من هو يسوع المسيح/ جزء 12
تابع معجزات يسوع المسيح9 . معجزات احياء الموتى
إقامة ابنة يائيرس ( يايرس ) من الموت
" فجاء أحد رؤساء المجمع اسمه يائيرس. فلما رآه ارتمى على قدميه، وسأله ملحا قال: (( ابنتي الصغيرة مشرفة على الموت. فتعال وضع يديك عليها لتبرأ لتحيا )) . فذهب معه وتبعه جمع كثير يزحمه . وبينما هو يتكلم، وصل أناس من عند رئيس المجمع يقولون: ((ابنتك ماتت فلم تزعج
المعلم ؟ )) . فلم يبال يسوع بهذا الكلام، بل قال لرئيس المجمع: ((لا تخف، آمن فقط )) . ولم يدع أحدا يصحبه إلا بطرس ويعقوب ويوحنا أخا يعقوب . ولما وصلوا إلى دار رئيس المجمع، شهد ضجيجا وأناسا يبكون ويعولون . فدخل وقال لهم: ((لماذا تضجون وتبكون ؟ لم تمت الصبية، وإنما هي نائمة . فضحكوا منه. أما هو فأخرجهم جميعا وسار بأبي الصبية وأمها والذين كانوا معه ودخل إلى حيث كانت الصبية . فأخذ بيد الصبية وقال لها: ((طليتا قوم !))أي: يا صبية أقول لك: قومي . فقامت الصبية لوقتها وأخذت تمشي، وكانت ابنة اثنتي عشرة سنة. فدهشوا أشد الدهش "
( مرقس 5: 22 – 24 و 35 – 42 ) .
رئيس المجمع هذا هو لمجمع كفرناحوم ، حيث كان يذهب المسيح ويعظ ، وكانت معجزات كثيرة تُعمل هناك . إذ في المجمع كم مرة يصادرون المسيح في تعليمه خاصة في الشفاء يوم السبت ، وفي ملء حزنه وهمه ويأسه نسى يائيرس مركزه كرئيس مجمع وخر ساجداً للمسيح كالله ! هذا امر يحير العقل في أمر هؤلاء الرؤساء الذين تسببوا في هلاك أُمة عن غير حق إرضاء لريائهم الديني القاتل . واسم يائيروس ( يايرس ) اسم عبري ويعني الشخص الذي ينير البصائر اي المضيء
( راجع النسخة السبعينية – عد 32: 41 أو قضاة 10: 3 - ) .
السيد المسيح كان يهمه أن لايفقد يائيروس إيمانه ( آمن فقط ) وإلا يكون من الصعب على المسيح أن يقيم الصبية كما سبق وقيل في موضع آخر " ولم يكثر من المعجزات هناك لعدم إيمانهم "
(متى 13: 58 ) . وهذا مما يؤكد لنا أن إيماننا عامل أساسي في تتميم ما نطلبه . فبالإيمان الواثق المتواضع بالمسيح ننال ولو لم نسأل أو نتوسل أو نلح أو نتوسل ، وبدون الايمان فمهما توسلنا وألححنا لن ننال شيئا .
من الجدير بالملاحظة تبارى بعض علماء اللاهوت في إعطاء معنى النوم الذي قرره المسيح بالنسبة للصبية. فمن قال : إنه إغماء ، ومن قال إنه نوم عميق . ومن قال : إنه تعبير عن الموت . ولكن الصحيح عند البعض من اللاهوتيين أن الصبية لم تمت فعلا بل انتقلت روحها الى السماء وهي حية . فعند المسيح والمسيحية كلها :" انه ليس موت بل انتقال " لذلك فالمسيح يقول الحق والصدق ، فهو يراها نائمة فقط ويرى روحها أمامه تحيا في ملء الحياة ، وهو لم يخاطب النائم بل خاطب الروح التي تسمع له وتستجيب . المسيح أمام ابنة يائيروس ليقنع فقط الضاحكين أنها ماتت وأنه هو الذي أقامها من الموت لتشهد لسلطان المسيح فوق الموت وفوق من له سلطان الموت . الرب يسوع المسيح يعطي صورة لنفسه أنه رب الحياة وأبو الارواح يأمر الارواح فتطيعه في الحال . ويأمر لروح الصبية لتعود فعادت ، ان للأرواح وجوداً وكيانا وحواسا فائقة لتسمع بها أمر روح الله والمسيح . وعادت روح الصبية كاملة عاقلة كما كانت ولها خبرة جديدة ، خبرة العبور على الموت والوجود في عالم الارواح ، ثم العودة مرة اخرى .
