هذا....وذاك
قصة قصيرةبقلم : شذى توما مرقوس
2005
..... و..... و .....و ...... وشتان ما بين هذا وذاك ..... ما بين هذا اليوم
والأمس ذاك ..... وفوق ذلك الحبل الممدود بين هذا اليوم والأمس ذاك
تراكمت الآف الأحداث والذكريات .... الآف الآلآم .... الآف الضحكات
....... الآف الأوجاع .... الآف الجراح....... بعيداً في طفولة الأمس ذاك لم
يكُنْ أكثر من طفلٍ جارت عليهِ الحياة فأُجبِر على العمل ولم يعرف أبداً
ما عرفهُ أقرانهُ عن المدرسة والتعليم .... وكبقية الأطفال ممن جارت
عليهم الحياة كان مُستَغَلاً ..... يعملُ كثيراً وبأجورٍ زهيدة ..... عملهُ كان
يتطلب منهُ الركض .... الجري .... ومنها بدأ الجري في حياتهِ ولم يتوقف
أبداً .... يقفُ مُبكراً منذُ الصباح عند باب ما يُسمى في وطنهِ ـــ بدائرة
الجوازات ـــ ..... ثُم يتجمهرُ الناس هُناك في هرجٍ ومرجٍ كبيرين .... ....
بعضهم يتشاجر .... بعضهم ينتظِرُ دورهُ .... بعضهم يُحاولون أتمام
مُعاملاتِهم بأسرع وقت .... وكان هو يتنقلُ بين هذهِ الجموع لتلبيةِ طلباتِهم
في أستنساخِ كُل ما يحتاجُونهُ من أوراق في مُعاملاتِهم .... كان عليهِ أن
ينطلِقَ راكضاً بها بأقصى ما تسمح بهِ طفُولتِهِ ليصل مكاتب الأستنساخ
القابعة على الطرف التالي من الشارع الموالي ثُم يُقفِلُ راجعاً بحمولتهِ
الى الزبون ..... ثُم الكّرة ذاتها مع زبون ٍ ثانٍ وثالث وحتى ما شاء الله
من زبائن أختاروا السفر .... وهكذا دواليك حتى الرابعة أو الخامسة
عصراً وتأتيهِ أُجرتهُ أعتماداً على عدد الزبائن التي جلبها لمكتب
الأستنساخ هذا ...... أكثر سنواتِ طفُولتِهِ قضاها هُنا على رصيفِ
دائرةِ الجوازات ولطالما أعتبر نفسهُ محظوظاً بهذا العمل بعيداً عن
المزابل التي كان يرتادها فيما مضى مُقلِباً فيها عن قناني فارغة
وعُلب وصحون وزُجاجات وأشياء أُخرى ليُنظِفها ويبيعها وغالباً
ما كان يبحثُ عن بقايا طعامٍ يؤكل بين هذهِ الأكوام من الأزبال ......
أفتقدَ دائماً الحماية الأبوية وحنان والدتهِ لم يحمْهِ وأخوته من مخالب
الفقر والعازة فعمِل كما عمِلت والدتهُ ولكن شبح الفقر لم يُفارق أُسرتهُ
حتى تكفلّ الموت بحلّ المعضلة ففارق أخوتهُ ووالدتهُ الحياة في غارةٍ
جوية وقصفٍ صاروخي تحت أنقاض الكوخ الذي تهدّم فوق رؤوسهم
بينما كان هو قد ألتحق بأحدى جبهات القتال الدائر على حدود بلدهِ .....
كرِه وطنهُ الذي سلبهُ عائلتهُ وأبقاهُ وحيداً .... كرِه الحياة التي سلبتهُ في
سنوات طفولتهِ الحماية الأبوية وسلبتهُ فيما بعد صدر والدتهِ الحنون
ومُعاضدة أخوتهِ ..... الآن عليهِ أن يترُكَ خلفهُ هذهِ الأرض المشؤومة
هارباً الى بلادٍ أُخرى ..... إِنّهُ لايريدُ الموت هنا فوق هذهِ الأرض الكريهة
المشؤومة ..... سينتقمُ لنفسهِ منها فيبخلُ حتى بجُثتهِ عليها ..... لا شئ
من الخوف يُوقِفهُ ولا حتى الموت ..... فالموتُ واردٌ في طريقِ رحلتهِ الى
البلاد الأُخرى كما هو وارِدٌ في جبهات القتال لكِنّهُ لايريدُ لجُثتهِ أن تُغطى
بتراب هذا الوطن القاسي .....أبداً لن يُعطي هذهِ الفرصة لتُرابِ وطنهِ ....
