مهرجان الربيع وأكيتو الاغنياء
wadeebatti@hotmail.comاذكر , ويقينا يتذكر معي الكثيرون , بحسرة وألم , فعاليات مهرجان الربيع الذي كان يقام في الموصل في سبعينات القرن الماضي بنكهته المميزة , وتنظيمه الراقي , بالرغم من الامكانيات المحدودة للمدينة , فكان كرنفالا للمحبة والتعايش والثقافة والفن والسلام قبل ان تفعل السياسة فعلها التشويهي فيه فجردته من الروح وابقت عليه الجسد المترهل . واؤمن جازما ان ابن العراق بصورة عامة , وابن نينوى بصورة خاصة , الذي يسكن بلاد الغربة اليوم في اوربا وغيرها , يصيبه الحزن والالم بشكل مضاعف وهو يرى ويعيش في مدن اعتادت ان تقيم لها مهرجانات وكرنفالات شبيهة بمهرجان الربيع الذي كان يقام في الموصل , لأنه يرى , ليس انحيازا وتعصبا اعمى , ان مهرجان الربيع بابهته وفعالياته وحيويته يفوق بكثير مهرجانات وكرنفالات هذه المدن , فيستحضر و يتأمل , بقنوط , في حجم الخطوات التي خطاها الوطن الى الخلف عبر العقود الماضية ! . ارجو ان لايثير البعض ما ساذهب اليه من اجتهاد هو رأي خاص يتحمل الخطأ والصواب , لاقول ,كان حضور الرئيس العراقي السابق صدام حسين الى مهرجان الربيع في الموصل عام 1980 بمثابة دق لبسمار سميك عميق في نعش ذلك المهرجان , فكان الاشارة الرسمية لتسييس المهرجان , بشكل كلي , وبداية انحداره في سفح السقوط , وتجريده من صبغته الموصلية وتمييعها بقرار تحويله الى مهرجان قطري , ناهيكم عن ارساء دعائم ثقافة الارتزاق على الرقصة واللوحة والادارة والجهد في العمل الاجتماعي الشعبي , فبات المهرجان يثير لعاب مقتنصي الفرص , واصحاب شهادات مسح الاكتاف , حتى ان اصحاب المهرجان الحقيقيون , من المشاركين والجمهور , قد سلموا امرهم لله العزيز الحكيم , واداروا وجوههم عن المهرجان الذي اصبح غريبا عنهم وعن مدينتهم . نعم , لقد أُطلقت الرصاصة على قيم المهرجان عندما اصبحت مكافأة ( الدبك اوالرقص ) لدقيقة واحدة امام منصة التحية هي ثلاثة ألاف دينار اي ما يعادل وقتها تسعة ألاف دولار ! .
وهكذا فان ثقافة الجشع ومرض الاستحواذ على كل شئ او الرغبة في افساد كل شئ يمكن ان نرى لها امثلة تطبيقية في كافة مناحي الحياة , لان هذه الثقافة هي , كما اعتقد , جين يولد بالطبع ويقوى وينمو بالتطبع , فترى على سبيل المثال احدهم يملك مال قارون , وعينه على جاره الذي يغسل وينظف سيارته ( البرازيلي ) , لانه يعرف في قرارة نفسه باي الوسائل جمع هو مال قارون , وكم كدح جاره حتى نال ( البرازيلي ) من عرق جبينه ويعتز ايما اعتزاز بها !. ومن الطبيعي ان يمتد الجشع ومرض الاستحواذ الى العمل السياسي ايضا في امثلة صارخة , قسم منها محفور في الذاكرة كونه اصبح جزءا من الماضي , والاخر لازال طريا نعايشه في الحياة اليومية الحاضرة . حتى قبل عدة سنوات , لم يكن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يحتفل جميعا , ولظروف خاصة , بعيد رأس السنة البابلية الاشورية ( أكيتو ) , بل بقي على الدوام جزء من شعبنا وفيا لهذه المناسبة , يحتفل بها فيخرج , طوعيا , بملابسه الزاهية , وراياته البنفسجية , و زهور ربيعه , ليذكٍر الاخرين بماضيه العريق , وحضارته الموغلة في التاريخ , وباماله وتطلعاته التي يستحقها اليوم , كونه اصل هذه الارض , وجذرها , والمخلص الوفي لها على مدى الايام والشهور والسنين . وهكذا غاصت شوارع دهوك في العام الماضي وفي ذكرى أكيتو بمسيرة جماهيرية عفوية كبيرة اشترك فيها الصغير والكبير , الرجل والمرأة , الاشوري والكلداني والسرياني , حضروا جميعا دون اغراءات بمكافأت , او تهديدات بعقوبات !.
