نص خطاب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودام كلينتون عن حرية الإنترنت
23/01/2010شبكة أخبار نركال/NNN/
فيما يلي النص الكامل لخطاب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن حرية الإنترنت ، الذي القته في متحف الأخبار (نيوزيام)، في العاصمة الامريكية واشنطن:
وزارة الخارجية الأميركية
مكتب الناطق الرسمي
نص خطاب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودام كلينتون
عن حرية الإنترنت
21 كانون الثاني/يناير، 2010
متحف الأخبار (نيوزيام)،
واشنطن العاصمة
وزيرة الخارجية كلينتون: شكرا جزيلا لك يا ألبرتو، ليس على هذه التقدمة اللطيفة فحسب، وإنما أيضا على الدور القيادي الذي تؤديه أنت وزملاؤك في هذه المؤسسة المهمة. وإنه من دواعي سروري أن أكون هنا في النيوزيام (متحف الأخبار). إن النيوزيام يعتبر شاهدا على بعض أكثر حرياتنا قيمة، وإنني ممتنة أن سنحت هذه الفرصة لي للحديث عن تلك الحريات وكيفية تطابقها مع تحديات القرن الـ21.
ورغم أنني لا أستطيع رؤيتكم جميعا، نظرا لأنه ضمن إعداد مثل هذه الجلسة تكون الأضواء موجّهة نحو عينيّ (المتحدث)، وتكونوا أنتم في المساحة غير المضيئة، رغم ذلك فإنني أعلم أن بين الموجودين العديد من الأصدقاء والزملاء السابقين. وإنني أود الإشادة بشارل أوفرباي رئيس مجلس إدارة منتدى الحرية هنا في النيوزيام؛ والسناتور ريتشارد لوغار* والسناتور جو ليبرمان، زميليّ السابقيْن في مجلس الشيوخ اللذين سعى كلاهما من أجل تمرير قانون ضحايا الرقابة الإيرانية الذي عبر عن التزام الكونغرس والشعب الأميركي بحرية الإنترنت، وهو الالتزام الذي يتجاوز الخطوط الحزبية وفروع الحكومة.
ولقد أّبلغت أيضا بأن بين الحاضرين هنا: السناتور سام براونباك، والسناتور تد كوفمان، والنائبة لورتا سانشيز: والعديد من أعضاء السلك الدبلوماسي- السفراء والقائمين بالأعمال؛ ومن المشاركين في برنامج وزارة الخارجية لتدريب القيادات من الزوار الدوليين على حرية الإنترنت، وهم من الصين وكولومبيا وإيران ولبنان ومولدوفا. كما أود الإشادة بوولتر إيزاكسون، رئيس معهد آسبن الذي عّين مؤخرا في مجلس محافظي الإذاعات الموجهة، وهو بالطبع من الناشطين في دعم مهمة حرية الإنترنت التي يقوم بها معهد آسبن.
هذا خطاب مهم حول موضوع مهم، ولكن قبل أن أبدأ، أود أن أتحدث باختصار عن هايتي، لأنه خلال الثمانية أيام الماضية تضافرت شعوب العالم مع شعب هايتي لمواجهة مأساة بدرجات مروعة. إن منطقتنا من العالم قد تلقت نصيبها من المشاق، ومع ذلك فقد حدثت بعض المواقف التي لم يسبق لها مثيل أمام الوضع الذي نواجهه في بورت أو برنس. شبكات الاتصالات لعبت دورا مهما في استجابتنا. لقد تعرضت بالطبع لتلف أو تدمير معظمها وفي بعض المناطق دُمرت تماما. وخلال الساعات التي أعقبت الزلزال تعاونا مع شركائنا في القطاع الخاص، أولا لشن حملة الرسائل القصيرة عبر الهواتف المحمولة من أجل التبرع لهايتي، بحيث يتمكن مستخدموها في الولايات المتحدة من التبرع لجهود الإغاثة عن طريق تلك الرسائل. وكانت تلك المبادرة دليلا معبرا عن كرم الشعب الأميركي، وقد نجحت حتى الآن في جمع أكثر من 25 مليون دولار لجهود إعادة الإعمار.
ولعبت شبكات المعلومات أيضا دورا مهما على أرض الواقع. فحينما التقيت مع الرئيس بريفال في بورت أو برنس يوم السبت، كان على قمة أولوياته محاولة إصلاح الاتصالات وإعادتها إلى العمل. فحكومته، أو على الأصح ما بقي منها، لم تكن قادرة على التخاطب فيما بينها، وكذلك المنظمات غير الحكومية، وقياداتنا المدنية، وقياداتنا العسكرية، وكلها تضررت بدرجة حادة. فقام مجتمع التكنولوجيا بإعداد خرائط تفاعلية لمساعدتنا على تحديد الاحتياجات والموارد المستهدفة. ويوم الاثنين انتشل فريق البحث والإنقاذ الأميركي سيدتين وطفلة عمرها 7 سنوات من تحت أنقاض سوق تجاري منهار بعد تلقي رسالة قصيرة منهم عبر الهاتف المحمول يطلبون فيها النجدة. والآن فإن هذه الأمثلة تعتبر دلائل واضحة على ظاهرة أوسع نطاقا.
إن انتشار شبكات المعلومات يشكل حاليا جهازا عصبيا جديدا لكوكبنا. فحينما يحدث شيء في هايتي أو في هونان، فإننا جميعا نعرفه في التو واللحظة، من الأناس الحقيقيين، ويكون بمقدورنا الاستجابة في الوقت الحقيقي المناسب أيضا. إن الأميركيين يتوقون إلى تقديم المساعدة في أعقاب الزلزال والفتاة والسيدتين اللاتي كن محصورات تحت أنقاض المركز التجاري استطعن التواصل بأساليب لم يكن من الممكن تخيلها منذ عام مضى، أو منذ جيل مضى. والمبدأ نفسه ينطبق حاليا على الإنسانية جمعاء تقريبا. وفيما نجلس الآن هنا، فإن أي شخص منكم، أو ربما يكون على الأرجح أي شخص من أبنائكم، يمكن أن يستخدم أحد الأدوات التي يحملها الكثيرون معهم، يوميا، لنقل هذا الحديث إلى بلايين الناس في جميع أرجاء العالم.
