Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نَظْرَة إِلى الزَواج.. رِباط مُقَدَّس ، أَمْ اتِفاق بَشَرِيّ ؟

الخميس 10/ 9 ـــ الجمعة 25/ 9 / 2009
نَظْرَة إِلى الزَواج ...........
رِباطٌ مُقَدَّس لايُمْكِنُ حَلَّه أَوْ فَكَّه ، أَمْ اتِفاقٌ بَشَرِيّ قَابِلٌ لِلفَضِّ والنَّقْضِ ؟
*********
الزَّواجُ أَمْرٌ شَخْصِيٌّ بَحْت فلا أَحَد يَسْتَطِيعُ أَن يَحْيا نِيابَةً عن الآخر ، لكِنَّهُ رَمَى بِأَصْلِهِ وحَقِيقَتِهِ هذهِ جانِباً وأَسْدَلَ عَلَيْها السِّتار ، وارْتَقَى مَسْرَحَ العَلنِيَّة فنَزَعَ عنه جِلْدَتَهُ الخُصُوصِيَّة الشَخْصيَّة وتَدَثَّرَ بِبِزَّةِ بَعِيدة عن حَقِيقَتِهِ الجَوْهَرِيَّة ، بِزَّة مُحْبُوكة ومُزركشة بِخُيوطٍ ونَياشين اجْتِماعِيَّة بكَثِيرِ تَشعُباتها ، ودِينِيَّة ، وفي هذا الحَقْل الصَغِير مِن الكَلامِ سنَجْنَحُ إِلى الأَدْيان وعَلاقتِها بِالزَواجِ فيَكُونُ السُّؤال : هَلْ أَصابَتِ الأَدْيان بِجَعْلِ الزَّواج أَحَد اهْتِماماتِها وهمُومِها ؟ وهَلْ مُعالَجاتها لِقَضاياه كانَتْ صَحِيحة وعادِلة ؟ بإِمْكانِ كُلٍّ مِنَّا أَن يَسْتَنْتِج جَواباً يُخالِف قَناعاته أَوْ يُؤَيِّدها مِنْ نَظْرَةٍ إِلى واقعِ الزَّواجِ وأَحْوالِهِ والمآسي والصُعُوبات والمَشاكل الَّتِي خَلقَتْها هذهِ المُعالَجات في نُفُوسِ وحَياةِ الأَشْخاصِ والأَفْرادِ ، وكانَتْ المَرْأَة وفي كُلِّ الأَدْيانِ الطَّرَف الخاسِر والمَدْهُوس في هكذا مُعالَجات ، لقَدْ حَاولَتْ الأَدْيان جَعْلَ الزَّواج ذا صِبْغَة دِينِيَّة لايُعْتَرفُ بهِ إِلاَّ بِمُبَارَكَةِ الله ورَجُل الدِّين وَكِيله ، فخَرَجَ تَحْتَ وَطْأَةِ هذا العِبْء وتَصَلُّبِ نِظامِ المَلكِيَّة مِنْ صِفتِهِ الشَخْصِيَّة إلى صِفةِ الجَماعَة...... لايُمْكِنُ تَبْرِئةَ الأَدْيان مِمَّا أَدَّتْ بِالزَواجِ إِلى نَمَطٍ مُعيَّن ، وأَطَّرَتْهُ بِإِطارٍ تَقْلِيدِيّ ، واخْتارَتْ لَهُ مَجْمُوعَة الشُرُوطِ والضَوابِطِ والأَعْرافِ ، لِتَغْدُو بذلك حَارِسةً عَلَيْهِ ، فحَدَّتْ بذلك مِنْ صلاحياتِ الأَفْرادِ ، وأَحياناً إِلى حَدٍّ مُجْحِفٍ ، في نَمَطِ تَشْكِيلِهِ وبِنائِهِ ، بَلْ إِن الكَنِيسَة رَفَعَتْ الزَّواج إِلى دَرجةِ سِرّ وجَعَلَتْه أَحَد أَسْرَارها السَبْعَة المُقَدَّسَة ..... حَوَّلَت الأَدْيان الزَّواج إِلى مَنْظُومة دِينِيَّة صَغِيرة ، مُتَفَرِّعة عنه ومُمَثِّلة لَهُ وناطِقة بما يَسْمَحُ به ِ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ عَهْد وارْتِباط ، حَيْثُ رَسَمَتْ خُطُوطاً يَتَوَّجَبُ على الجَمِيعِ السَّيْرِ عَلَيْها وبِتَأْشِيرِها ، بَعْدَ أَن كانَ قَدْ انْتَهى مِنْ تَكْوِينِ وقَصِّ وتَفْصِيلِ صُورَتِهِ على قِياسِ الحَاجة الوَضْعِيَّة المُلِّحَة لِلمُجْتَمَعِ ، حَيْثُ اخْتَارَ صِيغَتَهُ الجَدِيدَة لِيَتَماشَى مع الوَضْعِ القائِمِ آنذاك ، والشَّكْلِ المَطْلُوبِ آنذاك ، إِذْ تَدَرَّجَ عن جذُورِ تَطورِ نِظامِ المَلكِيَّة الفَرْدِيَّة في المُجْتَمعاتِ الزِراعِيَّة وتَطور النِّظامِ الأَقْطاعِيّ .
