ملامح العلاقة الأخوية بين الكلـدان وكردستان
مقدمةالكلــدان هنا اقصد بهم جميع مكونات شعبنا باعتبارنا شعب واحد ، سواء كنا سريان او آشوريين او كلدان . نحن شعب ننتمي الى أرض العراق وتربطنا مع مكوناته من العرب او الأكراد او التركمان وغيرهم من المكونات تربطنا معهم رابطة المواطنة وتشملنا الهوية العراقية العظيمة .
إن انتمائنا العراقي يتيح لنا الدينامية المستمرة والعمل والتداخل والتفاعل مع النسيج الأجتماعي العراقي وعلى امتداد الرقعة الجغرافية العراقية برمتها .
العودة الى التاريخ
إذا تتبعنا التخمينات التي تشير الى عدد سكان بلاد الرافدين قبيل الدخول الأسلامي فإننا نستفيد من الأستاذ سليم مطر في الذات الجريحة بأن نفوس العراق يومئذِ كان أكثر من تسع ملايين نسمة وحوالي 99% منهم كانوا من المسيحيين أي ان العراق كان بلد مسيحي . لكن لو أنتقلنا الى ما آلت اليه الحال بعد أربعة عشر قرن من الحكم الأسلامي فإن عدد المسيحيين تقلص بمستوى كارثي ليبلغ اليوم حوالي 3% من السكان فحسب .
ولا يمكن ان نخدع أنفسنا ونقول أن هؤلاء جميعاً هجروا دينهم واعتنقوا الدين الجديد برضاهم وقناعتهم . ولكن مع هذا علينا ان تكون نظرتنا الى الأمور نظرة واقعية ، ولا مناص من الأعتراف بالواقع ، ومن السذاجة التفكير بإعادة عجلة التاريخ الى الوراء ، ، وليس من الحكمة ان نبقى نذرف الدموع على ما مضى ، كما ان التاريخ يجب ان لا يشكل مسوغاً لحمل الضغينة والأحقاد ، فنحن أبناء اليوم وننظر الى العالم بمنظور معاصر ونتطلع الى المستقبل ، ومن هذا المنطلق ينبغي ان نبني حياتنا ونمد جسور التفاهم مع الآخر .
والعلاقة مع الأكراد
ثمة تحالف تاريخي بين الكلدان والأكراد إذا اقتنعنا بالفرضية التي يذكرها المسعودي من تأصيل الأكراد الى القبائل الأيرانية ( الميديين ) التي التجأت الى الجبال . وإن هؤلاء الميديين في عهد ملكهم كواصار بن فراورتي ( أدي شير : كلدو آثور 136 ) أراد ان يأخذ بثأر أبيه من نينوى ، من أجل ذلك حالف نبوبلاصر الكلداني ملك بابل وزوج ابنته أميت من ابنه نبوخذنصر ، وهذا الأخير هو الذي قام ببناء الجنائن المعلقة من اجل عيون زوجته القادمة من البيئة الجبلية ..
في حوالي عام 1400 م يقوم المغول او التتر وتحت قيادة تيمورلنك بالهجوم على العراق وأمام المظالم والأضطهادات يهاجر النساطرة من بغداد والبصرة وكل مدن العراق ( يوسف غنيمة : نزهة المشتاق 172 ) ما خلا الموصل وتوابعها والتجأوا الى قمم جبال كردستان .... ولم تعد فئة من النصارى الى مدينة السلام إلا بعد مرور قرن او أكثر على على نزوح اجدادهم عنها .
