Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مهرجان الجوقات والأخويات في السويد: ضربة قاصمة لهوية شعبنا الكنسية والقومية

جامعة يونشوبنك – السويد

جرى تجمع كبير للجوقات والأخويات الكلدانية والسريانية في مدينة يونشوبنك السويدية يوم السبت الفائت. وحضرت المهرجان تقريبا برمته. في الحقيقة لم يكن هناك أي تسمية طائقية او مذهبية للمهرجان ولكن الجوقات والأخويات الكلدانية وبدرجة أقل السريانية هي كانت الطاغية وكان هناك غياب ملحوظ للمكون الأشوري من ابناء شعبنا.
وكفرد من أبناء شعبنا الواحد يهمه مستقبل ومصير هذا الشعب وتواجده لا سيما الخواص الأساسية التي تشكل هويته المستقلة وفي مقدمتها تأتي اللغة التراث والأدب من ضمنه التراث والأدب الكنسي كان حضوري خصيصا لتأشير بعد وقرب شبابنا في السويد من هويتنا كنسيا وتراثيا ولغويا.
ويؤسفني القول إنني صدمت لأن ما رأيته وسمعته وشاهدته أظهران الشباب والشابات لا سيما الكلدان منهم  ومن خلال الجوقات والأخويات لا درابة لهم بالهوية، كنسية كانت او غيرها. لقد اخذوا وهم في السويد العروبة والعربية نبراسا كهوية وكأنهم عرب أقحاح لا لغة قومية لهم ولا أدب ولا تراث وهوية كنسية مشرقية خاصة بهم.
وبإستثناء جوقتين واحدة من الكنيسة السريانية الكاثوليكة وأخرى من شقيقتها الأرثذوكسية والتي سأخصص مقال خاص لهما فإن الجميع من المرتلين والمنظمين والكهنة الكلدان بدوا لي وكأن العربية هي لغتهم  الأم. فلم أسمع كلمة واحدة بلغتنا القومية ولم اسمع نشيدا واحدا من تراثنا الكنسي ولم يمر أي من المتكلمين او المرتلين او الممثلين ولو مرور الكرام على أي شيء له أية علاقة ة بتراثنا وهويتنا وأدبنا الكنسي المشرقي.
وقبل أن أدخل في خضم الموضوع الحساس والمصيري هذا دعني اقدم بعض التعريفات ولو بصورة مختصرة لما أعنيه بالهوية الكنسية والهوية القومية. التعاريف ذات أهمية قصوى في كل حقول المعرفة لأنها تحدد المفاهيم الإنسانية  لأن دونها ندخل أنفسنا في متاهات لا مخارج لها.
ما هي الهوية المسيحية؟
 الهوية المسيحية شيء والهوية الكنسية شيء أخر. الهوية المسيحية هي محبة يسوع المسيح والعمل حسب وصاياه وتعاليمه كما وردت في الإنجيل وفي مقدمتها المحبة والعطاء والغفران والتسامح – الأركان الأربعة للهوية المسيحية بكل مذاهبها. وهذه الأركان من الممكن التعبير عنها باشكال إنسانية مختلفة في البيت مع العائلة ومع الأقارب ومع القريب – الإنسان – وفي أشكال عديدة أخرى ومنها التجمعات بغض النظر عن اللغة والجنس واللون والدين والمذهب.
 والمسيحية بإمكاننا ممارستها ونحن خارج نطاق المؤسسة – ان تتأمل وتصلي وأنت في غرفتك وحيدا كي يرشدك الله لتمارس ما يقربك من الإنجيل وتعاليمه وهناك أيات في ألإنجيل بهذا الخصوص. وهناك بالطبع أيات قد تعارض الصلاة والتأمل بإنفراد خارج نطاق وسيطرة المؤسسة. هذا شأن كل النصوص المقدسة في كل الأديان. إنها حمالة أوجه ولهذا لنا مذاهب مختلفة – أي تفاسير بشرية مختلفة للنص المقدس الواحد.
ما هي الهوية الكنسية؟
الهوية الكنسية تخص الأدب والتراث الكنسي من كتابات وصلوات وميامير وقديسين وشهداء وملافنة ولغة تميز كنيسة معينة عن أخرى. وكنيستنا المشرقية بأسمائها ومذاهبها المختلفة لها  لغتها الخاصة ولها تراث إنشادي هائل لا نظير له في المسيحية ولها لاهوت مشرقي خاص بها ولها لاهوت مريمي وتراتيل للعذراء لا تملك أي هوية كنسية أخرى مثلها. ولهذا ترى أن كل كنيسة ضمن إيمانها المسيحي بالإنجيل الواحد والمسيح الواحد والصليب الواحد قد كونت لنفسها هويتها الخاصة من كتب صلوات ولغة وإحتفالات وطقوس وكل الخصائص الأخرى التي تشكل الهوية. والكنائس في كل الدنيا تفتخر بهويتها الكنسية وطقوسها وقديسيها وتاريخها وشهدائها ولغتها.
