Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ممنوع التصوير

وصلت مطار بغداد هذه المرة دون تأخيركثير ، اذ لم يكن الانتظار طويلا عند نقطة التفيش الاولى للسيارات ، وعند النقطة الثانية بالقرب من تمثال عباس بن فرناس كان المفتشون لطيفين وهم يقودون كلابهم المدربة تشمشم السيارات ، حتى انهم ابتسموا – اقصد المفتشين لا الكلاب – وطلبوا منا ان نغادر السيارات الى ساحة الانتظار الترابية مع حقائبنا التي سيتم تفتيشها تحت الخيمة الصغيرة ، وقد تم ذلك بيسر وتقدمت سيارتنا بعد ان انتهت الكلاب من شمشمتها ، وبعد دقائق كانا امام مبنى مطار بغداد الدولي ، غادرنا السيارة نجرجر وراءنا حقائبنا التي رضخت الى تفتيش جديد ... لا بأس ما دامت الاجراءات من اجل سلامتنا وسلامة الناس ...
واخيرا استقر بنا المقام في الباحة الكبرى قبل دخول صالات المغادرة ... جلست على اول مقعد اتنفس الصعداء .. الان ستبدأ الاجراءات المألوفة في اي مطار في العالم ، وحيث ان عندي المزيد من الوقت بسبب قدومي المبكر حسابا لتاخير التفتيش الذي لم يحدث – اقصد التاخيرلم يحدث وليس التفتيش الذي حدث اكثر من مرة – رحت اتأمل القاعة الجميلة ذات الاقواس المعقدة وقد سررت ان ارى المكان يحج بالناس وحركة المسافرين الحيوية وكان الحياة في بغداد طبيعية ، وان الموجودين قد نسوا ما خلفوه وراءهم في مدينتهم من هموم ومشاكل وها هم يتهيأون للمكان الذي سيستقبلهم .. ان همهم الوحيد الان ان لا يتأخر اقلاع طائرتهم ..
بعد دقائق من التامل وجدت المنظر جديرا بالتوثيق بصورتين او ثلاث فاخرجت كاميرتي الالكترونية الصغيرة التي احملها معي كما احمل الهاتف النقال واخذت بها الصورة الاولى : منظر عام للقاعة ( ترونها جوار هذا الكلام )

وما ان التقطت الصورة الاولى حتى انتصب امامي رجل ببزة رسمية قائلا بلطف شديد ( استاذ التصوير ممنوع ..) نظرت اليه مبتسما وهممت بالتقاط الصورة الثانية ولكنه وضع يده امام الكاميرا مكررا جملته السابقة ولكن هذه المرة باكثر حزما وان لم يفقد لطفه وادبه !!
استنكرت طلبه واعترضت عليه اذ لم اجد له مبررا فالناس كثيرا ما يلتقطون صورا تذكارية في قاعات المطارات فليس فيها شيء سري او خطير والصورة لن تكشف معلومات قد تنفع الاعداء ... ونحن الان نعيش في زمن لم يعد فيه شيء مخفيا ولا حتى غرف النوم !!
لم يفقد الرجل صبره وهدوءه كما انه لم يفقد اصراره على منعي من التصوير ... قلت له (مصورو الاخبار يصورون المطار عشرات المرات اسبوعيا وهم يتابعون اخبار القادمين والمغادرين من الضيوف الكبار ويستطيع من يريد ان يعرف اسرار مطاركم ان ياخذها من شاشات التلفزيون ..)
ابتسم وقال ( هذا مو شغلي .. تعليماتي تقول ممنوع التصوير )
قلت ( انظر هناك .. ذلك العسكري الاسمر يصور ... وتلك المرأة ذات البنطلون الوردي تصور ...)
نظر اليهما ، هز راسه بشيء من الاحراج ، وللحظات فكر في حجة ... فلم يجد سوى المغالطة ... بكلام متلعثم بين كونهم كذا او كذا او ان لديهم تصريح ..و...و...
هذه المرة نظرت اليه بشفقة ، فهو رجل مغلوب على امره يطبق تعليمات غبية يصر عليها واضعوها المتحجرون بالرغم من انها خارج منطق الزمن والاحداث ,,, قلت له هذا الكلام بوضوح وصراحة ... قلت له انها تعليمات غبية .. خارج التاريخ ... والزمن ... وانها احد اسباب تخلفنا ... ليس مجرد منع التصوير ولكن الاصرار على تعليمات وسلوكيات متخلفة لم تعد لها ضرورة .. نعقد بها الحياة ونشغل انفسنا بتوافه الامور وتفوتنا الاشياء المهمة ..
نظر الرجل لي مبتسما بلا معنى ... ووجدت ان لا جدوى من النقاش ... فطويت كاميرتي ووضعتها في جيبي وشكرت الرجل ورددت قولا اتصور ان لينين قاله يوما ما ( من الاشياء الصغيرة تعرف الاشياء الكبيرة )
ان سياسيين مسؤولين في حاضرنا وماضينا لم يفهموا كيف يتعاملون مع متغيرات الزمن والتاريخ والتكنولوجيا والعلاقات الدولية والسياسة وكيف يتعاملون مع القوانين والانظمة وكيف يسلكون مع المتغيرات الدولية ..وكيف..وكيف ...
ابتعد الرجل عني ، ولكن نظراته لم تفارقني طول جلوسي هناك ..وعندما نهضت لاتوجه الى القاعة الداخليه للمسافرين مررت امامه فهمس في اذني ( استاذ انت معك حق ...)
قلت ( يعني اقدر اصور ؟! )
هز راسه قائلا ( أسف .. التصوير ممنوع ... هذه تعليمات. .. ما تزعل مني استاذ.)
نظرت اليه مبتسما بمرارة وشفقة ... وفرحت انه وافق على حججي ضد تعليماته وان اصر على تطبيقها .. وهذه ايضا من مصائبنا نعرف الخلل والخطأ ولا نجرأ على تحمل مسؤولية التغير ... ونبقى نطبق التوجيهات الموروثة ولا احد يناقشها او يشك بجدواها .. والشك بداية التغيير ، كما يقولون !
هل الشك بحاجة الى موافقة !!؟ ام هو ممنوع حسب تعليمات موروثة كما التصوير في مطار بغداد !!!

Opinions