نينوى وقرى سهل نينوى هي [ فخر أمجاد العراق ]
الحلقة الأولى :[وصف الرب مدينة نينوى بـ "تلك المدينة العظيمة وهي المدينة التاريخية التي أصبحت مهد الحضارة الإنسانية. ومنذ سقوطها فإن أبنائها قاموا ببناء ما أستطاعوا بنائه ولكن لم يصل إلى مرتبة مجدها السابق و الساحل الغربي للمدينة والمعروف في التاريخ القديم بموصيلا التي أصبح يعرف بالموصل شهد بروز خليفة نينوى المتمثل بمدينة الموصل الشهيرة والتي أصبحت مركزاً مهماً للجزيرة حيث نشطت التجارة فيها إلى جانب مختلف العلوم والصناعات التي بلغت شهرتها في الشرق والغرب.
واليوم يعيش في الموصل بقايا أبنائها الأصليين إلى جانب أغلبية من العرب المسلمين كما وفسحت المجال لكل المستقرين الذين أختاروا أن تكون المدينة وسهولها موطناً ومستقراً لهم لكي ينعموا بخيراتها وكنوزها. وإذا كانت نينوى ووريثتها الموصل قد خدمتا كمركز تاريخي هام احتل مساحة هامة في التاريخ فإن سهول نينوى ومنذ فترة ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا تميزت بعطاء أبناءها الآشوريين(الكلدواشوريون السريان) الذين ظلوا يسكنون مدنهم وقراهم الشهيرة منذ الآف السنين قبل الميلاد وحتى اليوم.
هؤلاء الأبناء الأصليين (الكلدواشوريون السريان) تمتد جذورهم عميقة في الأرض ولم تستطع موجات الغزو والابادة والاضطهاد من قلع جذورهم من أرضهم التاريخية وظلت اللغة الآرامية/السريانية اللغة المحكية في سهول نينوى منذ أن تبناها أبناءها منذ القرن الثامن قبل الميلاد وحتى يومنا هذا.
ولقد شهدت الموصل وسهولها موجات غزو عاتية دموية يمثل تيمورلنك نموذجاً لها ورغم سياسة الإبادة التي اعتمدها ـ أسوة بغيره من الغزاة ـ إلا أن إرادة البقاء عند سكان نينوى وسهولها الأصليين كانت أقوى من النوايا الشريرة للغزاة مدمري الصروح الحضارية في بلاد ما بين النهرين.
لا غرابة أن يكون عطاء نينوى الجديدة( الموصل) شمولياً لدرجة أن العراق كله غرف من العلوم والمعارف التي قدمتها هذه المدينة التاريخية. لذا لا غرابة أن نجد أن أسم الموصل الجديد لنينوى التاريخيه وسهولها مصدر عطاء وخير أخذ أبناءها الريادة في كل الحقول.
وإذا كانت الأرادة الصلبة هي الميزة التي تميز بها سكان هذه المنطقة الأصليين فإن تلك الصلابة كانت وراء بقاء الكثير من الثوابت المتوارثة من أيام مجد الدولة الآشورية فإن الفترات اللاحقة لاسيما بعد تمصير الموصل من قبل العرب في القرن السابع للميلاد عكس استمرار النهج الرائد للمدينة وعبر أبنائها عن معدنهم الأصيل على ذات السياق التاريخي الذي تميز به سكان نينوى القدماء ولو بنسب متفاوتة.
وإذا كانت الأشياء تقاس بشواهدها فإن الشواهد التاريخية المتوارثة في مدينة الموصل وسهولها الخصبة المعطاء تثبت بما لا يقبل الشك حرص ابنائهما الأصليين على المحافظة على هويتهم التاريخية المتوارثة وتعكس جميع المراحل التاريخية عمق جذور أبناءها حيث لم تستطع الموجات الغازية لاسيما بعد الموجة المغولية منذ أواسط القرن الثالث عشر أن تغير هويتها التاريخية فظل السكان الأصليين هم سادة مدينتهم وسهولها كما كان الحال بالنسبة للعديد من أقاليم بلاد ما بين النهرين التاريخية حيث كان السكان الاصليين أقوى من سيوف الغزاة وظلت الشواهد التاريخية الشاخصة فيها تحكي قصتهم التي لا يمكن أن تمحيها الرغبات والنزوات لاسيما الشوفينية منها.
من هنا تبرز أهمية الوعي التام بالخطر المحدق على افرازات المرحلة التي نعيشها والتي يهدف البعض إلى إعادة كتابة التاريخ بما ينسجم وأهوائهم ورغباتهم الذاتية وفي مقدمة ما يسعون إليه هو تغيير الهوية الذاتية لنينوى الجديدة وسهولها المقدسة. وكما دافع الأبناء الأصليين لهذه الأرض المعطاء عنها أمام موجات الغزو فإنهم جبلوا على هذه السجية ولن يتوانوا عن الدفاع عنها إذا ما خيم خطر ما لا سامح الله يهدد كيانها وهويتها التاريخية.
