نـزار حيدر في مهرجان الامل: الاستعداد جوهر الانتظار
قال نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان فلسفة الانتظار في حقيقتها تعني الاستعداد للقاء الامل الموعود، الامام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث في مهرجان الامل الذي اقامته الجاليات المسلمة في مركز الامام علي عليه السلام في العاصمة الاميركية واشنطن، بمناسبة ذكرى مولد الامام الثاني عشر من ائمة اهل بيت النبوة والرسالة الحجة بن الحسن العسكري المهدي المنتظر في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم:
يتصور البعض، ان مفهوم الحديث الشريف الذي يقول {جهاد امتي، انتظار الفرج} يعني ان نضع يدا على يد، لا نحرك ساكنا ولا نغير منكرا ولا نجاهد نفوسنا الامارة بالسوء ولا نعاشر الناس بالحسنى ولا نندمج مع المجتمع ولا نتعامل مع الاخرين، فنعتزل الحياة والناس، لاننا ننتظر القادم، وهذا، بكل تاكيد، فهم خاطئ لمفهوم الانتظار ليس له اي معنى لا في الاسلام ولا عند العقلاء، فالمنتظر، بكسر الضاد، يجب ان يكون حاله في تعب دائم، جادا ومجتهدا ومحاولا وباذلا كل طاقته ليكون الافضل والاحسن عندما يلتقي محبوبه، كحال المتسابق الذي ينتظر، مثلا، موعد المسابقة، او المضيف الذي ينتظر وصول ضيفه، والذي قد تراه ساهرا ليله ومجاهدا في نهاره ليكون على اتم الاستعداد وقت ازوف لحظة اللقاء.
واضاف نـــــزار حيدر يقول:
ان نوعية الانتظار تكون عادة من سنخ المنتظر، بفتح الضاد، فالذي ينتظر قائده العسكري يستعد بطريقة معينة، والذي ينتظر الامتحان في المدرسة ينتظر بطريقة اخرى، كما ان من ينتظر سباق السباحة ينتظر بطريقة مغايرة عن ذاك الذي ينتظر مسابقة الرماية، وهكذا، فما هو نوع الاستعداد الذي يجب ان نتميز به ونحن ننتظر اماما وزعيما دينيا سيملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا؟.
للاجابة على السؤال، يجب اولا ان نعرف نوعية الرجال الذين سيختارهم المصلح ليكونوا جنوده وعونه في اداء المهمة.
انه سيضم في صفوف انصاره رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله تعالى، رجال مؤمنون يقولون ما يفعلون ولا يعملون ما لا يقولون، وليس كؤلائك الذين لعنهم امير المؤمنين عليه السلام بقوله {لعن الله الامرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به} بمعنى آخر، رجال صادقون لا ينافقون في علاقاتهم مع الاخرين، سرهم كعلانيتهم، لا يضمرون شرا لاحد، ولا يمدون يدهم الى المال العام اذا ائتمنوا عليه في يوم ما، رجال لا يخونون عهدا ولا يفشون سرا يؤتمنون عليه، رجال متواضعون عالمون عاملون ومخلصون، يحبون الناس ويحبون ان يخدموا عباد الله تعالى، رجال يتحسسون من الظلم ويكرهون العدوان ولا يلوثون يدهم بدم بعوضة ظلما وعدوانا.
ولذلك فالوزير الذي يمد يده الى المال العام ليس له مكان في صفوف جماعة الامام، وان المستشار الخائن وغير المؤتمن لن يكون عضوا في فريق المستشارين عند المصلح الاكبر، وان المعلم الذي لا يحترم مهنته فيقصر في واجباته ولا يلتزم بمنهج التربية والتعليم الصحيح الذي يؤمل منه ان يبني جيلا صالحا للمستقبل، لا يمكن ان يكون من جند الامام وانصاره، وهكذا بالنسبة للاخرين، كل حسب موقعه ومسؤوليته.
ان الاستعداد يعتمد العنصرين المتلازمين، الموقع والمسؤولية، وهو يعتمد عليهما بشكل كبير وعضوي، فكلما كبرت مسؤولية الانسان، كان استعداده اشد حساسية واكثر خطورة، كما انه كلما تبوأ المرء موقعا متقدما في الحياة العامة، كان استعداده اكثر تميزا واشد حساسية كذلك.
