Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نصرة حقوق ... أم تنكّـر وعقوق ؟

تصاعدت وتيرة الحديث عن حقوق شعبنا وعن مستقبله على أرضه وفي دياره والصيغة الأمثل لضمان تمتعه بهذه الحقوق منذ التاسع من نيسان 2003 ولحد الآن ، ولازال هذا الموضوع يشغل حيزاً كبيراً من كتابات وأفكار نخبة شعبنا ووسائل إعلامنا وأحزابنا ومؤسساتنا القومية . وتباينت الآراء بهذا الصدد بين عنوان وآخر من تلك العناوين القومية أحزاباً ومؤسسات وأكاديميين ومهتمين بالأمر ، وليس بوسع أي طرف أن يدعي امتلاك اليقين والحقيقة المطلقة فيما يطرحه أو يزعم بلا جدوى وعقم الطرح الآخر ، وأياً كانت الصيغة المطروحة والمقترحة لتضمين حقوق شعبنا في إطارها ومهما اختلفت الآراء بشأنها ، فإن هناك جملة من المعطيات والعناصر والمسلّمات التي لا يمكن تجاوزها وإغفالها فيما يطرح بهذا الشأن ، معطيات وعناصر لا يختلف عليها عاقلان مرتبطة بحقائق التاريخ والجغرافيا والعيش المشترك والمصير الواحد والعلاقات الإنسانية والاقتصادية التي ربطت عبر التاريخ أبناء شعبنا في سهل نينوى بالأطياف الأخرى المتعايشة معه والتي تعجز كل المشاريع مهما اكتنفها من تشويش وتضليل وخداع ومغالطة عن إلغائها ، لأنها المقومات الموضوعية التي تفرض نفسها والتي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في أي مشروع يطرح بغض النظر عن الجهة التي تطرحه إذا ما أريد لذلك الطرح أن يتسم بالموضوعية والواقعية والاتزان والحرص على الهوية الوطنية لشعبنا ، وبخلاف ذلك أي إذا ما تم تجاوز هذه الحقائق أو القفز فوقها فإن ذلك سيؤدي إلى عدم وضع الأمور في مسارها الصحيح وبالتالي فإن ما ينتج أو يتولد عن ذلك من مشاريع سيكون هشاً ومشوهاً ومبتوراً ولن يكتب له النجاح بل سيولد ميتاً ، وسيحمل معه أسباب وعناصر فشله وهو في مهده .
نقول هذا ليس للترويج لمشروع بعينه أو للانتقاص من المشاريع الأخرى المطروحة بالصيغ المعروفة والرامية كما يبدو إلى عزل شعبنا عن المكونات الأخرى التي تعايش معها تاريخياً في سهل نينوى وأرتبط معها بأوثق الصلات ، ووضعه في كانتونات ومحميات ذات طابع ديني وأثني مما يسهل استهدافه قومياً ودينياً في حال تعرض تلك التجربة لأية انتكاسة سيّما وأن العراق يعيش حالة من الهشاشة السياسية المزمنة وذلك مدعاة للخوف والقلق من احتمال اختلال التوازن وتغيير المعادلة على الأرض في أية لحظة ، الأمر الذي سيكلف شعبنا غالياً في حالة تحققه ، إنما الغاية من طرحنا هذا هو الحرص على شعبنا أولاً وأخيراً وذلك من خلال التمسك بأن يكون له مشروعه القومي على أسس غير عرقية أو دينية مثلما للآخرين من أخوة الوطن مشاريعهم وتطلعاتهم وهو ما يكفله لنا الدستور ، بدل أن نكون جزءاً وامتدادا لمشاريع الآخرين ، وعندما يكون لنا مشروعنا الخاص الواقعي والمعتدل ذو البعد والإطار الوطني المنسجم مع دور وتاريخ شعبنا في النسيج الوطني العراقي عبر التاريخ وغير المغالي في سقف مطالبه فأنه بالتأكيد سيلقى تفهماً وقبولاً من الأطياف والمكونات العراقية الأخرى ، وسيكون أقل عرضة للهزّات التي يمكن أن تتعرض لها التجارب الأخرى التي تتباين ظروفها وواقعها ودوافعها مع مشروعنا .
