نزار حيدر لموقع (ميسان اون لاين) الالكتروني: شرعية السلطة بانجازاتها
08/02/2011شبكة اخبار نركال/NNN/نزار حيدر/
اجرى مدير موقع (ميسان اون لاين) الالكتروني الاستاذ عمار الوائلي، لقاءا صحفيا خاصا مع نزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، جرى فيه الحديث عن رياح التغيير التي بدات تكنس الانظمة العربية الاستبدادية الواحد تلو الاخر، وما اذا كانت هذه الرياح ستمر على العراق الجديد ام لا؟.
ادناه نص الحوار:
السؤال الاول:
تريثوا..فقد يسقط اخرون، قالها نـــــزار حيدر، قبل ثورة الشعب المصري، كيف توصلت الى هذه القناعة؟ وهل مازلت تعتقد ان طغاة آخرون سيلحقون ديكتاتور تونس؟.
الجواب:
منذ سقوط الطاغية الذليل صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 وانا اراقب عن كثب مرجل الشعب العربي الذي ظل يغلي ضد النظام السياسي العربي الفاسد، فكانت تنتابني الحيرة الشديدة لعدم انفجار هذا المرجل من اجل التغيير المرتقب، حتى اذا اقدم احد ضحايا ديكتاتور تونس على اشعال النار في جسده، تيقنت بان ساعة الثورة والتغيير قد ازفت، فالرياح اذا تحركت لن تقف الا بعد ان تاتي على كل النظام السياسي العربي الفاسد.
ان الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحكمت بعملية التغيير التي شهدتها تونس الخضراء هي نفسها التي من المفترض ان تتحكم بعملية التغيير في مصر وفي غير مصر، ولذلك فانا اجزم بان رياح التغيير التي تحركت في تونس سوف لن تهدأ قبل ان تكنس كل النظام السياسي العربي الفاسد، واذا صادف ان تمكن احد الطغاة الحاكمين في البلاد العربية من الانحناء امام العاصفة، ببعض القرارات الترقيعية لاستدرار عطف الناس، فانه قد يؤجل التغيير ولكنه لن يلغيه ابدا، فقد ينخدع شعب بشعارات الديكتاتور وباجراءاته القرقوشية وبدموع التماسيح التي يذرفها من على الشاشة الصغيرة، فيؤجل التغيير الا انه لن يلغي الفكرة من ذهنه ابدا.
عندما سقط الصنم في بغداد خاف النظام السياسي العربي على عروشه الخاوية، فعمل كل ما بوسعه من اجل الهاء الشعوب العربية واشغالها بما يحول بينها وبين التفكير بالتغيير المرجو، ولقد تفتق ذهن هذا النظام المهترئ عما عرف وقتها بنظرية (تجميع الجراثيم) تحت شعارات المقاومة والجهاد في العراق، فهب هذا النظام هبة رجل واحد لتنفيذ هذه النظرية التي تعتمد ارهاب الناس وارعابهم من ثمن التغيير الديمقراطي، من خلال ما يلي:
الف: حث فقهاء التكفير وفقهاء البلاط ووعاظ السلاطين على اصدار فتاوى تحرض الناس على الذهاب الى العراق بعد ان فتح الله تعالى ابواب جنته من هناك، على حد زعمهم.
باء: فتح مراكز تطوع المغرر بهم ممن غسلت ادمغتهم فتاوى وعاظ السلاطين، لتجنيدهم للذهاب الى العراق زرافات زرافات.
جيم: فتح الحدود بين البلدان العربية فيما بينها ومع العراق، لدرجة ان الارهابيين كانوا يتنقلون بين هذه البلدان ويصلون الى العراق وكانهم يتنقلون بين محلة واخرى او بين شارع وآخر.
دال: تخصيص ميزانية مفتوحة لجماعات العنف والارهاب، فلقد صرف النظام السياسي العربي الفاسد على هذه الجماعات ما لم يصرفه في كل حروبه ضد (اسرائيل) مثلا او ما لم يصرفه على التنمية في اي بلد عربي.
