من المستفيد من حرائق كردستان ؟
أمست الأحداث المؤسفة التي إجتاحت كردستان وفاجئت الأعداء قبل الأصدقاء ، حديث الساعة في أوساط المجتمع المسيحي العراقي في الوطن وبين أبناء جالياتنا في كافة دول العالم وما تزال، لان الخبر أصابهم بالصدمة والذهول لما تناقلته وكالات الأنباء من صور لزحف مجموعات من (المؤمنين) دخلت أرض المعركة بعد مسيرة في وسط المدينة وهي تحمل أسلحتها وتطلق هتافاتها الحماسية للشروع بحملة إيمانية لتطهيرالأرض من "رجس المشركين الخارجين على القانون وتأديب بقايا الصليبيين" لانهم تمادوا في العيش بسلام وأمان وتجاوزوا على الاخرين حين نالوا بعض حقوقهم المشروعة على أرض وطنهم كباقي خلق الله ، بينما الشرع لا يسمح بذلك ولا يقبل الإجتهاد في هذا الموضوع لانهم أهل ذمة فقط عند الحاجة وفي أوقات الشدة ، فكان عليهم دفع الجزية وهم صاغرون وبطريقة مبتكرة ليصبحوا عبرة لغيرهم ولمن تسول له نفسه أن يحلم بمساواته مع الأعلى منزلة منه كما يجري في كثير من الدول العربية والإسلامية. لقد خرق النصارى والأيزيدية القوانين بتمتعهم بحقوقهم الإجتماعية وممارسة حريتهم الشخصية التي وهبها لهم الخالق ومنحتها لهم لوائح حقوق الإنسان ودستور إقليم كردستان لإعالة أطفالهم وصون شرف عائلاتهم وحماية بيوتهم.لقد فرضت الأحداث التاريخية الماضية على الأقليات المسيحية في بعض بلدان الشرق، أن تبقى أسيرة مضطهدة في وطنها وتترعرع وسط مجتمعات غريبة في تقاليدها وفي بيئة ثقافية متصحرة تسودها مفاهيم بالية وممارسات جاهلية وتقودها جماعات تلبس جلباب التحضر ولكن عقولها منغلقة لانها تستعمل أساليب متناقضة مع شعاراتها وتنفذ أجندة في جوهرها مخالفة لشريعة الله وطبيعة الحياة وقوانين البشرية جمعاء .
وبكل أسف مازالت تلك الأقليات منذ عقود وقرون سجينة في أقفاص تخشى قدوم السجان كل يوم، تعاني وهي صابرة ولكنها تكابر وتنتظر معجزة من السماء لتنقذها من الظلم والشقاء، لانها دوماً تُعاقب لجرم لم ترتكبه : بسبب مقالة تُنشرهنا، كتاب يصدرهناك، موقع يهاجم أسماء، فلم يعرض في مكان، أوعمل فردي قام به فلان، وأحياناً تُصبح وقود نيرانِ لتصفية حسابات تاريخية وطائفية أو صراع بين فرقاء حول شؤون داخلية وأجندات سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل .
إن نقطة البداية وساعة الصفر لتفجيرالأوضاع في كردستان باغتت كل المراقبين ونُفذت لخلط أوراق اللعبة وتوزيع الأدوار من جديد على اللاعبين الإحتياط الذين يقفون في طابورالإنتظار منذ سنوات بينما أقرانهم حصلوا أخيراً على حصتهم ً من الكعكة وبدأوا ينظمون دوائرهم الجديدة ويتهيأون لمباشرة عملهم بعد أن إختزلوا الطريق وركبوا الموجة الشعبية ووقفوا أمام منصة الخطابة .
لا أبالغ إذا قلت أن معظم أبناء شعبنا صُدموا لما جرى وفي مناطق كانوا يعتبرونها الملاذ الامن الاخير لهم حينما تدلهم الخطوب وتُستباح حرماتهم ويُرفع السيف فوق أعناقهم، فشرعوا يتناقشون ويتسألون ويستنتجون كل من وجهة نظره الخاصة إستناداً إلى بعض الأخبار المتسربة من ساحة المواجهة وما طفى على السطح من مخلفات الماضي ومن معايشتهم الميدانية للإقليم، بينما فضل الاخرون الصمت لهول ما جرى وهم يشاهدون الصورالتي ظهرت أمامهم وكانها من إفغانستان أو نايجيريا أو من منطقة القبائل في باكستان، ولكن الجميع بإنتظار ما ستحمله في طياتها لهم الاخبار من مفاجئات أخرى ربما ليست في الحسبان، لإكتشاف إن كانت العملية تدخل ضمن المخطط المرسوم للمنطقة أم حدث إنفعالي عابر! نتمنى من أعماق قلوبنا أن لا تتكررالأحداث وأن يعود الأمن والإستقرارإلى كردستان، وأن لا تكون الأيام القادمة كالهدوء الذي يسبق العاصفة التي تهب على المنطقة من كل مكان .
