Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من المستفيد من توجيه تهم الفساد إلى الشخصيات الوطنية؟

 

لا شك أن أخطر ما يهدد العراق اليوم هو الإرهاب والفساد. والأشد خطورة أن لكل من هذين الشرين امتداد ودعم من قبل مسؤولين متنفذين في كل مفاصل النظام الجديد. فقد شاهدنا كيف قدم 44 نائباً من كتلة (متحدون) استقالاتهم احتجاجاً على ضرب الجيش لأوكار الإرهابيين في محافظة الأنبار... وكذلك الفساد له جذوره العميقة، حيث صار أداة لتصفية حسابات لحرق الأخضر بسعر اليابس وذلك بتوجيه اتهامات كيدية ضد شخصيات وطنية معروفة بتضحياتها من أجل الوطن.

لقد علمنا من وكالات الأنباء خبراً مفاده أن "مجلس القضاء الأعلى"، قد أصدر مذكرة القاء قبض يوم الإثنين 9 كانون أول 2013، بحق السيد سمير شاكر الصميدعي، سفير العراق في واشنطن سابقاً، بتهمة تعود إلى الفترة القصيرة التي شغل فيها منصب وزارة الداخلية وهي شهرين فقط قبل تسع سنوات. وكما أوضح السيد الصميدعي في تصريح له نشر على مواقع الانترنت، أن الدائرة المالية في الوزارة وضعت تحت تصرفه "سلفة مستديمة" مقدارها حوالي أثنى عشر ألف دولاراً لإنفاقها على الحمايات، وأمور أخرى من باب النثرية لنفقات مكتب الوزير، وهو العرف المتبع الذي سار عليه الوزراء قبله وبعده مباشرة. ولما ترك الوزارة أعاد ما تبقي من النثرية إلى الدائرة المالية، وترك سجل المصروفات ذلك في مكتب الوزير، وقام بإجراءات براءة الذمة عن فترة خدمته كعضو في مجلس الحكم، وكوزير للداخلية، ثم عهد إليه بمنصب ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة، ومن ثم سفير العراق لدى الولايات المتحدة من 2006 حتى بداية 2012.

ومن كل ما تقدم، نعرف أن توجيه هكذا تهمة عن مبلغ زهيد في وزارة سيادية، وبعد عشر سنوات من تركه الوزارة، وحصوله على براءة الذمة في وقتها، وضد شخصية وطنية معروفة بمكانتها النضالية، لا بد وأن يثير الكثير من الشكوك حول الأغراض الحقيقية وراء هذه التهمة.

فتاريخ السيد الصميدعي معروف لنا، حيث بدأ حياته السياسية كيساري، وفي عهد الطاغية صدام حسين، وكغيره من ملايين العراقيين، أضطر إلى الهجرة وأقام في لندن، وشارك مع زملاء له في تأسيس تنظيم (إتحاد الديمقراطيين العراقيين في بريطانيا)، وكنت أحضر مؤتمراتهم السنوية. وقد ناضل الرجل بإمكاناته الجيدة، فهو متعدد المواهب، سياسي، وأديب وشاعر مرهف، لذلك كان قد قارع النظام الفاشي البائد على جميع الصعد، وبالأخص في الإعلام البريطاني والعربي، فساهم في الكثير من المقابلات والندوات التلفزيونية والإذاعية، وكتب في الصحافة الغربية والعربية، والعراقية في المهجر عن القضية العراقية في عهد صدام. ولما سقط النظام الفاشي، كان من أوائل الذين عادوا إلى العراق لتحمل مسؤوليته في بناء العراق الجديد، فشغل المناصب الرفيعة التي أشرنا إليها في أعلاه. وكما أعرفه شخصياً، فالسيد الصميدعي ضد الطائفية، وحريص جداً على إنجاح العملية السياسية، وأدى دوره خلال السنوات العشر الماضية من خدماته في مختلف المناصب بمنتهى المهنية.

نحن مع الحكومة في محاربة الإرهاب والفساد وبناء العراق الجديد على أسس علمية رصينة، وترسيخ حكم القانون، ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. ولكن يبدو أن هناك أشخاصا استغلوا تفشي الفساد في دوائر الدولة لأغراض كيدية، ولتصفيات سياسية، وخاصة في هذا الوقت حيث اقتراب الانتخابات البرلمانية. لا شك إن توزيع الاتهامات بالفساد يميناً وشمالاً وبشكل عشوائي، له أضرار بليغة بحق الوطنيين المخلصين الذين كرسوا حياتهم لخدمة الشعب والوطن، ناهيك عن استغلال البعض هذه التهمة للتأليب ضد الحكومة. فخلط الحابل بالنابل يخدم الفاسدين المرتشين الحقيقيين، ويشل نشاط الموظفين المخلصين الحريصين على سمعتهم، لأن الفاسدين لا يبالون بسمعتهم، ويعرفون كيف يتخلصوا من العقاب من أمثال حازم الشعلان وأيهم السامرائي، كما ويجعل الشعب أقل اهتماماً بهذه المسألة لأن فيها الكثير من التشويش والشكوك.