إن أبناء شعبنا في سهل نينوى هم أسياد على أرضهم اليوم لا ضيوف ، لأنهم أصحاب الأرض وأصحاب الحق التاريخي فيها وسيظلون كذلك طالما كانوا ممسكين بأرضهم ومستميتين في الدفاع عن وجودهم ومشروعهم الخاص الذي يصون هويتهم وبنفس الوقت يجعلهم متواصلين مع الأطياف الأخرى في المنطقة وفي الوطن عموماً حتى نثبت للجميع سلامة النيّة والدافع ونؤكد كما كنا دوماً أننا أبناء أصلاء ومخلصين لهذا الوطن ، وإن تصاعد الهجمة علينا وقسوة الاستهداف والتهجير والتصفية لن تزيدنا إلا تمسكاً بأرضنا وإصراراً على مواصلة التجذر فيها ، أما إذا غدونا جزءاً من مشروع آخر فإننا سنجد أنفسنا بين عشية وضحاها وقد أصبحنا ضيوفاً على أرضنا وليس أصحابها والأصلاء فيها ، ولن يكون لنا في هذه الحالة أن نطالب بشيء من حقوقنا إلا بالقدر الذي يتفضل به علينا وفي الحدود المسموح بها مما يشكل ذلة لشعبنا وهذا ما لا نرتضيه له . فلنتكلم جميعاً عن مشروع قومي قابل للحياة ويمتلك مقومات النهوض الاستمرار ومتمتع بكل الضمانات الدستورية ومقبول على المستوى الوطني . أما الحديث عن محميات ومناطق آمنة بلون ديني وطائفي ضيق ومعزول فأنه سيلحق أفدح الأضرار بقضيتنا وسيدفع ثمنه أبناء شعبنا المنتشرين في أرجاء الوطن الأخرى . إن الأمور بحاجة لأن تناقش بتبصّر وحكمة وروية شرط أن يستظل الجميع بمظلتهم القومية ، وأن ينهوا عهد الوصاية والخضوع ورهن القرار ليكونوا أحرار أنفسهم وأسياد قرارهم .
إن شعبنا الذي شاد الإمبراطوريات وشرع الشرائع وأبدع جنائن بابل المعلقة لا يجدر به أن يقبع تحت الوصاية إلى أجل غير مسمى وأن يرهن مصيره ويفوّض أمره للغير لأنه شعب ناضج وراشد وقد خاض المعتركات وصهرته المحن وليس بحاجة لأن يسترشد أو يستعين بالآخرين لكي يستحصل حقوقه .
كثيرة هي العناوين المطالبة بحقوق شعبنا وبراقة هي الشعارات التي ترافق هذه الحملة ولكن المطالبة الحقيقية والجدية يجب أن تراعي وتحترم الحقائق والمقومات التي سيقت آنفاً لضمان نجاحها ، وضمان استقلالية مشروعنا ومطالباتنا وإلا ما جدوى التطبيل والتزمير والحديث الطويل عن حقوق شعبنا في الحكم الذاتي وما إلى هنالك إذا كان الأمر لا يعدو أن يكون صدى للصوت الآخر وترويجاً لمشروعه بل جزء لا يتجزأ منه ؛ عليه فإن المحصلة ستكون خذلاناً لإرادة شعبنا وتنكراً لحقوقه وتبديداً لآماله ، فإذا ما واصلت بعض نخب وأحزاب ومؤسسات شعبنا حملتها في هذا الإطار فإنها ستجسد وتسجل عقوقاً تجاه الأمة لن يغفره لها التاريخ والأجيال القادمة ، وستدرك بعد فوات الأوان إنها كانت دون مستوى المسؤولية التاريخية التي تدعي عزمها على التصدي لحملها ، وبهذا فإن أحداً لن يحسدها على المكانة التي تنتظرها في سجل التاريخ وهذا ما لا نرجوه لهم لأنهم في النهاية جزء مهم من شعبنا . غير أن كل المؤشرات تشير إلى أنهم ماضون قدماً في نصرة المشاريع الغريبة والمريبة والدعاية لها مما يدعوا إلى خيبة الأمل فيهم وشديد الأسف عليهم ، لأن جزءاً مهما من قدرات وطاقات شعبنا يتم استنزافها ليس على الوجه الصحيح وبعيداً عن مصالح شعبنا الأمر الذي ينعكس سلباً على مشروعنا القومي المرتجى ......

Opinions