امور المسيحيين وحل مشاكلهم متوقفة على اعداد هذه المسودة وبهذه السرعة ؟
سابعاً : ان اعداد مشروعات للقوانين وفي أغلب الأحيان لا يتم في شهر أو شهرين وانما يستغرق اعدادها مدة سنة أو عدة سنين فما بالك اذا كان مشروع القانون هو مشروع قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين العراقيين، وهم أتباع ثاني ديانة فيه... لا يا اخوان... الأمر.. ليس بهذه السهولة.
ثامناً : اننا لم نتطرق الى ما تضمنته المسودة من أحكام قضائية، لأن ملاحظاتنا حولها كثيرة، حيث لاحظنا بأن هناك خلط واضح بين أحكام الشريعة الأسلامية وأحكام الديانة المسيحية في الأمور المشار اليها، ولم يتمكن واضعوا المسودة من التمييز بين تلك الأحكام من حيث مراعاة خصوصية الديانة المسيحية في هذا المجال، وكان النقل مباشراً من قانون الأحوال الشخصية (النافذ) المرقم 188 لسنة 1959 المعدل، وباعتراف الذين اعدوا المسودة أعلاه أنفسهم، وكما ان الأحالة الى القانون المدني دون بيان ماهية تلك المواضيع هو الآخر اسلوب غير سليم في سن مشروعات القوانين، حيث كان من الأصوب تضمين أحكام القانون المدني ذات الصلة في المسودة أعلاه.. لكي يسهل فهمها من قبل عامة الناس ويسهل تطبيقها من قبل القضاء العراقي.
تاسعاً : اعتراضاتنا تنصب وبالعجالة التي اعدت بها مسودة القانون ـ موضوع البحث ـ في المواد التالية:
المادة السادسة ـ المادة الحادية عشر ـ المادة الخامسة عشر ـ المادة الثلاثون ـ احكام الميراث.. وهذا لا يعني بأنه ليس لنا اعتراض وتحفظ على المواد الأخرى، وهي كثيرة ولكننا لسنا بصدد الرد عليها في هذا المجال، لأن ملاحظاتنا هذه هي ضمن الأطلاع الخاطف والسريع على مواد المسودة أعلاه.
عاشراً : لم نقم ببيان الأخطاء والأحكام التي تضمنتها المواد المشار اليها أعلاه من مسودة القانون الذي نحن بصدده... لأن هكذا مناقشات يجب أن تتم في ظروف أخرى وخلف الكواليس وفي أجواء مناسبة.. ولا يليق بنا أن نناقش ذلك في مواقع الأنترنيت، وأن كنا نعتقد بأننا معنيين أكثر من غيرنا بالأشراف على اعداد مشروع هكذا قانون، ولكن ليس بهذه العجالة والأنفرادية في العمل .
على اية حال فأننا سوف نبين آرائنا ومقترحاتنا في المشروعات التي تعد بهذا الصدد، عندما يكون اعدادها بالكيفية التي تطرقنا اليها سابقاً.. لأننا الآن... أمام مشروع قانون، هو أقرب الى احكام الشريعة الأسلامية منها الى أحكام الديانة المسيحية... مع تقديري للجهد المبذول في هذا المجال.