من يشكل الراي العام في العراق ؟
الراي العام يعطي معناه بالنظر الى حلات يقوم بها عدد من الافراد من تلقاء انفسهم او بواسطة دعوتهم الىذلك بالتعبير عن مشاعرهم كمؤيدين اومدافعين ـ او غير مؤيدين وماهضين ـ لمسالة معينة او شخص معين او لاقتراح ما ،ويتاثر الراي العام بمؤثرات خارجية وعوامل ثقافية واقتصادية وتربوية.اذا اردنا ان ندرس الراي العام لابد ان يترافق هذه الموضوعة او المفهوم مفاهيم اخرى ،كمفهوم العلاقات العامة مثلا التي تهتم بدراسة الراي العام ،من خلال استطلاع رغبات الجماهير ومن ثم رسم السياسة العامة للمؤسسة او تعديلها على ضوء ذلك، هذا اضافة الى تاثير وسائل الاعلام والاتصال في تشكيل الراي العام ، حيث يرتبط مفهوم الراي العام بالمحتويات التي تبثها وسائل الاتصال الجماهيرية .
انبثق مفهوم الراي العام من جملة الافكار التي طرحها الفلاسفة في الازمنة الماضية ، فهي لم تكن بعيدة عن مقولة افلاطون في ان ( مستلزمات السياسة لايمكن ان تتاثر بمواقف العامة ) او ماقاله ارسطو (ان ادخال متغير الجماعة يمكن ان يكون له بعض الفائدة السياسية ، وان امتيازات جماعة الاكثرية اكثر تفوقا مقارنة بفئة الاقلية ، وتطور الاهتمام بالعامة او الراي العام وهناك موقف للمسلمين ونظرتهم للراي العام او ما يسمونه العامة حيث مقولة ثمامة بن أشرس احد كبار المعتزلة للمأمون .( ماالعامه ؟ ولله لو وجهت إليهم انسانا على عاتقه سواد ومعه عصا لساق إليك عشرة آلاف منها ؛ وقد سواها الله بالأنعام بل هم أضل سبيلا .( محمد جواد رضا . أزمات الحقيقة والحرية ص46) هكذا كان مستوى النظرة إلى ما يسمى( العامة) يعني الشعب باعتبارهم أنعام لا تحتاج إلا إلى راعي يرعاها فسميت ( رعيه) وهنا نرى كيف تنظر (النخب) إلى الأمة؛ حيث دفعهم عدم الثقة بها الى حجب المعرفة عنها سواء كانت شرعيه ام فلسفيه وقد ألف الغزالي كتابا سماه .(إلجام العوام عن علم الكلام ) قرر فيه ان العامة يجب ان لا يعرفوا من امور دينهم سوى الطاعة ؛إنهم يجب أن يتلقوا الحقيقة من مصادرها ويصدقوا بها من غير جدل وبذلك تصلح امور دينهم ودنياهم ) ونرى الامر مختلف لدى ميكافيللي الذي يرى ( ان الراي العام عنصر لابد ان يؤخذ في الحسبان في عملية الصراع من اجل السلطة حيث يقول : ان احسن حصن يوجد في محبة الناس، اذ بالرغم من انك قد تمتلك عدة حصون فانها لن تحميك ان كنت مكروها من هؤلاء الناس )(عبد الرحمن عزي ص54 ) ويرى لوك (ان الراي العام هو المعيار الشرعي الذي يمكن بواسطته قياس اداء الحكومة وقوانينها ، ويقول جان جاك روسو( ان الراي العام هو الرغبة العضوية للجماعة المعبر عنها في الرغبات العامة لافرادها ) ، وهكذا نرى ان الراي العام وكلما اتجهنا نحو الانظمة الديمقراطية نرى انه المانح الاول للثقة والشرعية للانظمة الحكومية القائمة وهو المحرك الذي يجعل الديمقراطية تتحقق، حيث ان ( مراعاة توجهات الراي العام هي مايضفي صفة الديمقراطية على المجتمع عامة ،وتنطلق هذه الاطروحة من خلفية مفادها ان شبكة التاثير في المجتمع الليبرالي تقوم على بنية تتاسس على علاقة التفاعل المتبادل بين كل من الدولة والصحافة والراي العام فالدولة تؤثر في الصحافة التي تؤثر بدورها في الراي العام والراي العام يؤثر في الصحافة التي تؤثر بدورها في الدولة .ص 54 ،الدكتور عبد الرحمن العزي ، دراسات في نظرية الاتصال )
هو الموقف الاختياري الذي يتخذ الفرد ازاء مسالة او قضية متنازع عليها قابلة للجدل
الجماعة شيء والجمهور شيء اخر ، فالجماعة اقل عددا من الجمهور فضلا عن انها لاتشكل رايا عاما جماهيريا ، ففي العراق مثلا ومع كل هذا التنوع هل نقول ان هناك جمهور ومن ثم هناك راي عام ام ان هناك جماعات عمات في الكثير من الاحيان وتحت ضغط ظروف قاهرة على تشكيل مخيالها وثقافتها ومصالحها الخاصة التي من خلالها يقع تشكيل الراي العام فيها الى هذه المؤثرات .
