هذا الكتيّب يفرط بوحدة شعبنا
من فضائل الأنسان الأخلاقية والدينية والتربوية والأجتماعية والسياسية في كل زمان ومكان ان يراعي مشاعر الآخرين ، وليس هناك اجمل من القول المأثور لكونفوشيوس :ما لا تريد ان يفعله الناس معك لا تفعله مع الآخرين . والسيد المسيح يؤكد هذا القول الرائع بالصيغة الأيجابية بقوله : أحب لغيرك ما تحب لنفسك .
وفي العصر الراهن ونحن نلوج بوابة القرن 21 حيث تنتشر وتترسخ دعوات ومبادئ حقوق الأنسان ، وتنتشر الدعوات لضمان حقوق الأقليات وحرية الفكر والأنتماء والهوية .. وفي عصرنا المتسم بمبادئ التنوير والتحديث ، يصادف أن تستيقظ بعض الأحافير من سباتها ليعودوا بنا الى العصور المظلمة ويختاروا عناوين بارزة لتحجرهم الفكري العنصري المتزمت الذي أكل عليه الدهر وشرب ، عموماً ، إن من حق الأنسان ان يكون له وجهة نظر على الاّ تهدف الى الأقلال من قيمة الأخر والأستعلاء عليه عبر تنظيرات غوغائية :
نقرأ على موقع مجلة عشتار الألكترونية ومن اعداد نبيل ماروكي ـ سويد ، يقول :
صدر عن المثقفين الآشوريين ـ البحث الموسوم ( الكلدان مذهب أم قومية ) . وقد تم توزيعه الى مختلف الفصائل السياسية العراقية وصحفها . وهو يسجل كلمة شكر الى قسم الثقافة والأعلام في الحركة الديمقراطية الآشورية الذين قاموا بإصدار هذا الكتيّب والذي يسئ لشريحة كبيرة من شعبنا .
سوف لا اخوض في ماهيات هذا البحث " أقصد البيان السياسي " الصادر عن ( المثقفين ) الآشوريين في هذا المقال القصير وعسى ان يحالفني الوقت في المستقبل في تفكيك هذا البيان السياسي الأديولوجي والرد عليه جملة وتفصيلاً . ولكن في هذا المقال المختصر أقول :
أولاً
ــ في مقالهم هذا يجهل او يتجاهل هؤلاء ( المثقفين ) معنى القومية ، إنهم اختاروا لبيانهم السياسي ما انساق مع ما يناسبهم وما يلائم مقصدهم ، فالباحث في معنى القومية ينبغي ان يكون ملماً بمعناها وتاريخها وسياقات استخدامها ، قبل ان يعطي آرائه القطعية ويدعوا الآخرين الى طاعته .
ثانياً
ــ قام هؤلاء ( المثقفين ) الآشوريين بأدلجة بحثهم التاريخي الأجتماعي ، وهذا مما يشوه الموضوع وجهه الحقيقي الذي كان ينبغي ان يتسم بمهنية وحيادية ونزاهة .
ثالثاً
ــ البحث الأجتماعي او التاريخي ينبغي ان يرسل الى مجلات اختصاصية بالموضوع قيد البحث ( تاريخية ، علمية .. ) ، لا أن يوزع الى مختلف الفصائل السياسية العراقية وصحفها . هذا يدل على جهل هؤلاء الكتاب بأصول الكتابة وأخلاقيتها ومصداقيتها .البيان السياسي يمكن توزيعه الى الجهات السياسية العراقية وصحفها وبهذا فضح هؤلاء المثقفين انفسهم بأنهم كتبوا بياناً سياسياً أيديولوجياً وليس بحثاً تاريخياً او ثقافياً يتسم بالمصداقية والشفافية .
رابعاً
ــ يبدو لهؤلاء المثقفين ان هاجس الكلدان يؤرقهم ، واختاروا نظرية غوبلس وزير الأعلام الألماني التي تقول : أكذب ثم أكذب ثم أكذب الى ان يصدقوك ، واستخدم الصحاف وأحمد سعيد نفس النظرية وفشلت في كل الحالات ، فنظريتكم قديمة ايها السادة ، المصداقية أفضل من تلك النظرية البائسة . إن عملية توزيع هذا البيان على الأحزاب والمنظمات وصحفها تعتبر عملية اعلانية رخيصة ، وكل النشاطات المرتبطة بالدعاية فإنها تعيش وتموت مع انتهاء الدعاية وإن الشعب الكلداني يبقى راسخاً رغم هذا الأسلوب الرخيص .