لقد أخبرني صديق عراقي، وهو أكاديمي متميز، يشغل كرسي الأستاذية في جامعة لإحدى الدول الغربية العريقة، يزور العراق بين حين وآخر تطوعاً للمساهمة في رفع مستوى الجامعات العراقية، نقل لي هذا الصديق أخباراً مقلقة عن رعب المسؤولين في الجامعات والمعاهد العراقية من تعرضهم لتهمة الفساد العشوائية، فقال في رسالة له مشيراً إلى محنة السيد الصميدعي:

"... هذه هي حال الدولة العراقية هذه الأيام، كل مسؤول او موظف متهم بالفساد، وكل ما ازور العراق اسمع عشرات القضايا حول تهمة الفساد ضد ناس في الجامعات، قضايا في نظري تافهة، وإذا بهم يتعاملون معها وكأنها أساسية ومصيرية، وقد تؤدي بالمتهم الى السجن وباتهامات باطلة. ان هذه الحالة وحسب معرفتي قد ادت الى شل حركة الجامعات، فبالرغم من ان رؤساء الجامعات والعمداء عندهم صلاحيات الصرف، ولكنهم لا يستفيدون منها لتخوفهم من هيئات النزاهة، فيرجعون مرة أخرى الى الوزير لأخذ موافقته حتى لا يقع بالمصيدة. وإذا ما صادف الوزير في مهمة خارج العراق، فهذا يعني تعطيل أعمال هؤلاء المسؤولين. نفس الكلام ينطبق على بقية دوائر الدولة، الأمر الذي أدى إلى عرقلة نشاطاتها. فقضية سمير مسألة سياسية لأن هناك من يضمر له الشر وقد قام بالتنبيش، فلم يجد إلا هذا الشيء البائس ليتهمه وهذا كاف في العرف السياسي."

وصديق آخر وهو كاتب وإعلامي كبير أخبرني عن مثال آخر في اتخاذ الفساد ذريعة لتصفية حسابات ضد الخصوم السياسيين المخلصين فقال: "أحمد البراك هو الآخر شخصية وطنية ليبرالية غير طائفية من الحلة يرزح في السجن منذ سنة وثمانية أشهر لسبب تافه... الطائفيون بخير لأن الطائفة تقف وراءهم... بينما الوطنيون مهددون وملاحقون لأنه لا وطن يقف معهم... فالوطن اختزل بالطوائف."

إن معظم المخلصين المؤازرين للنظام الجديد، والحريصين على إنجاح العملية السياسية وخلاص شعبنا من الإرهاب والفساد، وكل مخلفات العهد البعثي البائد، يعتقدون أن الغرض من توجيه هكذا تهمة للوزير والسفير السابق السيد سمير الصميدعي، وبعد عشر سنوات من تركه الوزارة على مبلغ لا يعد شيئاً مقارنة بحجم المبالغ الضخمة التي يسرقها الفاسدون الحقيقيون، يرون أن الغرض من هذه التهمة هو تصفية حسابات سياسية وتلويث السمعة ليس غير.

ورغم كون التهمة موجهة من سلطة قضائية، إلا إنه لا بد من جهات سياسية قامت بفبركة هذه التهمة، لذلك، أناشد دولة رئيس الوزراء، وكل  المخلصين من أصحاب الضمائر الحية بالتدخل للتحقيق في البحث عن أساس هذه التهمة، وغلق ملفها، ومحاسبة أولئك الذين أثاروها لأغراض كيدية وتصفيات سياسية... إن السياسيين المخلصين بحاجة إلى حماية، وبدون هذه الحماية لن يبقى للنظام الجديد من مخلصين يحمونه، وهذا خطر يهدد العملية السياسية برمتها لا يستفيد منها غير أعداء الديمقراطية.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات علاقة


1- الصميدعي لـ"المسلة": صدور مذكرة اعتقال بحقي بسب..


http://www.krtkrt.com/@almasalah/28145


2- لقاء قناة البغدادية مع السيد سمير الصميدعي، مساء 27/12/2013 مدة الفيديو 58 دقيقة، الفترة الخاصة بمقابلة السيد الصميدعي من الدقيقة 24 إلى 58.


http://www.youtube.com/watch?v=CPxOAAgG6kk&feature=c4-overview&list=UUjN7GohXU00fynUQD2UMYy

 

Opinions