Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هذا ليس حزناً على الشهداء،بلْ عشقٌ للإرهاب، يا دكتور سـيّار الجميل!4/7

سادساً: " المصير سيبقى قاتما ما بقي العراق يتشظى فرقا وجماعات وكتلا وأعراقا !":

أليس هذا رفضاً قاطعاً وصارخاً وسافراً للتعددية السياسية في العراق؟ وأليس هو رفضاً للآخر؟ أليس هو فكراً يدعو لإلغاء الأعراق، والمقصودون هم الكرد والتركمان والكلدو-آشوريون؟ أما يدعو هذا الفكر إلى محو الفِرَقِ والجماعات المذهبية وهم الشيعة والمسيحيون والصابئة والأزيديون والشبك والكاكائيون واليهود؟ أليس هذا هو الفكر الشمولي بعينه؟ أليست هذه فلسفة و ممارسة حزب البعث الطغموي وعهده البائد التي إستهدفت ما يقرب من 95% من الشعب العراقي أي لم تستثنِ سوى الطغمويين (المنتمين لكل الطوائف والأديان والأعراق كما هو موضح في الهامش*)؟

إن هذا هو الفكر الذي قاد حزب البعث الطغموي، الذي كنتَ عضواً فيه أو قريباً منه يا سيد سيار، إلى ممارسة أبشع أنواع الإقصاء والتهميش والتطهير العرقي والطائفي الممنهجة التي، بدورها، دفعته إلى إنتهاج الإبادة الجماعية ومن مظاهرها ما يزيد على (400) مقبرة جماعية إكتشفت لحد الآن، وحملة الأنفال التي قتل فيها (182) ألف كردي وهدمت (4000) قرية كردية ، وقَتْلُ ما يربو على (110) من المراجع الدينية العليا في النجف وطلاب الحوزة العلمية، وقتلُ المتظاهرين في (خان النص)، وتهجير (إلى خارج العراق) ما يقرب من مليون مواطن عراقي كردي فيلي شيعي مع إحتجاز شبابهم دون سن الثلاثين ليختفوا نهائياً وقيل أن بعضهم أستخدم لإختبار أسلحة جرثومية وكيمياوية كتلك التي إستخدمت في حلبجة فأهلكت (5000) بريئاً خلال سويعات قليلة، كما إستخدمت في الأهوار؛ ومن مظاهرها قتل ما يزيد على ربع مليون إنسان بريء عند إخماد إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية العارمة التي شملت (14) محافظة "سوداء" من أصل (18)؛ ومن مظاهرها أيضاً إزهاق الأرواح العراقية بتمويل سعودي وتحريض أجنبي في حرب مع إيران دامت ثماني سنوات وإحتلال الكويت وكلا الحربين لم تبقيا أخضر ولا يابساً في العراق من بنية تحتية ومن سوء تغذية وسوء صحة إذ إنهار الدينار وهبطت قيمته بمقدار (7000) مرة فإنتشر الفساد وأعيد العراق إلى العصور الحجرية. ومن مظاهرها جريمة تجفيف الأهوار وتشريد نصف مليون مواطن عراقي خارجياً وداخلياً مع التسبب بكارثة بيئية إستكملت التلوث الإجرامي الآخر الناجم عن حرق آبار النفط الكويتية.

كل هذه الأفعال شكلت جرائم ضد الإنسانية بإمتياز. وهذه هي الجرائم الكبرى أما جرائم الحجمين المتوسط والفردية فهي لا تعد ولا تحصى وقد تبلغ الملايين.

العراق لا يتشظى لأن التشظي يعني إنفصال الجزء عن الكل والتشرذم والتهرؤ وهذا لم يحدث في العراق. على العكس فقد إستقل إقليم كردستان العراق عن بغداد لمدة (14) عاماً بعد إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية وعاد طواعية للعراق الفيدرالي الأم بعد تحريره من الطغمويين الفاشست عام 2003 وأختير كردي رئيساً للجمهورية لثلاث دورات برلمانية بالإنتخاب الحر. وإذا كنت، يا دكتور سيار، تعتبر النظام الفيدرالي وقانون إدارة المحافظات تشظياً فإنك مخطئ. فالشعب في هذا النظام يدير شئونه بنفسه. إنه أحدث نظام إداري في العالم. وأصبحت جميع المواضيع الهامة كقضية كركوك وتوزيع الثروات وحدود المحافظات وغيرها تُبحث بين أبناء الشعب الواحد بصراحة وشفافية للوصول إلى حلول توافقية متوازنة بدلاً مما كان يحصل أيام النظم الطغموية حيث كان يقرر شخص واحد هذه الأمور الخطيرة كما تحلو له ولقيمه الفاشية البالية فيبدل الديموغرافيا ويغيّر الحدود قسراً، وأكثر من هذا فيحرق العراقيين في آتون الحروب وقد يكون أميّاً لا يميز بين غرب العراق وكل من شرقه وجنوبه وأيهما يوصل إلى تل أبيب!. في العراق الجديد تبحث هذه الأمور لفترة قصيرة نسبياً وتوضع لها الحلول التوافقية وإلى الأبد.