تَبْقَى الأَدْيان مُتَّهَمة في تَعالِيمِها وأَسالِيبِ تَعامُلِها مع الأُمُورِ ، وتَبْقَى مُتَسَبِّبة في وَضْعٍ قَائمٍ غَيْر مَقْبُول مهما كَبُرَت التَبرِيرات وكَثُرَت ، فالحَقائِق تَقُولُ أَن لِلأَدْيانِ دَوْرٌ كَبِير فيماهي عَلَيْهِ البَشَرِيَّة اليَّوْم مِنْ حالٍ وأَحْوال ...... فالدِّين الَّذِي يَسْمَحُ بِتَعَدُّدِ الزَوْجاتِ ، يَسْحَقُ شَاءَ الكُلُّ أَمْ أَبُوا كَرامَةَ المَرْأَة ويُذِّلُّها ، ويُدَنِّي مِنْ مَنْزِلتِها ، ويَفْتَحُ البابَ لِلرِجالِ عَرِيضاً وعلى مِصْرَاعِيهِ لِامْتِهانِ المَرْأَة ، وتَحْقِيقِ كُلّ ماتَصْبُو إِلَيْهِ نُفُوسهم ...... والدِّين الَّذِي يَجْعَلُ مَصِيرَ المَرْأَة رَهِيناً بِكَلِمةٍ واحِدَة مِنْ فَمِ الرَجُل يَنْطُقُ بها سَاعَةَ يَشْاء ، ويُقَرِّر فيُسَرِّحها ، أَوْ يُعَلِّقَها العُمْر كُلَّه كبَيْتٍ مَهْجُورٍ مَتْرُوك ، يَجْعَلُ المَرْأَة بلاقِيمة ، ولاكَرامَة ، ويُلْغِي إِنْسَانِيتها كَامِلةً ، ناهِيكَ عن تَرْكِ المَرْأَة في دَوامةِ اللااسْتِقْرَارِ والخَوْفِ مِما قَدْ تَأْتِي به الأَيَّام مِنْ مَجْهُولٍ يَنْتَظِرها فهي غَيْرُ آمِنة لاتَعْرِفُ مِنْ مُسْتَقْبَلِها أَكِيداً ، مَتَى يَمَلُّ مِنْها زَوْجُها فيُطَلِّقها ويَرْمِيها ، حَذِرَة حَتَّى مِنْ كَلِمةٍ تَتَفَوَّهُ بها لأَنَّها قَدْ تَكُونُ سَبباً لِطَلاقِها وتُقْلِقَها كُلُّ الشَواهِدِ لأَنَّها قَدْ تَكُونُ مَنْفَذاً لِلطَلاقِ ، حَالها مَشْدُودَة الأَعْصابِ على الدَوامِ في اللاوَعْي ، إِنَّها في وَضْعِ الاسْتِنْفارِ الدَائِم ، وهذا يَخْلُقُ التَّوَتُر والقَلَق ويُتْعِبُ نَفْسِيَّة المَرْأَة كَثِيراً ، ويُؤْثِّرُ على وَضْعِ الأُسْرَةِ ككُلّ ، وعلى عَلاقَتِها بِزَوْجِها .
لايُمْكِنُ بِناء حَياةً مُشْتَركةَ سَلِيمة على أَشْلاءِ أَحَدِ الشَرِيكين ومِنْ خِلالِ سَحْقِ أَحَدهُما لأَجْلِ مَصْلَحةِ الآخر ، فالعَلاقة لابُدَّ أَن تَكُونَ مُتكافِئة وإِلاَّ ، فالمُجْتَمع يَبْنِي بُيوتاً فَوْقَ رِمالٍ مُتَحَرِّكة .