والآن، فإن المعلومات في العديد من جوانبها وأبعادها لم تكن على الإطلاق أكثر حرية مما هي عليه الآن. فالآن تتوفر وسائل أكثر لنشر الأفكار لمزيد من الأشخاص تزيد عما كان متوفرا في أي لحظة سابقة من التاريخ. وحتى في الدول الاستبدادية فإن شبكات المعلومات تساعد الشعوب في اكتشاف حقائق جديدة وتجعل الحكومات عرضة للمساءلة والمحاسبة بدرجة أكبر.
وخلال زيارته للصين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، على سبيل المثال، عقد الرئيس أوباما اجتماعا جماهيريا كان يُبث في الوقت نفسه على الإنترنت، لكي يسلط الضوء على أهمية الإنترنت. وفي إجابته عن سؤال وجّه إليه عن طريق الإنترنت، دافع الرئيس عن حق الناس في الحصول على المعلومات بحرية وقال إنه كلما ازدادت حرية تدفق المعلومات كلما أصبح المجتمع أقوى. وتحدث الرئيس عن أن حرية الحصول على المعلومات تساعد المواطنين على محاسبة حكوماتهم، وخلق أفكار جديدة وتشجع روح الابتكار والإقدام على المشروعات التجارية. إن إيمان الولايات المتحدة بهذه الحقيقة الأساسية هو ما دفعني للحضور هنا اليوم.
ذلك لأنه في خضم هذه الزيادة الكبيرة التي لم يسبق لها مثيل في وسائل الاتصال، ينبغي أن ندرك أيضا أن هذه التقنيات لا تعتبر كلها نعما لا تشوبها شائبة. فهذه الأدوات يجري استغلالها من أجل تقويض التقدم البشري والحقوق السياسية. وتماما مثلما يكون من الممكن استخدام الفولاذ إما في بناء المستشفيات أو في صناعة الأسلحة، أو استخدام الطاقة النووية في تزويد المدن بالطاقة أو في تدميرها، فإن شبكات المعلومات الحديثة والتقنيات التي تدعمها يمكن تسخيرها في الخير أو في الشر. فالشبكات نفسها التي يمكن أن تساهم في تنظيم حركات التحرر، يمكن أن تمكّن القاعدة من بث الكراهية والتحريض على العنف ضد الأبرياء. والتقنيات التي يُحتمل أن تكون قادرة على فتح الطريق للوصول إلى الحكومة وتشجيع الشفافية والوضوح، من الممكن أيضا أن تخترقها الحكومات لتستخدمها في قمع المنشقين عليها والحرمان من حقوق الإنسان.
وخلال العام الماضي شهدنا تفاقما في الأخطار والتهديدات المحدقة بحرية تدفق المعلومات. ففي الصين وتونس وأوزبكستان ازدادت الرقابة على الإنترنت. وفي فيتنام، اختفت فجأة مواقع الشبكات الاجتماعية. ويوم الجمعة الماضي في مصر، تم احتجاز 30 من أصحاب المدونات الإلكترونية والناشطين. وواحد من أفراد تلك المجموعة، وهو باسم سمير، الذي لم يعد في السجن الآن والحمد لله، موجود معنا هنا اليوم. هذا وفي حين أن من الواضح أن انتشار تلك التكنولوجيات يعمل على تغيير العالم، فلا يزال من غير الجلي ما لذلك التغيير من كيفية في التأثير على الحقوق الإنسانية وخير البشر وسكان العالم.
فالتكنولوجيات الجديدة، بحد ذاتها، لا تنحاز إلى أي جانب في الصراع من أجل الحرية والتقدم. إلا أن الولايات المتحدة تفعل ذلك. فنحن نقف في صف إنترنت واحدة تتمتع الإنسانية كلها عبرها بوصول متساو إلى المعرفة والأفكار. ونحن ندرك أن بنية العالم المعلوماتية الأساسية ستصبح ما ما نصنع نحن وغيرنا ونجعله. والآن، ربما كان هذا التحدي جديدا، إلا أن مسؤوليتنا في ضمان التبادل الحر للأفكار يعود إلى مولد جمهوريتنا. فكلمات التعديل الأول لدستورنا محفورة في لوحة رخامية من ولاية تنيسي زنتها 50 طنا منصوبة أمام هذا المبنى. وقد عمل كل جيل من أجيال الأميركيين على حماية القيم المنقوشة في الحجر.
زاد فرانكلين روزفلت البناء على هذه الأفكار عندما ألقى خطاب "الحريات الأربع" في العام 1941. في ذلك الوقت، واجه الأميركيون موكبا من الأزمات وأزمة ثقة. إلا أن رؤيا عالم يتمتع فيه كل الناس بحرية التعبير وحرية العبادة والحرية من الحاجة والحرية من الخوف سمت على كل مشاكل ذلك الزمن وتجاوزتها. وبعد عدة سنوات عملت إحدى من أعتبرهن بطلاتي، وهي إليانور روزفلت، من أجل تبني هذه المبادي كحجر زاوية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وشكّلت منذ ذلك الحين نجما هاديا لكل جيل لاحق، يرشدنا ويحفزنا ويمكننا من التحرك والمضي قدما في مواجهة الشك والمجهول.
وهكذا فإن علينا في الوقت الذي تندفع فيه التكنولوجيا في تقدمها أن نعود بفكرنا إلى الوراء في هذه التركة التراثية. علينا أن نوازن بين تزامن التقدم التكنولوجي وبين مبادئنا. وقد تحدث الرئيس أوباما في تقبله جائزة نوبل عن الحاجة إلى بناء عالم يقوم فيه السلام على الحقوق والكرامة المتأصلة لكل فرد. وتحدثت أنا بعد ذلك بأيام في خطابي عن حقوق الإنسان في (جامعة) جورجتاون عن الكيفية التي نجد بها السبل الكفيلة بجعل الحقوق الإنسانية أمرا واقعا. واليوم نجد أن هناك حاجة ملحة لحماية هذه الحريات على الجبهة الرقمية للقرن الحادي والعشرين.
هناك شبكات عديدة أخرى في العالم. بعضها يساعد في حركة الناس والمصادر، والبعض ييسر التبادل بين الأفراد ذوي الاهتمامات والمصالح المماثلة. إلا أن الإنترنت شبكة تجسّم قوة وإمكانية الأخريات كلها، ولهذا السبب نعتقد أن من المهم جدا ضمان تمتع مستخدميها بحريات أساسية معينة. حرية التعبير لها الأولوية بينها. ولم يعد تعريف هذه الحرية مقتصرا فقط على ما إذا كان باستطاعة المواطنين أن يذهبوا إلى ساحة المدينة وينتقدوا حكومتهم دون خوف أو خشية من عقاب. فالمدونات والبريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والرسائل النصّية فتحت منتديات جديدة لتبادل الأفكار وخلقت أهدافا جديدة للرقابة.
