ناس تأكل بالدجاج ... وناس تتلگه العجاج..!!
ناس تأكل بالدجاج ... وناس تتلگه العجاج مثل شعبي قديم, منذ أن بدأ تقسيم العمل الاجتماعي وبروز فائض إنتاج والملكية الفردية لوسائل الإنتاج ونشوء الاستغلال في المجتمع البشري.وفي العراق يجسد هذا المثل الشعبي وعياً اجتماعياً عميقاً وتلخيصاً لتحليل علمي لواقع اقتصادي ومعيشي قائم تئن تحت وطأته الغالبية العظمى من السكان والكادحين منهم على نحو خاص. إنها الحكمة القديمة التي انبثقت من قلب المجتمع ومن الأوساط الشعبية الجائعة في العراق والتي لم تكف عن دق أبواب الحكام والأغنياء, وهم غارقون في تخمتهم وسادرون في غيهم وفي أذانهم صمم.
هذا المثل الشعبي الرائع المعبر عن وعي طبقي وجمعي صارخ الذي انطبق دوماً على واقع العراق, أصبح اليوم أكثر انطباقاً من أي وقت مضى في البلد الذي حبته الطبيعة بأرض طيبة تختزن ثروة هائلة أسيئ استخدامها على أوسع نطاق منذ أن تم اكتشافها والبدء باستخراجها إلا في فترة قصيرة, هي الفترة الأولى من حكم قاسم في العراق.
امرأة شعبية فقدت جزءاً مهماً من أسنانها ويبدو عليها الإملاق والإجهاد والمرض وسوء التغذية, وهي لا تزال في سن الأربعين, تصرخ بأعلى صوتها : " ناس تلعب بالمليارات.. وناس لا تدري وين تنام ولا تدري شتاكل". هذه صرخة حزينة ومتمردة على الخوف تنطلق من فمها كالطلقة لتصل لمن يحكم العراق اليوم ومن بدا وهو في المعارضة وكأنه كان يناضل ضد الجوع ولصالح الجياع, وإذا به يشارك في إشباع ذاته حتى التخمة وإشباع الجائعين بمزيد من الجوع والحرمان.
مضمون صرخة المرأة صحيح ومعبر وأليم, فهو صحيح ومعبر عن واقع قائم. فهناك حسب تصريحات مسؤولين كبار في البلاد زيادة كبيرة في عدد أصحاب الملايير في العراق, وعددهم الكبير لا يقاس بأي حال مع تلك القلة من أصحاب النعمة الحديثة المسروقة من أفواه وبطون عائلات كادحة, من أفراد عائلة وحاشية وبعض أفراد طغمة الدكتاتور المقبور صدام حسين, أولئك الذين يلعبون اليوم بالمليارات لم يحصلوا في الغالب الأعم عليها من عرق جبينهم, بل من نهب المال العام, من نهب خبز الجياع, من الفساد المالي بكل أشكاله.
ومثل هذا الظلم لا يجوز أن يدوم, فأن دام دمر.
كثرة من الحكام والساسة مشغولون بالانتخابات وقانون الانتخابات وسبل الحصول على الأصوات وكيف يمكن إقناع الآخرين على انتخابهم وبسبل مختلفة, بما فيها توزيع النقود لكسب الأصوات, ولكنهم في الغالب الأعم والأغلب منهم نسى هؤلاء الجياع الذين دعا لإنقاذهم من الجوع حين كان معارضاً وحين أصبح حاكما وأحس بدفء الكرسي نسى هؤلاء ولم يتذكر منهم سوى الأقربون له من أفراد العائلة أو من أفراد الحزب المقربين جداً.
وأنا أكتب هذا المقال تذكرت قول الشاعر الزهاوي :
يا مليكاً في ملكه ظل مسرفاً فلا الأمن موفور ولا هو يعدل
تمهل قليلاً لا تغض أمة إذا تحرك فها الغيظ لا تتمهل
وأيديك أن طالت فلا تغترر بها فأن يد الأيام منهم أطول
وأنا أتابع كرم السادة رؤساء الوزارات في العراق وهم يوزعون أراض الشعب العراقي, أراضي الدولة على الوزراء والنواب والأحباب بمساحة تصل إلى 600 م2 وربما لعدة مرات, تذكرت مقطعاً من قصيدة للشاعر محمد صالح بحر العلوم حين قال:
وفتاة ما لها غير غبار الريح سترا
تخدم الحي ولا تملك من دنياها شبرا
وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا
وإذا الحفار فوق القبر يدعو
أين حقي
وهل ننسى صرخات الفلاحين المماثلة لصرخة المرأة التي تقول ملينة والله ملينه من هذي العيشة الگشرة حين راحوا يهزجون بتمرد واعٍ:
كريم ياكل عنبر وأنه بليه دنان اسمع يا مفوض
كريم يركب كاديلاك وأنا بليه نعال اسمع يا مفوض
فهل للسادة الحكام في العراق أن يدركوا هذه الحقيقة, التي تعيش تحت وطأتها نسبة عالية من بنات وأبناء الشعب العراقي, في حين هم لاهون في حمى مناقشة قانون انتخابات غير موفق وفيه من الجور غير قليل؟
5/12/2009 كاظم حبيب