هاء: ولا ننسى ماكينة الاعلام العربي الطائفي والعنصري التي ظلت تدور ليل نهار لتصنع من الذباحين ابطال دينيين ومن القتلة رفاق لرسول الله (ص) محرضة الشباب المغفل على الانخراط في (المقامة) و (الجهاد) في العراق حصرا، وليس في اي مكان آخر كفلسطين المحتلة مثلا او حتى افغانستان.
لقد نجح النظام السياسي العربي الفاسد بهذه الخطوات وغيرها الكثير في اشغال الشعوب العربية عما يجري في بلدانها، ولفت نظرها الى سراب مخادع دفعت الامة ثمنه غاليا من اجل كذبة كبرى اسمها المقاومة والجهاد من اجل الحضور في مادبة عشاء في الجنة مع رسول الله (ص).
حتى اذا استفاقت الشعوب من غفلتها وتبين لها الخيط الاسود من الخيط الابيض، اكتشفت كيف انها كانت ضحية للتضليل والخداع الذي مارسه النظام السياسي العربي الفاسد، ما اشغلها عن معاناتها الحقيقية، وواجبها الديني والوطني الحقيقي، فقررت ان تنتبه الى حالها الماساوي الذي تعيشه في ظل انظمة سياسية فاسدة ساقتها للذل والهوان فاضاعت كرامتها بعد ان سحقت حريتها وحقوقها وقتلت الامل والمستقبل.
لقد نجح النظام السياسي العربي الفاسد، وللاسف الشديد، في تاخير التغيير في البلاد العربية مدة قاربت الثمان سنوات، دفع العراقيون خلالها الثمن غاليا، ولقد شاءت ارادة الله تعالى ان تستفيق الشعوب العربية اخيرا لتبدا مسيرة ميل التغيير بخطوة عظيمة بدات من تونس ولن تنتهي الا عند آخر محطة من محطات النظام السياسي العربي الفاسد.
كل هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان بعض السياسيين العراقيين ساعدوا النظام السياسي العربي الفاسد في تحقيق هدفه هذا عندما سعوا الى رمي كرة الديمقراطية في احضانه، ولقد رايناهم كيف كانوا يتراكضون ملهوفين وراء هذا الديكتاتور او ذاك المستبد يستجدون منه نظرية لديمقراطيتهم الناشئة، خاصة ديكتاتور مصر الذي ظل يضحك على ذقونهم مدة طويلة، عندما تحول الى ملجا لهم ينظر، بتشديد الظاء، لهم وللديمقراطية ولحكومة الشراكة والمصالحة الوطنية وغير ذلك.
ولم يكتف هؤلاء بما مضى، فتراهم يتهالكون اليوم لعقد القمة المرتقبة في بغداد، بل ان بعضهم ظهر على الشاشة الصغيرة محتجا على ما يجري في مصر لان ذلك يعرقل انعقاد القمة في موعدها، على حد زعمه، هذا بدلا من ان يبدي احترامه لارادة الشعب المصري، ناسيا او متناسيا بانه كان في يوم من الايام ضحية نظام استبدادي مدعوم بقوة من النظام السياسي العربي الفاسد.
اقول هنا واكرر ما نصحت به الحكومة العراقية في مقالتي المشار اليها في السؤال، تريثوا..فسيسقط آخرون، فلماذا تبذرون اموال الفقراء على امر عديم الطعم واللون والرائحة؟ الا رائحة الاستبداد المعجون بالدم.
انني على يقين من ان طغاة عرب آخرون سيلحقون ديكتاتور تونس، وانا هنا لا اقرا فنجانا ولا ارجم بالغيب، ابدا، وانما هي قراءة طبيعية لحركة التاريخ، فلقد وصل ظلم هذه الانظمة لشعوبها اقصى درجاته، ولقد طفح الكيل فلا يمكن بعد الان ان نرى ديكتاتورا حاكما في بلداننا العربية يورث السلطة لابنائه واحفاده، ابدا، فلقد ولى زمن الديكتاتورية كما ولى زمن سلطة الحزب الحاكم والزعيم الاوحد، كما ولى زمن عبادة الصنم التي ظلت تعشعش في مخيلة شعوبنا عقودا طويلة من الزمن.