تاسيسا على كل ذلك، فان انتظارنا للامام المصلح الاكبر، يجب ان يتميز بالاستعداد التام على مختلف الاصعدة وكل حسب مسؤوليته وموقعه في المجتمع، فالطالب عليه ان ينتظر الامام بالاستعداد لطلب العلم على اكمل وجه، فلا يقصر في واجباته ولا يتماهل او يتكاسل في طلب العلم، لان الامام سيبحث، عندما يحضر، عن اناس عالمون، اما الجهلة والاميون الذين لا يقرؤون ولا يكتبون فليس لهم موقع في صفوف جيش الامام، والوزير عليه ان ينتظر الامام بالاستعداد لتقديم افضل الخدمات للناس، وان يكون حريصا على المال العام وعلى مصالح الامة، فلا يسرق ولا يرتشي ولا يحابي في اداء الواجب ولا يمارس الفساد الاداري عندما يريد ان يعين مسؤولا في موقع ما، فيقدم اقاربه على الخبير وصديقه على الكفوء، فان مثل هذا الوزير خائن لمسؤوليته، سوف لن يجد موقعا في حكومة الامام لا في المقدمة ولا في المؤخرة، كما ان على المرأة ان تتحمل كامل مسؤولياتها في المجتمع سواء في البيت بتربية الجيل الناشئ او في العمل وهي تشارك الرجل في بناء الوطن، وان عليها ان تكون على اتم الاستعداد من ناحية طلب العلم واكتساب المهارات الجديدة وتعلم قواعد التربية، وما الى ذلك من القضايا التي تصوغ منها المرأة الصالحة المتمكنة من اداء مسؤولياتها على اكمل وجه، لتنتزع حقوقها وموقعها المتميز ودورها الريادي بارادتها وبكفاءتها وقدراتها، وليس بالقوة او بالتمرد.
اما الحاكم، فيجب ان يتلمس الناس استعداده لعصر الظهور بالعدل، فلا يظلم الناس ولا يتجاوز على حقوقهم ولا يسحق او يمتهن كرامتهم، فالامام الذي يريد ان يملأ الارض عدلا، هل يعقل انه سيعتمد على حاكم ظالم وسلطان جائر؟ بالتاكيد كلا والف كلا، لان العدل لا ينال بالجور والقسط لا يقام بالظلم والعدوان.
ان عدل الحاكم يبدو للمراقب في طريقة تعامله مع المسؤولين، فاذا عدل في محاسبتهم ولم يميز بين مقصر وآخر او بين سارق وآخر، فلا يغض النظر، مثلا، عن المسؤول اللص اذا كان من حزبه او جماعته، ويشدد العقوبة على الاخر لانه لم ينتم الى عشيرته او حركته، فانه سيثبت للرعية بانه عادل في تعامله مع المسؤولين، لا يميز بينهم لا على اساس الانتماء الحزبي ولا على اساس الانتماء الديني او المذهبي او ما الى ذلك، وسيكون مصداقا لقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي يقول {ووالله لو ان الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت، ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بارادة، حتى آخذ الحق منهما، وازيح الباطل عن مظلمتهما}.
اما الشباب، قادة المستقبل، فان نوعية استعدادهم لانتظار الامام (عج) تتميز بطعم خاص وبهوية خاصة وبنوعية متميزة، فحساسية العمر ومتطلباته واحلامه لها دور في تحديد نوعية الاستعداد.
ان عليهم ان يجتهدوا ويشمروا عن سواعدهم في طلب العلم واكتساب المهارات والنهوض بمستواهم الذهني والجسدي على اكمل وجه، فهم عماد انتظار الموعود، وان عليهم ان يبتعدوا عن اجواء الميوعة واللاابالية والانحلال والخلاعة واللهو، فالشاب المائع والشابة المائعة لا يمكن ابدا ان تلتحق بالامام، لان امثالهما لا يمكن للمجتمع العادي ان يعتمد عليهما، فكيف بالامام الذي يريد ان يملأ الارض قسطا وعدلا؟.
ان مما يؤسف له حقا، ان نرى كل هذا الجهد الذي تبذله الانظمة الشمولية الحاكمة في بلداننا، وعبر الشاشة الصغيرة، لافساد الشباب وتحويل اهتماماتهم الحقيقية الى اشياء تافهة لا تغني ولا تسمن من جوع، فاذا ببطل مسلسلة ما يتحول الى معبود للشباب والشابات، هذا بدلا من ان تصرف هذه الانظمة طاقات الشباب نحو البناء والتطور والتنمية وطلب العلم والمعرفة والتحقيق والبحث والانتاج.