وإذ أتحدث إليكم اليوم، يعكف الرقباء الحكوميون في مكان ما عاملين بغضب على محو كلامي من سجلات التاريخ. لكن التاريخ نفسه شجب هذه الأساليب. قبل شهرين كنت في المانيا للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لسقوط جدار برلين. وأشاد القادة الذين حضروا الاحتفال مكرمين شجاعة الرجال والنساء الذين كانوا في الطرف الأبعد من الحاجز وجعلوا قضية هادفة ضد القمع من خلال توزيع كتيبات صغيرة عرفت باسم "ساميزدات." مثل هذه المنشورات شككت في دعاوى ونوايا الدكتاتوريات في الكتلة الشرقية، ودفع كثيرون من الناس ثمنا باهظا لتوزيعهم تلك الكتيبات. لكن كلماتها ساعدت على خرق الجدار الإسمنتي والأسلاك الشائكة والستار الحديدي.
مثّل جدار برلين عالمين منقسمين وحدد عصرا بكامله. أما اليوم فتوجد بقايا من ذلك الجدار في هذا المتحف، أي في مكانها الملائم، وحيث البنية الأساسية الأيقونية الجديدة في عصرنا هي الإنترنت. فهي بدلا من الانقسام تمثل التواصل. غير أنه حتى مع انتشار الشبكات في البلدان حول العالم فإن جدرانا عملية بدأت تقام بدلا من الجدران المنظورة.
فقد أقام بعض البلدان حواجز إلكترونية لمنع أهلها من الوصول إلى أجزاء من الشبكات العالمية. ومحوا الكلمات والأسماء والعبارات من نتائج محركات البحث. انتهكوا خصوصية المواطنين الذين يتعاطون التعبير السياسي اللاعنفي. وهذه الأعمال تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يبلغنا بأن لكل الناس الحق في السعي في سبيل المعلومات والأفكار وتلقيها ونشرها من خلال وسائل الإعلام دون اعتبار للحدود. ومع انتشار هذه الممارسات التقييدية هناك ستار معلومات جديد يطبق على جزء كبير من العالم. وزيادة على هذا التقسيم هناك أشرطة الفيديو الجرثومية ومنشورات المدونات التي أصبحت "ساميزدات" عصرنا.
وكما حدث في زمن دكتاتوريات الماضي صارت الحكومات تستهدف المفكرين المستقلين الذين يستخدمون هذه الأدوات. ففي المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران أظهر شريط فيديو مغبش من تصوير هاتف خلوي جوال القتل الدامي لامرأة شابة وكان بمثابة لائحة اتهام رقمية لوحشية الحكومة. وشهدنا تقارير مفادها أن الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج عندما ينتقدون قادة بلادهم على الإنترنت يتعرض أفراد أسرهم في إيران للانتقام. إلا أنه على الرغم من حملة الترهيب المكثفة التي تشنها الحكومة، لا يزال المواطنون والصحفيون الشجعان في إيران مستمرين في استخدام التكنولوجيا لإطلاع العالم ومواطنيهم على ما يحدث في داخل بلادهم. ولقد ألهم الشعب الإيراني العالم بدفاعه عن حقوقه الإنسانية، وحددت شجاعته كيفية استخدام التكنولوجيا لنشر الحقيقة وفضح الإجحافات.
تدرك المجتمعات كلها أن لحرية التعبير حدودا. فنحن لا نتسامح مع أولئك الذين يحرضون الآخرين على العنف من أمثال عملاء القاعدة الذين يستخدمون الإنترنت في هذه اللحظة بالذات للترويج للقتل الجماعي للناس الأبرياء عبر العالم. وأحاديث الكراهية التي تستهدف الأفراد على أساس العرق والدين والإثنية والجنس مرفوضة وتستحق الشجب. ومما يؤسف له أن هذه المسائل تحديات متنامية ينبغي للمجتمع الدولي أن يتضافر في مجابهتها. وعلينا أن نتعامل أيضا مع مشكلة الأحاديث الصادرة عن مجهولين. فإن أولئك الذين يستخدمون الإنترنت لتفريخ الإرهابيين أو يوزعون الملكية الفكرية المسروقة لا يستطيعون أن يفصلوا أفعالهم على شبكة الإنترنت عن هوياتهم في العالم الفعلي. لكنه لا ينبغي لهذه التحديات والمشاكل أن تتخذ ذريعة عند الحكومات كي تنتهك بانتظام حقوق وخصوصية أولئك الذين يستخدمون الإنترنت لأغراض سياسية سلمية.
إن حرية التعبير قد تكون أكثر الحريات الظاهرة لمواجهة التحديات مع انتشار التكنولوجيا الجديدة، ولكنها ليست الوحيدة. فحرية العبادة أيضا تعبر عادة عن حقوق الأفراد في التواصل أو عدم التواصل مع خالقهم. وهذا سبيل لا يعتمد على التكنولوجيا. لكن حرية العبادة تعبر أيضا عن الحق العام الشامل في التجمع والالتقاء مع أولئك الذين يتشاطرون نفس القيم والرؤيا ذاتها للإنسانية. وقد اتخذت تلك اللقاءات في تاريخنا نحن شكل التجمع في الكنائس وفي المعابد وفي المساجد. واليوم يمكن أن تكون تحدث على الشبكة العنكبوتية.
فالإنترنت قادرة على المساعدة في جسر الفجوات التي تفصل بين الناس مختلفي الأديان. وكما قال الرئيس في القاهرة، الحرية الدينية أساسية لقدرة الناس على العيش معا. وإننا إذ نتطلع إلى توسيع مجال الحوار، تقدم الإنترنت وعدا هائلا لذلك. وقد بدأنا فعلا في إقامة اتصال الطلاب في الولايات المتحدة مع الشبان في المجتمعات الإسلامية حول العالم وبحث التحديات العالمية. وسنواصل استخدام هذه الأداة لتبني النقاش بين الأفراد من مختلف الطوائف الدينية.