لم تكُنْ تهمهُ الحياة فليس لديهِ ما يحيا لأجلهِ وحياتهُ كُلها كانت ولا زالت
معاناةً مُتواصلة ......ما كان يؤرِقهُ هو كُرههُ العميق لهذهِ الديار التي سلبتهُ
كُل ما يُحِب ..... لقد عرِف عن السفر الكثير .... الكثير .... من خلال عملهِ
الطويل على رصيفِ دائرةِ الجوازات ...... سمِع الكثير من القصص كما
عرِفَ الكثير عن خبايا الأروقة الخلفية لتلك الرحلات ..... لم يخطر ببالهِ
أبداً أن تلك المعرفة ستلعبُ يوماً ما دوراً في أعماقِ عقلهِ ...... لطالما
وضعتهُ الحياة على هامشِها ولم تعترف بأنسانيتهِ قط ...... لطالما بخلت
عليهِ في أبسطِ مُستحقَاتِهِ ...... والآن ..... الكارثة التي أصابتهُ حرّكت بعض
شعُورهِ بأنسانيتهِ المُهملة ..... فرفض واقِعهُ وأستنكر صبرهُ وتحمُلّهُ وضاق
ذرعاً بوطنٍ لا يعرِفُ كيف يحمي أبنائه..... كرِه كُل تلك القذارات في وطنهِ
من حروبٍ وجُوعٍ وفقرٍ والآم ومعاناة ....وكُلُ ذلك الظُلم اللامُبرّر لشعبٍ
مسكين من سُلطةٍ مُستبِدة ..... كرِه كُل شئ حتى خالِقهُ الذي طالما بقي
صامتاً آزاء مُعاناة شعبٍ بأكملهِ ومُعاناة أفرادهِ مُنفصلين ..... أيُ ربٍ هذا
لا يسندُ أبنائه ويترُكهم يواجهون مصيرهم المُحزن لوحدِهم ..... أَيُ ربٍ
هذا لا يسنُدُ أبنائه ويبخلُ عليهم برعايتهِ وحُبهِ .... لم يعُدْ يُصدِقُ شيئاً مما
يُقال عن مزايا هذا الأله الصامت اللامُبالي ..... وكان أمسهُ ذاك .... ....
فما الذي جلبهُ لهُ يومهُ هذا ؟ ..... وشتان مابين أمسهُ ذاك ويومهُ هذا .....
وهذهِ الـ ــ شتان ـــ لا تعني تفضيل يومه على أمسهِ بل تعني أختلاف
الحالتين ..... فيومهُ ليس بأفضل من أمسهِ ..... وكأنّهُ طبقُ حلوى دُسّ
في قلبهِ العلقم ..... المرارةُ تحكي ..... لكنّها غيرُ تلك المرارة التي عرفها
في وطنهِ .... أنّها المرارة الملفُوفة بورقٍ مُبهرج ألوانُهُ مُغرية ..... مرارة
الغُربة عن الوطن الذي كرِههُ ..... وعن الأشياء ...... أشياء كثيرة لم يعتدها
في حياتهِ .... لم يعرفها ..... ابتداءاً من محطات القطارات ببطاقاتها
وخارطات التنقُل فيها وأنظمتها مروراً بحافلات نقل الرُكاب ..... عبُوراً
بكارتات الأتصالات الهاتفية وأستعمال البطاقات البنكية وصولاً للكومبيوتر
والأنترنيت وانتهاءاً بكُلِ تفاصيل الحياة اليومية ..... إِنّهُ نظامٌ مُجتمعي
كامل فيهِ من البساطة وتوفير الراحة للأفراد تماماً بقدرِ ما فيهِ من ضغوط ٍ
نفسية وتعقيدات تجعلُ الحياة أصعب بشكلٍ ما .... إَنّهُ نظامٌ مجتمعي فيهِ
من النظام المُحببّ الى النفس بقدر ما يدعو الى القرف في الوقت ذاتهِ
...... النظام المُبالغ فيهِ لحد الشعور بالسلاسل تُقيدُ اليدين كسجينٍ مُكبل
بالسلاسل وما أكثر اللحظات التي يتوقُ فيها هذا السجين للهرب لكنّ كُل
خُططهُ تفشل ويبقى داخل هذا السجن الكبير مُقيداً ومُكبلاً .....هذا النظامُ
المُجتمعي المُختلف تماماً وكُليّاً عما في بلدهِ ..... كان في بلدهِ الكثير من
