Skip to main content
من رصيد الحراسة والاحتراس Facebook Twitter YouTube Telegram

من رصيد الحراسة والاحتراس

من رصيد الحراسة والاحتراس

                                                                                      عادل سعد

المقال الأسبوعي للكاتب في صحيفة الوطن العمانية الجمعة 3/6/2016

    يحتل مفهوما الحراسة والاحتراس ، بمعنى التحسب والوقاية والتوقع والاحتراز ، حيزاً كبيراً من اهتماماتنا اليومية في العلاقة مع انفسنا ، أو في العلاقة مع الاخرين ضمن السقف الذي يزيد او يقلل فرص الاصطدام او التناحر او الانسجام ، ويتباين المفهومان من حالة الى اخرى تبعاً الى نتائج يمكن فيها تجاهل هذه المهمة او تناسيها او نسيانها او الترفع عنها على غرار ما فعله صائب عريقات كبير المفاوضين في السلطة الفلسطينية بقوله الشهير عندما سؤل عن احتمالات سياسة رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي فقد اجاب قائلاً لست حارساً على شفاه نتنياهو ، ولكن في كل الاحوال لا يمكن ان يقدم شيئاً يضع في الاعتبار الحقوق الفلسطينية .

   وفي سياق ما اسلفنا ايضاً ، يظل التجاذب حاداً او خافتاً بين مفهومي (الانسان حارس ضميره) و (ونوم الحراس ضياء للصوص) واحداً من اخطأ التوجهات على المواطن اذا اعطى الافضلية لحراسة حياته دون ان يضع بذات الخط من الاهمية حراسة حق الاخرين ولذلك نجد لدى الامم المتحدة ما تدعو له في المزيد من التشريعات والنصوص والبروتوكولات والعهود لحماية الحقوق الانسانية والاحتراس من المس بها وهي تعني الحقوق في السلام والامن والحياة الكريمة ، وكذلك في إطار الشعار الذي اطلقته المنظمة الدولية باعتماد مفهوم (مقاتل لا قاتل) ضمن رعاية حقوق المدنيين عندما يكونوا تحت ضغط حرب او خصومات او صراعات دموية ، حتى وان اشتد وتصاعد غبار المعارك ، اذ لا قيمة اخلاقية لاي انجاز عسكري مهما كان الحق الذي يحركه اذا لم يأخذ بالاعتبار المسؤولية في تلك الرعاية التي يحمي بها مواطنين عزل لا حول لهم ولاقوة ، وكل ما حصل لهم انهم وجدوا انفسهم وسط النيران .

   ان الاحتراس هنا ضمن ما اشرنا اليه هو من الواجبات الانسانية والاخلاقية التي ينبغي ان ترتفع على الواجبات الاخرى بالمزيد من الاصرار وارادة التغيير لصالح الفعل التضامني ، وهكذا يكون اصحاب الشأن في هذا المجال قد حافظوا على هوياتهم الانسانية .

   وما دمنا في هذا الموضوع ومن خلال الشأن العراقي ، لنا ان نسأل كم  يعطي المسؤولون العراقيون من أهمية لحماية وحراسة انفسهم وسط اساطيل من السيارات المصفحة والاستعانة بحراس اشداء وقطع الطرق لفسح الجمال امامهم ومنع المواطنين من التحرك حنى يستكمل هؤلاء المسؤولون مسيرتهم في الوصول الى الاماكن التي يقصدونها ، وكم من هؤلاء المسؤولين العراقيين اختلط بالناس وزار اسواقاً وبيوت فقراء وتفقد مستشفيات شحت بها الادوية ونخر بها الاهمال ، وكم من المسؤولين العراقيين ظهر على شاشات التلفاز واعترف انه اعطى للشأن الشخصي الخاص به أهمية في الحراسة عليه اكثر من حراسته لحقوق الوطن والمواطنين وشرف الانتماء لهم ، وكم مسؤول عراقي نجح في اعتماد اجراءات الامانة والذمة المالية الشخصية البيضاء بالتعادل مع مسؤوليته الاخلاقية في حراسة المال العام .

   الواقع لو ان جزءاً بسيطاً من تلك الحراسة المشرفة قد تحقق لكان العراق الان ليس ضمن قائمة عشر دول هي الاكثر فساداً في العالم ، وأين هم الموظفون العراقيون الشرفاء الذين نذروا انفسهم لحراسة المال العام والترفع عن المحسوبية والرشوة والاختلاس واعلنوا ذلك في مواجهة  مكشوفة مع مختلسين وسراق مال ومعتدين على حقوق مواطنين .

   ولنذهب بعيداً عن العراق ونسأل كم حجم الاحباط والقنوط واليأس وبالتالي الاستهانة بمفهوم الاحتراس حيث يندفع الالاف من فقراء اسيا وافريقيا لان يرموا انفسهم الى التهلكه ضمن (مشاريع) الهجرة غير المشروعة الى اوربا ، مع علمهم المسبق ان امكانية وصولهم ناجين الى الشواطئ الشمالية للبحر المتوسط تكاد تكون صفراً بالمئه ، فاين هو الاحتراس الشخصي في ذلك ، مع معلومة جديدة ان اكثر من 800 مهاجر اختفوا في مياه البحر خلال الاسبوع الماضي غرقاً بشهادات ناجين .

   وبالعودة الى البدء لا حراسة ولا احتراس بالوصفة الكاملة اذا لم يتوفر هامش من الامانة والحرص على هذه المهمة .

 

 

 

 

 

  

Opinions