Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من أجل إدارة أفضل لتنفيذ عقود النفط - خامسا

الغاز والكهرباء
في هذه الحلقة نتحدث عن الشروط التي تضمنتها عقود التطوير والتي تتعلق باستغلال الغاز المصاحب وحاولت ربط الموضوع بأزمة الكهرباء المتفاقمة في البلد لوجود الترابط الموضوعي بينهما.
إن من أهم ما تضمنته العقود هو مسألة استغلال الغاز المصاحب الذي ينتج مع النفط، حيث يترتب على الشركات استغلال الغاز بالكامل ومنع حرقه بعد سنة من بدء الإنتاج، على أن تبقى ملكيته للعراق دون أن تتقاضى الشركات العاملة أجورا على إنتاجه كونه سيكون ناتجا عرضيا كنتيجة لإنتاج النفط.

هذا الشرط يلزم الشركات أن ترتب الأمور من اليوم الأول لاستغلال الغاز سواء بإعادة ضخه للمكامن النفطية المنتجة لغرض تعزيز الإنتاج أو استغلاله لإنتاج الطاقة الكهربائية أو إقامة صناعات بتروكيماوية بحيث يكون الغاز لقيما لها أو تجهيز أنابيب تصدير الغاز للخارج.

النوعين الأول والثاني يعتبران الخيارن الأسهل للشركات العاملة، لكن قبل الدخول في موضوع استغلاله بشكل جيد لابد من مراجعة سريعة لوضع الغاز المصاحب، حيث من خلالها نضع تصوراتنا عما يجب أن تكون عليه الأمور. لابد من الإشارة هنا إلى أننا سنركز على المنطقة الجنوبية من العراق بما يتعلق الأمر بالغاز المصاحب، لأن تقريبا ليس هناك عقود تطوير في الأجزاء الأخرى سوى شيء قليل في المنطقة الوسطى مثل حقل الأحدب في واسط وحقل شرقي بغداد، مع العلم أن الشركة الصينية التي تعمل على تطوير حقل الأحدب تقوم بتزويد محطة كبيرة في واسط لإنتاج الكهرباء، وهذا ما يجب أن يكون مثالا يحتذى في الحقول الأخرى ولكن للسف لم يحدث.

الحقول الجنوبية، بشكل عام، تنتج الغاز بنسبة تتراوح ما بين700 إلى800 قدم مكعب قياسي مع كل برميل نفط منتج، ربما حقول ميسان تنتج النفط بنسب أقل من ذلك أو أعلى قليلا، العراق يستغل حاليا قسم من هذه الكميات كطاقة أو لقيم، وعليه فإن المتبقي الذي يحرق حاليا قد يصل إلى مليار قدم قياسي مكعب من الغاز، وهذه الكمية بازدياد مع زيادة الإنتاج المتوقعة كنتيجة لأعمال التطوير الجارية حاليا لتصل في نهاية التطوير إلى أكثر من ثمانية مليارات قدم قياسي مكعب من الغاز.

الغاز المصاحب والكهرباء:

كان قبل أواسط عام1975 قسم من الغاز يستغل لتوليد الطاقة الكهربائية من قبل الشركات الأجنبية لتغطية احتياجاتها الداخلية من الطاقة الكهربائية، تحديدا شركة نفط البصرة قبل تأميمها بنفس العام، بعد ذلك فرضت الحكومة على الشركة إيقاف عمليات إنتاج الكهرباء بداخل الحقول وفرضت عليها شراء احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من الشبكة الوطنية. على إثر ذلك أغلقت محطات إنتاج الطاقة وبقيت الحقول النفطية تعتمد بالحصول على الطاقة من المنظومة الوطنية، ولن تجري أي محاولة جديدة لإنتاج الكهرباء في الحقول بعد ذلك، حتى بعد أن تم تدمير المنظومة الكهربائية بالكامل بعد حرب الخليج الأولى والحروب التي تلتها وحتى يومنا هذا بالرغم من الحاجة الماسة لإنتاج الكهرباء بالنسبة للبلد، ومن المعروف أن أرخص وسيلة لإنتاج الكهرباء تكون بنصب محطات إنتاج الكهرباء في حقول النفط، ومن ثم نقله إلى باقي أنحاء العراق في أسلاك الشبكة الوطنية للكهرباء. فلو تم إنتاج الكهرباء في الحقول الجنوبية حاليا لتغير الحال تماما:

1. قرب مصدر التغذية بالوقود، وهوالغاز المصاحب، وبالتالي ليس هناك كلف لنقل الوقود، وهي في العادة عالية التكلفة.

