نداء من القلب إلى دولة رئيس الوزراء العراقي
jawadbashara@yahoo.frدولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي الموقر تحية من القلب ويشرفني أن أتوجه لشخصكم الكريم مرة أخرى بهذا الخطاب الأخوي من باب الحرص على العراق الحبيب وتراثه الغالي، بعد أن علمت أن خطابي الأول وصل إلى يدكم الكريمة وكان مضمونه الخشية من تبعات تسقيف الصحن الحسيني المقدس. وأرجو من الأخ المستشار الإعلامي لجنابكم الكريم الأستاذ ياسين المجيد أن يوصل هذا الخطاب لعنايتكم الموقرة.
قبل كل شيء أود أن أهنئكم ومعكم الشعب العراقي بأسره على الإنجاز الديمقراطي الذي حققتموه من خلال انتخاب مجالس المحافظات وهي خطوة هامة على طريق ترسيخ دولة القانون والمؤسسات والتقاليد الديمقراطية في عراق الغد.
علمت من موقعي الإعلامي أن هناك جهوداً مضنية ومثابرة لتطوير المدن المقدسة العراقية وعلى رأسها النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء. وقد نظمت في هذا السياق مسابقة لإعداد التصاميم المعمارية لتطوير مركز مدينة كربلاء المقدسة وتوسعة العتبتين المقدستين واستغلال المنطقة الواقعة بينهما، شاركت فيها بعض الشركات والمكاتب الهندسية لكنها لم تقدم أي تصميم يستوفي الشروط المطلوبة وفق قرار لجنة التحكيم لتلك المسابقة. وقد سبق هذه العملية تجربة مماثلة لتطوير وتوسعة العتبة العلوية المقدسة في النجف الأشرف من خلال طريقة المسابقة والتنافس التي غالباً ما ترسو على جهة معلومة مسبقاً.. المشكلة تكمن في غياب المعايير العلمية للاختيار وانعدام العدالة والإنصاف في عملية اختيار وتكليف الجهة التي ستقوم بتنفيذ المشاريع المعمارية الشديدة التخصص والحساسية. فعلى سبيل المثال لا الحصر تم تكليف المكتب المعماري الذي يعمل فيه المهندس الدكتور رؤوف الأنصاري كمستشار، بموجب كتابين رسميين، الأول من الأمانة العامة للعتبة الحسينية والثاني من الأمانة العامة للعتبة العباسية وذلك في أوساط وأواخر شهر آذار الماضي 2008 إلى جانب كتاب رسمي ثالث لإعداد التصاميم المعمارية لمقام الإمام عون بن عبد الله ومقام الشهيد الحر الرياحي الذي صدر عن ديوان الوقف الشيعي ومن الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة وذلك في أواخر شهر أيلول 2008. والمعروف عن الأستاذ الأنصاري أنه من أبناء كربلاء ويحمل شهادة الدكتوراه في فنون العمارة الإسلامية للمدن الدينية المقدسة في العراق من جامعة ويلز الشهيرة في بريطانيا. بيد أن الفساد والمحسوبية والمنسوبية لعبت دورها وحرمت هذا الكادر العراقي المهم من تنفيذ مشروعه العلمي حيث تم منح المشروع لشركة إيرانية ليست هندسية وغير متخصصة ومعروف عنها حالياً أنها مشهورة بجمع التبرعات للمراقد الشريفة ليس أكثر ولها ارتباط ببعض مراكز النفوذ والقرار في إيران وهي " شركة الكوثر".