انه زمن الشعوب، وزمن الحرية، وزمن الديمقراطية، وزمن التداول السلمي للسلطة بعيدا عن القهر والعبودية والذل والاستكانة والخنوع والتمييز.
هنا، اسمح لي ان استغل الفرصة لاتنبأ بسقوط سلطة (آل سعود) في الجزيرة العربية، فان لهذا التنبؤ مبررات نضجت اشد النضج، فهي:
اولا: من اشد الانظمة فسادا في العالم وليس في المنطقة فحسب.
ثانيا: من اخطر الانظمة على السلم والامن العالميين.
ثالثا: كما انها من اقدم الانظمة في العالم، فلقد ظلت هذه الاسرة الفاسدة تحكم في الجزيرة العربية قرابة (8) عقود من الزمن.
رابعا: من اغنى الانظمة في العالم، لما تمتلك من نفط واموال كثيرة جدا وظفتها الاسرة لدعم المتشددين في العالم، ولصناعة اعلام تحريضي ضد كل الافكار الانسانية كالتعايش والتنوع والتعدد والحوار والحب والتعاون وغير ذلك، فضلا عن انها وظفته لصناعة الازمات واثارة الفتن، وما لبنان وفلسطين والعراق ببعيدة عنا.
خامسا: انها وراء جل المشاكل التي تعيشها دول المنطقة، فهي سبب تمزق الصف الوطني الفلسطيني وهي سبب المشاكل في لبنان كما انها السبب المباشر لكل المشاكل التي مرت على العراقيين منذ قرابة اربعة عقود من الزمن عندما ظلت هذه السلطة تسند السياسات العدوانية للطاغية الذليل صدام حسين، خاصة في حروبه العبثية الداخلية ومع الجيران.
انها كذلك السبب المباشر للكثير من مشاكل القارة السمراء بالاضافة الى مشاكل دول المغرب العربي، وما استضافة الاسرة لديكتاتور تونس الا دليل على دورها التخريبي في المنطقة، ونيتها في عرقلة التغيير بوقوفها ضد ارادة الشعب لصالح الانظمة الاستبدادية، فنظام (آل سعود) هو النظام الوحيد الذي اعلن عن دعمه غير المشروط لفرعون مصر، ما يؤشر الى نيته المبيتة لتدمير احلام الشعوب العربية وقمع تطلعاتها للمستقبل.
وبسقوط دولة (آل سعود) الثالثة سيسقط الحزب الوهابي والى الابد، او على الاقل سيعود الى حجمه الطبيعي كجماعة صغيرة منبوذة تمارس (تكفيرها) على نفسها، لا تمتلك المال لتتمدد ولا تمتلك السلطة السياسية لتضرب وتقمع الاخرين، فهذا الحزب هو اخطر الاحزاب السياسية التي تتلفع بالدين كما هو معلوم وواضح، وبذلك سنكون قد قضينا على المصدر الرئيسي للارهاب في العالم، فلقد حول هذا الحزب وبدعم وحماية سلطة (آل سعود) الفاسدة مساجد ومدارس الجزيرة العربية، بل والكثير جدا من المدارس والمساجد في العالم، الى حواظن للارهاب، يتخرج منها التكفيريون والقتلة والمجرمون، لينتشروا تاليا في بقاع العالم ليوزعوا الموت والدمار في كل مكان، بعد ان يحشو فقهاء هذا الحزب رؤوسهم وعقولهم بالحقد والكراهية وتكفير الاخر.
ويخطئ من يظن انه اذا سقطت سلطة (آل سعود) فستحل محلها قوى ظلامية متشددة، فليس هناك في العالم من هو اشد ظلامية وتشددا من هذه الاسرة ومظلتها (الدينية) الحزب الوهابي، ابدا، وانا اجزم بان البديل عن هذه السلطة ستكون القوى الوطنية المعتدلة والمنفتحة على العالم، سواء الدينية منها او الليبرالية، فليس في الجزيرة العربية متشددون ومتطرفون وتكفيريون سوى الحزب الوهابي المدعوم بسلطة (آل سعود).
