ندوة بيروت الفكرية
مشلين بطرس
أحيت الرابطة السريانية بالتعاون مع جمعية أصدقاء اللغة السريانية ندوة فكرية بتاريخ 2017/5/27 حول الحضارة السريانية ودور علمائها في النهضة العربية. بدأت الندوة بكلمةٍ لمسؤول الثقافة في الرابطة الدكتور ايليا برصوم، رحّب من خلالها بالحاضرين من مفكرين وأدباء وباحثين وشعراء ومهتمين باللغة السريانية وبالشأن الثقافي عموماً، وتابع د. ايليا افتتاحية الندوة بتقديم الأساتذة المحاضرين والتعريف بهم وبأعمالهم، تحدث الدكتور كابي أبو سمرة من كلية الآثارفي جامعة الروح القدس، في محاضرته بكلمات شكرٍ وترحيبٍ باللغة السريانية، ثمّ حلّق بالحضور إلى قضاء بشري مسقط رأس جبران، حيث هبط بنا في وادي قاديشا، وأخذنا في جولة إلى داخل المغاره التي كانت مسكونة منذ الألفية الثالثة حتى الحقبة الرومانية، وأدخلنا برحلة افتراضية إلى الأديرة الصخرية كدير الصليب في حدشيت، وأطلعنا على الكتابات الجدارية باللغة السريانية التي يرجع تاريخها إلى 1481م، وبعضها كتابات لزائر يدعى "حوشب"، وآخر يدعى "بنيامين" كان قد كتب في دير قنوبين جداريتن فقط بالسريانية، وباقي الجداريات باللغة الكرشونية (وهي العربية بالحروف السريانية)، وقد وثّق الدكتور كابي محاضرته بالصور والمشاهد الخلابة لوادي قاديشا، وبعضاً من الإيقونات والكلمات المكتوبة بالحرف السرياني، مما أضفى على محاضرته حسن الإصغاء والمتعة والتشويق لسماع المزيد والغوص أكثر في رحلة الكتابات السريانية في وادي قاديشا. أما الدكتور لويس عطوي من الجامعة اللبنانية فقد عاد بذاكرتنا المتوالدة إلى المأساة الأرمنية والسريانية، إلى مذبحة "سيفو" التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية، إذ بدأت هذه المجازر في تركيا ، وأدت إلى نزوح مئات الآلاف من السريان إلى دول الجوار ومنها لبنان الذي حضن السريان وتعاطف معهم، إذ كان معظمهم في حالة مادية سيئة، فقد لاقوا من اللبنانين وخاصة من أبناء طائفتهم كل الرعاية والدعم والمساعدات، كما وعملت جميعة المساع الخيرية الريانية والبعثات التبشرية الأجنبية على التخفيف من معاناتهم، ثم عملت على إنشاء المدارس وتعليم الأطفال، ومن ثم مُنح السريان الجنسية اللبنانية وكان لهم الدور الأساس في إزدهار الاقتصاد اللبناني، حيث أنشأوا المصانع والمزارع وأصبحوا شركاء أساسين في الوطن، وقد أجمع العلماء من كافة الملل والنحل على الإقرار بسريانية لبنان منذ أقدم العصور، وأنتهت محاضرة د. لويس بتصفيق حار من الحضور. ومن العراق ومع الأستاذ والشاعر نزار الديراني عضو اتحاد الأدباء والكتاب السريان، الذي حدثنا في محاضرته عن دور السريان في النهضة العلمية والفكرية حين كان الخلفاء منشغلين بالحروب وأنه وبالرغم من اختلاف العصور والأوضاع الجارية أنذاك إلا أن السريان استمروا في ارتشاف العلم والتأليف والتدريس، ونزلوا إلى ميدان المعارف جنباً إلى جنب مع أخوانهم العرب المسلمين سعياً وراء النهضة العلمية والاجتماعية، إذ كان المسلمون أنفسهم يتلقون العلم في المدارس السريانية، وفي زمن الحجاج بن يوسف الثقفي نُقلتْ الحركات السريانية إلى العربية، وقد كان في ظل الدولة العباسية العديد من مدارس شتى يديرها علماء سريان،يراجعون وينشرون الترجمات القديمة لكتب أرسطو وأبيقراط وغيرهم كثيرون، فليس في اللغة العربية كتابٌ مستخرج من اليونانية دون أن يكون للسريان فيه يد، كما ونقلوا كتاب كليلة ودمنة، ورواية الاسكندر الكبير من علوم الفرس (البهلوية) والهندية إلى اللغة السريانية أولاً ومن ثمّ إلى العربية.وأختتم الأستاذ نزار محاضرته بذكر العديد من المدارس السريانية التي تخرّج منها علماء عرب وخلفاء مسلمين مثل عمرو بن العاص، وآخرون ... وقد كان لمداخلات الحضور وأسئلتهم القيّمة طابع التألق في الحوار والمناقشة.