غير أن بعض الدول اختارت أن تجعل من الإنترنت أداة تستهدف بها أتباع الأديان وتسكتهم. من قبيل المثال على ذلك أن رجلا أمضى شهورا في السجن في السعودية لأنه دوّن على الإنترنت عن المسيحية. وأفادت دراسة أعدتها جامعة هارفرد أن الحكومة السعودية حجبت صفحات مواقع كثيرة على الإنترنت تتحدث عن الهندوسية واليهودية والمسيحية وحتى عن الإسلام. وهناك بلدان بينها فيتنام والصين تستخدم أساليب مماثلة للحد من الوصول والاطلاع على المعلومات الدينية.
ومثل ما أنه يجب عدم استغلال هذه التكنولوجيات للمعاقبة على التعبير السياسي السلمي، يجب أن لا تُستخدم أيضا لاضطهاد أو إسكات الأقليات الدينية. فإن الصلوات ستنتقل دائما على شبكات أسمى، لكن تكنولوجيات الاتصال، كشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن تعزز قدرة الأفراد على العبادة كما يرون مناسبا لهم، وأن يلتقوا مع بني دينهم وأن يتعلموا المزيد عن أديان الآخرين. إن علينا أن نعمل للدفع قدما بحرية التعبد على الإنترنت، تماما كما نفعل في مجالات أخرى من مجالات الحياة.
إن هناك بالطبع مئات ملايين الناس الذين يعيشون من دون التمتع بفوائد هذه التقنيات. في عالمنا هذا، كما قلت عدة مرات، يمكن للمواهب أن تكون قد وزعت بصورة تشمل الجميع، ولكن الفرص ليست كذلك. ونحن نعرف من خبرتنا الطويلة أن الترويج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية – في بلدان يفتقر فيها الناس إلى قدرة الوصول إلى المعرفة وإلى الأسواق وإلى رأس المال والفرص – يمكن أن تكون مثيرة للإحباط بل ويمكن أن تكون أحيانا عملا لا طائل من ورائه. وفي هذا الإطار، فإن بمقدور الإنترنت أن تكون بمثابة عامل عظيم يساوي بين الجميع. فعن طريق تزويدها الناس بقدرة الوصول إلى المعرفة والأسواق المحتملة، يمكن لشبكات الإنترنت أن توجد الفرص حيث لا توجد مثل هذه الفرص.
على مدى العام الماضي، رأيت هذا بصورة شخصية مباشرة. ففي كينيا، حيث شهد المزارعون مداخليهم تتزايد بما قد يصل إلى 30 بالمئة منذ أن بدأوا باستغلال تقنية الأعمال المصرفية على الهواتف الجوالة. وفي بنغلادش، حيث سجل أكثر من 300,000 شخص أسماءهم لتعلم الإنجليزية بواسطة هواتفهم الجوالة. وفي منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى حيث تستعمل النساء من صاحبات مشاريع الأعمال الإنترنت للوصول إلى القروض الصغيرة وربط أنفسهن بالأسواق العالمية.
هذه الأمثلة على التقدم يمكن تكرارها في حياة بلايين الناس الجاثمين في قاع السلم الاقتصادي العالمي. وفي العديد من الحالات، يمكن للإنترنت والهواتف الجوالة وغيرها من تقنيات الربط بالشبكات أن تقدم للنمو الاقتصادي ما قدمته الثورة الخضراء للزراعة. إن بالإمكان الآن تحقيق نتائج كبيرة جدا بفضل معطيات متواضعة. وقد تبينت دراسة أجراها البنك الدولي أنه في دولة نامية عادية، أدى تزايد نسبة الوصول إلى الهواتف الجوالة بـ 10 بالمئة فقط إلى زيادة بلغت حوالي 1 بالمئة في الناتج القومي الإجمالي للشخص في تلك الدولة. وإذا ما وضعنا هذا في إطاره المناسب، فإن ذلك بالنسبة إلى بلد كالهند سيترجم إلى زيادة تصل إلى 10 بلايين دولار سنويا.
إن الارتباط بشبكات المعلوماتية العالمية هو كما طريق الدخول إلى الحداثة. في السنوات الأولى لهذه التقنيات، اعتقد كثيرون أنها ستقسم العالم إلى أثرياء وفقراء. ولكن هذا لم يحدث. هناك أربعة بلايين هاتف جوال مستعملة اليوم. الكثير منها في أيدي صغار الباعة في الأسواق أو الذين يعملون في جرّ العربات الصغيرة المعروفة في آسيا وغيرهم من الذين يفتقرون تاريخيا إلى قدرة الوصول إلى التعليم والفرص. لقد أصبحت شبكات المعلومات عامل مساواة عظيما بين الجميع، وعلينا استعمالها معا للمساعدة في انتشال الناس من الفقر ومنحهم القدرة على التحرر من الحاجة والعوز.
إن لدينا كل الأسباب التي تدعونا لأن نكون آملين حيال ما يمكن للناس أن يحققوه حين يستغلون شبكات الاتصالات وتقنيات الشبكات لتحقيق التقدم. ولكن لا يجب أن يغيب عن بالنا للحظة أن البعض يستعملون وسوف يواصلون استعمال شبكات المعلومات العالمية لأغراض سوداوية خبيثة. فالمتطرفون العنيفون وكارتيلات الإجرام ومرتكبو الجرائم الجنسية والحكومات السلطوية كلهم يسعون لاستغلال شبكات المعلومات العالمية هذه لمصالحهم الخاصة. فكما استغل الإرهابيون انفتاح مجتمعاتنا من أجل تنفيذ مؤامراتهم، فإن المتطرفين العنيفين يستعملون الإنترنت للدعوة للتطرف والترهيب. وفي الوقت الذي نعمل فيه على الدفع قدما بالحريات، فإن علينا أيضا أن نعمل ضد أولئك الذين يستعملون شبكات الاتصال كأدوات للتعطيل والترويع.
ينبغي أن تكون لدى الحكومات والمواطنين الثقة بأن الشبكات التي هي في صلب أمنها القومي ورخائها الاقتصادي هي شبكات آمنة وقوية. إن هذا يتعلق بأكثر من مجرد المقتحمين التافهين الذين يقومون بتشويه المواقع الإنترنتية. فقدرتنا على القيام بالأعمال المصرفية على الإنترنت، واستعمال التجارة الإلكترونية والحفاظ على مئات بلايين الدولارات من حقوق الملكية الفكرية كلها تكون في خطر إن لم نكن قادرين على الاعتماد على أمن شبكات المعلوماتية لدينا.
