Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من هو يسوع المسيح / جزء 4

مفهوم وحقيقة المسيحية لم تأتي من فراغ بل اعد الله البشرية لقبول فكرة الخلاص بيسوع المسيح على مدى الاف السنين ، وتم تسجيل النبوات بمنتهى الدقة وبكثير من الاوصاف قبل حدوثها بأجيال كثيرة . وكان قصد الله هو خلاص الانسان ، فأن ذلك تحقق بمجيء المسيح وموته على الصليب وبشهادة الانبياء في العهد القديم ، شهادة موسى :" يُقيمُ لك الرب ألهك نبيا مثلي من وسطكَ ، من إخوتك َ، فله تسمعون . سأُقيمُ لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلكَ ، وأجعل كلامي في فمه ، فيخاطبهم بكل ما آراه بهِ. وأي رجل لم يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي ، فإني أُحاسبه عليه ."
( تثنية 18: 15 و18 و 19 ) ، ولفهم هذه النبوة لابد من قراءة الاية الواردة في انجيل
(متى17: 5) : "وبينما هو يتكلم إذا غمام نَيرٌ قد ظللهُم ، وإذا صوت من الغمام يقول : هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت ، فله اسمعوا ".
وهنا يأتي الصوت من الغمامة او السحابة ، وصوت هو صوت الاب الذي يزلزل السماء :" هذا هو ابني .. ، فله اسمعوا " ، وكأن الزمن يختزل في لحظة بين قول الله لموسى " يقيم لك الرب الهك نبيا ...، فله تسمعون ." وهنا يأتي الصوت بانطباق اي شهادة موسى ( فله تسمعون ) وشهادة متى الانجيلي ( فله اسمعوا ) ، حيث تم الوعد وجاء الموعود به . هذا المنظر اعتبره الرسول بطرس إعلانا عن مجد يسوع المسيح وبنوته من السماء في اعظم احتفال سماوي اشترك فيه الناموس والانبياء ، حيث اثرت فيه رؤية إيليا النبي ، فجعل النبوة عند الرسول بطرس في قمة الشهادة الاثبت :"قد أطلعناكم على قدرة ربنا يسوع المسيح وعلى مجيئه، لا اتباعا منا لخرافات سوفسطائية، بل لأننا عاينا جلاله . فقد نال من الله الاب إكراما ومجدا ، إذ جاءه من المجد – جل جلاله – صوت يقول :" هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت " ، وذاك الصوت قد سمعناه آتيا من السماء ، إذ كنا معه على الجبل المقدس . فازداد كلام الانبياء ثباتا عندنا ، وإنكم لتحسنون عملا إذا نظرتم اليه نظركم الى سراج يضيء في مكان مظلم ، حتى يطلع الفجر ويشرق كوكب الصبح في قلوبكم ."
( 2 بطرس 1: 16-19 ) .
كما ظل مجد المسيح الذي احتفلت له السماء بالغمامة النيرة وحضور عميد الناموس موسى وعظيم الانبياء ايليا يؤثر في قلب الانجيلي يوحنا حيث سجله في انجيله :" فرأينا مجده مجدا من لدن الاب لابن وحيد ملؤه النعمة والحق "( يوحنا 1: 14 ) ، وهنا يقدم الانجيلي يوحنا شهادته كواحد من الذين رأوا هذا المجد . رؤية يوحنا بالنسبة لنا هي رؤية الايمان الذي يستعلن الحق بمقدار ما يعلن الحق ذاته . وهذا كان سلوك المسيح العجيب ، الذي كان يعمل ويتكلم مُعلنا الحق الذي فيه ، الذي كل من كان عنده حاسة الايمان كان يقبله ويؤمن ، لانه كان يرى الحق الذي فيه . وهذا النوع من الايمان أو رؤية الايمان لايحتاج في الحقيقة للرؤية العينية وهو الذي نص عليه المسيح بقوله
لتوما :" فقال له يسوع : ألأنك رأيتني آمنت ؟ طوبى للذين يؤمنون ولم يروا ."(يوحنا 20: 29 ) ، هذه الطوبى المذخرة في رؤية الايمان بل عيان هي التي بقيت لنا حتى اليوم كما يقول الرسول بطرس :" ذلك الذي لا ترونه وتحبونه ، والى الان لم تروه وتؤمنون به ، فيهزكم فرح لا يوصف ملؤه المجد ." ( 1بطرس 1: 8 ) .