قريبا جدا سيسقط، بضم الياء، شعب الجزيرة العربية سلطة (آل سعود) الفاسدة، وعندها سينقذ:
*الاسلام الذي اختطفه الوهابيون بحماية (آل سعود).
*الامن الدولي الذي عرضه الوهابيون لخطر كبير.
*التاريخ والتراث الذي كاد ان يحطمه الوهابيون في كل مكان بحجة محاربتهم للشرك وما الى ذلك، كما حصل في سامراء المقدسة في العراق عندما فجروا مرقد الامامين الهمامين العسكريين.
*المنطقة التي عرضها الوهابيون لمخاطر الحرب الطائفية المقيتة، بتكفيرهم لكل من يخالفهم الراي والمعتقد.
ان من مصلحة الجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة الاميركية، ان تسقط سلطة آل سعود التي لم يعد ينفع معها الاصلاح ابدا، ولذلك فان على الغرب تحديدا والولايات المتحدة على وجه الخصوص التي ظلت تسند هذه السلطة الفاسدة، ان ترفع يدها عنها وتوقف عنها فورا كل انواع الدعم لتلاقي مصيرها المحتوم على يد شعبها الابي، وبذلك سوف لن تستعدي شعوب المنطقة الولايات المتحدة والغرب عندما تشعر بان واشنطن وبقية عواصم الغرب لا تصر على حماية هذه الاسرة الفاسدة، وانها تحترم ارادة الشعوب في التغيير، وعندها سيضمن الغرب بديلا صديقا وربما حليفا له، ليس على طريقة (آل سعود) وانما على الطريقة الحضارية التي تعتمد العلاقات الايجابية بين الاصدقاء، كما هو حال العلاقات بين الغرب واليابان مثلا او الغرب والصين، وبذلك فسوف لن تكرر الولايات المتحدة خطاها القاتل الذي ارتكبته مع الشعب الايراني قبل (32) عاما عندما استعدته بقرارها القاضي بدعم الشاه المقبور والوقوف ضد ارادة الشعب في التغيير.
السؤال الثاني:
نرى ونسمع الكثير من العراقيين الذين يقارنون بين الشعب التونسي والشعب المصري وبين الشعب العراقي، بحجة ان التغيير كان يجب ان يكون بأيادي عراقية وليست بقوى خارجية، ما هو رأيك؟.
الجواب:
ان في مثل هذه المقارنة ظلم كبير يلحق بالعراقيين، وان من يجري مثل هذه المقارنة احد اثنين، فاما انه لا يعرف الحقيقة ولذلك فان عليه ان يبحث في الموضوع ليصل الى الحقيقة، او انه يعرف ولكنه يتغافل او انه نسي الحقيقة، ولذلك فهو بحاجة الى عملية تنشيط للذاكرة ليستعيد صورة الحقيقة.
مبدئيا، فليس هناك في العراق من لم يكن يتمنى ان تجري عملية التغيير للنظام المستبد من الداخل، وعندما فرضت الظروف ارادتها على العراقيين فتغير النظام بالقوة الخارجية، فان العراقيين رحبوا بذلك على مضض، لان التغيير بهذه الطريقة لم يتحقق بارادتهم وانما نتيجة الظروف القاسية التي مرت عليهم.
واذا اردنا ان ننصف العراقيين، فيجب ان نعترف بان جذر التغيير في العام 2003 يعود الى العام 1991 عندما انتفض الشعب العراقي من شماله الى جنوبه، فحرر (14) محافظة من سلطة النظام الجائر، الا ان ظروفا كثيرة حالت دون تحقيق العراقيين لكامل ارادتهم، وهنا يبدا الفرق بين الوضع في العراق والوضع في تونس ومصر وغيرها من البلاد العربية التي تنتظر التغيير.
في ذلك اليوم وقف العالم بقضه وقضيضه مع النظام الشمولي البائد، فالنظام السياسي العربي الفاسد دعم الطاغية بكل ما اوتي من حول ومن قوة، خاصة على الصعيد الاعلامي والسياسي والديبلوماسي من اجل ان يتجاوز المحنة، كما ان المجتمع الدولي وقف الى جانب الطاغية ليقمع الانتفاضة ويعيد سيطرته في المحافظات التي حررها الشعب من سلطته.
