نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي : احترام تقاليد الديمقراطية وبناء معارضة حقيقية هو الضمان لتجاوز اي ازمة مستقبلية
28/12/2010شبكة اخبار نركال/NNN/
اكد نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ان "بناء واحترام تقاليد الديمقراطية والعمل السياسي، مثل احترام الدستور، هو الضمان الاكيد لمنع وقوع اي ازمة سياسية في البلاد، كالتي شهدتها خلال الاشهر الاخيرة".
وقال فخامته، في كلمة القاها خلال ندوة ادارة الازمات السياسية عقدت بمدينة النجف الاشرف، إن "من اهم الوسائل ايضا لاحتواء الازمات وعدم تكرارها هو وجود المعارضة التي تعمل بموجب الدستور، والتي يجب ان تحترم وتعطى كافة الحقوق والامتيازات".
وفيما يلي نص الكلمة :
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين
سماحة السيد بحر العلوم (حفظه الله) ، معالي وزير التعليم العالي الاستاذ علي الاديب والاساتذة والاخوان الاعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اسمحوا لي اولاً ان احيي هذه الجهود الكبيرة والبناءة التي يقوم بها سماحة السيد بحر العلوم ومؤسسة بحر العلوم العلمية وكذلك معهد العلمين الذي يحاول ان يجمع بين امرين مهمين وهما البحث الديني الاكاديمي الصرف مع البحث العلمي في الاختصاص الديني والثقافي والتاريخي، والازمات السياسية التي يعاني منها الجميع، والتي يحاول الجميع ايجاد الحلول المناسبة لها، حيث لا اجواء اكاديمية ولا اجواء علمية، اذا لم يتوفر الاستقرار السياسي، وتترسخ تقاليد العمل بالمشاريع الاستراتيجية والطويلة الامد ان تثرى وان تثمر وان تعطي نتائجها.
الموضوع المطروح هو من اخطر المواضيع وقد طلب مني الدكتور بحر العلوم ان اتكلم عشر دقائق في موضوع يحتاج الى ابحاث طويلة وسألته: هل نركز على الجانب النظري ام الجانب العملي , الجانب النظري سهل والجميع يعرفون هذا الموضوع وهم مختصون في هذه الشؤون ، الجانب العملي؟ موضوع شائك يحتاج الى مقدمات ، ساحاول ان اتكلم عن الازمات السياسية وادارة هذه الازمات ، اعتقد اساسا ان هناك عاملين للازمة السياسية في العراق ، عامل طويل الامد وعوامل مباشرة انية نعايشها ونعاني منها .
العامل طويل الامد هو تحول احد عناصر القوة للعراق الى عنصر تمزق وضعف واقصد به التعددية ، العراق تاريخيا هو ارض استقبال الهجرات، وهو مركز اساسي لكل الامبراطوريات التي حكمت العراق من الفترات الساسانية القديمة الى الاسكندر المقدوني، الى الفترات الاسلامية و الخلافة العباسية ، هذا المركز والمحور وهذه العاصمة العالمية هناك اسباب كثيرة جعلت منها ارضا تستقبل الهجرات والافكار والثقافات المختلفة، وعنصرا مهما، وعنصر تقدم وعنوانا مهما يشير الى اهمية العراق التاريخية والجغرافية والفكرية والسياسية والحضارية ، حين ناخذ عالم اليوم مثلا نجد ان الافكار والتيارات تذهب الى اقوى الامم وتهاجر الى الامم المتقدمة والراقية ، هذه الولايات المتحدة الامريكية اليوم بلاد ملونة ، بلاد تعددية وهي بعنوانها هذا مصدر قوة ولانها قوية فانها تستقبل، وعندما تستقبل فانها تصبح قوية، فعنصر القوه هذا في تاريخ العراق وهذه التعددية العظيمة، هذا الثراء الهائل في المفاهيم الحضارية والتيارات الثقافية والمدراس الفقهية والتنوع القومي والتنوع الديني هو دليل على المكانة العظيمة التي يحتلها العراق، وعلى الدور العظيم الذي لعبه تاريخيا، وهذا الثراء كالبستان العظيم اذا لم تتم رعايته وسقايته يتحول الى مجموعة من الاشواك والعقبات ، وللاسف الشديد هذا ماحصل خلال فترة الاستبداد، والطائفية تاريخيا حيث جعلت هناك تخندقا بين ابناء الدين الواحد ، فمحاولات فرض الرأي الواحد جعلت هناك حروبا بين ابناء البلد الواحد وبين الذين ينتمون الى قوميات مختلفة، وهكذا بين الاديان والتيارات فتحولت التعددية الى تخندق والى حالات مشدودة مأزومة تتصيد بعضها البعض الاخر . ثم نصل الى عراق القرن العشرين وعراق مطلع القرن الحادي والعشرين، فنجد سياسة عنصرية طائفية دكتاتورية تستفز البلاد، وتولد كل هذه التعقيدات الهائلة. وعنصر القوة العظيم تحول الى عنصر تمزق، والازمة السياسية في العراق، هي التي اسفرت حالياً عن هذا التخندق، وهذا الشد الطائفي، او هذا الشد القومي الامر الذي ينتج لنا الازمة السياسية في البلاد والتي تعرض نفسها لازمة سياسية مستديمة ان لم نجد لها الحلول المناسبة لذلك.