لقد استوقفني حقا وبعث في نفسي الرغبة في كتابة هذه السطور اعلانا منشورا على موقع برطلة , مدينتي العزيزة , يتضمن دعوة من رابطة الشبيبة التابعة لمجلس السريان في المدينة , حيث يبدو ان الاخوة الاعزاء في المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري قد اضافوا ( اكيتو ) الى قائمة ( مقاولاتهم ) , فيقول الاعلان وبالنص :
الموضوع / دعوة عامة للجميع
نهديكم اطيب تحياتنا
بمناسبة ذكرى راس السنة الاشورية ( أكيتو ) المصادف 1 / 4 / 2009 يقيم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ( سورايا ) تجمعا جماهيريا في محافظة دهوك
لذلك تدعوكم رابطة شباب السريان / برطلي للمساهمة والمشاركة في هذه المناسبة حيث يقام حفلا فنيا وبحظور ثلاثة من مطربي شعبنا علما ان النقل ووجبة الغداء مجانا
فعلى كافة الاخوة والاخوات اعضاء الرابطة او من خارج الرابطة تسجيل اسمائهم في مقر الرابطة حصرا والكائن في مقر مجلس السريان في الطابق الثاني ليوم الجمعة الموافق 27 / 3 / 2009 من الساعة الرابعة عصرا وحتى الساعة التاسعة مساءا
ويكون التجمع يوم 1/ 4 / 2009 قرب قاعة الافراح للحفلات
شكرا لحضوركم وتقبلوا تحياتنا
لجنة الثقافة والاعلام
رابطة شباب السريان / برطلي
ترى , هل فكر اصحاب الأفق الضيق , والمكاسب السياسية الانية , ان الذي يغرونه اليوم بالنقل ووجبة الغذاء سيطالب بالمزيد في الفعاليات القادمة , او سيبحث عن غيرهم الذي يقدم عروضا افضل ؟! ومن هو المستهدف بالأغراء ؟ انها شريحة الشباب !, فهل مثل هذه الاساليب هي التي ستنمي الشعور القومي والوطني لدى الشباب ؟! هل حقا اعمانا الحقد السياسي والرغبة العنيفة في الاقصاء عن استحضار الوسائل المشروعة في المنافسة او الصراع السياسي ؟! أم اننا نفعل ذلك متعمدين مع سبق الاصرار هادفين الى تخريج جيلا من ( موظفي قضية شعبنا ) الذين يرتبطون معها بعقد محدد , ويستقيلون منها لحظة انتفاء الامتيازات ! . وفوق كل هذا وذاك فستنزل , طبعا , علينا ( الاقلام الباسلة ) كالراجمات , كما فعلت وتفعل كل يوم , ( لتسطر عن الالاف التي خرجت وستخرج عن بكرة ابيها وهي شهادة لاتحتاج الى برهان عن الالتفاف الجماهيري ) , والخ من الكلام الذي يفقع المرارة , ويترك الحجر ينطق احتجاجا , ويتجه بالرؤوس الى رب السماء ليستمطر بالشفقة والرحمة على تلك الاقلام ! . كنت في احد الايام في سفرة جامعية الى منطقة هيت , ودار جدال حول حجم الدمار الذي لحق بالعراق اثر حرب الكويت عام 1991 , ولازالت كلمات احد الزملاء التدريسيين ترن في اذني , اذ قال , ان الشواخص المادية يمكن ان تعوًض ببعض المال وبعض الزمن , ولكن كم نحتاج لاعادة تصليح المواطن العراقي الذي اصابه خراب النفس ؟! ان الموضوع ذاته يتكرر في الزمن الحاضر , فهنالك الكثيرون الذين يقفون اليوم امام الشواخص المادية التي تم اعمارها مثل الكنائس والمراكز الثقافية والمجمعات السكنية وغيرها فيعترفون , في جانب , بتقدير وتقييم بالجهد المبذول , ويتذكرون في الجانب الاخر , وفي نفس الوقت , عدد النفوس التي سقطت ذاتيا واجتماعيا على طريق الانجاز , عجيب امرنا نحن العراقيون , فخراب النفوس عندنا مثل المنشار يأكل صعودا ونزولا , في الدمار والاعمار !
ليس انحيازا لطرف او معاداة لطرف اخر , اللهم اشهد انها دعوة حق مخلصة , اعيدوا التفكير واتركوا شعاع بصركم يسدد على البعيد البعيد , القيم والمعاني تستحق ان تبقى دائما سامية , فحرام علينا ان يصل بنا الامر الى ان نضع ايضا أكيتو في المزاد , حتى وإن تظاهرنا بالكرم تجاهه , ورفعنا سقف السعر من لفة الفلافل الى نفر الكباب ! أكيتو هو عنوان للرأس , والتاريخ لن يرحم من يختار لنفسه ان يكون عرًابا لتسلق الفساد الى الرأس !
كل أكيتو وشعبنا بألف ألف خير . . .