حتى الولايات المتحدة الاميركية التي طمأنت العراقيين في بادئ الامر من انها ستقف الى جانبهم اذا ما ثاروا ضد النظام، غيرت موقفها وانقلبت على قرارها لتقف وبحزم الى جانب النظام، ولمن يريد ان يطلع على تفاصيل المواقف الدولية والعربية آنئذ فان بامكانه ان يعود الى مذكرات القائد العسكري الاميركي وقتها شوارتزكوف ليطالع العجائب والغرائب، ففيها سيقرا كيف ان ملك آل سعود (فهد) اتصل بالرئيس الاميركي وقتها جورج بوش الاب ليضغط عليه من اجل ان يقف الى جانب الطاغية فلا يدعه يسقط ويلقى مصيره الاسود على يد الشعب الثائر.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فان العالم وقتها لم يشهد بعد ثورة التكنولوجيا والاعلام كما هو عليه اليوم، ولذلك فان كل المجازر والقتل والتدمير الذي شهده العراق تحملها العراقيون بصمت وعظوا على جراحهم بانين خفي، ويكفي، لمعرفة حجم الدمار الهائل، ان صحيفة المانية كتبت عما شاهده مراسلها في مدينة كربلاء المقدسة وحدها تقول: انها، كربلاء، تشبه مدينة خرج للتو من زلزال.
اما اليوم فبحمد الله تعالى فان كل العالم يقف الى جانب التغيير في تونس ومصر وغيرها من البلاد العربية، كما ان صراخ الشعوب ينقلها الاعلام الى اسماع كل العالم، فلم يعد هناك مواطن يموت بصمت كما لم يعد في تونس او مصر مواطن يصرخ مطالبا بحقوقه يردد صرخاته مع نفسه، ابدا، فالعالم يسمع ويتابع ويرى الاحداث لحظة بلحظة، ما يحرض الناس على مواصلة المشوار من اجل تحقيق التغيير الجذري المرجو.
السؤال الثالث:
مايجري في الوطن العربي، هل سيدفع بالسياسيين العراقيين الى تغيير نهجهم في ادارة البلد؟.
الجواب:
اذا كان لهم عقل سليم وارادة حرة وذاكرة قوية فسيتاثرون بما يجري من حولهم، فحال الشعب العراقي ليس بافضل حال من بقية الشعوب العربية الاخرى، على الرغم من اجل السلطة في بغداد تشكلت كنتيجة لصندوق الاقتراع، ولكن هذا لا يعفي القادة والسياسيين من المحاسبة وربما من ان يلقوا نفس المصير الذي يلقيه اليوم عدد من طغاة البلاد العربية.
ان شرعية السلطة، اية سلطة، في اي بلد في العالم، مصدرها في الانجازات وليس في كيفية الوصول الى الحكم، فماذا ينفع الشعب الذي يدفع دمه ثمنا للوصول الى عتبة صندوق الاقتراع ليختار نوابه في السلطة بارادة حرة ومستقلة، من دون ان يلمس اي تغيير في الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي؟ ولذلك نرى ان الكثير من شعوب البلدان الديمقراطية تبادر الى اسقاط الحكومة بتظاهرات شعبية عارمة لمجرد انها تشعر بان هذه الحكومة قد فشلت في تحقيق رغبات الشعب او انها فشلت في تنفيذ مشروعها الحكومي، على الرغم من ان الحكومة وصلت الى السلطة عن طريق الانتخابات وليس عن طريق الانقلاب العسكري مثلا او التوريث، وهذه هي الفلسفة الحقيقية والجوهر في العملية الديمقراطية، انها الارادة الوطنية التي يسقط، بضم الياء، بها الشعب كل من يفشل في تحقيق اهداف الشعب بالرفاهية والحياة الحرة والكريمة، ممن يحجز مقعده تحت قبة البرلمان، ثم يسئ التعامل مع الثقة التي منحها اياه الناخب.