التاريخ يكرر نفسه
بعد ستة قرون من مظالم التتري تيمورلنك تتكرر الأحداث المريعة في العراق لتطال هذه المرة ليس المسيحيين فحسب ، إنما كل فئات الشعب العراقي دون تمييز ، لكن على العموم فإن ما يصيب الأقليات يكون اكثر ايلاماً ، فالمسيحيون من سريان وكلدان وآشوريين يغادردون المدن الجنوبية وبغداد او بالأحرى يجبرون على المغادرة ، وها هم الأخوة المندائيين يطلقون صيحات ونداءات الأستغاثة ، لكن يبدو ان هذه الصيحات مع الأسف لم يعد لها صدى في المجتمع العراقي المعروف بالنخوة والشهامة ، وحتى الحكومة باتت عاجزة عن حماية نفسها ، وغير قادرة على حماية مواطنيها .
أقليم كردستان
ويبقى أقليم كردستان من الأرض العراقية الملاذ الآمن للعراقيين ، وبدلاً من المغامرة والتشرد في خارج العراق فإن أقليم كردستان يبقى الأرض العراقية الطيبة التي توفر الأمن والأستقرار لمن أجبر على الهجرة القسرية من بيته .
مع كل هذا نقرأ بعض الكتابات التي تسبح في فضاءات الماضي ، وتدعو الى إسدال الستار على الحاضر والمستقبل ، وتدعونا ان نعيش بجلباب الماضي وبعقلية ثأرية .
إن النظرة البراغماتية الواقعية للأكراد وكردستان اليوم تفيد بأن كردستان اليوم تعتبر جزء حيوي من العراق فيها ملامح دولة النظام والقانون ، ويزدهر فيها البناء والعمران ، وتترسخ فيها المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني .
في دولة القانون يمكن لمن لحقه الأجحاف ان يسترد حقه باللجوء الى القانون ، فالقانون هو فوق الجميع وفي ظله تزدهر مناخات تحقيق العدالة .
من هنا فإن بعض الكتابات المشوبة بردة الفعل الآنية او تلك الهاجعة في تخوم الماضي ، فإنها تعبر عن ابتعادهم عن العقلانية والواقعية وهم يصوتون للشعارات القومية والتي كانت سبباً في تمزيق صفوفنا وبالتالي فهي لا تخدم شعبنا في الظرف الراهن .
حينما ينتقل الى رحمة الله الكاتب العراقي جرجيس فتح الله ، ويُغطى نعشه بعلم أقليم كردستان فإن هناك من يشهر قلمه لانتقاد هذه الحالة . ولكن قراءتي لهذا الموقف النبيل هي : تقدير ووفاء واعتزاز من حكومة الأقليم لهذا الأنسان ، وكان للقيادة الكردية موقف مشرف حينما وقفت الى جانبه وأنقذته بعد ان حكم عليه بالأعدام من قبل الحكومات السابقة وأنقذته وكان ذلك عام 1968 ( د . سيار الجميل : رحيل جرجيس فتح الله .. ) .
وموقف إخلاص ووفاء آخر لحكومة أقليم كردستان حين تقيم نصباً تذكارياً للشهيد هرمز ملك جكو ، إن هذه المواقف المشرفة وغيرها تجبرنا ان نلتزم جانب الموضوعية والمهنية في كتاباتنا .
لحكومة أقليم كردستان مواقف نبيلة اتجاه الشعب العراقي وهو في محنته ، ويندرج هذا الموقف على تعامله مع ابناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين ، ونتمنى ان تكون أبواب كردستان مفتوحة ايضاً أمام العراقيين الأقحاح من أخواننا المندائيين .
إن تفكيك الوضع العراقي يشير الى هيمنة قوى وميليشيات وأحزاب راديكالية على مقاليد الأمور في العراق ، وهيمنة هذه القوى أفرزت الوضع الدموي المتردي في العراق ، لكن أقليم كردستان تديره حكومة علمانية تؤمن بمبادئ الحرية وأحترام كل الممعتقدات والأديان والمذاهب دون تمييز وهذا هو سر الأمان والأستقرار في ربوع هذه المنطقة الحيوية من العراق ، ونحن نبارك هذا التوجه الذي يصب في مصلحة أقليم كردستان ومصلحة الوطن العراقي عموماً .
حبيب تومي / اوسلو