نساء «مفخخات»... وقرار لـ «القاعدة» باستدراج المرأة الى حلبات الارهاب
27/12/2005بيروت - حازم الأمين -الحياة
رد مسؤول في جهاز امن عربي فاعل في مكافحة الارهاب حين سئل عن دور النساء في الشبكات الارهابية الأصولية التي يلاحقها جهازه، ان الأجهزة الأمنية في بلده «تلعب» مع هذه الشبكات «على المكشوف»، وان ثمة رسائل متبادلة خلال عمليات الملاحقة، وان المسؤول المذكور سبق أن بعث برسالة من خلال قنوات «اللعب المكشوف» الى الجماعات «السلفية الجهادية» في بلده انه في حال اكتشف ان هؤلاء ادخلوا نساء في شبكاتهم الناشطة فستكون النتيجة تجريد حملات واسعة تعتقل فيها نساء الناشطين وشقيقاتهم، وستتحول النساء الى جزء من عمليات التحقيق اليومي والمتابعة. ويضيف المسؤول: «في رسالتنا هذه التزمنا لهؤلاء الإرهابيين بأن نساءهم لسن مجالاً لعملنا المباشر ما دمن خارج الحرب بيننا، ونحن نحترم هذا الالتزام». ورأى ان هذه الجماعات تحترمه ايضاً خصوصاً ان المرأة بالنسبة الى هؤلاء السلفيين فوبيا فعلية، ليس من السهل عليهم اقحامها في عالم رجال الأمن والاستخبارات. انها بحسبه عارهم المختبىء خلف النقاب. لهذا يرجح رجل الأمن صدق التزام اعضاء الشبكات الإرهابية الناشطة في بلده في المعاهدة هذه.
بعد التفجير داخل كاديميةالشرطة العراقية الذي نفذته نتحاريتان
المسؤول الأمني قال هذا الكلام عام 2004، ومن المرجح ان عام 2005 شهد من الأحداث والوقائع ما يضعف صحة هذا الافتراض. إذ شهد العام المنصرم وقائع تؤكد انخراط النساء في الأعمال الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. ربما قال قائل ان النساء الشيشانيات كن بادرن قبل هذه التواريخ كلها الى الانخراط في اعمال ارهابية ونفذن عمليات انتحارية وشاركن في تفجير قطارات روسية، وكن جزءاً اساساً من المجموعة التي نفذت عملية المسرح في موسكو. لكن الشيشانيات جئن الى الإرهاب من وعي مغاير لوعي انخراط عربيات مسلمات عام 2005 في العمليات الإرهابية. المرأة في المجتمع المسلم في الشيشان شريك ايجابي للرجل في العائلة وفي العمل كما في الأمومة والبنوة. المرأة العربية شريك سلبي في هذه الميادين. الأمر ينسحب ايضاً على الإرهاب، وربما يتكثف فيه. ما وصل من اخبار الشيشانيات المنتحرات انهن امهات لقتلى سقطوا على يد الجيش الروسي، او مبعدات مع اولادهن الى مخيمات اللاجئين في انغوشيا. ربما حمل هذا الكلام تعميماً، لكن لهؤلاء الانتحاريات وجوهاً واجساماً شاهدنا بعضها في الأفلام التي التقطت لهن سواء في مسرح موسكو ام في غيره. في المقابل يبدو ان الانتحاريات العربيات زوجات مستتبعات لا ملامح لهن سوى ملامح ازواجهن واذا اظهرت اجهزة الأمن وجوههن بعد اعتقالهن اخرجن رجالاً من داخلهن.
ساجدة الريشاوي العراقية ومورييل ديغوك البلجيكية زوجة المغربي عصام غوريس، وشرطيتان عراقيتان تفجران معهد اكاديمية الشرطة في بغداد وسبقتهما بقليل انتحارية فجرت نفسها في ديالى، و «اخوات جاهزات في اوروبا لتنفيذ عمليات استشهادية» كشف عنهن معتقل جزائري في المغرب. لقد افتتحت نساء عربيات او مستعربات عهدهن بالإرهاب عام 2005.
المعلومات المتوافرة حول هؤلاء «الأخوات» تتقاطع عند نقطة انهن في «خروجهن» الى الإرهاب انما خرجن مثقلات بقيود ازواجهن وبماضٍ حريمي ارخى على وعيهن واحدث شقاقاً في نفوسهن ما كان من الممكن الشفاء منه بغير انفجارٍ بحجم الأنفجار الذي احدثه تفجيرهن انفسهن وسط ابرياء. هذا ما فعلته ساجدة الريشاوي عندما وصلت الى عمان برفقة زوجها، جارة وراءها حبلاً من الخيبات والإخفاقات والمراوحة الحريمية في صحراء الذكورة العراقية. اما مورييل ديغوك فقد استبدلت الخواء العائلي بالالتحام بزوج سلفي جاءها بعد سنوات من التشرد وادمان المخدرات.
