مهلا ايها السكارى , لاتنسوا الحقيقة
wadeebatti@hotmail.comلاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه
الامام علي
بعد غزو الكويت فرض المجتمع الدولي على العراق حصار قاسيا انهك جسد الدولة والمجتمع كأفراد , واهتزت القيم عندما بات الصراع صراعا بايلوجيا من اجل البقاء . كان هنالك اب متقاعد ولديه ولدان , الاول تعب على نفسه في الدراسة , فتفوق وتخرج ونال وظيفة حكومية , يؤدي عمله على احسن ماكان و هو موضع ثقة واحترام من يتعامل معه , والثاني اختط لنفسه طريقا اخر في الحياة , يبحث عن الفرصة ليقتنصها , وفعلا وفًر له سوق الحصار ذلك ,فبزغ نجمه , وامتلئت جيوبه , فاصبح ينفق على البيت ويعيله , ويقول لوالده ان يحتفظ براتبه التقاعدي ليضعه في المتحف , ولشقيقه ان يدخر دخله الشهري ليمنحه للحلاق فيقص له شعره ! وجد الطبالون والمزمرون في النجم الجديد رزقا مجانيا لهم , لايُكلٍفهم سوى مرافقته في مسيره , ومسح الاكتاف , وجمع مايقع من الجيوب . كان والده يشعر بأنات ضغط الظرف , وكان يستحضر دورة الايام , وغدر الزمان , كلما اصطدمت عيناه بوجه ابنه الموظف ,بالرغم من ان هذا الثاني هو ايضا من صلبه . انتهى الفلم الهندي بسقوط الطير , الذي صعد سريعا , في مشاكل وحفر السوق , وبات مصيره مهددا , وعاد الابن الموظف يتقاسم مع عائلته خبز التنور الاسمر !.
ظهرت نتائج الانتخابات لمجالس المحافظات وانبرت الاقلام , وهي سكرى بفرحة فوز عشتار , كل ولغاية في نفسه , تخدع اوراقها , وتصر على خداع وايهام المتلقي معها , فتحلل وتتهم كما يحلو لها . ومازاد رقص الراقصين رقصا هو اعلان فوز قائمة عشتار في محافظة بغداد , في الوقت الذي كانت المفوضية المستقلة للانتخابات قد اعلنت في نتائجها الاولية سابقا عن فوز قائمة الرافدين في العاصمة . فانطلق هؤلاء الفرحون فرح ارخميدس في ( وجدتها -وجدتها ) يتسائلون بشماتة عن وجود ميليشيا ايضا في بغداد , اشارة الى تصريح السيد يونادم كنا , فمكنًت قائمة عشتار من الفوز في العاصمة ايضا , وفات هؤلاء الفرحون ان الاصوات التي حسمت الفوز لعشتار في بغداد هي اصوات النازحين والمهجًرين الذين يعيشون تحت نفس ظروف الترهيب والترغيب التي تم ممارستها في سهل نينوى . ان الذي يحاول القفز على هذه الممارسات ويصر على تجاهلها انما يُلحق ضررا فادحا بمصداقيته والحيادية التي يدعيها . ليست لدينا اية عقدة من فوز قائمة عشتار لو كان هذا الفوز قد تحقق بشفافية , وتحت ظروف وباساليب سليمة , ولكن البعض الذين يسوقون للخطأ ويحاولون منحه الشرعية الاخلاقية اضافة الى الشرعية الرسمية التي اكتسبها , انما يصرون على ادخال قائمة عشتار والجهة التي ترعاها في دهاليز اخرى مظلمة , تضاف الى الانفاق السابقة , والتي يقينا سيدفع شعبنا والصادقون في المجلس الشعبي ثمنها لاحقا , ناهيكم عن انهم بذلك يسيئون الى عشتار ومن يرعاها اولا .
