هذا كتاب مهم على كل أبناء شعبنا قراءته
جامعة يونشوبنك – السويدالمقدمة
الأمم الحية تقدر وتجل علمائها وتستند على درايتهم وعلمهم ودراساتهم في كل شؤون الحياة. والشعوب الخلاقة لا تساوي بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون لا سيما في أمور مصيرية تتعلق بمستقبلها ووجودها ومساهمتها في الحضارة الإنسانية.
الشعب السويدي والعلماء
الشعب السويدي شعب حي وخلاق، لماذا؟ لأن الشعب برمته مع حكومته وبرلمانه ومؤسساته لا يتخذ أية خطوة دون إستشاره علمائه في الجامعات ومراكز الأبحاث. ولم يحدث أن إتخذ البرلمان السويدي او الحكومة السويدية قرارا قبل دراسته وتمحيصه من قبل العلماء المختصين في ذلك الشأن.
وتنسحب هذه العملية الخلاقة والحية على مناح الحياة الأخرى. فإن أرادت شركة سويدية، على سبيل المثال، زيادة مبيعاتها او أرباحها، تمنح مبالغ مالية كبيرة للجامعات ومراكز البحث لتقديم دراسة أكاديمية مهنية بهذا الشأن وتضع تحت تصرفهم كل ما لديها من وثائق وأرشيف.
وما أن يبرز إسم عالم او أستاذ حتى تتقاطر عليه الطلبات من الحكومة والأشخاص للقيام بدراسات وأبحاث تساعدها في مهماتها وواجباتها.
العلماء والشعوب التي على هامش الحضارة
أما وضع العلماء في الأمم التي هي على هامش الحضارة الإنسانية وخسرت دورها القيادي والخلاق الذي كانت تؤديه في الماضي وضع لا يحسد عليه. هذه الشعوب تتشبث بالقشور والرموز التاريخية التي لا تدركها ولا علاقة وجدانية لها معها ولا تستطيع قرأتها وحتى فك طلسم من طلاسمها.
وأفضل مثال لأمة او لشعب على هامش الحضارة هو – ومع الأسف الشديد – وضع شعبنا من الكلدان الأشوريين السريان. العلماء يُستهان بهم لا بل يُنظر إليهم كجهلة وأميين يستحقون الشماتة والسب والشتم. وإن إستندوا على علمهم وقالوا الحقيقة ينهال عليهم الجهلة والأميون من كل صوب نقدا وقدحا وذما. يرض عنهم هؤلاء إن ساروا على سكتهم وحتى لو تبين للعلماء من أبناء شعبنا أن هذه السكة ستؤدي إلى الهلاك.
عالم جليل من أبناء شعبنا
ومن هو أكثر حكمة وعلما وحصافة ورصانة من المطران جاك إسحاق؟ هذا العالم الجليل يحمل شهادة دكتوراة في الليتورجيا الخاصة بكنيسة المشرق التي صار لها فرعان اليوم هما الكنيسة الكلدانية والكنيسة الأشورية.
المطران جاك إسحق يعد اليوم مصدرا أساسيا في تراثنا الكنسي المشترك ولغتنا السريانية وما تحمله من ثقافة وأدب وعلم وشعر وفلسفة وطب وتاريخ. والذي له أدنى شك لما وصل إليه هذا العالم الكنز ما عليه إلا قراءة السلسلة من الكتب التي ألفها وأخرها الجزء الرابع الذي فرغت للتو من قراءته.
هذا الجزء الذي يحمل عنوان "الصلاة الليتورجية على مدار السنة الطقسية لكنيسة المشرق الكلدانية-الأثورية"، كسابقه من الأجزاء، تحفة نادرة لا يستطيع كتابته إلا متضلع عليم في كل جوانب ترثنا المشترك.
الكتاب ومنهجه
في هذا الجزء يحلل مطراننا الجليل كل ما له علاقة بطقسنا لا بل الكنز الذي تركه لنا أجدادنا العظام، الكنز الذي مع الأسف الشديد رمته مؤسسة الكنيسة الكلدانية في سلة المهملات وأستبدلته بليتورجيا دخيلة وغريبة لا تمت بأي صلة لتراثنا ولغتنا بحجة الألتنة (من اللاتينية).
وكأكاديمي ذو باع لا بأس به في وضع منهج مبسط ومتواضع للبحث العلمي في الدراسات الإنسانية، فإنني أرى ان مطراننا الجليل يتخذ منهجا في كتابه الأخير يفوق ما لدي عشرات المرات.
نحن الكتاب في الغرب نضع دائما مباحثنا التمهيدية من المصادر والإختزالات بصورة رتيبة ومملة في خاتمة كتبنا. مطراننا الجليل يضعها في بداية كتبه ولا يكتفي بذكر المصدر كما نفعل نحن بل يعطينا معلومات عنه وعن كاتبه وأهميته لمتن الكتاب.
والإختزالات ليست إختزالات بمفهومنا بل معلومات مهمة جدا عن كل المصادر وأصحابها وأهميتها للكتاب. ولإختزالات ذاتها تعد موسوعة.
