Skip to main content
من الهول إلى الجذعة .. حكاية أطفال ونساء سقطوا في حبائل داعش Facebook Twitter YouTube Telegram

من الهول إلى الجذعة .. حكاية أطفال ونساء سقطوا في حبائل داعش

المصدر: صحيفة الزمان

حلقت الطائرة العسكرية من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية قرب مطار بغداد الدولي، تحث السير باتجاه قاعدة القيارة جنوب الموصل، صخبها العالي يشوش الحواس، لكنه لم يمنعنا من التفكير بالزيارة المزمعة الى مركز الجذعة، حيث يقيم النازحون القادمون من مخيم الهول السوري.. عشرات الأسئلة تتناسل في خاطري.. هل هؤلاء رعايا العراق ام عوائل ارتكبت مجازر دموية.. هل يستحقون نعمة العودة ام نقمة الابعاد.. تهادت السيارة وهي تقطع مسافة تقدر 10 كم لتبدأ الخيم تلوح في الأفق.. كان كل شيء ضبابيا وسط تكرار اسم الهول.. المخيم السوري السيء الصيت .

جحيم الهول

وطئت اقدامنا ارض الجذعة برفقة مضيفنا مستشار الشؤون الاستراتيجية في مستشارية الامن القومي سعيد الجياشي والمساعد التنفيذي للمستشار عن الملف، سألته عما نسمعه عن مخيم الهول الرهيب فقال: الهول حكاية غامضة لدى الكثيرين، فهو يقع خارج العراق على بعد 13 كم عن الحدود العراقية السورية، تابع لمحافظة الحسكة السورية، وقد أنشئ من قبل الأمم المتحدة عام 1991 اذبان حرب الخليج الثانية، فالمنظمة الاممية كانت تتوقع نزوح عراقي كبير نحو الحدود الدولية ..مر المخيم بمراحل عدة، فقد اغلق عام 1993 لانتفاء الحاجة اليه ، اعيد افتتاحه عام 2003 بعد حرب الخليج الثالثة .. ودبت فيه الحياة مرة أخرى، الا ان قصته بدأت عام 2014 بعد التداعيات الأمنية في العديد من المناطق بالبلد، استطاع تنظيم داعش دخولها مثل ما حدث في الموصل وصلاح الدين وأجزاء من الانبار.. هذه الاحداث دفعت الكثير من العراقيين للنزوح الى الهول هربا من بطش المتطرفين..  المخيم كان تحت اشراف الحكومة السورية لكن بعد عام 2011 والاحداث التي جرت هناك، وفقدان السيطرة على مناطق شمال شرق الفرات، أصبحت المنطقة تابعة لما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي غدت تدير المخيم.

{ هل يقتصر وجود اللاجئين في الهول على العراقيين فقط؟

– بعد انتهاء المعركة مع داعش عام 2017 ودخول قوات سوريا الديمقراطية الى مدينة الباغوز بريف البوكمال الشرقي قرب الحدود العراقية السورية بمساندة قوات التحالف الدولي، وطرد داعش من المنطقة، زحفت الكثير من العوائل المنتمية للتنظيم، والقاطنة هناك الى الهول، ليتحول المخيم الى بؤرة تحمل الأفكار والايدولوجيا المتطرفة، ويغدو بيئة خطرة جدا، حيث يشهد يوميا جرائم قتل واغتصاب وتجارة الأعضاء البشرية للنازحين العراقيين، فضلا عن الاعتداءات المستمرة عليهم، ولا سيما ان المخيم يضم الى جانب العراقيين والسوريين 50 جنسية أخرى مما يطلق عليهم بالمهاجرات من أصول عربية واجنبية، الامر الذي استدعى تدخل الحكومة العراقية، واهتمام المنظمات الدولية.