لقد خرج الحزب الشيوعي العراقي مثلا من هذه الانتخابات خالي الوفاض وصفر اليدين , فهل هنالك من يشكٍك في شرعية هذا الحزب وفي تاريخه العريق , باعتباره مدرسة للاحزاب الاخرى , وفي نضاله وتضحياته كما في دوره المتزن اليوم على الساحة الوطنية , وامكاناته البشرية ومؤهلات كوادره ؟! لست شيوعيا ولم اكن في يوم من الايام , ولكن نظرة عادلة الى الواقع السياسي العراقي اليوم بشخوصه تتركني اشعر بالرضا والارتياح والقناعة والسعادة لو طرق سمعي خبر فوز السيد حميد مجيد موسى بمنصب رئيس الجمهوية او رئيس الوزراء , فمن من الاخرين يتفوق عليه في الكفاءة ويبدي حنكة سياسية اعلى , لكن الواقع السياسي الحالي يشير وبوضوح الى طابور من الموانع يقف حائلا بين السيد حميد مجيد موسى وبين الموقع , وفي الوقت الذي يستطيع السيد موسى بمؤهلاته , يقينا , اجتياز جميع هذه الموانع في سباق رياضي شريف , لكن واقع المنافسة في العراق , ومن خلال صناديق الاقتراع في عملية ديموقراطية فتية , اظهرت ان كثيرا من الاخرين , غير موسى , يتم اخذهم مع ( السندباد ) على بساط الريح من خط البداية ليلقي بهم في خط النهاية , دون ان يكلفوا انفسهم اجتياز اي من الموانع !. وهذا الحال ما اشرنا اليه مجازا في مقالنا السابق عن ابن المعلم وابن الفقير . عندما يتحرر شعبنا من ثقافة ( المكرمة ) التي يتفضل بها هذا او ذاك , وهي اصلا من المال العام وليست من الجيب الشخصي , وعندما يصل المواطن الى قناعة تامة بأن الشقة التي تم تخصيصها له , والباص الذي يقله , والمأوى الذي تم توفيره له عندما هُحٍر من مسكنه , والمساعدة الاجتماعية التي يحصل عليها , والدخل الذي يتلقاه ثمنا لدوره في توفير الامن , وغيرها جميعها هي من جهد المال العام , وهي حق له , وواجب على من يتولى امره وكُلٍف بادارة هذا المال العام , لايملك كائن من كان , سهوا او عمدا , اشهار عصا قطعها او حرمانها منه , عند ذاك , نكون امام سباق رياضي شريف , علينا ان نتقبل نتائجه بروح رياضية عالية , ونطبع على جبين الفائز حينها , ايا كان , قبلة التهنئة الخالصة .
نعم , وبعد كل انتخابات او مرحلة من الإداء , هنالك بالتأكيد ماينبغي مراجعته واعادة النظر فيه لان السياسي المنصف لايمكن ان يُلقي بنتائج الإداء جميعها على شماعة الظروف الموضوعية ويحرر نفسه من العوامل الذاتية التي تملك قسطا من اسباب تلك النتائج . ولكن مراجعة الظروف الذاتية لايعني اطلاقا المساس بالثوابت المبدئية التي هي بمثابة خطوط حمراء لاتبيح الانتخابات والمقاعد والمكاسب والطموحات السياسية الضيقة التنازل عنها . ان الذي اختار استقلالية القرار ومحاولة المحافظة على مركب شعبنا في هذا البحر السياسي الهائج المتلاطم الامواج , او في هذا (البازار السياسي ) المرهون بالعرض والطلب , والذي يتسكع السماسرة ليل نهار في ازقته , يعلم جيدا ان الطريق موحش , وليس معبدا بالورود والرياحين , وقبل ذلك بالمقاعد , وان الألة الاعلامية الرخيصة بكل ما تملك من ابواق , والتي تكتب مقابل صكوك او اشباعا لعقد نفسية , ستترك صاحب الخط المستقل الصادق المخلص لقضية شعبه يظهر للعيان منبوذا وحيدا يغني على ليلاه , لكن تجربة الحياة في العراق تبعث عن الامل في النتائج في اخر المطاف , وبعد ان ينجلي الغبار, فهاهم الذين كانوا الاوائل في اطلاق صرخات التحذير من سياسات النظام السابق وأشهروا بمعارضتها , من المنبوذين انذاك , هم من شهد ويشهد الكثيرون , بنسب متفاوتة , بعد ذلك واليوم , ان الحق والصواب كان معهم .