إن تعطيل هذه الأنظمة يتطلب ردا منسقا من قبل جميع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع الدولي. إننا بحاجة إلى مزيد من الأدوات لمساعدة وكالات تطبيق القانون على التعاون عبر المناطق القضائية المختلفة حين يهاجم مقتحمو الشبكات الإجراميون وعصابات الجريمة المنظمة الشبكات من أجل الكسب المالي. وينطبق هذا كذلك على الجرائم الاجتماعية حين تكون صور الأطفال العراة واستغلال النساء والبنات اللواتي تتم المتاجرة بهن على الإنترنت معروضة ليراها العالم كله وحين يتمكن أولئك الذين يستغلونهن من تحقيق ربح مالي من ذلك. إننا نحيي جهود مؤسسات مثل مجلس الميثاق الأوروبي لجرائم الإنترنت التي تسهل التعاون الدولي في مقاضاة مثل هذه الجرائم، وعلينا مضاعفة جهودنا على هذا الصعيد.
لقد اتخذنا خطوات كحكومة وكوزارة للعثور على حلول دبلوماسية لتعزيز الأمن السيبري العالمي. إن لدينا الكثير من الأفراد في وزارة الخارجية الذين يعملون على هذا. لقد تعاونوا معا، وقد أنشأنا قبل سنتين مكتبا لتنسيق السياسة الخارجية بشأن الفضاء السيبري. وقد عملنا للتصدي لهذا التحدي في الأمم المتحدة وفي غيرها من المنابر المتعددة الأطراف وعملنا لفرض الأمن السيبري على الأجندة العالمية. وقد عين الرئيس أوباما مؤخرا منسقا قوميا جديدا لسياسة الأمن السيبري الذي سيساعدنا على العمل بصورة أوثق لضمان بقاء شبكات الجميع آمنة وسالمة وموثوقة.
إن على الدول والإرهابيين وأولئك الذين يعملون كوكلاء لهم أن يعلموا أن الولايات المتحدة ستحمي شبكاتها. أولئك الذين يعرقلون التدفق الحر للمعلومات في مجتمعنا أو غيره من المجتمعات إنما يمثلون تهديدا لاقتصادنا وحكومتنا ومجتمعنا المدني. وعلى الدول أو الأفراد الذين يشاركون في الهجمات السيبرية مواجهة التبعات والشجب الدولي. وفي عالم مرتبط بالإنترنت، فإن هجوما على شبكات دولة واحدة يمكن أن يكون هجوما على جميع الشبكات في كل الدول. وعن طريق تعزيز هذه الرسالة، فإن بوسعنا وضع أعراف للسلوك بين الدول وتشجيع الاحترام للأشياء المشتركة بيننا على الشبكات العالمية. الحرية الأخيرة، وهي الحرية الكامنة في صلب ما فكر فيه وكتب عنه الرئيس روزفلت وعقيلته قبل سنوات طويلة، هي حرية تنبثق من الحريات الأربع التي تحدثت عنها للتو: وهي حرية الارتباط، أي فكرة أنه لا ينبغي للحكومة أن تمنع الناس من الارتباط بالإنترنت أو بمواقع الإنترنت أو ببعضهم البعض. إن حرية الارتباط هي مثل حرية التجمع، ما عدا أن هذه تتعلق بالاجتماع في الفضاء السيبري. فهي تسمح للأفراد بالارتباط بالإنترنت والتجمع معا والتعاون معا على ما يؤمل. فبعد أن تصل إلى الإنترنت، لا حاجة لك أن أن تكون أحد أساطين التجارة أو نجما موسيقيا لامعا لكي تترك تأثيرا هائلا على المجتمع.
فقد كان أكبر رد علني على الهجمات الإرهابية في مومباي قد أطلقه صبي في الثالثة عشرة من عمره. فقد استعمل شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت لتنظيم حملات للتبرع بالدم وإطلاق التوقيع على كتاب ضخم للتعازي وقعه أفراد من مختلف الأديان. وفي كولومبيا، جمع مهندس عاطل عن العمل أكثر من 12 مليون شخص في 190 مدينة حول العالم للتظاهر ضد حركة "فارك" الإرهابية. وكانت تلك المظاهرات أكبر تظاهرات ضد الإرهاب في التاريخ. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، شهدت حركة فارك أعداد المنسحبين منها والمنشقين عنها أكبر مما شهدته خلال عقد من العمل العسكري ضدها. وفي المكسيك، تطورت رسالة بريد ألكتروني واحدة من مواطن عادي كان قد سئم العنف المتصل بالمخدرات إلى مظاهرات هائلة في جميع ولايات البلاد الـ 32. وفي مكسيكو سيتي نفسها خرج أكثر من 15,000 شخص إلى الشوارع للتظاهر ضد هذا العنف. وهكذا، فإن الإنترنت تستطيع مساعدة الإنسانية على التصدي لأولئك الذين يروجون للعنف والجريمة والتطرف. ففي إيران ومولدوفا وغيرهما من الدول، كان التنظيم على الإنترنت أداة حاسمة للدفع قدما بقضية الديمقراطية وتمكين المواطنين من الاحتجاج على النتائج الانتخابية المثيرة للشبهة. بل وحتى في دول ديمقراطية راسخة مثل الولايات المتحدة، فقد رأينا قوة هذه الأدوات تغيرالتاريخ. بعضكم قد لا يزال يتذكر الانتخابات الرئاسية هنا في العام 2008.
ويمكن لحرية الاتصال بهذه التكنولوجيات ان تساعد في تحول المجتمعات، ولكنها في نفس الوقت مهمة بدرجة حاسمة للأفراد. سمعت مؤخراً قصة طبيب – لن أذكر اسم البلد الذي جاء منه-- حاول مستميتا أن يشخص الحالة الطبية النادرة لابنته. وبعد استشارة 24 طبيبا من الأخصائيين لم يتلقَ حتى ذلك الحين أي جواب. ولكنه تمكن أخيراً من تحديد الحالة المرضية، ثم علاجها، من خلال البحث عبر محرك غوغل. يشكل هذا احد الأسباب التي تجعل حرية الوصول إلى محركات البحث أمرا بالغ الأهمية في حياة الإنسان.