ولما كانت حركة التاريخ تشير لآلاف السنين على هوية نينوى وسهولها وسكانها الأصليين فإن العلماء والمختصين من الآثاريين والمنقبيين منذ أن استهلوا تنقيباتهم قد قدموا للبشريه الأدلة والشواهد التاريخية على هوية نينوى وسعة أنتشارها منذ أن أصبحت أول مطرابوليطية في التاريخ وبلغ عدد سكانها مليون ومائتي ألف نسمة كما أكد ذلك الكتاب المقدس ونبوة النبي يونان قبل سقوط هذه المدينة العظيمة. والمثير للانتباه في تحديد العلماء لحدود مدينة نينوى شمول حدودها على عشرات المدن والقرى الواقعة في سهولها كما أكتشف ذلك العلماء المشار إليهم. وللدلالة نورد الخارطة التاريخية لمطرابوليطية نينوى العظيمة والتي تظهر احتوائها على المدن والقرى التي لا تزال قائمة والتي أغلبيتها لا تزال مسكونة بأحفاد أبناءها الأصليين الذين يقدموا شواهد على ذلك من خلال استمرار اللغة الآرامية/السريانية محكية بينهم منذ القرن الثامن قبل الميلاد وحتى يومنا هذا. فهل هناك من دليل أقوى من هذا على الهوية التاريخية لسهول نينوى؟
يقول المؤرخ الدكتور هرمز أبونا :
((لقد قام الآثاري المختص Joseph Bonomy بدراسة مكتشفات المنقبين في نينوى التي كان أول من نقب فيها المستر ك. رج، المعتمد السياسي البريطاني في بغداد من 1808 ـ 1821م ويعتبر أول من يقول بشكل علمي بالإشارة إلى موقعها التاريخي. ولقد أعقبه القنصل الفرنسي في الموصل السيد أميل بوتا الذي أكتشف عاصمة سرجون الثاني في منطقة خورسبات منذ أن بدأت الحفريات في سنة 1842م. شواهد ما أستخرجه من كنوز تعرض اليوم بكل فخر في متحف اللوفر إلى جانب القطع الأثرية الثمينة الأخرى مثل مسلّة حمورابي وغيرها. في حين قام السير هنري لايارد بالتنقيب في تل "قوينجق الذي يمثل الجانب الغربي من نينوى وأكتشف آثار هائلة كما وأنه حفر في القصور الملكية الآشورية.
كل المنقبين الغربيين المشار إليهم أو من نقب بعدهم اكتشفوا كنوزاً لا تقدر بثمن وكلهم خلال عملية الاكتشاف والنقل تسببوا في تلف البعض منها لاسيما تلك التي غرقت في نهر دجلة حيث لا تزال الكثير منها في قعر دجلة في منطقة القرنة.
الآثاري المشار إليه السيد جوزيف بونومي قام بدراسة علمية لموقع نينوى على ضوء ما أكتشفه العلماء المشار إليهم ورسم خارطتها مستعيناً بما اكتشفوه. ولكنه لم يقف عند ذلك الحد وإنما أستعان بالعقد القديم لكي يتأكد من صحة المعلومات التي وفرتها الحفريات المستمرة فقدم لنا دراسة عن نبوة النبي "يونان" الذي قال ضمن أمور أخرى بأن نينوى لكي يقطعها الرجل سيراً على الأقدام يحتاج إلى ثلاثة أيام. هذه الأيام الثلاثة هي الحدود الواردة في الخارطة التوضيحية أعلاه .
المثير للانتباه أن المدن والقرى التاريخية التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ والتي نمت إلى أن أصحبت عاصمة المدينة التي قال عنها الله واصفاً إياها بـ "المدينة العظيمة". هذه المدن والقرى الآشورية استمرت في مكانها منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا. ولا بد أن نقول بأن المنطقة هذه تعرضت إلى الكثير من الغزوات وحملات الاستقرار من قبل العناصر الغريبة, من هنا نجد اليوم بأن بعض المدن والقرى الواردة في هذه الخارطة لم يعد لها وجود حيث استقرت الاقوام المشار إليها ولا زالت تقيم ضمن حدود مترو بولاتن نينوى المشار إليه. ما يهمنا هنا هو التأكيد بأن الناطقين بالآشورية/ الآرامية في يومنا هذا هم احفاد السكان الأصليين القدماء)) إنتهى الإقتباس.
.....يتبع في الحلقة الثانيه,,,,,,,, .