أَمَّا الدِّين الَّذِي لايَسْمَحُ بِالطَلاقِ فهو يَلْغِي إِرادَةَ الطَرَفَيْنِ ، ويَجْبُرَهُما على العَيْشِ مَعاً رَغْمَ عَدَمِ الاتِفاق ، أَوْ العَيْش مُنْفَصِلينِ والبَقاء وحِيدين حَتَّى المَوْت ، وبِالنِسْبَةِ لِلمَرْأَةِ الأَمْر أَثْقَل وَقْعَاً لأَنَّ المُجْتَمع غَيْر مُنْصِف مَعَها ، وغَيْر عادِل ، وإِن كانَ هُناك حالات خاصَّة اسْتِثْنائِيَّة تُوْجِبُ التَّفْرِيق فالسُّلْطَة الدِّينيَّة هي الَّتِي تُقرِّرُ كِفايَة الأَسْباب لِلتَفْرِيقِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهِ ، أَيْ إِن الطَرَفَيْن خَاضِعين لِنِظامِ الوِصايَة ، في هذهِ الحَالة يُعامَلُ الزَّوْجَيْن وكأنَّهُما قَاصِرين لايَسْتَطِيعانِ تَقْرِير ماهو مُفِيد وفي صَالحِهما والطَّرَفُ الوَحِيد الَّذِي يَمْلُكُ الدِرايَة المُطْلَقة هو السُّلْطَة الدِّينِيَّة مُمَثَّلة بِرِجالِ الهَيْئَةِ الدِّينِيَّة ، إِذْ لا مَكانَ لاحْتِرامِ الإِنْسَان واخْتِيارِهِ وقَرارتِهِ ، إِنَّ الدِّين الَّذِي يَحْتَرِمُ الإِنْسَان حَقَّاً عَلَيْهِ أَن يَأْخُذَ بِرَغْبَةِ الطَرَفَيْن في الانْفِصالِ فهي الفَاصِلُ والمُقرِّر ، بَلْ إِن رَغْبَة طَرَفٍ واحِد بِعَدَمِ التَواصُلِ مع الشَرِيك يَجْب أَن تَكُونَ كَافِية لِحَلِّ عَقْدِ الزَواجِ أَيَّاً كانَتْ الأَسْباب ، ( مع التَحَفُّظِ الشَدِيد على كَلِمة عَقْد ) ، فبِدُوْنِ وِفاق ، واتِفاق ، وتَفاهُم لايُمْكِنُ أَن تَسْتَمِرَّ الحَياة الزَّوْجِيَّة حَتَّى إِن كانَت الحُجَّة هي مَصْلَحة الأَطْفال في حالِ وُجُودِهم ........... إِنَّ الدِّينَ الَّذِي لايَسْمَحُ بِالطَلاقِ يُؤسِّسُ لِمَرْفُوضاتٍ ـ [ وهي المُتَعارف عَلَيْها في الشَأْنِ الدِّينِيّ بِالخَطايَا ، مع تَحَفُّظِي الشَدِيد على مَفْهُومِ الخَطايَا حَسَبِ المَفاهِيم الدِّينِيَّة ، ولِيَسْمَح لي القَارِئ بِاسْتِخدامِ لَفْظَة الخَطايَا رَغْمَ هذا التَّحَفُّظ لأَنَّها مِنْ مَنْطِقِ الفِكْرِ الدِّينِيّ الَّذِي نَتَحَدَّثُ فيه الآن ومَفاهِيمه ] ـ كَثِيرة يَقْتَرِفُها الزَّوْجَان دُوْنَ إِرادَة مِنْهُما ، وعلى خَلْفِيَّة اسْتِحالةِ الانْفِصالِ وما دَبَّرَهُ الله وجَمَعَهُ لايُمْكِنُ نَقْضَهُ أَوْ العَمَلَ بِخِلافِهِ أَوْ يُفرِّقَهُ إِنْسَان وعَدَمِ السَماحِ بهِ دِينِيَّاً ، فيَعِيشان سَوِيَّةً تَحْتَ سَقْفٍ واحِد دُوْنَ حُبّ ، ودُوْنَ تَفاهُمٍ ووِئامٍ ، وبِوُجُودِ المَشاكل