هذه المبادئ التي تطرقت إليها اليوم هي التي سنسترشد بها في معالجة مسألة حرية الإنترنت واستعمال هذه التكنولوجيات. وأريد أن أتحدث حول كيفية تطبقيها في الممارسة الفعلية. الولايات المتحدة ملتزمة بتكريس الموارد الدبلوماسية، والاقتصادية، والتكنولوجية الضرورية للدفع قدما بهذه الحريات. فنحن أمة من المهاجرين الذين توافدوا من كل حدب وصوب ومن كل بلد في أصقاع الأرض. تستند سياستنا الخارجية إلى فرضية أنه لا توجد أية دولة يمكنها أن تكسب أكثر من دولتنا عندما يكون هناك تعاون بين الشعوب والدول. ولا تتحمل أية دولة عبئاً أثقل مما نتحمله عندما تفرق الصراعات وسوء التفاهم بين الأمم. ولذا فاننا في الوضع المناسب لاغتنام الفرص التي تترافق مع إمكانيات الاتصال. وبصفتنا المكان الذي انبثق فيه العديد من هذه التكنولوجيات، تقع على كاهلنا مسؤولية استعمالها من اجل خير الجميع. ولتحقيق ذلك علينا ان نطور قدرتنا في ما نسميه في وزارة الخارجية "فن إدارة شؤون الدولة في القرن الحادي والعشرين".
لن يكون من السهل إعادة تراصف سياستنا وأولوياتنا. لكن التكيّف مع التكنولوجيا الجديدة نادراً ما يكون سهلاً كذلك. مثلا عندما تم إدخال التلغراف، أصبح ذلك مصدر قلق عظيم للعديدين في السلك الدبلوماسي، حيث كان احتمال تسلم تعليمات يومية من عواصم الدول أمرا غير مستحب في الإجمال. ولكن تماماً كما أتقن دبلوماسيونا في نهاية الأمر طريقة استعمال التلغراف، فإنهم يفعلون الآن الشيء ذاته لتسخير مقدرات هذه الأدوات الجديدة.
ومن دواعي اعتزازي أن وزارة الخارجية تعمل في الوقت الحاضر في أكثر من 40 دولة لمساعدة الأفراد الذين أسكتت أصواتهم حكومات قمعية. إننا نجعل هذه المسألة كأولوية في منظمة الأمم المتحدة أيضاً، وقد شملنا حرية الانترنت كأحد المكونات في القرار الأول الذي أدخلناه بعد رجوعنا إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ونحن ندعم أيضاً تطوير أدوات جديدة تمكن المواطنين من ممارسة حقهم في حرية التعبير من خلال الالتفاف على الرقابة ذات الدوافع السياسية. نعمل للتأكد من وصول تلك الأدوات إلى الناس الذين يحتاجون إليها، وبلغات محلية، سوية مع التدريب الذي يحتاجون إليه للوصول إلى الانترنت بأمان. لقد كانت الولايات المتحدة منذ بعض الوقت ولا تزال تساعد في هذه الجهود، مع التركيز على تنفيذ هذه البرامج بكفاءة ونجاعة قدر الإمكان. ويجب ان يفهم الشعب الاميركي والدول التي تفرض رقابة على الإنترنت بأن حكومتنا ملتزمة بمساعدتها لتعزيز حرية الإنترنت. إننا نريد تأمين الوصول الآمن وغير المقيد للمعلومات إلى عدد أكبر من الناس في أكبر عدد من الأماكن.
إننا نريد أن نضع هذه الأدوات في أيدي الذين سيستخدمونها لتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان ولمكافحة تغير المناخ والأوبئة، ولتكثيف الدعم العالمي لهدف الرئيس أوباما نحو الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية، ولتشجيع التنمية الاقتصادية المستدامة التي تنتشل الناس من الحضيض وترقى بهم إلى أعلى.
ولهذا السبب أعلن اليوم انه خلال السنة التالية، سوف نعمل مع شركاء من القطاع الصناعي، ومن الميادين الأكاديمية، ومن منظمات غير حكومية من اجل إنشاء جهد دائم يستعمل قوة تكنولوجيات الارتباط ويطبقها على أهدافنا الدبلوماسية. ومن خلال الاعتماد على الهواتف المحمولة، وتطبيقات التموضع الخرائطي، وغير ذلك من التكنولوجيات الجديدة، نستطيع ان نمكّن المواطنين، وان نرفع من شأن دبلوماسيتنا التقليدية. ونستطيع أيضاً أن نعالج النواقص في السوق الحالية للابتكارات.
اسمحوا لي أن أعطيكم مثالاً واحداً: لنفرض انني أريد أن ابتكر تطبيقاً للهاتف المحمول يسمح للناس بتقييم الوزارات الحكومية، بما في ذلك وزارتنا، استناداً إلى مدى تجاوبها، وكفاءتها، ومستوى الفساد فيها. الأجهزة المطلوبة للتنفيذ العملي لهذه الفكرة موجودة بين أيدي بلايين من المستعملين المحتلمين. وسوف يكون تطوير ونشر البرامج التشغيلية غير مكلفين نسبياً.
ففي حال استغل الناس هذه الأداة فقد يساعدنا ذلك في استهداف الإنفاق على المساعدات الخارجية، وتحسين حياة الناس، وتشجيع الاستثمار الخارجي في البلدان التي تحظى بحكومات مسؤولة. لكن في الوقت الحالي، لا يملك مطورو تطبيقات الهاتف المحمول أي حافز مالي لمتابعة ذلك المشروع بمفردهم، وتفتقر وزارة الخارجية إلى آلية تجعل ذلك ممكن التحقيق. ولكن من المرجح جدا أن تساهم هذه المبادرة في حل تلك المشكلة وان توفر عائدات على المدى الطويل من استثمارات متواضعة في الابتكارات. سوف نعمل مع خبراء لإيجاد أفضل بنية لهذا المشروع وسوف نحتاج إلى مواهب وموارد شركات التكنولوجيا والمنظمات التي لا تبتغي الربح من اجل الحصول على أفضل النتائج. وهكذا بالنسبة لكم انتم الموجودين في هذه القاعة الذين حباكم الله الخبرة والموهبة، اعتبروا انكم مدعوون لمساعدتنا.
وفي غضون ذلك، هناك شركات وأفراد ومؤسسات تعمل على أفكار وتطبيقات قد تحقق تقدماً لأهدافنا الدبلوماسية والتنموية. وسوف تطلق وزارة الخارجية مسابقة ابتكار لاعطاء هذا العمل دفعة تشجيعية فورية. سوف نطلب من الشعب الأميركي إرسال أفضل الأفكار لديهم حول التطبيقات والتكنولوجيات التي تساعد على تحطيم حواجز اللغة، التغلب على الأمية، وربط الناس مع الخدمات والمعلومات التي يحتاجون إليها. فمثلاً، طورت شركة مايكروسوفت نموذجاً أولياً لطبيب رقمي قد يساعد في توفير العناية الصحية في مجتمعات أهلية ريفية معزولة. إننا نريد أن نرى افكاراً أكثر كهذه؛ وسوف نعمل مع الفائزين في المباراة ونزودهم بمنح لمساعدتهم على تكوين أفكارهم وفق المعايير المطلوبة.