2. وجود منظومة كاملة لنقل كميات من الكهرباء قد يصل حملها إلى أكثر من ألف ميجا واط قابلة للتوسع، ويمكنها تغذية الشبكة الوطنية من خلال عكس التيار، أي بدلا من تغذية الحقول بالكهرباء من الشبكة الوطنية على حساب حصة البصرة، تكون الحقول هي التي تغذي الشبكة وبنفس المنشآة القائمة حاليا، وذلك بإضافة محطات توليد الكهرباء في الحقول فقط.

3. إن كلف بناء هذه المحطات يمكن اعتبارها جزء مكمل لعمليات التطوير التي تقوم بها الشركات، خصوصا وإن العقود قد نصت على مسألة استغلال الغاز المنتج مع النفط، أي أن الشركات ملزمة بالقيام بمثل هذه الخطوة فور بدء عملها في العراق.

في الواقع إن كل ما تحتاجه وزارة النفط هو الضغط قليلا على الشركات العاملة لتنفيذ بنود العقود بوقت مبكر، بسبب حاجة العراق الماسة إلى الطاقة الكهربائية، وذلك بنصب وحدات إنتاج الكهرباء التوربينية، من الأنواع سريعة النصب. بهذه الوسيلة، تكون الدولة بحل من توفير تخصيصات مالية إضافية تثقل كاهلها، ربما ستحتاج الدولة إلى قليل من الأموال لإجراء بعض أعمال التوسعة على الشبكة الناقلة الموجودة حاليا.

واقع الأمر حاليا، تستهلك حقول النفط في البصرة لوحدها ما يقرب من500 ميكا واط تؤخذ من حصة الكهرباء المخصصة لمحافظة البصرة والبالغة800 ميكا واط، أي إن يذهب إلى بيوت البصريين قل كثيرا عن ال300 ميجا واط بعد أن يذهب جزء كبير للمصانع الكبيرة والمعامل ومؤسسات الدولة الاخرى. في حين لم تنص العقود صراحة على أن الدولة هي التي يجب أن تجهز الطاقة الكهربائية لحقول النفط كما كان في السابق، هذا الأمر كان هو السبب الحقيقي وراء تردي الخدمات الكهربائية في هذه المحافظة المنكوبة أصلا، التي وصفها أهلها بالبعير "يحمل ذهبا ويأكل العاقول"، ألا يحق لأهالي البصرة التظاهر بسبب تردي خدمات الكهرباء من جراء هذا الإهمال الذي يبدو وكأنه متعمدا لإذلالهم؟

للإنصاف أقول إن الشركات تنتج حاليا كميات قليلة جدا من الطاقة الكهربائية، ولكن هذه الكميات تكاد أن لا تذكر، وإن الشركات العاملة سوف تحتاج إلى مزيد من الطاقة الكهربائية مع تقدم مشاريع التطوير وزيادة عدد الآبار التي تعتمد على المضخات الغاطسة، فإنها سوف تحتاج إلى أضعاف هذه الكمية بعد فترة قصيرة من الزمن، لأن المضخات الغاطسة تستهلك طاقة كبيرة، ولعل استهلاك مضختين كاف لتغذية حي بصري بالكامل.

ما تقدم يعني، مهما بلغت حصة البصرة من الطاقة الكهربائية فإن احتياجات الحقول النفطية المتزايدة ستكون دائما أكثر من أي زيادة متوقعة لحصة المحافظة تأتي من الشبكة الوطنية، الأسوأ من ذلك هو أن الشركات سوف تستمر بحرق كميات متزايدة من الغاز أكبر بكثير مما يحرق حاليا كنتيجة لزيادة الإنتاج المتوقعة، والأكثر سوءا من هذا وذاك هو أن العقود ملزمة للشركات باستغلال الغاز والوزارة لم تقم بواجبها وتجبر الشركات العالمية على تنفيذ ما تعاقدت عليه.