كان برنامجنا في مقارعة ظلم وشوفينية صدام، وعنصرية وطائفية صدام هي ان نجد الحلول المناسبة لهذه الحالة المعقدة التي كان يجب ان تكون مصدر قوة وهي مصدر قوة للبلاد ولكي لا تتحول الى مصدر اضعاف والى ازمات فهي بحاجة الى ادارة ناجحة فاصبحنا امام الازمة في مداها المباشر والقريب.
كيف تدار هذه الازمة ؟كان بالامكان ان يبادر فريق ويفرض حلوله على الاخرين ويدعي تمثيله للشعب العراقي كما يحصل بعد الانقلابات او كما يحصل في التغييرات الكبرى لكن وبالتوجيه وبالتسديد من المرجعية العليا الدينية وعلى رأسها الامام السيستاني "دامت افاضاته " كان يجب ارساء بداية اساسية تشكل قاعدة، وتشكل حصانة، وهذا ماتم الاختلاف عليه مع الادارة الامريكية حين ذاك في زمن السفير بريمر، فقد كان يجب الوصول الى شيء يوحد الشعب العراقي، ويستظل به الشعب العراقي، ويوجه مسيرة الشعب العراقي، اقصد بذلك الدستور ،كيف يُعد هذا الدستور ؟هل يُعد من قبل نخبة يتم اختيارها من قبل السفير الامريكي وبأخراج معين من القوى السياسية العراقية، ام يتم انتخابها من الشعب العراقي ،ويتذكر سماحة السيد بحر العلوم وهو كان قائدا اساسيا ٍفي تلك العملية، وانا اتذكر موقفه الصلب في مجلس الحكم امام المجادلات والمناقشات، ٍوقد كنا اقلية، وكنا ندافع عن ان الجمعية الوطنية ٍالتي يجب ان تشرع الدستور، يجب ان تكون منتخبة من الشعب العراقي، بناء على الفتوى الصادرة من الامام السيستاني.
انا اتذكر تماما مواقفه الصلبة والشجاعة حين ذاك والتي كانت من اهم العوامل لأقرار وخضوع السفير بريمر، والادارة الامريكية بعد ذلك، لمطالب الشعب العراقي ومطالب المرجعية، وفعلاً واجهنا اول ازمة وتطلب الامر منا اول ادارة في مسألة قانون ادارة الدولة ثم في مسالة الدستور وهذه المسألة كانت متعددة الاتجاهات .مرة كانت مع شريكنا في الدين مع الاخوة في المناطق الغربية ، ومرة كانت ايضا مع شريكنا في الدين والوطن الاخوة الكرد .كان يجب فعلا تطويق هذه الازمات والوصول الى حلول لأن الوصول الى الدستور هو البداية لكل شيء، وهو الامر الذي يمكن ان يمهد الارضية التي تتنامى وتتسع اكثر فأكثر لحل هذه المشكلة التاريخية المزمنة، التي تكلمنا عنها، لحل هذا الشد وهذا التخندق الذي تولد تاريخياً من فقدان العراق لمركزه وفقدان النظام السياسي الذي يمكن ان يدير اوضاعه، لقد تم النجاح بعملية الدستور وبعد جهود كبيرة لا يمكن التحدث عنها ،لكنها كانت مواقف مهمة ويعلم خبراء الازمات ان من يحاول ان يتصدى للازمات عليه اولا ان يقوم بتطويق الازمة حتى لا تمتد الى مساحات اخرى وان يكسب الوقت وان يُدخل عناصر كثيرة تحاول ان تطوقها وتوجد الحلول التي يمكن ان تجد بها كل من الاطراف المتضادة بعض الرضا او بعض القبول لما يمكن ان يشكل حلاً من قبل الاطراف التي ادارت وتدير الازمة.