إن هذه المبادرات الجديدة ستكون متممة لقدر كبير من العمل الهام الذي أنجزناه على مدى العام المنصرم. ولأجل خدمة أهدافنا الدبلوماسية وأهداف دبلوماسيتنا، قمت بتشكيل فريق من الموظفين ذوي المواهب والخبرات كي يقود جهودنا الخاصة بفن إدارة شؤون الدولة في القرن الحادي والعشرين. وقد جال أعضاء ذلك الفريق على العالم كي يساعدوا الحكومات والجماعات على الإفادة من منافع تكنولوجيات الارتباط بالشبكات. وقد أطلق هذا الفريق مبادرة "المجتمع المدني 2.0" او Civil Society 2.0، لمساعدة المنظمات الشعبية على الدخول إلى العصر الرقمي. وقد أسس الفريق برنامجا في المكسيك غرضه المساعدة في مكافحة العنف المتصل بنشاطات المخدرات وذلك بتمكين الأفراد من تقديم التقارير التي لا يمكن تقفي أثرها لأوساط موثوقة تجنبا للأعمال الثأرية ضدهم. كما استقدم الفريق الخدمات البنكية على الهواتف الجوالة إلى أفغانستان فيما يتابع أفراد هذا الفريق الآن مشروعا مماثلا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي باكستان أنشأ اعضاء الفريق شبكة اجتماعية على الهاتف الجوال هي الأولى في تاريخ البلاد دعوها بـ"صوتنا" أو Our Voice أثمرت عشرات ملايين الرسائل وربطت معا باكستانيين من صغار السن ممن يرغبون بالتصدي للتطرف العنفي.
وخلال فترة زمنية قصيرة خطونا خطوات جبارة وهامة لترجمة وعود هذه التكنولوجيات إلى نتائج تحقق الفوارق. لكن لا يزال أمامنا قدر كبير من العمل الذي ينبغي إنجازه. وفي الوقت الذي نعمل فيه سوية مع القطاع الخاص والحكومات الأجنبية لنشر أدوات فن إدارة شؤون الدولة في القرن الحادي والعشرين، علينا أن نتذكر مسؤوليتنا المشتركة المتمثلة في صون الحريات التي تحدثت عنها هذا اليوم. ونحن نؤمن بأن مبادئ مثل حرية المعلومات ليست مجرد سياسة صائبة فحسب، وليست سياسة متصلة بطريقة ما بقيمنا الوطنية فحسب، بل هي كذلك مبادىء عالمية وهي جيدة للأعمال.
وباستخدام مفردات السوق، إن شركة إكتتاب عام في تونس أو فيتنام تعمل في بيئة من الرقابة ستكون لها قيمة أقل من مثيلتها في مجتمع حر. وإذا لم يتوفر لصناع القرار في الشركات الوصول لمصادر عالمية من الأخبار والبيانات، ستتلاشى ثقة المستثمرين بقرارات هؤلاء في المدى البعيد. والبلدان التي تمارس الرقابة على الأخبار والبيانات يجب أن تسلم بأنه من منطلق إقتصادي لا يوجد أي تمييز بين فرض رقابة على الكلام السياسي ورقابة على الكلام التجاري. فإذا كانت مؤسسات الأعمال في بلدانكم ممنوعة من الوصول إلى أي من نوعي المعلومات هذه فإنه حتما سيكون لذلك أثر على النمو.
وبصورة متزايدة بدأت الشركات الأميركية تخصص حيزا أكبر في قرارتها التجاربة لقضية الإنترنت وحرية المعلومات. وأرجو أن يعير منافسوها والحكومات الأجنبية اهتماما أكبر بهذا الإتجاه. وكان آخر حادث طال محرك بحث غوغل قد استأثر بقدر كبير من الإهتمام ونحن نتوقع من السلطات الصينية أن تجري مراجعة وافية لاقتحامها الإلكتروني الذي دفع بغوغل أن تتخذ القرار الذي اتخذته. كما نتوقع أن يكون ذلك التحقيق ونتائجه شفافة.
لقد كانت شبكة الإنترنت مصدر تقدم هائل في الصين وهي شبكة رائعة. وهناك عدد كبير للغاية من الصينيين المرتبطين بالإنترنت الآن. بيد أن الدول التي تقيد حرية الوصول إلى المعلومات أو تخرق الحقوق الأساسية لمستخدمي هذه الشبكة إنما تجازف بعزل نفسها عن التقدم في القرن المقبل. وطبعا تتباين وجهات نظر الولايات المتحدة والصين حيال هذه المسألة ونحن ننوي التطرق إلى هذه الخلافات بصراحة وبصورة مستمرة وذلك في إطار علاقاتنا الإيجابية والتعاونية والشاملة.
وفي نهاية الأمر، فهذه المسألة لا تدور حول مجرد حرية المعلومات بل حول نوعية العالم الذي نبتغيه ونوعية المعمورة التي سنقطنها. وهي تتعلق بما إذا كنا نعيش على كوكب ذي شبكة إنترنت واحدة وذي أسرة عالمية واحدة وجسم معارف واحد يفيدنا ويوحد بيننا جميعا، أو بخلاف ذلك، أن نعيش على كوكب مجزأ يكون فيه وصول الفرد إلى المعلومات معتمدا على مكان إقامته او نزوات ممارسي الرقابة على المعلومات.
إن حرية المعلومات تدعم السلام والأمن اللذين يوفران دعامة يبنى على أسسها التقدم العالمي. وتاريخيا، كان انعدام التكافؤ في الوصول إلى المعلومات أحد الأسباب الرئيسية للحروب بين الدول. وحينما نجابه نزاعات خطيرة او حوادث خطرة، فمن الأهمية بمكان أن يتوفر لدى الناس على جانبي النزاع الوصول إلى نفس مجموعة الحقائق والآراء.