فلو فرضت الوزارة على الشركات العاملة من البداية، ولا بأس لو بدأت الآن، مسألة إنشاء محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية في حقول النفط، فإن ذلك سينعكس إيجابيا على مستوى العراق بالكامل وليس البصرة فقط، وربما سيكون هناك فيض من الطاقة الكهربائية بعد اكتمال مشاريع وزارة الكهرباء الجديدة ومشاريع تطوير الحقول.

سياسة استغلال الغاز المصاحب:

كان النظام السابق قد بنى منظومة كبيرة لإستغلال الغاز الذي يحرق في الجنوب، لكن بعد أن اكتملت، ويوم بدء التصدير لغاز الLNG، كان صدام قد غزا الكويت، فتوقف التصدير وبقي الغاز يحرق كما كان، وبقيت أجزاء من المنظومة، تلك التي لم يطالها القصف الأمريكي في أرضها وكأنها حديد خردة، والذي زاد من تخريبها هو أعمال النهب التي طالت أجزاء منها خلال أحداث عام2003 المؤسفة، لكن الأجزاء التي لم يطالها القصف أو التي نجت من أعمال النهب والتخريب فإنها بقيت جديدة وتقدر قيمتها بثلاثة مليارات وخمسماءة مليون دولار، وإن قيمتها الآن أكبر من ذلك بعد الزيادات التي طرأت على سوق الإنشاءات النفطية، وما ينقصها الآن هو بضعة مليارات لتعود إلى ما كانت عليه، لكن مع الأسف الشديد رفضت الوزارة مشروعا يعيد لها الحياة بالكامل على أمل أن تتعاقد مع شركة عالمية لتقوم هي بإعادة بناء المخرب من هذه المنظومة وتتولى مسألة استغلال الكميات الجديدة كنتيجة لأعمال التطوير الجارية في الحقول العراقية، وكان السبب هو أن العراق لا يستطيع توفير المال المطلوب وليس لديه الكوادر التي تقوم بهذا العمل الجبار.

كان أن اختارت وزارة التفط أسلوب الشراكة مع شركة عالمية، واختارت شركة شيل العملاقة لتكون هي الشريك، على أن تتولى الشركة تغطية رأسمال يعادل قيمة ما تبقى من منشآة تلك المنظومة، وتكون فيه للعراق حصة51% والباقي لشركة شيل.