أما في النظام الطغموي فلا تُحل الأمور وإنما تُكبس في "بالوعة" المرحوم نوري السعيد حتى التعفن فيزداد الكبس لحبس الأرياح الكريهة ويزداد الضغط ويتضخم حتى الإنفجار كما في ثورة 14 تموز 1958؛ أو يتسبب بغزو أجنبي كما حصل عام 2003.

لا يكون المصير قاتما، يا سيد سيّار، بسبب بقاء العراق "يتشظى فرقا وجماعات وكتلا وأعراقا"، فهذه مكونات وليست تشظيات وهي الفسيفساء العراقي الجميل وهي موجودة منذ فجر التأريخ. أما التعددية السياسية فأمر طبيعي ومن سمات البشر وليست مقتصرةً على العراق وحسب بل هي ظاهرة تتجلى في جميع مجتمعات العالم الديمقراطي. غير أن النظم الطغموية كانت قامعة للمكونات وللأحزاب العراقية ولم تُشركها في إدارة شئون البلد بل لم تعترف بشرعيتها ولم تمنحها حق التعبير أو الوجود. لذا بدى لك الأمر غريباً ومرهباً ونشازاً وغير طبيعي، حينما أصبح الوضع طبيعياً بحق.

آمل ألا يحسب السيد سيار أن اظهار اعتزاز المكونات بشخصياتها وهوياتها وخصوصياتها (التي تلي الهوية العراقية) والاحتفال باعيادها او ممارسة طقوسها هو مظهر من مظاهر التشظي. لقد كفل الدستور والبيان العالمي لحقوق الإنسان هذه الحقوق التي ترعاها شرائح المجتمع والدولة العراقية الجديدة بضمنها الحكومة التي "تتحكم بمصيرنا بإسم الدين".

إذاً، "التشطي" الذي قصدتَه – يا سيد سيار – هو، بوضوح، حقوق ومظاهر ديمقراطية. أما "المصير" الذي تتحدث عنه فهو نسبي. عن أي مصير تتحدث وتقلق؟ إن كنتَ تقلق على مصير الإرهاب والتكفير فهو، دون أدنى شك، مصير قاتم بوجود الديمقراطية، فهما مقضي عليهما وهيهات أن ينجحا ب "الضربة القاضية" أو غيرها فهي محض تَمَنٍّ بائس، بل على العكس ستسحقهما سحقاً ماحقاً حادلةُ الديمقراطية رغم بطئ حركتها. أما "مصير" العراق الجديد فستمده الديمقراطية بجميع عناصر القوة والشروق. فالقتامة تكمن في الإرهاب والتكفير كما كانت تعشعش في لب النظام الطغموي وليس في الديمقراطية التي أسميتها ب "التشظي".

وإذا أردتَ أن تعرف مَنْ رَسَمَ صورة المصير القاتم للعراق الجديد في أذهان البعض، فأقول: هم أولئك الذين كانوا وراء الإرهاب والكراهية والقتل؛ وإليك الأسباب التي دفعتهم إلى إقتراف تلك الأفعال المخلة بالوحدة الوطنية والمدمرة لمفهوم وروح المواطنة والمؤدية إلى التشظي الحقيقي:

قبل الدخول في التفاصيل أقول مباشرة إن السبب الحقيقي لما جرى في العراق من إرهاب أسود بعد تحريره هو تجمع فئات طغموية وتكفيرية متطرفة عارضت الديمقراطية بشدة لأن هذه المجاميع ترفض الآخر ولا تؤمن بسواسية المواطنين العراقيين أمام القانون وفي الحقوق والواجبات لذا فقد برروا إستلاب السلطة من صاحبها الشرعي وهو الشعب العراقي بالإستناد إلى مبررات رجعية متخلفة كإدعاء أنهم "مكَلَّفون من الله بحراسة البوابة الشرقية" وبعضهم يعتقد أنه "الفرقة الناجية" والبعض الآخر أنه "الطائفة المنصورة" وغير ذلك من الطروحات التي ما أنزل الله بها من سلطان. لقد تطرفوا في إرهابهم وتعلقهم بالسلطة لدرجة أنهم أوحوا وكأنهم يتصرفون بموجب أفكار راسخة من قبيل "أن الله قد خلقهم ليحكموا العراق" و "إن الله قد خلق العراق ليحكموه" أو كأنهم توجهوا للآخر "الأقل شأناً منهم" بخطاب في غاية التطرف والعنف يقع تحت عنوان "أحكمك أو أقتلك أو أخرب البلد".

* الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ**والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكامالقبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
**
الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها.طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.
أصل النداء:

سيّدة النجاة .. متى تنقذين العراق ؟

أ.د. سيّار الجميل

سيدتي العظيمة ..يا سيدة النجاة ، أتضرع وأتوسّل إليك إنقاذ العراق من هول الكوارث التي تعصف به .. سيدتي الأم الحزينة أراك حزينة منذ أزمان طوال ، وأنت تشهدين هول المأساة .. لقد قتل اهلك وهم يتضرعون إليك .. وهم يؤدون صلاتهم في رحابك الجميل .. ما ذنبهم ؟ وما ذنب كل الأبرياء ليكونوا طعاما رخيصا للصراعات المقيتة على ارض بلاد الرافدين التي صبغها الاحمرار ؟ ماذا نفعل مع هؤلاء القتلة الذين لا يعرفون إلا الموت طريقا لهم ؟ ماذا يفيد الأسى وإعلان بيانات الاستنكار ؟ إن السنين العجاف تمر ، وكل يوم وبلدنا يغرق في بحر الظلمات كالذي قلته وكتبته قبل شهر ! إن العراقيين المسالمين الطيبيين يتمنون أن تستقر هذه العاصفة الهوجاء التي جلبها الأشرار وهم لا همّ لهم إلا نحر الأبرياء .. لم يزل الإرهاب يترصّد بالعراقيين ، نعم ، إن الإرهاب ضدهم ، يقف بكل خططه وبرامجه بالمرصاد كي يحصد أرواحهم ويعصف بمستقبل أولادهم وأحفادهم ! ما الذي يريده المجانين ؟ ما الذي يرمي إليه كل القتلة ؟ إنهم يحصدون الأرواح بدم بارد .. إنهم يخططون لإفناء البلاد والعباد . لماذا يريدون خطف الطيف المسيحي من العراق ؟ من أعطاهم الحق بتصفية الأبرياء نساء ورجالا ، وهم يؤدون شعائرهم في دور عبادتهم التي أذن الله أن يذكر فيها اسمه ؟
سيدتي الحنونة .. أيتها الأم الحزينة ، أراك تذرفين دمعة على خديك بعد أن ذرفت الدموع طويلا .. وأنت تشهدين مأساة العراق والعراقيين .. متى تهدأ هذه العاصفة الهوجاء ؟ متى تزول الأحقاد وتمحى الكراهية من الصدور ؟ متى يهب النسيم عليلا على كل العراق ؟ متى تسود الحكمة والعقل عند حكام العراق ؟ كم كنت أتمنى أن تعالج المحنة مع الإرهاب والإرهابيين بغير هذا الأسلوب الهمجي الذي حوّل كنيستك الجميلة إلى ساحة حرب ! كم كنت أتمنى أن لا يخرج بعض المتشدقين وهو يمتدح " الفرقة الذهبية " في الذي صنعته من جنون ! المأساة ستبقى إن اكتفينا بالصمت القاتل .. المأساة ستبقى ما بقي الإرهاب ! الإرهاب سيبقى ما بقيت جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا باسم الدين ! المصير سيبقى قاتما ما بقي العراق يتشظى فرقا وجماعات وكتلا وأعراقا !
سيدتي الكبيرة يا سيدة النجاة .. أنقذي العراق .. ادعوك وأتوسل إليك لا تتركي اهلك وسط غابة يعبث بها الوحوش ويتحكم بمصيرها الزناة .. وأهل العراق يتقطعّون اربا اربا وقد استعد الناس للمواساة وكلمات الرثاء وإلقاء المواعظ السخيفة ! متى يشعر كل العراقيين أنهم عراقيون قبل أن يكونوا شيئا آخر ؟ وأخيرا .. متى الضربة القاضية لكل العابثين والإرهابيين والمتواطئين والانقساميين والحاقدين والمجانين .. كي يذهبوا إلى الجحيم ، وتشرق الشمس ، ويسدل الستار على أقذر مسرحية شهدها تاريخ العراق ؟

تنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com



Opinions