ضاق الخناق على الكثير من الشبكات الارهابية بفعل تطور خبرات الأجهزة الأمنية. اذاً لا بد من ميادين عمل جديدة. النساء ميدان جديد لا بد من اختباره. العار المقيم في احتمال استخدامهن يمكن ان يمحوه موتهن منتحرات في عمليات الإرهاب المعهودة. لسن شهيدات كاملات، فالأمر ما زال مدار نقاش واختلاف في البيئة «السلفية الجهادية». موتهن منتحرات بعد احتكاكهن بالعار يمكن ان يغسل ما لحق بهن جراء الملاحقة. انه مأزق شقيق ساجدة التي لم يقتلها الانفجار وهي اليوم نزيلة السجن والتحقيق. الا يردنا هذا وإن على نحو مغاير الى ما اشارت اليه بعض تقارير المنظمات الإنسانية من ان عدداً من النساء المعتقلات في السجون الأميركية في العراق أقدمن على الأنتحار فور الأفراج عنهن لشعورهن بأنه صار ينظر اليهن بريبة بعد تجربة السجن. وقد تنتمي الى عالم «العار» النسائي اخبار اخرى من نوع تلك التي افادت عن إقدام الجيش الأميركي في العراق على اعتقال نساء بهدف الضغط على ازواجهن او اشقائهن لكي يسلموا انفسهم. ويبدو بحسب هذه الأخبار ان الكثير من رجال «المقاومة» في العراق اقدموا على تسليم انفسهم بعد اعتقال نسائهم او شقيقاتهم. انه التهديد بالعار... العار ذلك المكان الشعوري الملازم لذكورة «المجاهدين» والذي اكتشفه اعداؤهم أخيراً، وبهذا صارت المرأة مدفوعة الى الانتحار من قطبي الصراع الدائر حولها.
يقول ضابط في الأمن الأردني ان ساجدة ترفض حتى الآن التجاوب مع المحققين، وانه لم يصادف في حياته المهنية شخصاً في مثل عنادها. ربما كان ذلك المظهر الوحيد لأنوثتها. فلنستعد مثلاً المصادر التي تتغذى منها صلابة امرأة كساجدة!. لن نحصل على شيء سوى الصلابة، والصلابة هنا ليست معطى ايجابياً بقدر ما هي تجميع لمصادر البؤس في وعاء بشري. الوحشة تقيم بين كلمات الجمل التي حاولت وصف حياتها في الخالدية والرمادي، والقسوة ملازمة للزمن الذي رافق نشأتها.
الجيش الأميركي في العراق ذكر اكثر من مرة هذا العام ان المجموعات المسلحة اخذت تعتمد في شكل متزايد على النساء في تنفيذ العمليات. وقال قائد قوات حفظ الأمن والنظام في العراق اللواء مهدي صبيح لـ»الحياة» ان: «نقاط التفتيش الأمنية تتعامل بطريقة اقل تشدداً تجاه المركبات التي تقل نساء، وربما استغل المسلحون هذه المسألة لاختراق الاستعدادات الأمنية». وأضاف: «الاعتماد في الأساس على النساء في عمل المجموعات المسلحة كان في البداية مقتصراً على التسهيلات اللوجستية والاستخبارية والتمويهية، ولكن مع تزايد الضغوط على المسلحين تزايد الاعتماد عليهن في تنفيذ هجمات انتحارية ايضاً». ويقول مصدر في وزارة الداخلية العراقية ان اكثر من 122 امرأة معتقلة الآن على ذمة التحقيق في قضايا ارهابية وان بعض التحقيقات قادت الى اكتشاف شبكة نسائية تسهم في دعم المسلحين وفي نقل الأسلحة بين المحافظات.
مقربون من الجماعات المسلحة العراقية افادوا ان المجموعات الأكثر تطرفاً مثل جماعة ابو مصعب الزرقاوي صارت تعتمد على النساء في تنفيذ عمليات انتحارية، مثل تلك العملية التي نفذتها انتحارية تلبس حزاماً ناسفاً في تلعفر، ومنفذتي عملية اكاديمية الشرطة في بغداد، وصولاً الى ساجدة الريشاوي.
لكن يبدو ان ظاهرة النساء المفخخات لا تقتصر على العراق، فقد اعترف المعتقل لدى قوات الأمن المغربية محمد الرحا بوجود «اخوات في اوروبا يرغبن في الجهاد وهن جاهزات لتنفيذ عمليات كيفما كان نوعها». وأشار الى ان زوجة المغربي رشيد ايبا طلبت اليه مساعدتهن في التزود بالمتفجرات. ولفت الى انه اتصل بمسؤوله في التنظيم ابو بصير الجزائري واخبره بذلك فرحب الأخير بالفكرة لكنه طلب الوقت لاختيار «أمير» تبايعه هؤلاء النساء على ان يبايع هو بدوره اسامة بن لادن.
اذاً، النساء دخلن الى عالم الإرهاب من بابه المعهود الذي يحرسه رجال بلحىً طويلة، وربما غذُّوا هذا الإرهاب بمعضلاتهن، خصوصاً ان المرأة العربية عموماً اقرب الى الانتحار من الرجل العربي. ولديها اسبابها الإضافية وربما كانت ساعية اكثر منه الى حياة مختلفة. لكن الأكيد ان الشبكات القاعدية اخذت قراراً بإقحام المرأة في ميادين عملها. حصل ذلك عام 2005.