تَتَكاثَرُ المَرْفُوضات أَيّ الخَطايَا والَّتِي وُجِدَت الأَدْيان لأَجْلِ تَقْلِيصِها ومَحْوِها ، لأَنَّ المَشاكل تَدْفَعُ بِالطَرَفَيْنِ رُبَّما إِلى أَقْصَى مالايُرِيدانه فيَشْتُمان ، ويَسُبَّان ، ويَلْعَنان ، ويَرُّدان على بَعْضِهما بِأَقْذَعِ الكَلِماتِ ، وقَدْ يُوَلِّدُ هذا الوَضْع مُسْتَجَدَّات أُخْرَى كالضَرْبِ ، أَوْ الإِدْمانِ على الكُحُولِ ، وقَدْ تَكُونُ نِهايَةَ المَطافِ كُرْهٌ مَقِيت ، أَوْ جَرائِم ، أَوْ مَرْضَى نَفْسِيين مِنْ جَراءِ المُعاناةِ المُتَواصِلَة ، نَاهِيكَ عَنْ كُلِّ أَنْواعِ المَهاناتِ والإِذْلالِ والاحْتِقارِ والتَّأْنِيب مِنْ قِبَلِ المُجْتَمعِ لِزَوْجَيْنِ في وَضْعٍ كهذا ، فيُنْظَرُ إِلَيْهما بِازْدِراءٍ ومَلامَةٍ وتَحْقِيرٍ ، ويَنَالانِ التَّوْبِيخ والتَّحْقِير مِنْ كُلِّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ حَتَّى وإِن كانَ لايُمَيِّزُ الهاءَ عن الرَاءِ ، هي حَلَقات مُتَسَلْسِلَة إِحْدَاها تُمَهِّدُ لأُخْرَى بَلْ وتُنْتِجها ..... وُجُود المَشاكل لايَخْلُقُ جَوَّاً سَلِيماً لِتَرْبِيَةِ الأَطْفالِ التَّرْبِيَة المُتَمنَّاة ، هكذا نَرَى إِن الدِّين يُحاوِلُ مِنْ جِهَةٍ ما حِفْظ وِثاق الزَّوْجَيْنِ أَرادُوا ذلك أَمْ لا ، لأَنَّ الله يُرِيدُ ذلك ــ بَقاءَ الزَّوْجَيْن مَعاً ــ وهو مِيثاقُ الله ، وفي نَفْسِ الوَقْتِ يُؤسِّسُ لاقْتِرافِ خَطِيئةَ العَيْشِ مَعاً دُوْنَ حُبّ ويُطالِبُ الزَّوْجَيْن بِمَطالِيبِ الالْتِزامِ بِما يَفْرِضُه الحُبُّ مِنْ وَفاءٍ ، واحْتِرامٍ ، وإِخْلاصٍ ، وتَفانٍ ، وتَضْحِيَة ، وأَمانَة ، ومُسَاعدَة ، وتَعاوُن .... إلخ ، مَطالِيب لايُمْكِنُ أَن تَكُونَ إِن انْتَفَى الحُبُّ وزَال ..... الحُبُّ الَّذِي يُطْلَبُ بِإِسْمِهِ وبِمَوْجِبِهِ كُلُّ هذا غَيْرُ مَوْجُود ، ومُتَجاهِلاً في الوَقْتِ ذاته الحَقِيقَة البَشَرِيَّة السَاطِعة والَّتِي لاتَخْضَعُ لِقَانُونٍ ، أَوْ تَشْرِيعٍ ، أَوْ ضَوابِط أَلا وهي : إِنَّ المَشاعِرَ الإِنْسَانِيَّة لاقَوالِبَ لها لتُحْصَرَ فيها ، ولايُمْكِنُ ضَبْطَها أَوْ حَجْرَها في قَوالب ، وهي عُرْضَة لِلتَبدُّلِ والتَغْيِيرِ لأَسْبابٍ شَتَّى مَعْرُوفَة أَوْ غَيْر مَفْهُومَة ، مَقْبُولَة أَوْ مَرْفُوضَة ، مَعْقُولَة أَوْ مَجْنُونَة ، وإِنَّه لايُمْكِنُ صَرْف وَثِيقَةَ تَأْمِين على المَشاعِرِ بِعَدَمِ عَطْبِها وثَباتِها ودَيْمُومَتِها .......