وكما الحال اليوم، فبمقدور الأميركيين أن يطلعوا ويتبصروا في المعلومات والبيانات التي توفرها حكومات أجنبية. إننا لا نقوم باعتراض محاولاتكم للتواصل مع الناس في الولايات المتحدة. بيد أن المواطنين والمجتمعات التي تمارس الرقابة يفتقرون إلى معرفة الآراء الواردة من الخارج. وعلى سبيل المثال، حاولت حكومة كوريا الشمالية أن تعزل مواطنيها عزلا تاما عن وجهات النظر الواردة من الخارج. وهذا الوصول اللامتوازن للمعلومات يزيد من احتمال وقوع النزاعات وترجيح تصعيد حوادث اختلاف بسيطة. لهذا أرجو أن تعمل الحكومات المسؤولة والمعنية بالإستقرار العالمي على معالجة مثل هذا الخلل.
وبالنسبة للشركات، فإن هذه القضية تتعلق بأكثر من مجرد اتخاذ مواقف أخلاقية أسمى. بل هي في النهاية تتعلق بالثقة بين الشركات وزبائنها. فالمستهلكون في كل مكان يريدون أن يكونوا واثقين من أن الشركات التي يتعاطون معها على شبكة الإنترنت ويعولون عليها ستقدم لهم نتائج شاملة من محركات البحث لديها وستتصرف كراعية مسؤولة لبيانات زبائنها الشخصية. والشركات التي تفوز بثقة هذه البلدان وتقدم نوع الخدمات تلك أساسا ستنجح في السوق العالمية. وإنني أؤمن حقيقة أن تلك الشركات التي تفقد ثقة زبائنها ستفقد زبائنها لاحقا. وبغض النظر عن المكان الذي تعيشون فيه، فإن الناس يريدون تصديق أن ما يوفرونه من بيانات على الإنترنت لن يستغل ضدهم.
والرقابة لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تقبل بها أية شركة من أي مكان كان. وفي أميركا، من الضروري أن يكون للشركات الأميركية موقف مبدئي. ويتعين أن يكون ذلك جزءا من سمتنا الوطنية. وإنني لعلى ثقة بأن المستهلكين في جميع أنحاء العالم سوف يكافئون الشركات التي تتبع تلك المبادئ.
إننا نعمل الآن على تنشيط فريق العمل الدولي المعني بحرية الإنترنت كمنتدى لمعالجة الأخطار التي تهدد حرية الإنترنت حول العالم، وإننا نحثّ الشركات الإعلامية الأميركية على الاضطلاع بدور متجاوب وفعال في تحدي مطالب الحكومات الأجنبية بفرض الرقابة والمراقبة. والقطاع الخاص يشارك في تحمل المسؤولية عن المساعدة في حماية حرية التعبير. وعندما تهدد تعاملات الشركات التجارية في القطاع الخاص بتقويض هذه الحرية، فإنه يتعين عليها التفكر في الأمر الصواب، وليس مجرد تحقيق الربح السريع.
ونحن نشعر بالارتياح والتشجع أيضا من العمل الذي تم بواسطة مبادرة الشبكة العالمية – وهي عبارة عن مجهود تطوعي من قبل شركات التكنولوجيا التي تعمل مع المنظمات غير الحكومية، والخبراء في الأوساط الأكاديمية، وصناديق الاستثمار الاجتماعي للرد على مطالب الحكومات بفرض الرقابة. إن المبادرة تتجاوز مجرّد إصدار بيانات بالمبادئ، بل تضع آليات لتعزيز المساءلة والمحاسبة الحقيقية والشفافية. وكجزء من التزامنا بدعم المشاركة المسؤولة من قبل القطاع الخاص في حرية المعلومات، سوف تعقد وزارة الخارجية اجتماعا رفيع المستوى في الشهر المقبل، يتناوب رئاسته وكيلا الوزارة روبرت هورماتس وماريا أوترو، وذلك ليتم الجمع بين المسؤولين من مختلف الشركات التي توفر خدمات الأنظمة الشبكية من أجل إجراء محادثات حول حرية الإنترنت، نظرا لأننا نريد أن يكون لدينا شراكة تعاون في معالجة هذا التحدي الماثل في القرن الحادي والعشرين.
إن السعي من أجل الحريات التي تحدّثت عنها اليوم هو، في اعتقادي، عين الصواب. كما أنني اعتقد أيضا أن من الذكاء القيام به. لأنه من خلال دفع عجلة هذا البرنامج قدما، فإننا سنتمكن من الموازنة بين مبادئنا، وأهدافنا الاقتصادية وأولوياتنا الاستراتيجية. إننا يجب أن نعمل من أجل قيام عالم يتيح فيه الوصول إلى الشبكات والمعلومات التقارب والجمع بين الناس ويوسع نطاق تعريف ما تعنيه عبارة المجتمع العالمي. ونظرا لضخامة التحديات التي نواجهها، فإنه يتعين على الناس من مختلف أنحاء العالم أن يحشدوا معارفهم وإبداعاتهم من أجل المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد العالمي، ومن أجل حماية بيئتنا، وكي يتسنى قهر التطرف والعنف وبناء مستقبل يستطيع فيه كل إنسان أن يرتقي إلى المكانة ويحقق الإمكانيات التي وهبها الله له.
لذا اسمحوا لي بأن أختتم بالطلب منكم أن تتذكروا تلك الفتاة الصغيرة التي انتشلت من تحت الأنقاض يوم الاثنين في بورت أو برنس. إنها الآن على قيد الحياة. وقد التأم شملها مع أفراد أسرتها. وسوف تتاح لها الفرصة لتشب وتترعرع، ذلك لأن هذه الشبكات أخذت صوتا كان مدفونا تحت الأنقاض وأذاعته على مسامع العالم. إنه يجب ألا تظل أية أمة، أو جماعة، أو فرد مدفونا تحت أنقاض القمع والاضطهاد. إننا لا يسعنا أن نقف موقف المتفرج بينما يتم فصل الناس عن الأسرة الإنسانية بواسطة جدران الرقابة، ولا يمكننا السكوت عن هذه المسائل لمجرد أننا ببساطة لا نستطيع سماع الصرخات.
لذا دعونا نجدد التزامنا بهذه القضية. دعونا نجعل من هذه التكنولوجيات قوة من أجل إحراز تقدم حقيقي في كافة أنحاء العالم، ودعونا نمضي قدما معا في مناصرة هذه الحريات من أجل زمننا هذا ومن أجل شبابنا الذين يستحقون كل فرصة يمكن أن نقدمها لهم.
وشكرا جزيلا لكم جميعا.
• السناتور لوغار لم يكن عضوا راعيا لتشريع "فويس". السناتور كوفمان كان أحد معديه وأحد كبار الراعين له في المجلس.
###