- الرئيسية
- تقارير وبحوث
- مواطن مع وقف التنفيذ...
مواطن مع وقف التنفيذ .. مليون عراقي بلا وثائق رسمية
وكالة يقين للأنباء - بغداد
أصبحت مشكلة الحصول على وثائق رسمية تثبت هويتهم، وتمكنهم من مزاولة حياتهم الطبيعية، من بين أهم المشاكل التي تواجه نازحي المناطق التي شهدت عمليات عسكرية، سواء من عاد منهم من مخيمات النزوح، أو من بقي فيها. وقال مسؤول في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأُمم المتحدة في العراق (UNHCR)، إن هناك أكثر من مليون ومائتي ألف نازح داخلي، وأن أغلبهم لا يستطيعون العودة إلى ديارهم التي نزحوا منها. وأضاف ممثل المنظمة الدولية “جان نيكولا” في حديث تلفزيوني، إن المفوضية لا تمتلك في الوقت الحاضر أكثر من 20% من الموازنة اللازمة لمساعدة النازحين في العراق، أما منظمة اليونيسيف فقد أكدت إنّ الحكومة العراقية تعتمد فقط على المساعدات الدولية في تقديم الدعم لهم، وسط تجاهل كبير لمعاناتهم.
وأقر نيكولا بأن عدداً كبيراً من النساء والأطفال في المخيمات وقعوا ضحية للاعتداء من جانب السلطات، فيما يرغم الأطفال على العمل في مواقع البناء أو في المزارع أو المحلات التجارية.
ورغم هذه المصاعب، فقد قال كثير من النازحين إنهم مضطرون للبقاء في المخيم، بسبب عدم امتلاكهم لوثائق شخصية تمكنهم من التنقل بحرية، وبسبب مخاوف من تعرضهم للإعتقال من قبل الميليشيات التي تنتهج سلوكاً طائفياً في التعامل معهم، بعد أن فرضت سيطرتها على مناطقهم التي نزحوا منها.
من جانب آخر ذكر نازحون وعاملون في مجال الإغاثة لوكالة “رويترز”، إن قوات الأمن العراقية ترغم النازحين على العودة إلى مناطق غير آمنة في محافظة الأنبار، مما قد يعرضهم للموت. وأخبر النازح “عبد الله” العاملين في الوكالة، بأن مجهولين اقتحموا منزل اسرته بعد إسبوع على عودتهم وأطلقوا النار عليهم، مما تسبب بفقدان والده لساقه، فيما بتر إصبع والدته. وقالت رويترز إن ميليشيات تقيم حواجز على الطريق، تعترض الأُسر العائدة، وتطالبهم بدفع مبالغ مالية للسماح لهم بالمرور مما يضطرهم للعودة ، لعدم امتلاكهم المال.
أكثر من مليون مواطن عراقي لا يمتلكون الوثائق التعريفية الأساسية، وهذا يعني أنهم لن يتمكنوا من الحصول على الخدمات العامة، مما يعرضهم لمزيد من الفقر والإقصاء، بالاضافة لحرمانهم من حق العمل.
بين العودة والبقاء
واعترفت وزارة الهجرة والمهجرين بعدم قدرتها على تحقيق وعودها بوضع حد لمأساة النازحين، مع تزايد التعقيدات جراء أوضاعهم الشاذة، المستمرة منذ سنوات.
وجاء في بيان أصدرته الوزارة أواسط الشهر الجاري، أن النازحين لا يجدون ما يشجعهم على العودة إلى مناطقهم التي اُرغموا على تركها، وأن السلطات لم توفر لهم ظروفاً ملائمة لحياة طبيعية في تلك المناطق.
وتعيش منذ سنوات أكثر من 187 ألف عائلة في المخيمات، بعيداً عن مناطقهم ومنازلهم التي تهدم أكثرها جراء قصف قوات التحالف والميليشيات المساندة لها، أبان ما أسمته الحكومة ب”عمليات التحرير”
وكانت وزيرة الهجرة والمهجرين “إيفان جابرو” قد حددت أواخر العام الماضي مدة ستة أشهر لإنهاء ملف النازحين، مؤكدة أن هذا الملف يمثل أولوية في البرنامج الحكومي الذي أعلنه رئيس الوزراء الجديد “محمد السوداني”، لكن هذا الوعد يبدو أنه سيذهب أدراج الرياح، بعد انقضاء أكثر من نصف المدة التي حددتها جابرو، دون البدء بالعمل على تحقيقه.