إِنَّ وَضْعَ العَيْشِ مَعاً دُوْنَ حُبٍّ ، إِنَّما هو أَسْوَأُ ماتَتحَتَّمه شَرِيعَة عَدَمِ جَوازِ الطَلاقِ ، ولَوْ صَدَقَ المَنْظُور الدِّينِيّ في فَهْمِها وتَحْلِيلِها لاعْتَرَفَ بِكَوْنِها أَبْشَعُ الخَطايَا قَاطِبَةً ، لأَنَّها خِداعٌ لِلنَفْسِ ولِلآخرِ ، وتُدْخِلُ الزَّوْجَيْن في دَوامةِ صِرَاعٍ وتَمَزُّقٍ نَفْسِيّ يُحَطِّمُ كُلَّ ما هو جَمِيل في الحَياةِ حَوْلَهُما ، وهي بِدايَة ومُؤسِّسة لِخَطايَا أُخْرَى كَثِيرة مُتَعدِّدَة ، ذُكِرَ بَعْضٌ مِنْها في الأَسْطُرِ السَابِقَة وتُرِكَ بَعْضَها لِفِكْرِ القُرَّاءِ والقَارِئات ، وتُوَلِّدُ ضَغْطاً نَفْسِيَّاً هائِلاً يَرْزَحُ تَحْتَهُ الطَرَفان طِيلَة حَياتِهما وكأَنَّ لا مَفَرَّ مِنْ حَمْلِ الصَخْرَةِ والوُصولِ بها إلى نِهايَةِ المَطافِ ، المَوْت ، ويَبْدُو عَمَلِيَّاً وكأَنَّ المَوْت هو وَحْدَه القَادِر على فَكِّ هذا الرِباط ( اللَّزْقَة الأَبدِيَّة ) ، هُنا يَتَبادَرُ السُّؤَال قَبالَةَ هكذا وَاقِع : أَيُّهُما أَهَمُّ ، حالُ الإِنْسَانِ ، أَمْ عَهْدُ الله المُقَدَّس وإِرادَته ( رِباط الزَواجِ المُقَدَّس ) ، هذا إِن كانَت هذهِ إِرادَتَهُ حَقَّاً ولَيْسَتْ إِرادَة البَشَر المَعْكُوسة على شَخْصِهِ كتَعْلِيمٍ إِلَهِيِّ ، وإِن كانَت الأَدْيان لَيْسَتْ صِناعَة بَشَرِيَّة ؟ ....... إِنَّ مَنْ يَحْيَا هذه الحَياة هُما الزَّوْجان ولَيْسَ الله ، ومايَشْعُرُ بهِ الزَّوْجان أَهَمُّ بِكَثِيرٍ مِنْ إِرْضاءِ رَغباتِ الله المُتجَنِيَّة على الزَوْجَيْنِ في وَضْعٍ كهذا ........
هل إِن القَداسَةَ تَرْفَعُ الأُمُور إِلى أَفْضَلِ حالٍ لها وفيها الحُلُول لِكُلِّ الأَوْضاعِ ، أَمْ إِنَّها تَهْوِي بها إِلى بَالُوعَاتِ المآسي والأَذَى والعَذَاب ؟ لِماذَا تَفْرَحُ بَعْض المُجْتَمعاتِ بِرَفْعِ كُلَّ مايُمْكِن مِنْ أُمُور بَشَرِيَّة ، ابْتِداءً مِنْ دخُولِ الحَمَّامِ إِلى شَأْنِ الزَواجِ ، إِلى دَرَجَةِ القَداسَةِ وتُلْبِسُه جِلْبابَ الدِّين وهو شَأْنٌ بَشَرِيٌّ بَحْت ؟ حِيْنَ يَتَدَخَّلُ الدِّين في دَقائقِ وتَفاصِيلِ الحَياةِ اليَوْمِيَّة يَتَحَوَّلُ إِلى قَيْدٍ وغِطاءٍ لِمَنْعِ التَّفْكِيرِ ........ يَدْخُلُ في هذا الحَقْل الصَغِير مِن الكَلامِ أَيضاً أَمْر الرَّبْطُ اللا ايجابِي ، اللا مُؤسَّس والهَشّ بَيْنَ الزَّواج وانْجابِ الأَطْفال ، حَيْثُ حُصِرَ حَقُّ انْجابِ الأَطْفالِ في حُدودِ وَثِيقَةِ الزَواجِ فَقَطْ ؛ لِماذَا يَجِبُ أَن يَكُونَ المَرْءُ مُتَزَوِّجاً لِيَحُقُّ له انْجابَ الأَطْفالِ ؟ لَوْ كَفَلَ المُجْتَمع الحُرِّيَّة الشَخْصِيَّة لِكُلِّ فَرْدٍ لإِدارَةِ حَياتِهِ بِما يَرَاهُ مُناسِباً لكانَتِ الأُمُور بِأَفْضَلِ أَحْوَالِها لِلفَرْدِ والمُجْتَمع ، لكِنَّ حالَ الكَثِيرِ مِن المُجْتَمعات غَيْرُ ذلك تَماماً ......