فصارت الرؤيا الايمانية هي اساس الايمان غير المعتمد على المشاهدة ورؤيا العين ، ولكن بقي الرسل هم اساس هذا الايمان الوحيد . لذلك نحن نؤمن بالرسولية الكنسية عن حق وأصالة وضرورة حتمتها رؤيتهم القائمة على الرؤيا العينية والمشاهدة واللمس التي اختصوا بها وحدهم دون جميع من رأوا الرب . لهذا صار الايمان الرسولي المؤسس على رؤية الرسل هو ذخيرة الكنيسة .
في الحقيقة ان اقوى المواضع التي ذُكر فيها كيف شوهد المجد علنا وعيانا هو حادثة التجلي :
"وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام ، مضى ببطرس ويوحنا ويعقوب وصعد الجبل ليصلي . وبينما هو يصلي ، تبدل منظر وجهه ، وصارت ثيابه بيضا تتلألأ كالبرق . وإذا رجلان يكلمانه ، وهما موسى وإيليا ، قد تراءيا في المجد وأخذا يتكلمان على رحيله الذي سيتم في أورشليم . وكان بطرس واللذان معه قد أثقلهم النعاس . ولكنهم استيقظوا فعاينوا مجده والرجلين القائمين معه ، حتى إذا هما بالانصراف عنه قال بطرس ليسوع : يامعلم حسن أن نكون ههنا . فلو نصبنا ثلاث خيم ، واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا ! ولم يكن يدري مايقول . وبينما هو يتكلم ، ظهر غمام ظللهم ، فلما دخلوا في الغمام خاف التلاميذ . وانطلق صوت من الغمام يقول : هذا هو ابني الذي اخترته فله اسمعوا" ( لوقا 9: 28-35 ) ، ونحن إذ عدنا الى الحادثة المماثلة في العهد القديم مع موسى ، نجد الآتي : " وصعد موسى الجبل . فغطى الغمام الجبل . وحل مجد الرب على جبل سيناء ، وغطاه الغمام ستة ايام ... وكان منظر مجد الرب كنار آكلة في رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل ."
( خروج 24: 15-17 ) . ففي هذا المنظر وكل مناظر استعلان مجد يهوه الله في العهد القديم نجد انه بمجرد اقتراب الله من الشعب ، او بالاكثر من موسى وهارون كان يصاحب ذلك ظهور واستعلان مجد الله ! واضح من هذه الشواهد ان المسيح انتخب ثلاثة تلاميذ بطرس ويوحنا ويعقوب ليطلعهم على سر مجده هذا ، كما أطلع موسى سابقا على الجبل في سيناء .
وهكذا بقي سر التجلي مكنونا في صدور الثلاثة الى ان قام يسوع المسيح فأصبح الحديث عن التجلي تحصيل حاصل ، مفهوما ومقبولا ، فالقيامة تؤكد وتبرهن عليه . وقول المسيح ذلك لتلاميذه يكشف ان التجلي حادثة تختص بعينها صورة لمجيء الملكوت .