ان النموذج الذي تقدمه لنا الشاشة الصغيرة لا يبني مجتمعا ولا يصوغ شخصية متزنة، وان البناء الاعوج للشباب في مجتمعاتنا لا يمكن ان يكون اداة للبناء والتطور ابدا، ناهيك عن انه لا يمكن ان يكون هو النموذج المطلوب لحكومة الامام المرتقبة، فالامام لا يقبل في صفوفه الميوعة والابتذال والتحلل، وانما سيبحث عن نماذج تتصف بالجدية والاتزان والثبات، وتتميز بالعلم والمعرفة والشجاعة والتفكير السليم والوعي الحضاري المتميز والامانة والصدق وحسن الاداء.
للاسف الشديد، فلقد بات شبابنا اليوم محصورين بين مطرقة الانظمة الشمولية الاستبدادية التي انتجت بسياساتها الفاشلة كل هذه الكوارث وعلى مختلف الاصعدة، فالبطالة والجهل والامية والتخلف والمرض وانعدام فرص التعليم والبحث، تحاصر الشباب من كل جانب، وسندان الفكر العنفي المتخلف الذي يتستر بالدين ليصطاد في شباكه البراعم النامية من هؤلاء الشباب والشابات من الذين تحولوا الى قنابل موقوتة وسيارات ملغومة تتفجر في وسط الناس الابرياء ظنا منهم ان ذلك سينتهي بهم الى الجنة وعلى سفرة واحدة مع رسول الله، بعد ان غسلت مجموعات العنف والارهاب ادمغتهم بشكل مرعب، مستغلة بساطتهم وجهلهم بامور دينهم وياسهم من الحياة، هذه المجموعات التي تغطيها فتاوى فقهاء التكفير والبلاط والمدعومة بالمال الحرام والدعم اللوجستي من امراء وشيوخ حاكمين في هذه الامارة او تلك المملكة.
كما ان شريحة من الشباب اضحوا اليوم ضحية الفكر الخرافي وثقافة الاحلام الذي ينتشر في بعض بلداننا الاسلامية، ومن على الشاشة الصغيرة بسبب غياب دور العلماء والفقهاء والكتاب والباحثين المتنورين.
اذا اردنا ان نكون جزءا من منظومة الامام (عج) علينا ان نغير نمط حياتنا، فنعيد النظر في علاقاتنا مع بعضنا البعض الاخر، سواء في البيت او في المدرسة او في الشارع او في محل العمل، فنستبدل العنف باللين والانتقام بالتسامح والانانية بالايثار والجهل بالعلم واشاعة الفاحشة واسرار الناس بالكتمان وصيانة والائتمان على ما نؤتمن عليه من اسرار، والكفر بأنعم الله تعالى بالشكر، فـ {بالشكر تدوم النعم}.
ان المجتمع الذي تشيع في وسطه روح الانتقام والتقاطع والمكيدة والتربص والنفاق والكسل والامية والتخلف والمرض والجهل، لا يصلح لان يكون مجتمع الانتظار ابدا، انه مجتمع يحمل في داخله اسباب الانهيار وعوامل التفجر حتى قبل ان يحضر الامام المنقذ.
اخيرا، علينا ان نتعامل مع فلسفة الانتظار لظهور الامام، على انها رقابة ذاتية بطريقة اخرى، فالمرء الذي يعلم بان هناك من يراقبه دائما فيراقب حركاته وسكناته واعماله وممارساته وتعاملاته مع الاخرين ومع الموقع والمسؤولية، فانه يتصرف بطريقة مسؤولة اكثر من الاخر الذي تترك له الامور على غاربها من دون حسيب او رقيب، ولذلك يجب ان يكون وجود الامام كالرقيب الذاتي، ليكون لنا دافعا للتميز في الاداء وتحمل المسؤولية.
انه الرقابة الدائمة والمحاسبة المستمرة لنا، لننجز الافضل ونعمل الاحسن، ونفكر بطريقة اسلم، ونتعامل مع بعضنا باسلوب ارقى.
17 آب 2008