الجزء الرابع قمة في الإبداع
مهما إسترسلت في مديج هذه السلسة فإنني لن أستطيع منحها حقها لا سيما الجزء الرابع منها.
هذا الجزء يعطيك الدليل القاطع من قبل أبرز عالم في حقله اليوم على أننا شعب واحد وكنيسة واحدة.
وانت تبحث في مئات ومئات الصفحات وتنتقل من القرن الأول الميلادي وحتى العقود المتأخرة لا تزداد إلا إيمانا كوننا شعبا واحدا وكنيسة واحدة.
في كل هذا التراث العظيم الذي لم تلد المسيحية له مثيلا لا مكان لما صار يؤرقنا من المهاترات العقيمة حول أمورغير ذات أهمية مثل الأسماء والمذاهب.
الكلداني او الأشوري أو السرياني الذي يقرأ هذه السلسلة لا سيما الجزء الرابع منها يرى ذاته فيها. الجزء الرابع بمثابة مرآة نرى أنفسنا من خلالها. في هذا الجزء نلتقي بملافنتنا وعلمائنا وجامعاتنا وجاثاليقينا وشهدائنا وأعيادنا وايامنا وصلواتنا وأساقفتنا وقديسيينا وأديرتنا وكنائسنا.
ونلتقي كذلك بعمارتنا الكنيسة وطرازها وريازتها والذي مع الأسف الشديد مرة أخرى هدمته مؤسسة الكنيسة الكلدانية وجلبت الغريب والدخيل مكانه ضمن سياسة ألتنة أتت على كل غال ونفيس من تراث وتاريخ وثقافة وليتورجيا هذه الكنيسة العظيمة. الكلداني الذي يقرأ فصل ريازة كنيسة المشرق سيصاب بالهلع لأن مؤسسته الكنسية لم تبق على شيئ له علاقة بماضينا المجيد والتليد حيث ألتنت ليس فقط الليتورجيا بل فن العمارة والريازة أيضا.
الدروس
دروس لاتحص يستقيها القارىء ما أن ينتهي من قراءة هذه السلسلة لا سيما الجزء الرابع منها.
الدرس الأول يتعلق بالتاريخ. وأنت تقرأ هذه السلسلة ترى انها تتحدث عنك شخصيا وليس عن أجدادك. وهؤلاء الأجداد لا علاقة لهم ببابل وأور "الكلدانيين" كما يدعي العهد القديم الذي لا يأخذ به كمصدر أساسي أي عالم اوأستاذ يحترم نفسه وقلمه اليوم بينما تعقد مؤتمرات يسميها أصحابها عالمية وينبري رعاة هذه المؤتمرات ويستشهدون بالعهد القديم وأقواله غير الموثوقة عن أور. وهذا ينطبق على كل من يدعي أنه حفيد لأشور وشلمنصر. هؤلاء لم يظهروا على دنيانا إلا مؤخرا ولا مكان لهم في كتابات عالم مثل المطران جاك إسحاق.
والدرس الثاني، وهو أهم الدروس في نظري، أنك حالما تفرغ من القراءة بودك أن تقول لا بل تصيح بأعلى صوتك إنك بعد اليوم كلداني وأشوري وسرياني في آن واحد وانك من أتباع الكنيسة الكلدانية والكنيسة الأشورية والكنيسة السريانية في أن واحد.
والدرس الثالث يتعلق بالمذاهب فما أن تنتهي من قراءة الكتاب حتى تزدري كل من يمتدح مذهبه جاعلا منه فوق المذاهب الأخرى وتبدأ نفسك في الإشمئزاز لا بل إحتقار كل من يدق الطبول لأن الشخص الفلاني او الشماس الفلاني أو القس الفلاني أو المطران الفلاني بدل مذهبه وكنيسته. القراءة المتأنية لهذه السلسلة تجعلك تؤمن أننا لسنا شعبنا واحدا فقط بل كنيسة واحدة أيضا.
والدرس الرابع والأخير يتعلق بما يمكن أن تتعلمه من الكاتب، أي المطران جاك إسحق ذاته. هذا كاتب يعمل ويفعل ما يؤمن به وما يدرجه في كتاباته. حوّل كلية بابل، وهو عميدها، ومدرسة إعداد الكهنة ومدرسة التعليم المسيحي إلى بوتقة ينصهر فيها الكل إن كان كلدانيا او أشوريا أو سريانيا. على يديه يتخرج الكهنة لكنيسة المشرق بفرعيها الكلداني-الأشوري. والأمر ذاته ينطبق على كلية بابل ودراسات التعليم المسيحي.
أسقف الكل
ولهذا ترى كل الكنائس، كلدانية او أشورية، تستقبله بدقات الصنج والهلاهل عندما يحل فيها. فهو أهل الدار أينما رحل وأينما حطت قدماه.
ما أحوجنا اليوم إلى شخصيات بقامة هذا الأسقف الجليل أسقف كنيسة المشرق وما أحوجنا اليوم إلى علماء بقامة هذا العلامة.
ولكن مشكلتنا أننا لا نسمع كلام العلماء بل ننقاد اليوم من قبل أشباه العلماء. وهذه مصيبتنا.