موسى تعرض للقتل وايضا المسيح:
موسى تعرض للقتل :
"وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شِفرة والاخرى فوعة وقال: ‘ذا ولدتما العبرانيات ، فانظرا الى جنس المولود ، فإن كان ابن فأميتوه ، وإن كانت ابنة فلتحيا . لكن القابلتين خافتا الله ولم تصنعا كما قال لهما ملك مصر ، فاستبقتا البنين أحياء . فاستدعى ملك مصر القابلتين وقال لهما: لماذا صنعتما ذلك واستبقيتما البنين أحياء فقالتا لفرعون: إن العبرانيات لسن كالنساء المصريات ، فهن قويات يلدن قبل أن تدخل عليهن القابلة . وأحسن الله الى القابلتين وكثر الشعب وعظم جدا . وخافت القابلتان الله فرزقهما أولادا . فأمر فرعون كل شعبه قائلا : كل ابن يولد لهم فاطرحوه في النيل ، وكل ابنة فاستبقوها ." ( خروج 1: 15-22 )
المسيح تعرض للقتل ايضا :
" ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية ، في ايام الملك هيرودس ، إذا مجوس قدموا أورشليم من المشرق وقالوا :" أين ملك اليهود الذي ولد؟ فقد رأينا نجمه في المشرق، فجئنا لنسجد له . فلما بلغ الخبر الملك هيرودس ، اضطرب واضطربت معه اورشليم كلها . فجمع عظماء الكهنة وكتبة الشعب كلهم واستخبرهم أين يولد المسيح . فقالوا له : في بيت لحم اليهودية ، فقد أُوحي الى النبي فكتب : وانت يا بيت لحم ، ارض يهوذا لست أصغر ولايات يهوذا فمنك يخرج الوالي الذي يرعى شعبي إسرائيل . فدعا هيرودس المجوس سرا وتحقق منهم في أي وقت ظهر النجم . ثم أرسلهم الى بيت لحم وقال : اذهبوا فابحثوا عن الطفل بحثا دقيقا ، فإذا وجدتموه فأخبروني لأذهب أنا أيضا وأسجد له. فلما سمعوا كلام الملك ذهبوا . وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى بلغ المكان الذي فيه الطفل فوقف فوقه . فلما أبصروا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا . ودخلوا البيت فرأوا الطفل مع امه مريم . فجثوا له ساجدين ، ثم فتحوا حقائبهم وأهدوا اليه ذهبا وبخورا ومرا . ثم أُوحي إليهم في الحلم ألا يرجعوا الى هيرودس ، فانصرفوا في طريق اخر الى بلادهم . وكان بعد انصرافهم أن تراءَى ملاك الرب ليوسف في الحلم وقال له : قم فخذ الطفل وأمه الى مصر وأقم هناك حتى أُعلمك، لان هيرودس سيبحث عن الطفل ليهلكه . فقام فأخذ الطفل وأمه ليلا ولجأ الى مصر . فأقام هناك الى وفاة هيرودس، ليتم ما قال الرب على لسان النبي: من مصر دعوت ابني . فلما رأى هيرودس أن المجوس سخروا منه ، استشاط غضبا وأرسل فقتل كل طفل في بيت لحم وجميع أراضيها من ابن سنتين فما دون ، …. وما إن توفي هيرودس حتى تراءَى ملاك الرب في الحلم ليوسف في مصر وقال له : قم فخذ الطفل وأمه واذهب الى أرض إسرائيل ، فقد مات من كان يريد إهلاك الطفل . فقام واخذ الطفل وأمه ودخل ارض اسرائيل . " ( متى 2 : 1 – 21 )
ان استخدام السماء للاحلام لتوصيل الرسالة من فوق فهو استخدام حالة اللاوعي لكي يصب فيه الله ما يراه بالنسبة لمنفعة الانسان ، حينما يصعب الاتصال بالرؤيا في الوعي او الايحاء للعقل . والاحلام استخدمت في انجيل متى كوسيلة صالحة فيوسف وقع تحتها ثلاث مرات ، وهاهم الحكماء تلقوا الانذار في حلم حفاظا على حياة الصبي دون ان يدركوا ذلك . والانجيلي متى يذكر حلم امرأة بيلاطس ( متى 27: 19 ).