أمثلة على الهوية الكنسية
أقرب مثال إلى كنسية تتشبث بهويتها هي الكنيسة السويدية بكل فروعا ومنها الكاثوليكية. وسأخذ الكنيسة السويدية الكاثوليكية نموذجا لأنها ربما الأقرب إلى غالبية  المشاركين في مهرجان الجوقات.
 الكنيسة السويدية الكاثوليكية لها هويتها الخاصة وتفتخر بها كما أنها تفتخر بهويتها المسيحية ضمن عيتا قديشتا شليحيتا قاثوليقي – أي كنيسة مقدسة رسولية جامعة. وكل الكنائس الرسولية كنائس مقدسة رسولية جامعة منها الكنائس التي ينتمي إليها شعبنا.
وإن أجرينا مقارنة بين الطريقة التي تحافظ الكنيسة السويدية على هويتها وعلى الطريقة التي ظهر فيها المهرجان لشخصنا بالملموس وقع الكارثة التي حلت بالمسيحيين المشرقيين لا سيما الكلدان منهم في السويد.
الكنيسة السويدية قلما ترى فيها كاهن لغته الأم سويدية (هويته وقوميته سويدية). تستورد الكنيسة السويدية أغلب كهنتها من بلدان أجنبية (هويات كنسية أخرى). ولكن لا يُسمح لأي كاهن ان ينقل هويته الكنيسة الأجنبية إلى الكنيسة السويدية. على الكاهن الأجنبي تعلم السويدية بطلاقة والكرازة والصلاة والإنشاد بالسويدية والقيام بكافة الطقوس والنشاطات بهذه اللغة أيضا.
الكنيسة السويدية الكاثوليكية هويتها واضحة وضوح الشمس ولا تقبل تغيرها. كتاب صلاتها واضح وإن حضر ليون برخوالكلداني وعشرات من بني قومه فلن يتم تغير كتاب الصلاة وكتاب الأناشيد واللغة من أجل عيونهم. هذه كنيسة تحترم هويتها ولا تخلط بين هويتها المسيحية وهويتها الكنسية.
وهذا ينطبق حتى على الغجر (رومانر او سامرنا) ليس في السويد بل بلدان أخرى حيث يحافظ  هؤلاء على هويتهم كنسية كانت او اخرى ضمن التعريفين اللذي قدمناهما اعلاه.
ماذا حدث في المهرجان
ما حدث في المهرجان كان غياب تام لهويتنا الكنسية المشرقية عدا ما قدمته جوقات الكنيسة السريانية بفرعيها الكاثوليكي والأرثذوكسي.
وغياب الهوية – أي ان الكلدان في المهرجان داسوا على هويتهم الكنسية  بأقدامهم إلى درجة ان جعل مرتلة عربية  لبناينة تصل إلى إستنتاج ومن على المسرح وتقول وبرباطة جأش "إحنا العرب كلنا"  أي أن كل الحاضرين عرب مما أثار إسستهجان بعض الأصوات ومنهم كاتب هذه السطور الذي صاح بأعلى صوته "نحن لسنا عرب" ولكنها جذبت التصفيق الحار والهلاهل المدوية من أغلب الحاضرين.
كيف حصل هذا؟
هذه مسالة مهمة يجب دراستها وتمحيصها لأنها بالنسبة لي بمثابة الكارثة – وأي كارثة اقسى من أن يخسر الإنسان هويته الكنسية والقومية – حسب التعريفين أعلاه – لحساب هوية أخرى هو أساسا يدعي أنه هرب بجلده إلى السويد من ظلم أصحابها؟
مسح عشوائي عن هويتنا الكنسية
وقد أجريت مسحا عشوائيا بسيطا حيث إنتخبت عشوائيا حوالي  40 شخصا من الحاضرين والمشاركين في المهرجان كي أستطلع عدد الذين لا يفهمون لغتنا القومية. تقربت إليهم وبادرتهم الحديث بلهجتي ككلداني. وأقسم أن كل من تحدثت معه جاوبني بطلاقة أي بمعنى أخر أنه يعرف لغتنا ويتحدثها كلغة أم.
فلماذا إذا يلجا شبابنا الكلداني إلى اللغة العربية؟ اهي عقدة خواجة خاصة بنا أي ان العربية وهويتها أسمى من لغتنا وتراثنا وحتى نحن في السويد؟
غياب الأصالة وإنتصار النقش والنقل من الأخرين
ومن ثم كل ما سمعته لا سيما من أناشيد منسوخ ومنقول برتابة وأحيانا بطريقة سمجة – أتحدث هنا كلغوي وموسيقي – من التراث الكنسي العربي لا سيما اللبناني. أي ان ما حدث كان نقلا  ونقشا للأخرين وكأننا نحن الكلدان شعب بلا تراث ولا هوية ولا لغة ولا تاريخ ولا ادب كنسي خاص بنا.