انني لا استبعد ان ينتفض الشعب العراقي ويهب لاسقاط من انتخبهم بارادته، فهو انما انتخبهم ليس من اجل ان يتمتعوا بامتيازاتهم غير المعقولة على حساب معاناته اليومية، ابدا، انما منحهم ثقته ليعملوا ليل نهار من اجل تحقيق ما يصبوا اليه المواطن، والا، فما معنى ان يتمتع النائب في البرلمان او الوزير في الحكومة بكل مظاهر الرفاهية فيما يموت المواطن بحسرته لانه لا يجد سقفا يؤويه مع عائلته؟ كما راينا مؤخرا حال العوائل المسكينة المهددة بالطرد من بيوتها لسبب او لآخر، في بغداد وغيرها؟.
الى متى يظل المواطن العراقي يتضور الما من المرض فيما لا يجري المسؤول فحوصه الطبية الروتينية الا في ارقى المشافي في العالم؟.
الى متى يظل المواطن المسكين يتوضر جوعا فتراه لا يجد قوت يومه وعائلته الا في المزابل فيما يموت المسؤول من التخمة؟.
الى متى يظل المواطن تائها في الشوارع لا يجد عملا ما ليسد به رمقه فيما يستلم المسؤول ما لا يقل عن خمسة رواتب من ميزانية الدولة وبعناوين مختلفة؟.
ان العراقيين تحملوا كل هذا الضيم والقهر وتحدي الارهاب على امل ان يعيشوا مستقبل افضل، وبانتظار ان يعيشوا في ظل نظام سياسي عادل يفكر فيه المسؤولون بمصالح الناس قبل ان يفكروا بمصالحهم، فاذا لم يجدوا تغييرا مفترضا فانا ساكون اول من يحرضهم على الثورة لتغيير الاوضاع لصالحهم، كما انني سابشر القادة بنهاية مشابهة الى حد ما بنهاية طاغوت تونس او مصر وقبلهما ديكتاتور ايران والعراق وغيرهما الكثير، فهل من معتبر؟.
لقد مر اكثر من عام ولا زال السياسيون مشغولون بتقاسم الامتيازات فيما بينهم من دون ان ينجزوا شيئا للعراقيين، فمر عام الاعمار ومر عام الاستثمار ومر عام محاربة الفساد المالي والاداري الذي وعدوا العراقيين به من دون شئ يذكر، لماذا؟ لانهم مشغولون بانفسم فلم تسمع منهم ولم تقرا على لسانهم الا الخلافات والاتفاقات المزعومة والاجتماعات التي لا طائل من ورائها الا تبذير المال العام ليس اكثر.
وبعد قرابة عام كامل من الزمن اذا بهم يطلوا علينا بحكومة الاحزاب (المنقوصة السيادة) التي حضر فيها كل شئ الا الكفاءة والخبرة والنزاهة والتخصص والامانة، ثم يخرج علينا السيد رئيس الوزراء مبررا الفشل المنتظر من حكومته بالمحاصصة والتوافقات الممجوجة بين الاطراف، وكانه في حل من كل ذلك.
انني احذر السياسيين من الطوفان المرتقب اذا لم ينتبهوا لواقع الشعب الابي الذي ضحى بكل شئ ليمنحهم ثقته.
وبهذه المناسبة اوجه حديثي كذلك الى المرجعية الدينية التي يراها العراقيون وقد لاذت بالصمت بعد ان كانت هي فارس الميدان الاول، فلولاها لما منح العراقيون ثقتهم للدستور، ولولاها لما شارك العراقيون بالانتخابات، وتحديدا في منح الثقة لقوائم بعيناها، فاين هي اليوم من كل هذه الازمة والمعاناة التي يمر بها العراقيون؟ وتحديدا الطبقة الفقيرة والمسحوقة والمعدومة؟ لماذا لا يسمع صوتها العراقيون وهم يعانون الامرين من تدري الوضع المعيشي الى جانب طبقة من السياسيين الذين استاثروا فاساءوا الاثرة، وملكوا فاساءوا الملك؟.