مليون مواطن بلا وثائق
وبحسب ما ذكرته لجنة الإنقاذ الدولية، والمجلسان الدنماركي والنرويجي للاجئين، فإن أكثر من مليون مواطن عراقي لا يمتلكون الوثائق التعريفية الأساسية، وهذا يعني أنهم لن يتمكنوا من الحصول على الخدمات العامة، مما يعرضهم لمزيد من الفقر والإقصاء، بالاضافة لحرمانهم من حق العمل. ومن بين هذه الوثائق عقود الزواج وبيانات الولادة وشهادات الوفاة وشهادات الجنسية والأحوال المدنية، الأمر الذي يضعهم أمام سلسلة من الاستجوابات والمشاكل في نقاط التفتيش، وقد ينتهي الأمر باعتقالهم، كما لا يمكن لأطفالهم التسجيل في المدارس بدون هذه الوثائق. ونقلت وكالة “فرانس برس” عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قولها، “إن إرسال الأولاد إلى المدرسة يشكل تحدياً حقيقياً بالنسبة للمواطنين الذين لا يمتلكون الأوراق الثبوتية، كما لا يمكنهم التسجيل للحصول على مساعدات غذائية حكومية من خلال البطاقة التموينية.” وذكرت الوكالة، إن كثيراً من هؤلاء فقدوا وثائقهم أثناء هروبهم من مناطق العمليات العسكرية، فيما ترفض السلطات تعويضهم بوثائق بديلة، مضيفة أن أجهزة وزارة الداخلية المختصة تتذرع بانتماء أحد أفراد العائلة لتنظيم الدولة “داعش” عند رفضها تزويدهم بهذه الوثائق، وهي تهمة جاهزة يواجها جميع سكان المناطق التي شهدت عمليات عسكرية مع التنظيم.
وتواجه كثير من العوائل صعوبات كبيرة وطلبات تعجيزية من أجل إنجاز معاملات الحصول على الوثائق اللازمة، منها طلب تحليل الحمض النووي لعدد من أقرباء الأب المتوفى أو المفقود، وهو أمر يتعذر إجراؤه في غير العاصمة بغداد، التي لا يستطيعون الوصول إليها بلا وثائق ثبوتية.
قنبلة بشرية موقوتة
وكان المجلس النرويجي للاجئين قد ذكر في تقرير له، إن هناك 45 ألف طفل عراقي في مخيمات النزوح بلا وثائق تثبت مكان وتاريخ ولادتهم، ومنهم من ولد قبل النزوح دون أن تتمكن أُسرته من استخراج شهادة ولادته، بسبب الظروف الأمنية المعقدة في ذلك الوقت.
واتهم أعضاء في مجلس محافظة نينوى وزارة الداخلية العراقية بإهمالها لهذا الملف، غير مبالية بالمخاطر المستقبلية المحتملة للوضع الشاذ المترتب عليه.
وحذرت منظمات معنية بحقوق الإنسان من تجاهل هذا الملف الخطير، الذي سيؤدي اهماله لنشوء جيل كامل بلا تعليم وبلا أوراق ثبوتية، كمواطنين محرومين من أبسط حقوق المواطنة. وكان الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين “يان إيغلاند” قد حذر من عدم حل هذه القضية، وقال في تصريحات صحفية: “نحن نواجه قنبلة بشرية موقوتة، فلا يمكن أن يكون المجتمع في سلام إذا سُمح لجيل من الأطفال لا يمتلك وثائق مدنية بأن يكبر في وسطه”، مضيفاً أن “السماح لهؤلاء الأطفال بالحصول على التعليم والرعاية، وبكل بساطة الحصول على حقهم في الوجود، هو أمر أساسي لضمان مستقبل مستدام لهم ولبلادهم”.