هذا هو موقف الكنيسة،فما هو موقف الاحزاب السياسية ذات الطابع القومي "المسيحي"؟
في الايام القليلة الماضية قرأنا الكثير من البينات وشهدنا العديد من المواقف والكلمات الجيدة من رجالات الدين المسيحي والكنيسة في العراق وممن هم مهتمين بشأننا في هذا البلد، مما أرجع الينا الأمل في ضرورة بناء موقف واضح وصريح بخصوص القضايا التي تخص شعبنا المسيحي وتواجده في العراق.ففي لقاء قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بالمؤتمرين من مؤسسة الرواكو، بيّن البابا قلقه حيال وضع المسيحيين وحالة السلام في المنطقة ودعا كافة المسؤوليين الى التحرك الفعلي من اجل ضمان الحرية الدينية واحلال السلام في المنطقة قائلاًً: "أني أقرع مجددا قلب الله، الخالق والأب، لأطلب بثقة كبيرة عطية السلام...أقرعُ قلب الذين يضطلعون بمسؤوليات خاصة كيما يشاركوا في واجب ضمان السلام للجميع، وعلى حد سواء، محرّرين إياه من المرض القتّال، مرض التمييز الديني، الثقافي، التاريخي أم الجغرافي"
ولقد صرح غبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي قائلاً بشان التقسيم الاثني والطائفي: "لا معنى للتقسيم الطائفي والعرقي في العراق، المسيحيون متواجدون في كلَّ مكان أسوة بالسُنة والشيعة، فلا يجوز تقسيم بلدنا العراق". وقد عبّر غبطة أبينا البطريرك عن رفضه لأي تقسيم للعراق وبالتالي لأي مشروع لحكم ذاتي مسيحي وأكد موقف الكنيسة بالعموم قائلاً: "إننا نعارض أي تقسيم عرقي او طائفي للعراق، والمسيحيون متواجدون في كل العراق ونحن نملك علاقات طيبة وصداقات وطيدة مع الجميع ولا يمكن ان نتخلى عنها. فالعراق كان دوماً بلداً موحداً". وهذا ما كرّره سيادة المطران شليمون وردوني النائب البطريركي بقوله: "ان انشاء منطقة حكم ذاتي للمسيحيين هو حل غير صحيح. فالمسيحية هي كالملح للارض، وكالنور في العالم، توجد في كلّ مكان ولا يمكن ان تنغلق على نفسها. فمن الضروري الدفاع عن الحرية الدينية واحترام المسيحيين ومن غير المنطقي الانغلاق في قفص معين. واذا قمنا بفعل هذا فاننا سنصبح عرضة للهجمات وفريسة سهلة. لدينا آثار في كل مكان والامكان المقدسة المسيحية تملىء العراق، فكيف يمكن لنا ان نترك كلّ هذا واللجوء الى مكان محدود؟". فكل هذا يؤكد أن موقف الكنيسة بعيدٌ كلّ البعد عن أي دعم لمنطقة خاصة بالمسيحيين، لا بل يمكننا القول ان الكنيسة تعمل وتؤكد باستمرار على ضرورة العيش المشترك والسلمي مع الجميع والعمل على بناء وطن يعطي حق الانسان ويحفظ كرامته بعيداً عن أي تمييز طائفي، عرقي و ديني.
إلا ان هذا الموقف سيكتمل اذا كان هناك تحرك واضح وصريح من الاحزاب السياسية القومية والمسمّاة "بالمسيحية" التي ما تزال متخبطة بين موافق ورافض، بين مؤيد ومعارض! فهذه الاحزاب غير واضحة وغير منسّقة ويعمل معضمها مدفوعين إما بمصالح شخصية أو حزبية ضيقة أو قومية متعصبة، دون الاكتراث الى معاناة شعبنا المسيحي ودون ان يتفهموا طبيعة التواجد المسيحي في العراق. فمنهم من يؤيد هذا الجهة او تلك، ومنهم من يريد خدمة مصلحة هذا او ذاك، ومنهم من ينحاز الى الداخل والاخر الى الخارج. ومنهم من يقوده الجهل بالسياسية الى الخلط بين الافكار: فقد خلطوا، بين مفهوم الحكم الذاتي وبين مفهوم ادارة المناطق والمجالس المحلية، وبين مفهوم منطقة جغرافية وعلاقته بالتمثيل السياسي في العراق، وغيرها الكثير من المفاهيم التي يحتاج اعادة النظر فيها ودراستها وتقييمها. للأسف، كل هذا أثر على تمثيلنا السياسي في العراق ووأضعف موقفنا كمسيحيين.
لذا فاني أدعو الاحزاب السياسية:
1. أن تعملوا على تنسيق العمل فيما بينهم. فلا نريد تفاقم الانقسام وتعميق الهوّة بين أبناء شعبنا المسيحي في العراق. يبدو اننا لن نصل الى وحدة قومية! ولكن دعونا ننسق ونوحّد الخطاب السياسي حول ثوابت عامة تستطيع ان تجمعنا وتمثلنا بصورة صحيحة.
2. نريد أن يكون هناك تحرك جدي وفعال وأعلامي من الاحزاب السياسية لتوضيح موقفها لدى الاحزاب الاخرى الموجودة في الساحة العراقية، وخصوصاً تلك التي تملك ميليشيات مسلحة، والعمل معها على تقليل الضغط الذي يتعرض له شعبنا المسيحي في العراق من قتل وخطف وتهجير.
3. ان يكون هناك مشروع وطني يأخذ بنظر الاعتبار عمق الدور التاريخي والحضاري والثقافي لشعبنا المسيحي في العراق، دون ان يكون هناك انحياز الى هذه القومية أو تلك، ودون ان يكون هناك تهميش لهذا الطرف او ذاك، فكلنا ابناء شعب واحد ولغتنا واحدة وارضنا واحدة ودينتنا واحدة.
4. اختيار لغة سياسية سليمة ومفهومة من قبل الجميع، تعتمد على الدستور العراقي وعلى حقوق الانسان، والانتباه الى ما هو تجزيئي وقومي وطائفي.
الاب سعد سيروب حنا