لقد إستطاعت الخطب الإستفزازية التي أثارت الزوبعة وفي خضم الصراع الخفي على السلطة، أن تلقي بظلال الريبة والشك بقدرات حكومة الإقليم على حماية كافة مواطنيها لتهز الثقة التي منحوها لها، ولإظهارعجزها وتقصيرها في بسط الأمن والسلام على مدنها وبلداتها، وإن إنبوب الإختبار الذي أستخدمته هو مقدمة لعملية أكبر ومخطط أوسع إن لم تُلبي طلباتها ويُعترف بها كقوة موجودة على الأرض، أو ربما دقت صافرة الإنذار قبل وقوع الغارة الجوية لتعلن انها قادمة ويمكنها تحريك الشارع متى ما شاءت وأن الساحة السياسية ليست مُلكاً دائمياً لأحد، كما أثبتت فعلاً قدرتها على مفاجئة خصومها وإختراق كافة الإجراءات المتخذة وإحداث خلل أمني في الحياة الطبيعية المستقرة للإقليم والنيل من مكانته الدولية التي شيدها بدماء وتضحيات أبنائه خلال العقود الماضية، وإرسال إشارة واضحة بأنه لن يبقى واحة للحرية والديمقراطية والأمن والإستقرار دون أن يكون لها كلمة تُسمع وموقع يُحترم وقيادة يجب أن تُستشار ولا تهمش!
البعض يظن أن تزامن هذه الأحداث التي فاجئت الجميع حين نُفذت بلا مقدمات أو حتى تلميحات تسربت من بعض المسؤولين أو وسائل الإعلام، مع ما يدور حولنا من تطورات لا يمكن التكهن بأبعادها لم يكن عفوياً، وأن الهدف أبعد بكثير من مهاجمة محلات بيع الخمور ومراكز مساج، بل انه مرتبط بتلك المتغيرات السياسية التي تجتاح المنطقة، حتى أن أحد المسؤولين الكبار في حكومة كردستان أعلن بان نفس الجماعات ستكررالعملية بعد صلاة الجمعة التي بعدها، دون تعليق أو تحذير بإتخاذ إجراءات صارمة لمنع تكرارها، مع تصاعد لغة تبادل الإتهامات والإستنكار والإدانة بين كافة الفرقاء .
لذا فإن الواجب الملقى على عاتق كافة المسؤولين والاحزاب والمهتمين بأمن وسلامة شعبنا في الإقليم، البحث عن الحقيقة وسط ركام الأحداث وإجراء قراءة متأنية لأبعاد الوضع المحتقن لمعرفة إحتمالات المستقبل وتأثيراتها على مصير المسيحيين إذا تطورت الأمور لا سامح الله نحو الأسوأ، لان المحققين عند بداية بحثهم عن خيوط أية جريمة والملابسات التي رافقتها، يضعون أمامهم علامة إستفهام كبيرة بعد عبارة " من المستفيد ؟
ولكن بالرغم من كل الذي حدث وسيحدث، فإن ثقتنا مطلقة بالقيادة الحكيمة للإقليم، ولا يراودنا أدنى شك بأن طبيباً خبيراً متمرساً سيضع يده بمهارة ودراية على موطن الألم ليشخص الخلل في جسم المريض قبل إجراء العملية الجراحية لإستئصال الداء ثم وصف الدواء الشافي لمعاجة الجروح الناتجة عنها لمنع أية مضاعفات كي يتعافى بسرعة ويعود إلى وضعه الطبيعي ويخرج من الازمة الصحية أفضل مما كان .
وعلى الطبيب المعالج أن يراقب المريض خلال أيام نقاهته ليأخذ العبرة من أيام الأزمة ليمارس إرشادات الوقاية والحذر وتجنب الإنفعال، أما هو فعليه أن ينظر دوماً بثقة وإطمئنان إلى الأمام من خلال الواجهة الأمامية لعجلة القيادة وليس النظر من المرآة الداخلية إلى الوراء .
12/12/2011