خامساً
ــ من طلب من هؤلاء ( المثقفين ) الآشوريين ان يعرّفوا لنا ماهية الكلدانية أهي قومية أم مذهب كنسي ؟ هل ان جميع الكلدانيين اميين ولا يوجد بينهم خريج واحد من دورة مكافحة الأمية ليتبرع هؤلاء ( المثقفين ) ويتفضلوا علينا بدراستهم العقيمة هذه ؟ وهل هنالك قوى دينية او سياسية كلدانية كلفوهم بهذه الدراسة وطلبوا منهم هذه الحسنة او المعروف ؟ ثم إذا كان هؤلاء مثقفين أشوريين لماذا لم يبحثوا هل الآشورية قومية ام مذهب كنسي ؟ ما معنى اجتهادهم حول الكلدانية ؟
سادساً
ــ كتب هؤلاء الكتاب بيانهم السياسي مبنياً على الأحاسيس والعواطف بدلاً من مضمون تاريخي واسع الأفق فكانت نظرتهم عن الكلدانيين نظرة استعلائية مشوهة وهي سطحية وتبعث على السخرية .
لقد كانت المغالاة تدفعهم الى الأنغلاق على نموذجهم الرفضي ويدافعون عنه باستماتة مع غلق ابواب النقد والنقد الذاتي ، ونصّبوا انفسهم المدافعين الوحيدين عن الأمة ، فكان وقوعهم بمستنقع التعصب والتشدد والشعور بالتفوق الوهمي الناجم عن خطاب الكلمات المقدسة المطلقة .
سابعاً
ــ لماذا لا يصرف هؤلاء المثقفين شئ من هذا الوقت الذي كتبوا فيه هذا المقال ( الأديولوجي ) السياسي في قراءة شئ مفيد مثل قوانين حقوق الأنسان وحقوق الأقليات ، وقتئذٍ كان هؤلاء المثقفين قد قرأوا : أن حقوق الأقليات ليست محصورة بالآشوريين فحسب ، إنما بالآخرين ايضاً بما فيهم الكلدانيون يملكون نفس الحقوق ولهم حق أختيار انتمائهم كبقية البشر .
ثامناً
ــ هل هناك من منح هؤلاء ( المثقفين ) الآشوريين حرية التصرف بمصير الكلدانيين في العراق ؟
من هم هؤلاء المثقفين ؟
من يعترف بهم ؟
ما هو موقعهم السياسي ؟
لماذا يكون هؤلاء منظرين لنا نحن الكلدانيين ؟
أسئلة تترى ، أنه لأمر عجيب حقاً أن ينصب أحدهم نفسه وكيلاً ووصياً عليك وانت لا تريده ، قيل : " تريد أرنب خذ أرنب تريد غزال خذ أرنب " وهذا منطق القوة وليس العقل .
تاسعاً
ــ كان على هؤلاء ( المثقفين ) الآشوريين ان يتعظوا بما آلت اليه جهود صدام في صهر الأكراد والأقليات الأخرى ، وإن صداماً قد قضى والأكراد والأقليات الأخرى يبنون حياتهم في الهوية التي كانت ممنوعة عليهم ، إن فرض فكر سياسي او قومي على اناس لا يقتنعون به تعتبر ( فاشـــية فكرية ) ، وهي تلك التي يريدون بها حرمان الآخر من رأيه وفرض عليه هوية دون قبوله او استشارته .
عاشراً
ــ كان على السيد نبيل ماروكي وهو يعيش في السويد ، قبل ان يعد هذا الكتيّب الكئيب ان يقرأ ما يكتبه الكاتب السويدي غوستا كارلسون وهو استاذ السوسيولوجيا في جامعة لوند يقول :
إن موضع الهوية القومية اصبح ذا سمعة سيئة في الأوساط العلمية في السويد ، وذلك لأن هذا النوع من الدراسات غالباً ما يستخدم لقصد سياسي وقومي متزمت بغية تمجيد شعب ينتمي اليه الباحث ، وإبرازه كشعب أكثر فضيلة واستحقاقاً من غيره .