إقامة ابن أرملة نائين (نايين)
" وذهب بعدئذ إلى مدينة يقال لها نائين، وتلاميذه يسيرون معه، وجمع كثير . فلما اقترب من باب المدينة، إذا ميت محمول، وهو ابن وحيد لأمه وهي أرملة . وكان يصحبها جمع كثير من المدينة . فلما رآها الرب أخذته الشفقة عليها، فقال لها : (( لا تبكي )) . ثم دنا من النعش، فلمسه فوقف حاملوه. فقال : (( يا فتى ، اقول لك: قم ! )). فجلس الميت وأخذ يتكلم، فسلمه إلى أمه . فاستولى الخوف عليهم جميعا فمجدوا الله قائلين : (( قام فينا نبي عظيم، وافتقد الله شعبه ! )) . وانتشر هذا الكلام في شأنه في اليهودية كلها وفي جميع النواحي المجاورة . " ( لوقا 7: 11 – 17 )
مدينة نائين ( نايين ) يقول عنها يوسيفوس المؤرخ إنها أدومية تقع في شرق الاردن . ولكن الان مدينة صغيرة تُدعى ( نن ) في سهل يزرعيل على بعد 6 أميال جنوب شرق الناصرة على الحافة الشمالية لجبل حرمون الصغير . ومن نص الاية 12 إنه كان مع الارملة التي خرجت تدفن وحيدها جمع كثير يعطي الانطباع عن مركز هذه الارملة عند أهل المدينة . ولينتبه القاريء اللبيب الى لقب ( الرب ) في الاية 13 : " فلما رآها الرب أخذته الشفقة عليها، ... " . هذا اللقب يستخدم للتعبير عن الله وعن المسيح في مواضع متبادلة . ولقب الرب رسخ في الكنيسة الاولى للتعبير عن المسيح :" فليعلم يقينا بيت إسرائيل أجمع أن يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم قد جعله الله ربا ومسيحا " ( أعمال 2: 36 ) بمعنى مسيا الرب . وأول مرة ذكر فيها اسم ( الرب ) منسوبا للمسيح بمفهوم الله كان من فم المسيح نفسه في إنجيل مرقس : " فإن قال لكما قائل: لم تفعلان هذا ؟ فقولا: الرب محتاج إليه، ثم يعيده إلى هنا بعد قليل ." ( مرقس 11: 3 )
بعد ان قال المسيح للمرأة لا تبكي كان حتما سيصنع عملا ينهي على البكاء . وتقدم المسيح حتى صار بجوار النعش المحمول ولمس النعش ، فسرت الحياة في الحال وأزاحت الموت ، وقام الشاب يستفسر ماذا حدث لأن روحه استُدعيت من الهاوية لتلبس جسدها وتستعيد حياتها . فلما قَبِلَ الجسد الروح قام للتو فكان أول من وقعت عينا الشاب عليه هو المسيح الذي تحنن عليه . لقد أطاعت الروح كلمة صاحب القيامة من الاموات ، قامت في الحال وأقامت معها الجسد المسجى والملفوف بلفائف الموت . فالمسيح دفع ثمن هذه القيامة بموته الذي كان مزمعا أن يموته فكان ثمنا لكل قيامة منذ آدم والى آخر الدهور . لإن الموت الذي ماته المسيح كان فعلا متغلغلا في جسد البشرية فائقا على المكان والزمان لأنه كان فعلا إلهيا . فمن آمن بالمسيح ومات فهو لا يموت ولا يسود عليه الموت بل هو لقيامة محققة بالروح : "لأني حي ولأنكم أنتم أيضا ستحيون ." ( يوحنا 14: 19 ) ، " فقال لها يسوع : أنا القيامة والحياة من آمن بي، وإن مات، فسيحيا . وكل من يحيا ويؤمن بي لن يموت أبدا ." ( يوحنا 1: 25و26 ) .
اما القول أنه دفعه الى امه ، فعودة الى معجزة إيليا وابن الأرملة في( الملوك الاول 17: 23 ) :" فأخذ إيليا الولد وأنزله من العلية إلى البيت، وسلمه إلى أمه وقال إيليا : انظري، ابنك حي." والمقيم من الموت في القديم ليس ايليا بل الله : " فسمع الرب لصوت إيليا وعادت روح الولد إلى جوفه وعاد إلى الحياة " ( الملوك الاول 17: 22 ) ، هو نفس الرب الذي اقام في الجديد وهو الذي سيُقيمنا جميعا في ملء مجيئه للمجد .