إِن هذا العُرْف والتَّقْلِيد الَّذِي تَحَوَّلَ بِمُرورِ الزَمَنِ إِلى شَرْطٍ طَبِيعيّ لايَشُكُّ أَحَد في صِحتِهِ ولايُنَاقِشُهُ ، وصَكَّتْهُ الأَدْيان بِصَكِّ الشَّرْعِيَّة ؛ ضَيَّعَ الكَثِيرَ مِن الفُرَصِ على النِساءِ والرِجالِ مِمَّنْ لم يُحالِفهُم الحَظّ في الزَواجِ وأَطْبَقَ جُدرانَ الوَحْدَةِ عَلَيْهم حَتَّى َخَنَقَهُم ، فَمَنْ لم يَحْظ بِفُرْصَةٍ لِلزَواجِ ضَاعَتْ عَلَيْهِ فُرْصَة انْجابِ الأَطْفالِ وبَقِيَ وَحِيداً مُزْدَرَياً كُلَّ حَياتِهِ دُوْنَ شَرِيك وأَطْفال ....... أَيْنَ العَدَالة في أَمْرٍ كهذا مِنْ شَأْنِ الإِنْسَانِ ؟ بِماذَا عَدَلَتْ الأَدْيان وهي قَدْ شَكَّلَتْ الأُمُورَ تَعْقِيداً ؟
لَقَدْ غَدَا الزَّواج عَقْداً أَوْ وَثِيقَةً أَوْ رِباطاً قِيمَتهُ مِنْ قِيمَةِ وَرَقةٍ مَكْتُوبَة تُؤْرِّخُ لَهُ وتَنُصُّ عَلَيْهِ كوَاقِعةٍ رَسْمِيَّة يَعْتَرِفُ بها المُجْتَمع ، ومِن المُلْفِتِ لِلنَظَرِ والتَأَمُّلِ التَّسْمِيات الَّتِي تَحْصِرُ الزَّواج في مُفْرداتٍ كـ : عَقْد ، رِباط ، وَثِيقَة .........
هُناك أَيضاً عُقُود البَيْعِ والشِراءِ وغَيْرها ، أَمَّا الرِباط فتَعُودُ بِنا إِلى المَصْدَرِ رَبْط وإِلى الفِعْلِ رَبَطَ ، والوَثِيقَة تُحِيلُنا إِلى الوِثاقِ ، حَلَّ وِثاق الأَسِير أَوْ السَجِينِ ، شَدَّ وِثاقَهُ ....... إلخ ، كُلُّها تَسْمِيات لاتَدْعُو لِلرَاحَةِ والاطْمِئنانِ ولاتَكْسَبُ المَيْلَ والتَعاطُفَ والتَفَهُّمَ ...... كُلُّها تَسْمِيات تُحِيلُنا إِلى عَوالِم تِجارِيَّة أَوْ سُجُون أَوْ تَوْثِيق .......
إِن كانَت " عُقُود الزَواج !! " واحِدَة مِنْ سِلْسِلَةِ التَنْظِيمات الضَرُورِيَّة لِلمُجْتَمعِ ، أَفلا يَكُونُ مِن الفَائِدة لِلمُجْتَمَعِ أَن يَتمُّ حَصْر أَمْر تَنْظِيمِها وتَوْثِيقِها وتَسْجِيلِها في مَهامِ المُؤسَّساتِ المَدَنِيَّة وجَعْلِ مَسْؤُولِيتها كَامِلَةً مَنُوطَةً بها فَقَطْ بَعِيداً عن المُؤسَّساتِ الدِينِيَّة ؟ .