ان المرجعية الدينية تتحمل اليوم مسؤولية عظيمة ازاء ما يجري في العراق من فساد مالي واداري ينخر بجسد الدولة العراقية، وازاء الظروف المعيشية القاسية التي يمر بها المواطن العراقي، فهي لازالت تمتلك الصوت الاقوى والاعلى واليد الطولى في عملية التغيير او ان تعلن استياءها من الوضع وعلى الملأ ومن دون تردد، ليعرف العراقيون بانها قد نفضت يديها من السياسيين وكشفت عنهم الشرعية التي يتشبثون بها ليعرفوا كيف يتعاملون معها.
السؤال الرابع:
ثورة مصر وثورة تونس، دليل على دور الاعلام في تحشيد الشعوب ضد الطواغيت، كيف ينظر نزار حيدر للاعلام العراقي الرسمي والشعبي؟.
الجواب:
بالتاكيد فان للاعلام دور مهم في تحريك الشعوب للمطالبة بحقوقها الانسانية، ولذلك فانا ادعو اصحاب الاقلام الحرة الذين يتعاملون مع الاعلام كرسالة وليس مصدر ارتزاق فيبيعونه لهذا البلاط او ذاك الظالم، ادعوهم الى ان يكتبوا وينظروا لعملية التغيير الكبرى التي يشهدها العالم العربي، ويخطئ من يتصور بان الكتابة صرخة في واد او قفزة في الهواء، ابدا، بل انها صرخة في ضمير وهمسة في عقل، يتراكم اثره لينتج تحركا شعبيا كالذي حصل في تونس الخضراء وكالذي يحصل اليوم في مصر الكنانة وكالذي يحصل وسيحصل في بقية البلاد العربية.
اما في العراق الجديد، فعلى الرغم من عظم الجهد الذي يبذله الاعلاميون من اجل اداء الرسالة على افضل واكمل وجه، الا انه لازال دون مستوى المطلوب، ولذلك اسبابه، وانا هنا لا اتحدث عن الاعلام الرسمي، فهذا الاعلام لا انتظر منه فائدة ترتجى ابدا، لانه اما مسيس او حزبي حتى النخاع، انما اعول على الاعلام الحر وعلى الاقلام الوطنية الحرة، خاصة اصحاب المواقع الاليكترونية الذين يمكن ان يلعبوا دورا مباشرا في تسيير الاحداث من اجل الصالح العام.
ان الاعلام العراقي الحر يجب ان لا يكتفي برصد الاخبار العامة فقط، فهذه المهمة يقوم بها الاعلام الرسمي والحمد لله وعلى احسن وجه، انما عليه:
الف؛ ايصال المعلومة الصحيحة للراي العام، بعد استخراجها من مخابئها السرية.
باء؛ ملاحقة التقصير والخطا والتلكؤ في الانجاز.
جاء: الاهتمام بنشاطات منظمات المجتمع المدني، فهي الاقرب الى ضمير المواطن منها الى السلطة، لانها لسان حاله والمعبر الحقيقي عن معاناته وتطلعاته.
دال؛ ملاحقة الفساد المالي والاداري وتعرية الفاسدين كائنا من كان.
هاء؛ نشر ثقافة الحقوق والثقافة الدستورية عند الراي العام، ليطلع المواطن على الخروقات الدستورية التي تمارسها السلطات، فيواجهها بوعيه الدستوري.
السؤال الخامس:
لماذا قام الجيش العراقي بسحق الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وها نحن نرى الجيش المصري يقف مع المصريين، ولم نشاهد الجيش التونسي يتدخل لحماية طاغية تونس؟.
الجواب:
هناك اسباب كثيرة لذلك، يمكن تلخيصها بما يلي:
اولا: البناء الطائفي والعنصري للقوات المسلحة العراقية، فلقد ظلت شريحة اجتماعية معينة هي التي تتحكم بمقدرات الجيش العراقي، فتقوده بالطريقة التي تؤمن لها مصالحها الذاتية، وكلنا يتذكر عبارة (لا شيعة بعد اليوم) التي كتبها النظام على الدبابات التي سيرها الى مدينة كربلاء المقدسة لقمع الانتفاضة الشعبانية وكيف انه قصف المرقدين الطاهرين للامام الحسين السبط عليه السلام واخيه ابا الفضل العباس عليه السلام، كما نتذكر جميعا ما قاله الطاغية الغبي حسين كامل لطاغيته الذليل صدام حسين عندما وقف بين الحرمين الشريفين في كربلاء قائلا له (سيدي، انا الان اقف بين الصنمين، فلقد انتهى كل شئ، وسيطرنا على الموقف).