كان الاتفاق فيه جوانب إيجابية كثير، ولكن كان هناك أيضا ثغرات واسعة جدا في صيغة الاتفاق الأولي مع الشركة، وكثرت الإنتقادات للاتفاق الذي وردت مضامينه في مذكرة التفاهم الأولى من قبل المختصين العراقيين المستقلين، حقا كان هناك العديد من النقاط الغير واضحة من الاتفاق المبدئي مع شيل، حيث أن الإتفاق لا يشير إلى المساحات التي يشملها العقد، هل هي حقول البصرة فقط أم حقول الجنوب؟ ولا يشير إلى الحقول الجديدة والإنتاج الإضافي كنتيجة لأعمال التطوير الجارية، أن هل ما سينتج من الغاز كنتيجة لها سيكون مشمول بالعقد أم لا؟ كما ولم يشر الاتفاق إلى الغاز الحر المنتج من حقول الجنوب، ولم يشر إلى حاجة العراق المحلية من الغاز لإنتاج الطاقة أو كلقيم للصناعات البتروكيمياوية، وهل سيعيد العراق شراء الغاز من الشركة بالأسعار العالمية أم بأسعار خاصة مخفضة لتشجيع الصناعة المحلية ولإنتاج الطاقة باسعار رخيصة؟ لأن فيما لو تم شراءه منها بالاسعار العالمية فإن ذلك يعني إن إنتاج الطاقة الكهربائية سيكون غاليا جدا وفوق استطاعة العراقيين، ولو كان هذا هو ما تسعى إليه الوزارة فإنها بذلك تكون قد خانت الطبقات الفقير التي تبحث عن طاقة رخيصة وفرص عمل لأبنائها في مصانع البتروكيماويات، حيث لا الطاقة ستكون رخيصة ولا فرص العمل ستتوفر لأن المستثمر الأجنبي لا يتشجع لتطوير هكذا صناعات يعول عليها العراق كثيرا، في حين نجد أن السعودية، على سبيل المثال، بقيت تناضل لمدة عشر سنوات مع منظمة التجارة الدولية للحصول على عضويتها والنظمة ترفض، لأن الغاز الذي يقدم للصناعات البتروكيماوية بأسعار رمزية، وهذا يعني أن صناعة البتروكيماويات السعودية ستنافس بقوة نفس الصناعات في البلدان التي تشتري الغاز بالأسعار العالمية، لكن السعودية استطاعت أن تنتصر في النهاية وتفرض نفسها في المنظمة، وفيما لو أقدم العراق على بيع الغاز في الداخل بالأسعار العالمية فإنه سيفرغ هذه السابقة التاريخية المهمة من محتواها الاقتصادي الكبير في حين يفترض الاستفادة من منها وإبقاء الغاز يقدم بأسعار رمزية دعما للاقتصاد العراقي بشكل عام كما هو الحال في السعودية، حيث أن الصناعات البتروكيماوية السعودية والصناعات الأخرى التي تعتمد على الغاز كطاقة قد تعملقت، وأصبحت الشركات السعودية هي الأكبر عالميا من حيث الحجم ومن حيث الربحية خلال وقت قصير جدا من الزمن.

هذا بالاضافة إلى أمور أخرى لا تقل أهمية عن تلك التي أهملها اتفاق الغاز مع شركة شيل أو لم تكن واضحة، لكن بعد مفاوضات مرثونية طويلة طالت لسنتين تقريبا، قيل لنا أنه تم إعادة النظر بالإتفاق، لكن لا ندري ما إذا تم الأخذ بتلك الطعون والملاحظات في الإتفاق الأخير أم لا؟ لأن صيغة الاتفاق الأخير بقيت طي الكتمان ولم يعرف عنها شيئا، وقدمت إلى مجلس الوزراء الذي وافق عليها من دون دراسة لصيغتها النهائية.

هكذا تكون الوزارة قد فرضت سياسة القبول بالأمر الواقع على العراقيين خصوصا بعد أن اعتبر مجلس الوزراء إن موافقته تعتبر نهائية ولا شأن لمجلس النواب بها، وفي الواقع كان هذا ممكنا فيما لو تم نشر الصيغة النهائية قبل توقيعها من قبل مجلس الوزراء، لكن بهذه الحالة، أي حالة التعتيم على الصيغة النهائية للعقد، يجب أن تقدم إلى مجلس النواب للموافقة عليها لأنه في هذه الحالة سيكون خط الدفاع الأخير عن أهم ثروة للبلد.

حقيقة إن عدم إعلان الوزارة للصيغة الأخيرة وإبقاءها طي الكتمان يعتبر تحولا كبيرا بسياسة الوزارة، وهو الإنتقال من سياسة الشفافية إلى سياسة التعتيم، وقد لاحظنا هذا الأمر ليس في شأن عقد الغاز وحسب، بل طال التعتيم كل أنواع العقود الأخيرة، سواء كانت عقود خدمية قصيرة الأجل أو عقود طويلة الأمد ذات بعد استراتيجي كبير بالنسبة للعراق كعقد الشراكة مع شركة شيل وعقود تطوير الغاز في جولة التراخيص الثاثة، وحتى العقود المعيارية لجولة التراخيص الرابعة التي تتعلق بعمليات الاستكشاف عن الغاز في المنطقة الغربية من العراق.

المزيد عن الغاز في الحلقة القادمة

يتبع في الحلقة القادمة..........

*مهندس نفط مختص بإنتاج وتطوير الحقول النفطية والغازية

hjawahri@yahoo.com

Opinions