إقامة لعازر من الموت
" 1 وكان رجل مريض وهو لعازر من بيت عنيا، من قرية مريم وأختها مرتا .13 فقال لهم يسوع عندئذ صراحة: قد مات لعازر، 17 فلما وصل يسوع وجد أنه في القبر منذ أربعة أيام .20 فلما سمعت مرتا بقدوم يسوع خرجت لاستقباله، في حين أن مريم ظلت جالسة في البيت .21 فقالت مرتا ليسوع : يا رب ، لو :كنت ههنا لما مات أخي . 22 ولكني ما زلت أعلم أن كل ما تسأل الله ، فالله يعطيك إياه . 23 فقال لها يسوع : سيقوم أخوك .34 قال : أين وضعتموه؟ قالوا له : يا رب، تعال فانظر . 38 فجاش صدر يسوع ثانية وذهب إلى القبر، وكان مغارة وضع على مدخلها حجر . 39 فقال يسوع : إرفعوا الحجر ! قالت له مرتا، أخت الميت : يا رب، لقد أنتن، فهذا يومه الرابع . 41 فرفعوا الحجر ... 43 قال هذا ثم صاح بأعلى صوته : يا لعازر، هلم فاخرج . 44 فخرج الميت مشدود اليدين والرجلين بالعصائب، ملفوف الوجه في منديل. فقال لهم يسوع: حلوه ودعوه يذهب . "
( يوحنا 11: 1و13و17و20و21و22و23و34و38و39و41و43و44 ) { يرجى قراءة الآيات
من 1 الى 44 } .
اسم لعازر هو مختصر (أليعازر ) ومعناه الحرفي ( إيلي عزار) ، أي الله قد آزر أو أعان . وبيت عنيا تعني بالعبرية ( بيت العناء ) وقد ذكرها سفر نحميا تحت اسم(عننية)،( يراجع نحميا 11: 32).
إقامة لعازر من الموت آية اختص بها انجيل يوحنا بمفرده . فانجيل مرقس في 5: 21-43 يقدم الموازي الإعجازي وهو إقامة ابنة يائيرس من الموت . وانجيل لوقا 7: 11-17 يقدم المثيل الإعجازي أيضا وهو إقامة ابن أرملة نائين .
القصد الاساسي من إقامة لعازر من الموت هو ان المسيح عنده الحياة الابدية ، وأن القيامة من الموت في حوزته وتحت سلطانه . ولكي يلفت نظر إيماننا أنه حقا صاحب سلطان على الموت في أعنف سطوته ، ترك لعازر لأربعة أيام في القبر حتى استبد الموت بجسده ، ومزق أوصال لحمه ، وجمد دمه ، وأنتن . وهنا صورة مصغرة ولكنها ذات ملامح متكاملة لقيامة ألأجساد في اليوم الاخير .إذن فبإقامة لعازر من الموت هكذا بعد اربعة أيام في القبر ، يُحضرنا المسيح ويوقفنا أمام القيامة في اليوم الاخير ، وعلى وجه الاصح ، يحضرنا ويوقفنا أمامه باعتبار أنه هو هو القيامة وهو هو الحياة .
فالقيامة والحياة هما في المسيح ،وعلينا ان نواجهها الان وليس في اليوم الخير ولا حتى في يوم مماتنا، بل الآن لأن الآن هو في حوزتنا أما اليوم الاخير ويوم مماتنا فليسا في حوزتنا .
القيمة اللاهوتية لآية إقامة لعازر من الموت يتضح ان المسيح هو ( الكلمة ) الذي يسمعها الميت فيقوم من الاموات ، وهو الله المتكلم الذي يحيي من يشاء ، وهو الذي يمكن أن يخلق كل شيء من العدم أو الموت . وكيف أن فيه الحياة ، وان الحياة هي نور الناس ، وكيف ان النور اضاء في الظلمة ، ثم كيف يولد الانسان من جديد ؟ وكيف ان الاموات يسمعون صوت المسيح ابن الله ؟ وكيف يستطيع المسيح ان يعطي حياة للعالم ؟ وكيف يمكن ان يقوم الأموات بالجسد ؟ بل كيف سيقوم المسيح من الموت بسلطانه وحده تحقيقا لقوله : " ما من أحد ينتزعها مني بل إنني أبذلها برضاي. فلي أن أبذلها ولي أن أنالها ثانية ." ( يوحنا 10: 18 ) وكيف أن المسيح يبطل الموت ويقهر سلطانه ؟ وأخيرا كيف يكون المسيح بالنسبة للعالم هو فعلا الألف والياء البداية والنهاية ؟
كل هذه الأسئلة يرد عليها كل من يتعمق في هذه المعجزة التي صنعها الرب يسوع المسيح جهارا أمام التلاميذ واليهود ، وما عليك ، ايها القارىء اللبيب العزيز ، إلا أن تسير مع مفردات هذه المعجزة كأحد المشاهدين ، وتتأمل الرب واقف أمام قبر لعازر وصوت ابن الله ، الكلمة ، يدوي فجأة ليخترق ظلام القبر والهاوية وحُجُب العالم الآخر غير المنظور ، كما يخترق النور حُجُب الظلام ويهتكها جميعا ، ويصرع الموت في داره ليقوم لعازر ! أن لعازر هو انت ايها القارىء العزيز تمسك بالمسيح بقلب صافي لتكون لك الحياة الابدية مع المسيح .
يتبع جزء 13