ثانيا: الاساس القمعي الذي بنيت عليه القوات المسلحة في العراق، فمنذ اليوم الاول من تاسيس الجيش العراق على يد البريطانيين، اهتم المسؤولون في تربيته على البطش والقمع من خلال زرع فكرة كونه اليد الضاربة للنظام القائم، فهو ليس سور الوطن كما انه ليس الحارس الامين لحماية الدستور مثلا او الدولة او الشعب، ابدا، وانما علموه على انه اليد الضاربة للنظام، بل انه اليد الضاربة للحاكم الاوحد، ولذلك فان تاريخ الجيش العراقي يسجل اكثر من (57) حالة قمع للشعب نفذها في مختلف مناطق العراق خلال فترة العهد الملكي فقط، اي خلال (37) عاما فقط، كما ان تاريخه يسجل انه الاداة المفضلة لمن ينوي الاستيلاء على السلطة في انقلاب عسكري، سرقة مسلحة، اما عندما استولى البعثيون على السلطة فقد تحول الجيش الى اداة للقمع والحروب العبثية، فقد سخره النظام لقمع انتفاضة العراقيين في صفر عام 1977 كما انه استخدمه لتنفيذ عمليات الانفال وحلبجة والمقابر الجماعية، انه تاريخ ملؤه القمع والقتل والتدمير والبطش، ولذلك لم يكن غريبا ان يستخدم النظام القوات المسلحة لقمع انتفاضة الشعب العراقي في شعبان (آذار) عام 1991.
السؤال السادس :
نظرتك لمستقبل العراق ؟.
الجواب:
بصراحة اقول، اذا قرر السياسيون الاستفادة من التجربة وانتبهوا الى الواقع فانهم سيستمرون يقودون العراق الجديد نحو الاحسن ونحو الافضل، اما اذا جعلوا اصابعم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا، فان مصيرهم سوف لن يكون بافضل من مصير من سبقهم الى مزبلة التاريخ، وان غدا لناضره قريب.
ان الوضع في العراق مرشح اكثر من غيره ليشهد ثورة على الفساد والمفسدين، لانه ليس في العراق سلطة تسلقت الحكم بانقلاب عسكري مثلا، ولذلك فان العراق لا يحكمه اليوم نظام ديكتاتوري، وفي ظل الديمقراطية فان التغيير اسهل بكثير مما هو عليه في ظل الانظمة الديكتاتورية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فان المبادرة اليوم بعد العراقيين انفسهم، فان من حقهم ان يقولوا لمن انتخبوهم وفشلوا في تحقيق اهدافهم في الحياة الحرة والكريمة، اننا من انتخبكم فانتم وكلاء عنا ولستم اصلاء في مواقعكم الرسمية، ولذلك فان من حقنا اليوم ان نسحب هذه الثقة بتظاهرات جماهيرية عارمة نزيحكم بها عن سدة الحكم لنات بمن هو اجدر منكم بالثقة.
لنتذكر جميعا بان هذا العصر هو عصر الجماهير التي تقول رايها بحرية وبارادة وطنية فولاذية، ومن لم يصدق فليجرب حظه، وان قيل (من جرب المجرب ندم).
ختاما:
اتقدم بجزيل الشكر والتقدير لاخي وصديقي وزميلي في الجهاد والنضال الاستاذ عمار الوائلي لاتاحته لي هذه الفرصة الثمينة لاطل من خلالها على قراء موقع (ميسان اون لاين) متضرعا الى العلي الاعلى ان يوفق الجميع لمراضيه، وان ينزل على شعبنا العراقي الابي شآبيب رحمته، والحمد لله رب العالمين.
31 كانون الثاني 2011