لا اعتقد ان الازمة الاخيرة تختلف في جوهرها ،في اساسها في عمقها عن المشاكل التي عانيناها منذ 2003 ايضاً كانت هناك تجربة لا تزال فتية في النظام السياسي، وفي بناء الديمقراطية في البلاد، والمفاهيم مثل الديمقراطية ،والفدرالية ،والمؤسساتية كلها مفاهيم حديثة لم يمارسها الشعب العراقي طوال عقود بل قرون طويلة من الزمن ولايمكن لاحد ان يتصور ان مثل هذه القضاياالعميقة في تأثيرها والممتدة بعيداً في التاريخ بالامكان ان تحول في سنوات قليلة الى الديمقراطية، هذه المنطقة ستحتاج الى عقود كثيرة من الزمن الى ان تترسخ التقاليد الديمقراطية والى ان تبنى الطبقة السياسية وتبنى المؤسسات الدستورية بشكل واضح وتبقى تقاليد العمل محترمة كما في الدول التي وصلت الى ترسيخ تقاليدها السياسية من حل الازمات بالطرق السليمة والدستورية التي يعرفها الجميع، هناك خوف عام لدى مختلف الاطراف، الاغلبية لديها حساسية ومخاوف من عودة الاوضاع السابقة، المكونات الاخرى لديهم مخاوف من ان تخضع للسيطرة، ناهيك عن الانتدابات الاقليمية والدولية التي تؤثر في شؤون العراق، علماً ان العراق قد دخل في اوضاع اقليمية او قد اقلم ودول منذ عقود طويلة من الزمن بل هو نتاج حالته السياسية حتى في الفترة الملكية، وهو نتاج وضع اقليمي ودولي معروف لاداعي للغوص فيه، اقلم على الاقل اذا اردنا في الفترة الاخيرة منذ حرب الخليج الاولى ودول منذ ذلك الحين وقد خضع باشكال مختلفة لقرارات معلنة، او غير معلنة من مراكز القرار الاقليمية والدولية وصولاً الى قرار (661) الذي نأمل فعلاً خلال الاشهر القادمة ان نتخلص من كافة اثاره، لقد تخلصنا في القرار الاخير لمجلس الامن من بعض الاثار لكننا لم تنته تماماً من الفصل السابع والان وقد شكلت الحكومة برئاسة دولة رئيس الوزراء السيد المالكي علينا ان ننهي خلال الاشهر القادمة مسألة وضع العراق تحت الاحكام الاممية اي الخضوع الى الفصل السابع.
لااستطيع الدخول في مواضيع اخرى لانها قد تأخذ وقتا اكثر فلا تبنى الفكرة بشكل صحيح، لكنني اعتقد بشكل عام ان الازمة الاخيرة التي استمرت اشهرا طويلة قد حلت بجهود مضنية من كافة الاطراف، واستطيع ان اقول ان الجهد الداخلي كان جهدا مهماً، لااقول ان الجهد الخارجي لم يكن موجوداً سواء في توليد الازمة او في ايجاد الحلول لها، لكن اقول ان الجهد الداخلي كان جهداً كبيراً في ايجاد الحلول لهذه الازمة، وعندما نضجت الظروف، ووصلت كافة الاطراف الى الطرق المسدودة، وعندما اصاب الأرهاق كل الاطراف التي كانت متخندقة، او كانت لها مطالب عالية السقف، جاءت المبادرة التي صدرت من الرئيس البارزاني وحظيت بموافقة من كافة الاطراف صاحبة العلاقة بهذه الازمة وسارت الامور منذ اطلاق تلك المبادرة وعقد الاجتماعات الاولى الى عقد الجلسة الاولى لمجلس النواب، ثم الى تشكيل الحكومة والحمد لله والان معنا وزير التعليم العالي يحضر اليوم وستكمل كافة المؤسسات اللازمة وان شاء الله تكون هذه التجربة قد علمتنا درساً كبيراً واعطتنا كثيراً من العبر في الوصول الى حلول للمرحلة القادمة.
اعتقد ان من اهم الحلول التي يمكن ان توضع لكي نتجاوز مثل هذه الازمات في المرحلة القادمة، هي ان القواعد العامة للسياسي يجب ان تكون واضحة مثل احترام الدستور لانه الحصانة والضامن لكل التصرفات التي تقوم بها القوى السياسية من تفسيرات مختلفة، بحيث تحصل القناعة ان هذا التفسير هو تفسير مقبول، ولكي لايقول احد ان هذا التفسير هو تفسير خاص فرض على المحكمة او اصبحت هناك قناعة حقيقية بتقاليد العمل، وكما ذكرت في مرات كثيرة اعتقد ان من اهم الوسائل في احتواء الازمات وعدم تكرارها هو وجود المعارضة التي تعمل بموجب الدستور، فاذا كانت البلاد ستبقى تشكل حكومات يمثل فيها كل اعضاء مجلس النواب فسنشهد في كل دورة تشريعية ازمة جديدة وبدون بناء معارضة وبدون بناء حكومة ظل، ومعارضة تحترم في كل شيء، وتعطى كافة الحقوق، وكافة الحمايات عدا القرار الذي يبقى بيد الاغلبية السياسية، سنبقى ندور في هذه الدوامة، وفي كل دورة تشريعية سنصطدم وسنبقى في اطار المحاصصة السياسية، وسنبقى نشتكي من بعضنا البعض الاخر، لذلك اتمنى على الحكومة القادمة ان ترعى وتشجع مؤسسات المعارضة الدستورية الحقيقية، كما في البلدان الديمقراطية الاخرى، حين ذاك لن يضر احداً المعارضة والجلوس في صفوف المعارضة والتمتع بحقوق المعارضة التي هي حقوق عالية جداً".
المركز الصحفي لرئاسة جمهورية العراق.