نحن آشوريون و ( كلدان سريان آشوريون )
وردتنـي قبـل أيام رسـالة مـن صديق عـزيز عـضو في قيادة أحـد الأحزاب ذات التوجهات الآشورية خارج العراق ، يطلب رأيي حـيث يتـم حاليا الإسـتعداد لإجـراء تعديلات في برنامج هـذا الحـزب ، مـن بيـنها نـص يقـول " التسـمية القوميـة التي نؤمن ونتمسـك بهـا هي الآشــوريـة ولا مجال للمساومة أو التـنازل عنهـا. فالتـاريخ ليس مُلكاً لأفراد أو مؤسسات يحق لهـا التلاعب به وتزويره سـاعة تشـاء (أياً تكن هذه المؤسسات) . . . إننـا غـير مسـتعدين للتنسـيق والعمـل في المجـال القومي مع دعاة القوميـات الجـدد والذين لا يعترفون بالتسـمية الواحدة الموحدة أو الذين يسـتعملون في كتاباتهم ( الأسـماء المركبـة ) وبنفس الوقت ، نعتبر أن أي لقاء مع دعـاة القوميـات الجـدد، هو مسـاهمة بشكل أو آخـر للمـزيد من حالات التفـتيت والإنشـقاق ضمن البـيت الآشـوري . " هـذا مقـتطف مما يطلب صديقي رأيي فيـه . .فأجبـته بتوضيحات مفصلة أورد هنـا منـها : كل الذي ورد في رسـالتكم ـ صديقي الفاضـل ـ بخصوص التسمية القومية لشـعبنا صائب بالنسبة لي شـخصيا ، فأنـا واثق بـأن قوميتي آشـورية ، ولكـن نحن في مرحلة يعـتقد فيها الكثيرون من شـعبنا غير ذلك ، ولـو أيدتكم في موقفـكم فهـذا يعنـي أنني سـأبتعد عـن كل الذين يختـلفون معـي في إعتـقادي ، وأسـاهم بذلـك في إنقسـامات شعبنا في الوقت الذي هـو فيه أحـوج ما يكون إلى وحـدته . . ولـما كنت من السـاعين لوحدة شـعبنا لـما في ذلك مـن أهـمية مصيرية لـه ، حيث لابـدّ من ذلك في مرحلتـه الراهنة لتجنب فوات الأوان وضياع كل شـئ ، لا يسـعني إلاّ أن أقول لكم إنكم بتعديلاتكم على برنامج حزبكم تساهمون في زيادة الأخطار التي يتعرض لها شـعبنا وتـنضمّـون إلى صـف المتشـددين الذين يعملون للإضرار بمصالح شـعبنا ، ولـذا لايمكن أن أؤيـدكم لأنني أرى أن مصلحة شـعبنا تـتعارض مـع ذلـك . . إذ يجـب عليـنا التوخـي بتجـنب إحـداث أي انقسـامات جديـدة داخل شـعبنا في مرحلتـه الراهنـة ، وأنـا حالـيا مـع القـول المأثـور ( خطـأ شائـع خيـر مـن صحيح ضائـع ) .
فقـد واجـه شـعبنا ( الكـلداني السـرياني الآشـوري ) خلال تأريخه الطويـل فتـرات صعبة ، تمثـلت في الزوال النهائي لكياناتـه السياسية وفرض سـيطرة الآخرين عليه منـذ سـقوط دولته في العهد البابلي الأخيـر عام 539 ق . م . وتعرض منذ ذلك الوقت وحتى اليوم إلى موجات من الإضطهاد والقـتـل والترحيل من قسـم كبير من مناطقـه لأسباب عرقـية وديـنية واجتماعية وحقـدية ، مـا تسـبب في تراجع متـواصل ملحوظ في عـدده ، وبحيث صار أقلية بعدما كان غالبيـة سـكانية ، ونتـج عـن كل ذلك اسـتيطان في أراضيـه تميـز بعدم الشرعية في معظم الأحيان . .
ولا نـود الإتـيان بشـواهد على ذلـك ، لأنه يتطلب استعراضا طويلا ، ولكن المهم أنـه رغـم كل تلك المآسي والمعـاناة ، فإن شـعبنا ظل صامدا مقاوما عنيـدا في رفضه لكل التحديات ، وتمسـك بالممكن المسـتطاع في سـهل نينوى وما جاوره شـرقا وغـربا وشـمالا ، وبقـيت أمتـنا محتفظة بوجودها وثقافـتها ومآثرها وبعيـدة عـن اللحاق بالشـعوب التي يتـناولها وصف ( سـادت ثـم بـادت ) .