حيث كما نعلم ان الراي العام وتشكله يتاثر في الكثير من الاحيان بمؤثرات عقائدية وقبلية ومصلحية ،فيتخذ في الكثير من الاحيان او يتجه باتجاه التنوع الموجود فهو الى التعدد اقرب منه الى التوحد ،حيث يتخذ الصورة الفئوية للمكونات الاجتماعية والتي تتميز في تكون الراي لديا بمعزل عن جماعات اخرى،حيث ان سلوك الافراد يتحدد بشكل اساسي حسب الايديولوجيا المهيمنة dominatit ideology.
فاذا اردنا ان بحث عن راي عام عراقي فسوف نجد ان هناك راي عام شيعي واخر كردي واخر سني ، ولكن قد يتحد الاتجاه في الراي هول قضية ما حين تمس جميع هذه المكونات وبنفس الدرجة . هنا تنضوي كل الجماعات داخل جمهور واحد.
الراي العام هو اجماع الاراء التي يتخذها الافراد ازاء مسالة او قضية متنازع عليها قابلة للجدل بمعنى هذا ، ان الراي العام هو التعميم الحر للراي الخاص على شرط ان يكون هذا الراي ناتجا عن اختيار وطواعية واقتناع لان الاراء التي تفرضها الهيئات السياسية والاجتماعية والدينية ذات السلطة على الافراد لاتسمى رايا عاما لانها تفرض وبشكل قسري وقهري ،ولم ياتي من قناعة واتفاق بل فرض بالية الاملاء ،
وهناك نوع اخر من الراي العام الذي يتشكل عن طريق الاثارة والتهييج والتضليل وهو لايشكل رايا عاما بل يسميه بعض الباحثين( عدوى راي وليس موقف راي ) فهو قد ينتج عن طريق التوافق والتطابق نتيجة الخوف من قهر الجماعة واستبدادها فيمثل انصياعا لسطوة الجماعة .
كما ان من مواصفات الراي العام انه ليس ثابتا او دائما بل هو ناتج عن حركة ديناميكية ، حيث ان الثبات والديمومة يحوله الى عقيدة او قيمة او عادة .
ومن ضرورات الراي العام ان يتكون كحصيلة لمعرفة الفرد والجماعة حيث ان المعرفة العميقة والحرة هي التي تكون رأيا حرا ، الا ان هذا الامر ليس مطلقا( ففي ظل تجذر سطوة المصالح التجارية والاقتصادية وهيمنتها على الصالح العام لم يعد الراي العام يتشكل من خلال النقاش العقلاني المفتوح ، بل غدا محصلة لعمليات الاستمالة والتلاعب والسيطرة المفروضة عليه كما تبدو على سبيل المثال في الحملات الدعائية والترويجية)
ولعبت اليات التعبئة الديماغوجية دورا كبيرا في تشكيل الراي العام في العراق وهذا بدوره قاد الى تسلط الزعماء الفئويين على الراي العام ، وبالتالي تشكيله على وفق اجندات فئوية مزقت النسيج الاجتماعي ، ولعبت دورا كبيرا في اعادة انتاج الهويات الفرعية التي تمارس الاقصاء والتهميش ضد الاخر المختلف، مما قاد الى الكثير من الاحتقان الذي شهده المشهد الاجتماعي العراقي ، فاصبح وقودا للعنف الطائفي والعرقي الذي استشرى في الجسم الاجتماعي العراقي الراهن .
مركز مدارك للبحوث والدراسات
عن موقع كتابات