ثَلاثَةُ أُمُورٍ : الزَّواج بِمُلْحَقاتِهِ مِنْ تَكْوِينِ عَائِلة وانْجابِ الأَطْفالِ ، الحُبّ ، الجِنْس ، في عُرْفِ وعُقُولِ وتَقالِيدِ بَعْضِ الشُعُوبِ تَأْتِي مُتَرابِطَة مُتَسَلْسِلَة، وبَيْنَ ضَرُورَةِ هذا التَّسَلْسُل وانْتِظارِ حُدُوثِهِ ، تَضِيعُ عِنْدَما لايَحْدُثُ آلاف الفُرَصِ الحَياتِيَّة وخُصُوصاً لِلنِساءِ ، فمَنْ لاتَتَزَوَّج لايَحُقُّ لها أَن تُنْجِبَ ولايَحُقُّ لها إِقامَةِ عَلاقَةِ صَداقَةٍ لِتَبْقَى وَحِيدَة طِيلَةَ حَياتِها ، هُنا نَرَى المُجْتَمع يُغْلِقُ كُلَّ الأَبْواب والنَّوافِذ في وُجُوهِ هؤلاء ، ويَخْلُقُ أَفْراداً مَكْبُوتِين ، مَحْرُومِين مِنْ احْتِياجاتِهم الطَبِيعِيَّة الإِنْسَانِيَّة ، وحُقُوقِ ذوات العَاهَاتِ الجَسدِيَّة ، أَوْ مِمَّنْ لم يَحْظِين بِبَعْضِ الجَمالِ تَكُونُ احْتِياجاتهنَّ الإِنْسَانِيَّة هذهِ مُصادرَة دُوْنَ أَن يُثِيرَ ذلك اهْتِمامَ شَخْصٍ ما ، وفي المُجْتَمعاتِ الَّتِي تُؤْمِنُ بهذا التَّسَلْسُل " الضَّرُورِيّ !! " فإِن لم تُكَلَّل عَلاقَةُ الحُبِّ بِالزَواجِ فهي تَتَحَوَّل إِلى وَصْمَةٍ سَوْداء في تَارِيخِ الفَتاةِ ولايُجازِفُ الكَثِيرُ مِن الرِجالِ بِالتَقَدُّمِ لِلارْتِباطِ بها والزَواجِ مِنْها حِفاظاً على سُمْعَتِهِ ، فهو لن يَأْخُذَ ماتَبقَّى مِنْ ذَكَرٍ آخر حَسَبِ تَفْكِيرِ المُجْتَمعِ الجَمْعِيّ المهِينِ لِلفَتاةِ .
تَعْتَقِدُ وتُؤْمِنُ المُجْتَمعات التَّابِعة لِلتَسَلْسُلِ بِضَرُورَةِ تَنْظِيمِ حَياةِ الفَرْدِ ، ووَضْعِ الشُرُوطِ لاخْتِياراتِهِ لِحِمايَتِهِ ( نِظام الوِصايَة ، فالفَرْد يَبْقَى قَاصِراً والأَدْيان هي المَسْؤُولة عنه وعن حَياتِهِ ) ، وهكذا تَضِيقُ مَساحَة الحُرِيَّة له ، وتَضِيقُ الفُرَص عَلَيْهِ ؛ في حِيْنِ رَضَت شُعُوبٌ أُخْرَى بِعَدَمِ ضَرُورَةِ هذا التَّسَلْسُل وتَقَبَّلَتْ الإِنْسَان على عِلاتِهِ كحَيَوانٍ له احْتِياجاتِهِ ، وهكذا ارْتَفَعَتْ بِنَفْسِها ، وحَرَّرَتْ أَفْرادَها مِنْ كَثِيرِ التُرَّهاتِ ، وسَامَحَتْ الإِنْسَان على غَفْلاتِهِ ، ومَنحَتْهُ دائماً الفُرْصَة لِحَياةٍ جَدِيدَة يَخْتَارها وفْقَ مَعاييرِهِ لامَعاييرَ المُجْتَمعِ والأَدْيان .