وتـتعرض أمتـنا منذ نحـو نصف قـرن ، لموجـة جديدة من الأخطار التي لاتقـل عنـفا ونوعيـة عـن أقسى مـا شهدته في تأريخها ، وأدت إلى نقص واضح في سـكان شـعبنا داخل العراق ونسـبته وفاعليـته في أرض آبائـه وأجداده ، وأسـفرت عـن منحـى ورغبات ذاتية لـدى الكثيرين باتجـاه الهجرة إلى الخارج ، على رغم المآسي الخاصة التي تصيب المهاجرين مـن متاعب وكوارث حتى الوصول إلى ملجـأ الغـربة ، ومـا يحتمه ذلك مـع مرور الأيام مـن فقـدان للهوية وضياع لتماسـك الأسـرة وخسـارة لأزكى الصفات وأنقاها وانقـطاع بالأهـل والأقارب والموروثـات .
ولكـي نكـون واقعيـين ، عليـنا الإعتـراف بأن قطاعات من شـعبنا هي الأخرى سـاهمت في تلك الكوارث ، من خلال أخطاء كثيرة إرتكبتها ، مثـل اللجوء إلى المواجهات غير المدروسـة مع الأطراف الظالمة والتي جاءت بنتائج سـلبية زادت الكارثة هولا وخسارة ، هـذا إضافة إلى الأفق الضيق الذي كثيرا ماسـاد شعبنا نتيجة الإنجرار وراء الخلافات المذهبية والتـشدد العشائري والمناطقي والتكتلات المتـزمتة والتباهي في أشـكال الأسماء ومدلولاتها والإندماج الزايد غير المبرر مع الأقوام الأخرى مـا أدى مع تعاقب الأجيال إلى الفقـدان الكامل للهوية . . ومـا إلى ذلك من التسيب القومي الصائب والممارسات الخاطئـة . .
ويكفي أن نشير ، اليـوم على سـبيل المثـال لا الحصر ، إلى أن خلافات نوابنا في البرلمان العراقي فرضت على شـعبنا العريـق في قراراته تسمية دينيـة ( مسيحيـين ) خلافا للآخرين من اقوام العراق وشعوبه الذين يتـباهون في أروقة البرلمان وخارجها بأسـمائهم القوميـة . . وفي التطرف نرى من هـو في الخارج يطالب بإقليـم آشـوري في داخل العراق وبحيث يضم آراض لـم يعـد اليوم أي وجود لشـعبنا فيها ، ولـو سـلمنا بإمكان عـودة شـعبنا إليها لوجـدنا أن الداعين إليها يرفضون التخلي عن مواضعهم الوثيـرة حيث هـم في الخارج مـن أجل مستقبل شـعبهم الذي يملؤون العنان صراخا من أجله ، أليس هـذا من غرائب العجائب ! ! . . ونـرى أحزابا تـتزايد في إستدراج عواطف شعبنا إليها من دون برامج واقعية مثمرة ، وطوائف تستغل الولاءات الدينية المتوافرة لهـا غير آبهـة بأن ما تروجه لايخدم غير إنقسـامات شـعبنا . . وكلها مؤلم بعواقبه ونتائجه .
ورحم اللـه ملك العراق صاحب العقل الحصيف فيصل الأول الذي حقق للعراق في مدى 12 سنة في حكمه من خلال حكمتـه المشهورة ( أطلب ما هو ممكن وبعدما تحصل عليه أطلب المزيد من الممكن وهكذا دواليك حتى تحقق كل ما تصبو إليه ) فأنجز للعراق الروائع بشهادة مؤيديه ومعارضيه ، وكـم هـو حـريّ بشـعبنا اليوم أن ينظر إلى قضاياه مقـتديا بسـداد الرأي عـند هـذا الملك الجدير بالتـقدير والإعتـزاز .
وفي المرحلـة الراهنة البالغة الخطورة ، يقتضي أن نعيد حسـاباتنا من خلال دراسة الأخطاء المدمرة التي وقع فيها شعبنا وزادت من مآسـيه ، ونتخلى عن كل تطرف ونتجنب كل ما يتجاوز الإعتدال الضامن لأفضل الممكن المتاح ، لأن التطرف مـا كان يوما إلاّ وبـالا على أصحابه . . نعـم كل منّـا لـه رأيه الذي يعتبـره الصائب ويعتـز به ، وهـذا حق طبيعي ، ولكن في الوقت نفسـه ينبغي أن ندرك بجلاء أن غيـرنا له رأي ويملك الحق الذي نملكه في الصواب والإعتـزاز ، إذن فالصواب والإعتـزاز هي أمور نسـبية وليست مطلقة لأنـها مرتبطة إرتباطا نسبيا بصاحب الأمر وبمقدار ما يتعلق به وبمن يشـاركه الرأي نفسـه . . ولكي نختصر البون الشاسع الذي يفصل بيننا مـا علينا إلاّ الرضـا بالأمر الواقع والتخلي عن هوامش من رأي كل منّـا وصولا إلى نقطة التلاقي اللازمة لحل المعضلات وضمان المصلحة الأسمى لنـا في إسـتمرار البقـاء .