ألم يكن الأفضل ان يُصرف ولو وقت قصير وبعض الجهد مما تم بذله للإنشاد والتحدث بلغتنا القومية. أين صار كل تراثنا الإنشادي وفلكلورنا وموسيقانا وبلغتنا التي دونها لا هوية لنا؟
ألماذا نحترم الهوية العربية على حساب هويتنا وأكاد أجزم أن أكثر من 90 في المائة من الكلدان والسريان الحاضرين يتحدثون  لغتنا؟
لماذا تفرض الكنيسة السويدية على كل الكهنة الأجانب العاملين لديها والمؤمنين الأجانب الذين يشاركون في نشاطاتها ومنهم الكلدان أن يحترموا ويمارسوا هويتها الكنسية – لغة وطقسا وإنشادا وتراثا – ونحن سائبون لا نعير حبة خردل من الإهتمام لتراثنا ولغتنا؟
لماذا لا يحترم  كهنتنا ومؤمنينا وشبابنا وشباتنا هويتهم الكنسية المشرقية بلغتها وتراثها وطقوسها وإنشادها وممارساتها وأدبها؟
هناك أسئلة كثيرة جدا بالإمكان إثارتها ولكن يبدو أن  سطوة العروبة والعربية قد سيطرت على شعبنا الكلداني إلى درجة أن شبابنا وشاباتنا وكهنتنا لا يستطيعون الإفلات منها حتى وهم في واحد من أكثر بلدان العالم هدؤا وأمنا.
وهكذا ذهب كل التراث الكنسي المشرقي بهويته الكنسية المميزة أدراج الرياح في مهرجان كان يحب ان بكون له فيه حصة الأسد.
وهكذا لم يحترم شبابنا وشاباتنا تراثنا وهويتنا الكنسية. الأمم والشعوب الحية تدافع عن لغتها وتراثها وأدبها وتقدم الشهداء في سبيلهم  ولا تخلط بين إيمانها وهويتها. نحن إختلط علينا الحابل بالنابل ولا يريد أي واحد منا أن يميز بين هويته كمسيحي وهويته الكنسية  كمشرقي له تراث وادب كنسي يجب المحافظة عليه.
من أوصلنا إلى هذه الكارثة؟
الخطأ خطاؤنا جميعا ولكنني ألوم بشكل خاص مؤسسة الكنسية الكلدانية وبشكل أساسي الكهنة الذين كانوا حاضرين في المهرجان والغائبين عنه إن في السويد او في بلدان أوروبية اخرى.
لا استطيع أن أفهم كيف يمكن لكاهن ذو هوية مسيحية مشرقية أن يقف ليس فقط مكتوف الأيدي بل مشجعا ومهلهلا ومصفقا لهذا الدوس المجاني على تراث وأدب وهوية أعرق كنيسة في الدنيا بينما يرى بأم عينيه كيف أن الكنائس الغربية تحافظ على تراثها وهويتها.
والله حتى الكردي الأمي في أقص قرية من زيبار وهومار وبارزان لا يقبل ان يهدم تراثه وهويته بهذا الشكل على الإطلاق.
ولا أي شعب أخر يقبل على نفسه ان يحدث ما حدث في هذا المهرجان وما يحدث في مؤسسة كنيستنا الكلدانية في السويد وغيرها حيث كنت في زيارة لجنوب أفريقيا قبل شهرين وشاهدت كيف أن الكنائس هناك من ضمنها الكنيسة الكاثوليكية تتشبث بتراثها القبلي من إيقاعات ولغات وحتى إيقونات.
أهكذا صرنا بلا هوية  بحيث ان الجوقات الكدانية بأجمعها لم تنشد ولم تتحدث إلا بالعربية فقط وما قدمته  التراتيل كان باهتا رتيبا مملا وسمجا موسيقيا ولغة ومحتوى حيث لا يقبله الحس السليم إن وضعناه ضمن سياق ما نملكه من تراث وأدب وإرث كنسي لم ولن تنجب المسيحية مثله ابدا.
واليوم وربما اليوم فقط  أستطيع أن أفهم بعد ما وقعت عليه عيني من كارثة فظيعة أننا نحن الكلدان لم يبق لنا بعد اليوم حق في هويتنا إن كان لدينا شبان يمقتونها بهذا الشكل وكهنة همهم الأول والأخير الدوس على التراث والهوية الكنسية  والترويج  للعربية والعروبة.
واليوم أستطيع ان أفهم لماذا بدأ بعض الغيارى على كلدانيتهم وفي مدينتنا مغادرة الكنيسة الكلدانية والتوجه صوب الكنيسة السويدية الكاثوليكية او حتى غيرها.
واليوم عرفت ان الله بالنسبة إلينا نحن الكلدان لا يقبل أي شفاعة ولا صلاة إن لم تكن بالعربية.
واليوم عرفت أننا نحن الكلدان بمشيئتنا كتبنا "نحن عرب" في حقل القومية في زمان صدام  حسين ونحن عربنا أنفسنا له على طبق من ذهب بينما قاومته كل المكونات الأخرى.
واليوم عرفت ان عملية التعريب وبهذا الشكل السمج مستمرة على أيدي بعض الكلدان وحتى في السويد.
سؤالي الأخير أين هم الناشطون القوميون من الكلدان الذين يهاجمون ليون برخو إن كتب مقالة نقدية كهذه. اين أنتم والتعريب والعروبة يمر من تحت أقدامنا ونحن عنه ساهون؟
 

Opinions