كانت التصاميم الأولية للسيد رؤوف الأنصاري قد تمت وعرضت نسخ منها على وزير البلديات والأشغال العامة في 2 آب 2008 بحضور عدد من أصحاب الاختصاص ومستشاري الوزارة وكانت شركة الكوثر متواجدة أيضاً فقام بعض أعضاء الشركة بتصوير التصاميم واستنساخها أمام السيد الوزير في العتبة العلوية المقدسة في النجف الأشرف. ثم تحركت آلة النفوذ والوساطة واللوبيات الخفية لحث الوزارة على الإعلان عن وجود مسابقة شكلية ثانية وملغومة لم تكن ضرورية بل مجرد مناورة من جانب وزارة البلديات والأشغال العامة دون أن يعلم بها أحد، ثم الإعلان عن نتائج المسابقة في 10 يناير كانون الثاني 2009 وفوز شركة الكوثر كما هو متوقع مع الادعاء بأنه كان هناك عدد من المشاركين بهذه المسابقة الثانية من بينهم مكتب الدكتور رؤوف الأنصاري إلا أن هذا الأخير أنكر علمه بذلك حيث زج باسمه ضمن المشاركين بدون علمه، والمعروف أيضاً أن تصاميم هذه الشركة قد رفضت من قبل لجنة المختصين ولجنة التحكيم في المسابقة الأولى. فهل يعقل ما يحصل اليوم في ظل العهد الديمقراطي الجديد دون رادع أو عقاب؟ هل يمكن لأحد أن يتصور مثلاً أن تقوم المملكة العربية السعودية بتكليف شركة إيرانية متخصصة بصناعة السجاد بتطوير الحرمين الشريفين؟ فالعراق لا يفتقد للكفاءات والخبرات والاختصاصيين الموجودين داخل العراق وخارجه ويمكن لتلك الكفاءات أن تأخذ على عاتقها مهمة تخطيط وتطوير مشاريع من هذا الوزن. لكن الذي حدث بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق أن السلطة المركزية لم تعد تسيطر على المحافظات كما يجب،وضعف الرقابة على المحافظات، وبسبب سياسة المحاصصة المقيتة، أتيحت الفرصة لدخول العراق لشخصيات وشركات وهمية أنيط بها أعمال كبيرة جداً ليست من اختصاصاتهم حيث من المفترض أن تحال مثل تلك المشاريع إلى أصحاب الاختصاص والخبرة وليس لشركة تكاد تكون وهمية، وهي في كل الأحوال ليست شركة هندسية ألا وهي شركة الكوثر. الجدير بالذكر فيما يتعلق بمدينة كربلاء المقدسة أن لمشروع تطوير مركز المدينة أحيل إلى المركز العالمي للأبحاث الفنية وعنوانه في لندن وهو مجرد إسم ولافتة وليس له وجود مهني فعلي. ومقره داخل الجامعة العالمية الإسلامية التي توفر الدراسة بالمراسلة ويديرها السيد محمد علي الشهرستاني وحده ومعه موظفين أو ثلاثة فقط، والذي يقدم نفسه بأنه خبير عالمي بالعمارة الإسلامية وخبير عالمي بالتخطيط أيضاً بينما لايحمل أية شهادة هندسية. وقد اطلعت على جهود لجنة متخصصة مكونة من خبراء في وزارة البلديات وحوالي 40 مهندس من كربلاء كانت قد رفعت مذكرة للوزارة تطالبها بسحب المشروع الممنوح من أجل تطوير مركز المدينة لكن الوزارة رفضت طلبهم. وتجدر الإشارة إلى أن المركز العالمي للأبحاث الفنية وعلى رأسه شخص السيد الشهرستاني هو الذي كان وراء كارثة تسقيف الصحن الحسيني المقدس. حيث هناك إمكانية كبيرة لمنح هاتين الجهتين المشبوهتين وغير المتخصصتين بالهندسة المعمارية الإسلامية أي شركة الكوثر والمركز العالمي للأبحاث الفنية، صفقة مشروع تطوير مركز مدينة كربلاء المقدسة وغيرها من المشاريع. هناك إذاً عملية تواطؤ مشبوهة ورشاوي واستغلال نفوذ لمنفعة جهات لا تتمتع بالكفاءة على حساب كفاءات علمية وأصحاب اختصاص وخبرة مشهود لهم في هذا المجال. فكيف يمكننا والحال هذه أن نشجع الكفاءات العراقية المغتربة على العودة للمساهمة في إعادة الإعمار وتطوير البلاد في ظل مثل هذه الممارسات المضرة بسمعة البلد؟ لذلك نتمنى على دولتكم الكريمة اتخاذ مايلزم من خطوات وإجراءات لمنع مثل هذه التجاوزات المؤسفة وتوفير الفرص للجهات المعنية بالتراث والعمارة الإسلامية لوضع الأمور في نصابها الطبيعي، وقد سمعت بخطوتكم المباركة بالقيام بتحقيق جدي في هذا الموضوع لمعرفة الحقيقة وملابساتها ونتمنى لكم كل النجاح والموفقية لخدمة العراق وتراثه المقدس.