نعـم ، لانـنكر تحديات الخلافات التي تواجه شـعبنا في قضية وحدة كلمته من خلال الإتفاق على اسم قومي لـه للإستخدامات الرسمية والإحصائية والعلاقات مع الآخرين ، وما يحققه هـذا الإتفاق مـن قوة وأهمية وجوديـة في التعامل مع الجهات الرسمية والمظهر العام لشـعبنا في المجتمعات التي يكـوّن جزءا من مجالاتها ، وهذه مهمـة ينبغي أن تـدركها الأطراف المؤثرة في جمع شمل شـعبنا والتي تتمثـل في التنظيمات السياسية والإجتماعية والثقافية والمؤسسات الدينـية . .
ويقـتضي الأخـذ في الإعتـبار مـا تـم تحقيقه مـن تـقدم خلال السنتين الأخيرتين ، عندما أدرك الأوفيـاء لشـعبنا الأهمية الملحة لوحدته فعقـدوا اللقـاءات وشـكلوا هيئة تنسـيقية ، ووجدوا أن السبيل الأفضل سلوكا للوصول إلى هدفهـم المشـترك هـو في تقـديم تنازلات متقابلة من كل الأطراف وصولا إلى تسـمية رسمية ( كلداني سرياني آشوري ) التي لا تستـثني الإسم المتداول لأي طرف وتؤدي إلى حـل مؤقت لايلحق إجحافا بأحد ولا يمثل نصرا كاملا منفردا لجهـة معيـنة ، وإنما إنتصارا للجميع في مواجهة معاناة الفرقة والتشـتـت وتـرك المجال لكل طرف أن يستخدم الإسم الذي يرتأيـه في أموره الداخلية الخاصة ، وجاء مؤتمر عـنكاوا في آذار 2007 والمجلس الذي انبثق عـنه تتويجا لهذه المساعي التي يبـدو أن ينـعة ثمارها باتـت قريبـة .
وفـي هـذا المجال ، تقتضي مراعاة الجهود الحثيثـة التي ظهرت أخيرا لمواجهة الكارثة الراهنة في تجمعات شـعبنا وقـراه داخل العراق ، والتي تسـاهم فيها جهات داخلية وتدعمها بالمال أطراف خارجية خيّـرة ، وقـادت هـذه الجهود إلى نتائج مهمة في إعادة الوجود للكثير من بيـن 183 قرية كان دمـرها النظام البعثي الصدامي المقيت وشـرد أهلها ، إضافة إلى بناء المساكن في العديد من قـرى وبلدات سهل نينوى التي تشهد هجرة معاكسـة لعـدد كبير من أهلها الذين كانوا غادروها لأسباب متـنوعة إلى بغداد والبصرة ومدن أخرى في وسط العراق وجنوبـه ، وبدأت مجاميع كثيرة من شـعبنا حياة جديدة في ديارها الأصيلـة .
هـذه الجهود رائعة من دون شـك في إنقـاذ شـعبنا من الأخطار واسـتقراره ورسـوخه في دياره ، لكن الضمان الدائم لنجاحها يتطلب الإهتمام بأمرين ، الأول إيجاد سـبل العيش الدائم في هـذه القرى والبلدات للصامدين فيها ، لأن بناء المسكن لايكفي وحـده للبقـاء والحياة الضامنة . . والأمر الثاني السعي السريع لإيجاد البديل عن نزيف الهجرة إلى الخارج من خلال الحياة الأفضل الحافلـة بالأمن والعمل ، والتوضيح للأطـراف الدولية بـأن سلامة شـعبنا ليست في توفير سـبل استـقبال المهاجرين وإنما في تقديم العون المعنوي لمعالجة الحيف الذي يتعرضون له داخل العراق ، إضافة إلى الإنـتباه بعدم وجود ما يمنـح المشروعية لهجرة أي فرد من سهل نينوى واقليم كردستان ، وأن الدعايات الملفقة في شأن الإضطهاد التي يروجها بعض الأشخاص من شعبنا المقيـم في الخارج ، ينبغي أن يتم التحـري عن حقيقـتها في أرض الواقع داخل العراق للتأكد من زيفها وأغراضها اللئيمـة . .
نحـن بهـذا لانلغـي الهجرة لمـن هـو محـق بهـا مـن المهـدديـن فعـلا ، ولكنـنا نجـد من الجناية فسـح المجال لمـن ليس مهـددا لكـي يزاحمـه بهـا ويأخذ ما لا حـق له بـها ، نحـن ندرك أن أبواب الهجرة صارت ضيقة جدا وتـزداد ضيقا يوما بعـد آخر وقـد توصد نهائيـا قريبا . . لـذا نرى العدالة في أن يأخذ المظلوم الموجود منـها وحـده لأنه المحق بـها .