ويبدو لنا ان عمل هيرودس الفظيع في قتل أطفال بيت لحم الذكور هو المقابل لقتل فرعون الذكور من شعب اسرائيل بلا رحمة حتى يفني الشعب فناء بطيئا . فالنية السيئة واحدة والتنفيذ الاجرامي مطابق . وكان الخوف على موسى وهو في المهد رضيعا من سيف فرعون هو نفس الخوف على يسوع الطفل من سيف هيرودس .

موسى خلص بني اسرائيل من العبودية والمسيح خلص البشرية من حكم الموت :
موسى خلص بني اسرائيل :
" فقال الرب : إني قد رأيت مذلة شعبي الذي بمصر ، وسمعت صراخه بسبب مسخريه ، وعلمت بآلامه ، فنزلت لأُنقذه من أيدي المصريين وأُصعده من هذه الارض الى أرض طيبة واسعة ...
فالان ، اهب ! ارسلك الى فرعون . أخرج شعبي بني إسرائيل من مصر ."( خروج 3: 7و8و10 )
أن الله يسمع صراخ طالبيه لانه شاعر بالامهم ويعزيهم في ضيقاتهم .
المسيح خلص البشرية من حكم الموت :
" وستلد ابنا فسمه يسوع ، لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم " ( متى 1: 21 )
الرب يسوع المسيح جاء ليخلص شعبه من عيوبهم وخطاياهم وتعدياتهم وفجورهم . الخلاص من الاعداء هنا هو الخلاص من انفسهم ، خلاص من خطيتهم وليس من الخطاة . هنا دعوة المسيح الى نقد الذات ودينونة النفس ومحاكمة الضمير واصدار الحكم العادل ضد النفس وفجورها قبل الدينونة التي لاترحم وتُرسل الى جهنم . هذا هو سر قول المسيح أنا لا ادين أحدا ، أنا لم آت لأدين العالم بل لاخلص العالم ، لأجعل كل انسان يدين نفسه حتى أستطيع أن أُبرئه أنا !!وهذا سر قول المسيح :" احبوا اعداءكم ".

صيام موسى وايليا وصيام المسيح
صيام موسى :
" وقال الرب لموسى : أُكتب لك هذا الكلام ، لأني بحسبه قطعت عهدا معك ومع إسرائيل . وأقام موسى هناك عند الرب أربعين يوما واربعين ليلة ، لايأكل خبزا ولا يشرب ماء ، فكتب على اللوحين كلام العهد ، الكلمات العشر " ( خروج 34: 27-28 )
وكذلك ايليا النبي :
" فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين يوما وأربعين ليلة الى جبل الله حوريب "
( 1 ملوك 19: 8 ).
صيام المسيح :
" فصام أربعيم يوما وأربعين ليلة حتى جاع "( متى 4: 2 )
في هذين المثلين نجد ان موسى صام ليتلقى شريعة الله ، وايليا صام ليعرف من الله ماذا يعمل وماذا يقول . ويكاد هذا الوضع الذي سيدخله المسيح كمشرع للعهد الجديد وكنبي ومعلم .
لم يتراجع الشيطان عن حقه في تجربة المسيح ، لأن الذي فتح شهيته في هذا هو اسقاطه لآدم الاول وهو في حضن الله . فطالما الابن نزل الى العالم أصبح من حق الشيطان كرئيس لهذا العالم أن يصارعه . ويلاحظ أن سقطة أدم الاول كانت عن طريق شهوة البطن والعيون ، فالتجربة نجحت على ادم الاول فلماذا لا يجربها مع ادم الاخير . ولكن لايعلم الشيطان ان سبب سقطة آدم الاول جاء أدم الثاني ( المسيح ) ليخلص الانسان من سقطته ويرفع سبب السقوط حتى لا يعود الانسان ، طالما هو في طاعة الله ، أن يسقط :" نعلم أن كل من ولد لله لا يخطأ ."( 1يوحنا5: 18 )، ولكن يضمن المسيح عدم سقوط الانسان " دان الخطية بالجسد " ( رومية 8: 3 ) ، والغي سلطان الموت بموته ، ومنح الانسان الحياة الابدية بقيامته .
يتبع جزء 5
Opinions