{ هل العراقيون الموجودون في الهول كلهم من التنظيم المتطرف؟

– ينقسم العراقيون في الهول الى أربعة اقسام، ثلاثة منهم من النازحين بسبب الاحداث المعروفة التي مر بها البلد، وقسم اخر جاء من الباغوز، وهم عوائل افراد التنظيم، ولكن نحن نتكلم عن نساء وأطفال، فالمنتمون الى داعش اما قتلوا، او هربوا الى دول أخرى.. مجموع الكل في الهول حسب احصائيات الأمم المتحدة من 56 الى 60 ألف شخص من مختلف الجنسيات، ويقدر عدد العراقيين من 30 الى 32 ألف شخص 19 ألف منهم هم دون سن 18 سنة.. الدولة العراقية وأجهزتها الأمنية منتبهة الى المخيم وما يجري فيه كونه يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العراقي بسبب قرب المسافة، وما يضمه الهول من ناس وأفكار متطرفة.. النقاش في الداخل تمحور حول كيف نتعامل مع هذا الملف الشائك؟ اذ كان ينظر اليه انه قضية امن قومي، فهو ملف أمنى وانساني وسياسي في الوقت ذاته، فالمخيم جغرافيا خارج العراق، وليس ثمة تعامل سياسي او أمنى مع الجانب الاخر، والتفاوض يجري مع مجاميع مسلحة.. كان القرار العراقي في النهاية.. ان هؤلاء رعايا عراقيون نساء وأطفال، ونحن كدولة يجب اعادتهم الى العراق .

الإعادة المسؤولة

{ اذن جزء كبير من هؤلاء النازحين هم عوائل تنظيم داعش، اليس هنالك خطورة في اعادتهم الى العراق؟

-نحن نطلق على هذه العودة بالإعادة المسؤولة، وذلك من خلال التدقيق الأمني، والاستخباري، والقضائي، والقانوني.. نتعامل معها جميعا على وفق شروط، أولها ان تكون العودة للعوائل العراقية فقط اب وام وأطفال، وإذا صادف وجود شخص عليه امر قبض، او أي امر قضائي، او مؤشر أمنى نحن نخبره قبل نقله الى داخل العراق بانه سوف يسلم الى السلطات المختصة، اما العوائل التي ليس عليها مؤشر أمنى، او امر قبض، يتم نقلهم وإعادة تأهيلهم.

{ لكن ان لم توجد مؤشرات امنية على هذه العوائل، لماذا نزحت؟

– بعضهم اجبرتهم الظروف، واخرون.. أحد افراد عائلتهم من الدواعش.. قتلوا او فقدوا او هربوا.. مثل امرأة زوجها ينتمي الى التنظيم، وقد قتل، فهي مغلوب على امرها، وليس عليها مؤشر أمنى، وتريد العودة الى بلدها، هنالك عشرات القصص بشأن ذلك، فمثلا قرية نائية كانت تحت سيطرة التنظيم، ونزحت جميعها، ومعها عوائل ليس لها علاقة بالموضوع، انساقت مع الشعور الجمعي كونها لا تستطيع ان تبقى وحدها اثناء دخول القوات العراقية.

{ ما هي اليات الاجلاء من مخيم الهول؟ – عملية الاجلاء تتم بإدارة واشراف مؤسسات الحكومة العراقية، ممثلة بالأجهزة الأمنية جميعها، وبقية الوزارات تحت اشراف مستشار الامن القومي الذي يتابع يوميا هذا الملف، ووزارة الهجرة التي تدير مراكز التأهيل، وقيادة العمليات المشتركة، وجهاز الامن الوطني، وجهاز المخابرات، كلها داعمة، فهو عمل تضامني الغاية منه تقديم الدعم الى وزارة الهجرة كجهة قطاعية، لكن الملف فيه جنبة امنية، وابعاد خطيرة، لذلك هناك لجنة عليا يرأسها مستشار الامن القومي.

