Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نحو فهم أفضل للتعايش

العراق وطن الجميع، وطن التاريخ، وطن كل العراقيين. أجناس متعددة لها لهجاتها ولغات متعددة، حضارات وممالك وجدت لنفسها مكانا في السابق كل هذا كان في تداخل وتمازج ثقافي جانبه الكثير من التعايش السلمي، لم نكن أصلا في يوم ما نحبذ أو نريد فكرة التقاتل والاقتتال أو نريد أن تتحارب فئة مع فئة أخرى فيه. اليوم وبعد قراءة متأنية إن صح التعبير لعراق ما بعد سقوط الصنم نجد الحال فيه قد تغير بشكل مثير وأصبح التقسيم بشتى أنواعه واقعا في معظم أجزائه، تزايد مستمر في المشكلة ونوعها. السلطة والحكم ، الدين والدولة، تقسيم الثروات، الحريات والديموقراطية. لا أريد تأجيج الصراع بقدر ما أريد أن الفت الانتباه لان نكون صادقين مع أنفسنا والوطن ومنصفين لبعضنا حتى نفهم بعضنا البعض بشكل صحيح ونقر حق المواطنة للجميع دون استثناء لنقم جميعا وطنا سليما معافى. كل الشرائح على اختلاف ألوانها ومشاربها تمتلك من الأعراف والعادات والتقاليد، التي تؤهلها لكي تصبح قوة واحدة متكاملة تصوغ منها حلم الأساس والبناء الوطني الذاتي والجماعي الذي يدعم المفاهيم الراسخة لكيان أي مجتمع إنساني يعيش على تلك الرقعة من الأرض، حيث تتمحور حوله دعائم ثقافة التعايش والتقارب والمحبة والتسامح، الأمر الذي يرسخ المفاهيم الاجتماعية العادلة في وجدان ذلك الشعب، ويرسخ لجملة إجماع التعايش والتواصل السليم بين مكونات ذلك الشعب. تلك التركيبة من الأعراف والتقاليد والعادات لا يمكن صياغتها عقدا حاكما، جامعا للشعب، وملزما لهم،، إلا بتوافق كل آراء وأفكار الشعب في تلك الأرض من الدولة. فاجتماع كل أبنائها لبحث ودراسة وتمحيص كل الآراء والأفكار وتقليبها على كل الوجوه التي تقوم عليها تلك الأعراف والتقاليد، يعني ببساطة، الخروج بإجماع يرضي كافة طموحات أبنائها على اختلاف مشاربهم وثقافتهم، ويعزز فرص التعايش بينهم، ويخلق القواعد الهامة لإدارة البلاد وفق التراضي المجمع عليه، وفق كل ذلك يخرج هذا الشعب بعقد اجتماعي يكون متعارف عليه فيما بينهم، بعد مشاركة الجميع فيه، تلك الحالة تشكل مرجعية اجتماعية، سياسية، اقتصادية، أمنية، لقيادة ذلك الوطن، الذي يكون معافى من كل الفيروسات التي يمكن أن تتسبب في فقدانه لمناعته.
ويكون العكس صحيحا، كل عقد يحد من سلطة الشعب السائدة المطلقة يقوض أساس الميثاق الاجتماعي، ففي حالة عدم اجتماع الشعب لتقرير ذلك الواقع، الذي يرسم ملامح المجتمع الكائن في تلك الرقعة التي نعرفها الآن بالوطن، وذلك في حالة تباعد أطرافه في تنافر وتباين واضح،، أو في حالة انفراد جماعة أو طرفا أو أطرافا،، دون الآخرين بإدارة هذا الحوار، بادعاء أنهم يمثلون إجماع الشعب أو إرادته،، ومن هنا يقع عزل للآخرين لتلك الادعاءات، وبالتالي تكون هذه بداية النهاية للحوار في هذا البلد القائم على أساس التعدد في كل شيء، وعليه فان تم هذا العزل لأي شريحة في مثل هذا المجتمع، قطعا سيولد غبنا لا يمكن معرفة عواقبه، كما إن سياسة العزل والإقصاء والتهميش في مثل تلك الأمور التي تحتاج لإجماع كافة أراء مثل هذا الشعب، سوف تتسبب في اكبر الأضرار والخسائر.
هذه الحالة قائمة ألان على ارض العراق المغلوب على أمره من قبل التيارات الدينية الفاعلة والقوى السياسية المؤثرة في الساحة العراقية ، التي لم تجلب للبلاد سوى هذا المصير المظلم ... سبعة سنوات عجاف من عمر هذا الكابوس الاقصائي، الذي لم يتعلم قادته ما هو معنى الإجماع الوطني الذي يجنب البلاد ويلات التمزق، والذي يخرجها من الحالة التي وصلت إليها رغم الفرص الكثيرة والكبيرة التي أتيحت لهم لتحقيق ذلك الإجماع والاصطفاف الوطني، الذين لم يتوصلوا إلى حدود دنيا من قبول احده للآخر. قد يكون على عدم الفهم والاستيعاب هذا شيء طبيعي في ظل الأنظمة الشمولية الاستبدادية التي لم تقم أصلا إلا على أساس العزل والإقصاء للآخرين وقمع الحريات. ومما يثير الدهشة أن القوى السياسية المعنية بالتغير الديموقراطي في العراق الجديد والتي من المفروض أن تقوم بفعل التغير، أصيبت بمرض ازدواجية الموقف، وهي تعلن عن ضرورة التغير في برامجها السياسية، ولكنها بالمقابل تعتمد مبدأ " القناعة بقبول الأمر الواقع" وبالتالي فهي لا تعرف ما يمكن أن تجره مثل تلك السياسات الاقصائية الحمقاء للبلاد من ويلات.

20 آذار 2010
Opinions