بَيْنَما يَتعامُل العَالمُ على الطَرَفِ الآخر " الزَّانِي ، مُرْتَكِب الفَحْشاءِ بِمَفْهُومِ الشُعُوبِ الأُخْرَى الرَّثّ لِلشَرَفِ والزَواجِ " مَعَ الأَمْرِ بِكَيْفِيَّتِهِ وسِياقِ حُدُوثِهِ ، حَيْثُ يَتِمُّ تَعَارُفَ الطَّرَفين لِيَتَقارَبانِ ويَكْتَشِفانِ بَعْضَهما بَعْضَاً عن قُرْب بِوَعْيٍ ومَسْؤُولِيَّة ، ويَتَواصلان ويَمْتَدُّ الأَمْرُ لِسِنينٍ أَوْ يَقْصُرَ عنه ، بَعْدَها يُقَرِّران الزَّواج أَوْ دُوْنِهِ ، تَعْمَلُ شُعُوبٌ أُخْرَى على الخَطِّ النَّارِيّ الخَطِر ، فيَكُونُ الزَّواج خُطْوَةً أُولَى ، تَتْلُوها بَقِيَّة الخُطُوات مِنْ تَعارُفِ الزَّوْجَيْن ، واكْتِشافِهما لِبَعْضِهِما البَعْض ، وتَقَارُبِهِما ، وتَقَاسُمِ الحَياةِ مع بَعْضِهِما ، أَيْ بَعْدَ أَن يَكُونَ " قَدْ وَقعَ الفَأْسُ في الرَأْسِ " فتَفاهُمِ الزَّوْجَيْنِ وإِمْكانِيةِ الحَياةِ مَعاً لَيْسَتْ نَتِيجة حَتْمِية لِلزَواجِ ، إِن هذهِ الشُّعُوب تَقْبِضُ على الأَمْرِ بِرُمَّتِهِ مِنْ ذَيْلِهِ وخَاتِمتِهِ لِتَتَسَلَّق رَأْسَهُ ومُقَدِمَتِهِ ...... الزَّواج لايُمْكِنُ أَن يَكُونَ خُطْوَةً أُولَى نَحْوَ التَّفَاهُمِ والتَّقَارُبِ والتَّواصُلِ وتَقَاسُمِ الحَياةِ وبِناءِ أُسْرَة ، إِنَّما هو نَتِيجة ومُحَصِّلة لها ..... .... الزَّواج كخُطْوَةٍ أُولَى ، هو خَطَأ فَادِح بِحَقِّ الطَرَفينِ ، وبِحَقِّ المَرْأَة بِالذاتِ ، المُتَضرِّر الأَكْبَر مِنْ هكذا مَفاهِيم ..... ولهذا حِيْنَ لايَتِمُّ الاتِّفاق بَيْنَ الطَرَفين وتَصْعُبُ الحَياةُ بَيْنَهُما يَكُونُ الحَلّ هو الفِراق والطَلاق كخُطْوَةٍ مُلِحَّة نَحْوَ الحَلّ ، إِن وُجُودَ وَثِيقَة الزَواجِ كعَهْدٍ مُقَدَّس ورَسْمِيّ يَجْعَلُ الأُمُور في غَايَةِ التَعْقِيدِ ، ويُدْخِلُ الطَرَفين في مَعْمَعاتٍ ومُعاناةٍ طَوِيلَة إِن لم يَتَّفِقا وسَارَا نَحْوَ الطَلاق ..... وكانَ بِالإِمْكانِ تَجَنُّبِ بَعْض هذهِ المُعاناة نَفْسِيَّاً ، واجْتِماعِيَّاً ، وأُسرِيَّاً واخْتِصارِها لَوْ لم يَكُنْ الزَّواج وَاقِعاً ، والاقْتِصاد في أَنْواعِ هذهِ المُعاناة يَدْعَمُ الإِنْسَان والأُسْرَة ويُخَفِّفُ حِدَّةَ التَوَتُّرِ في المُجْتَمعِ على العُمُومِ مِنْ خِلالِ الأَفْرادِ ، أَيْ له مَنْفَعة عامَّة تَصُبُّ لِصالِحِ المُجْتَمعِ كُلّه ....... إِن سَببَ كُلُّ هذهِ المُعاناة هو انْعِدامِ الحُرِّيَّة الشَخْصِيَّة ، والَّتِي بِدَوْرِها تَنْسَحِبُ على ضَياعِ الحُقُوقِ الفَرْدِيَّة وعَدَمِ احْتِرامِها لِتَعْلُو الأَدْيان فَوْقَ الكُلِّ وتَدُوسَهُم .......
دُمتُم على خَيْرٍ وتَواصُلٍ أَحِبَّتِي مِن القَارِئاتِ والقُرَّاء ......



Opinions