العودة طوعية، والتدقيق الأمني يفرز العوائل المؤهلة لعبور الحدود نحو العراق.. في البداية كان هناك خشية من العودة نتيجة الدعاية السلبية التي تزعم انهم سيتعرضون الى القتل في الطريق من قبل جهات معينة، لذا واجهنا صعوبات في إقناع العوائل بسبب نسبة القلق المرتفعة جدا، ولكن وبمرور الوقت وبعد نقل ستة الى سبع وجبات، وصار هناك تواصل بين العائدين والقاطنين في الهول، اختلفت الأمور.. صرنا نعاني من ضغوطات كبيرة بسبب الاعداد الكبيرة من النازحين التي ترغب بالعودة، اذ تفوق طاقة الاستيعاب بالوجبة الواحدة، التزاحم شديد اذ يبلغ عدد الوجبة من 100 الى 150 عائلة، وعندما تدقق الوجبة امنية، يتم التنسيق مع (قسد)، وقوات الحدود، وتتوجه حافلات تحت حماية القوات العراقية، تنقلهم الى مركز التأهيل.

معضلة الأوراق الرسمية

في هذه اللحظة توقفنا عن الكلام، وتجولنا في مركز الجذعة لتأهيل النازحين، توقفنا عند خيمة تضم عائلة نازحة.. دخلنا فوجدنا امرأة شابة قادمة من اعماق الريف، شاردة الذهن مشتتة النظر، وكأنها لا تشعر بالأقدام التي تطأ الارض من حولها، جسدها هزيل، شفاهها ذابلة، ترمق القادمين بنظرة يائسة، مع ثلاثة أطفال بائسين يفترشون الأرض بملابسهم الرثة، اذ كانوا يرتدون اسمال بالية، سألناها عن زوجها فقالت: انه هناك في الهول مع زوجته الأخرى، ثم الحقنا سؤالنا بسؤال اخر عن اوراقها الرسمية كعقد الزواج وهويات الأحوال المدنية فأكدت انهم جميعا بلا اوراق وهنا التفت الى مضيفنا المستشار سعيد الجياشي وقلت له حصلت العديد من حالات الزواج والولادة خارج مؤسسات الدولة.

{ كيف تتعامل الحكومة مع عدم وجود أوراق ثبوتية لدى هؤلاء النازحين؟

– لقد تبنت وزارة الداخلية اصدار البطاقات الموحدة للنازحين، وتستند في ذلك على هوية الأحوال المدنية لاحد الابوين، فكل العوائل التي نقلت من الهول حتى الان لدى بعضها الاوراق الثبوتية، كما لم يصادفنا حتى اليوم أطفال ليس لهم اباء، او عراقية متزوجة من عربي او أجنبي، وقد ساعد مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة الموصل في حل العديد من القضايا التي تخص تثبيت الزيجات وما يتعلق بها، عموما نحن نتعامل مع العراقيين فقط، ونسعى الى حل معضلة الأوراق الرسمية لدمج العوائل بالمجتمع، والتحاق الأطفال بالمدرسة.

سنوات، وربما نحصل على وسائل دعم جديدة، وانشاء مراكز تأهيل جديدة، تعجل في الموضوع، ولا اخفيك هناك محادثات في هذا الشأن بين الحكومة العراقية والجانب الدولي، عموما لا يمكن للنازح ان يعود من الهول الا بعد المرور بهذه العمليات التي تتضمن التدقيق الأمني، والتفويج، والتأهيل، والادماج بالمجتمع، لكي نطمئن بان هذا النازح سوف يتعايش بشكل سليم في المجتمع.

انتهت جولتنا في مركز الجذعة، وحان وقت العودة الى بغداد.. كانت السيارة مسرعة، وهي تغادر، بدأت الخيم تتوارى وراءنا، كان المستشار واجما على غير عادته، فهو شعلة من النشاط، مشاعره الإنسانية كانت تتسرب الى الاخرين، رغم صمته، فاجأته وسألته عما يجول في نفسه فقال.. ما يحدث في الهول، وما يجري في الجذعة عبارة عن رسالة الى السياسيين والإعلاميين وكل المهتمين بهذا الملف.. ان المواطن العراقي يجب ان يعيش في وطنه معزز ومكرم بغض النظر عن توجهاته، اذ لا يجب ان نؤسس أخطاء على أخطاء حدثت في الماضي، بل نعمل بروح المواطنة، وروح الدولة ومسؤوليتها الابوية..لا اقصد المجرمين فهؤلاء يجب ان ينالوا جزاءهم العادل.. أتكلم عن الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء .

Opinions