حادي عشر
ــ ان كتّاب هذا البيان يقفون خارج الزمن ، انهم يعيدون ويصقلون نموذجاً أرومياً مع فرملة سيرورة الزمن ، فأرض أشور قبل 2700 سنة لا زالت تحوي الآشوريين فقط ، فكل ما يعيش عليها لحد اليوم هو اشوري وهي الأسطورة البدائية التي تخلد الماضي خارج نطاق تطور الزمن ، فكل التغييرات الأجتماعية والثقافية والتاريخية متوقفة في تلك اللحظة التي حكم فيها سنحاريب وآشور بانيبال . وهم مخمورون في الأحلام الوردية هذه ولا يشاؤون رؤية الواقع المحيط بهم .
إثنا عشر
ــ في مثل هذه الدراسات إذا لم يتجرد الباحث من الأرتباط السياسي او القومي او الديني فإن بحثه ينتهي الى بلورة عقلية الكاتب أي عقلية الذات المفكرة والتي تنتهي الى ماهية فكر وعقيدة الكاتب وليس الواقع الموضوعي الذي يتطلب التجرد والحياد . فكيف في مجموعة جاءت وفي نيتها فكرة تريد تمريرها بكل الأساليب ؟
ثلاثة عشر
ــ إن دخول الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) على الخط ومساهمتها بنشر مثل هذا البيان المتزمت الشوفيني العنصري ، يدعو الى الأسف والى العجب وليس الى التعجب .
ألا ترى الحركة بأن مثل هذه البيانات تمزق وحدة شعبنا ؟
لماذا تريد الحركة استفزاز مشاعر شريحة كبيرة من أبناء شعبنا ؟
لو كانت الحركة تؤمن بما جاء بهذا البيان العنصري ، وحتى لو هي ترى فيه الحقيقة ، ألا يجدر بها احترام مشاعر الذين يخالفون هذا التفكير ؟
كيف تقبل حركة بحجم الحركة الديمقراطية الآشورية وتاريخها النضالي ان تقبل باستفزاز مشاعر قوم تدعي هي بالدفاع عنهم ؟
ماذا عن احزابنا الكلدانية ؟
ماذا عن منظماتنا الكلدانية ؟
ماذا عن كل الذين يؤمنون بأنهم كلدانيون ؟
هل ترسل هؤلاء جميعاً الى الجحيم لترضية حفنة من المفكرين الأديولوجيين ذوي تعصب اعمى ؟
هل هكذا يكون العمل المشترك والأخوة ؟
هل استفزاز مشاعر نخبة من أبناء شعبنا تعني نحن شعب واحد ؟
هل للآشوري مشاعر والكلداني عديم المشاعر ؟ ويجب ان يكون بدون إحساس لترضية هذه الحفنة المدعية للثقافة . إنه أمر عجيب حقاً .
كنت اعتقد ان الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) تتميز بحسها البراغماتي والموضوعي وهي تميل الى الأعتدال لهذا اتساءل ، لماذا لا تنأى الحركة بنفسها من هذه البحوث العقيمة السقيمة التافهة المفرقة لشعبنا ؟
ان الكراس يسيئ الى مشاعر أبناء شعبنا من الكلدانيين ، ما هي مصلحة الحركة بهذه الأفكار العنصرية التي لا تتلائم ورح العصر ومبادئ حقوق الأنسان والأقليات بصورة خاصة ؟
لكي يكون للحركة الديمقراطية الآشورية مصداقيتها عليها ان تتبرأ من هذا البيان الذي يمزق وحدة شعبنا .
أما الأستاذ نبيل ماروكي الذي تعب بإعداد هذا البيان والأسراع والمناكبة في توزيعه على الأحزاب والصحف ، ألم يجد الأستاذ نبيل ماروكي غير هذا البحث الرخيص لترويجه ؟ وهو يعيش في السويد بلد حرية الرأي وحرية المعتقد وحرية اختيار الهوية وحرية الأقليات ؟
توحيد صفوف شعبنا مضئ ومنوّر بأفكار الحرية واحترام الرأي والندية والتكافؤ وليس في بث سموم النرجسية والأستعلاء والتفرقة يا أيها السادة !
habeebtomi@yahoo.com