بساطة الأجراءات والكثير من الأنفلات وتلقائية التعامُلات وروحُ الضوضاء
...... لم يكُنْ نظاماً بالمعنى الحقيقي بقدرِ ما كان صورةً مُبسطة جداً يُميلُ
ماضيها نحو الأصول البدائية ويتجهُ مستقبلها نحو التطور السريع
ومواكبة العصر ..... لكن الحرب اللعينة أوقفت كُل شئ أن لم تكُن قد
صرعتهُ ..... بلدٌ مُتخمٌ بالخيرات والقابليات والأمكانيات البشرية أحالتهُ
الحروب المتوالية الى رماد وذكرى وطنٍ كان .... كم أتعبهُ ذلك الأختلاف
ولا زال ..... فبقدرِ ما فيهِ من الأيجابيات يرى أيضاً وجههُ الأخر من
المُبالغة في مناحيهِ الكثيرة .... وبحسبِ تفكيرهِ البسيط المتواضع يُقرِرُ
أن المبالغة تُحطِمُ كُل ما في هذهِ المناحي من جمال .... فالحُرية ذلك المنحى
الحياتي الجميل والثمين يعتقِدُ أنّهُ قد بُولِغَ فيهِ أذْ تُرِكَ سائباً بلا حدود
رغم أن بعضهم نادوا بحرية الفرد التي تنتهي حدودها عند حدود حرية
الأخر فلا تتصادم معها بل تُجاورها أحتراماً.... ولكن هل ستكون الحرية
حريةً بمعناها الحقيقي أن رُسِمت لها حدود ؟ وأن كان يجبُ لها من حدود
فأين تكمنُ هذهِ الحدود ؟ .... وكيف تكونُ هذهِ الحدود والى أين تمدُ ساقيها؟
.... ومن سيُقرِرّ هذهِ الحدود وهل ستتفقُ كل وجهات النظر حولها أم أنّها
ستُفرضُ على رافضيها ؟ .....وكيف سيُقرّرُ صحة هذهِ الحدود والتسليم
بها كالبديهيات العلمية ؟ إِنّهُ موضوعٌ شائك ..... لم يعرف يوماً مقاعد
الدراسة لكنّهُ تخرّجَ من أكبرِ الجامعات على الأطلاق ..... جامعةُ الحياة
المُوجِعة والمريرة ..... جامعةُ الآلآم والجراح ....... أَحبّ كُل ذلك الأحترام
لحرية الأنسان لكِنّهُ كرِه هذهِ المُبالغة فيها لحد الأباحة ..... وبهذهِ الأباحية
كانت تُناقشُ كُل الأمور علانيةً وعلى الملأ في التلفزيون وفي الأذاعة .... ...
دون أي تحفظ بعيداً عن الخجل ..... بأعتبار كل ما يتّمُ مناقشتهُ هو حقٌ
طبيعي لكل فرد .... ولطالما أهتزّ بدنهُ وهو يُشاهِدُ غالباً برنامجاً لحلّ
المشاكل الأجتماعية فرأى فيهِ من الغرائب ما أشعرهُ بالدوار وأوجعَ معِدتهُ
..... غالباً ما تكورّت عيناهُ دهشةً وعجباً وهو يرى هذهِ المرأة تطرحُ مشكلتها
عبر شاشة التلفاز باحثةً عن حل أذْ أن صديقتها العزيزة على قلبها لم تعرف
لذة هزّة الجماع أبداً مع كل الرجال اللذين ضاجعتهم وصديقتها العزيزة هذهِ
ترفضُ عرضها وهي المرأة المُتسامحة جداً في أن تُجرِب ذلك مع زوجها
المُدهش الجذاب فيجعلها وبكلِ تأكيد تشعُرُ بهذهِ اللذّة وتكونُ بذلك قد
ساعدت صديقتها ..... وتحت الحاح هذهِ المرأة الوفية لصديقتها المُؤدبة
يعترِفُ الزوج وتعترفُ الصديقة أنّهما قد أمتثلا لنصيحتها سراً ولكنّهما
لم يستمتعا معاً .... الا يكون هذا من الجنون .... أم أنّهُ المجنون ؟ ......
هل يُمكنُ أعتبار الأمرطبيعياً .....أم أن الكثيرين سيحتجون لتعجُبِهِ ويسألونهُ
كما سُئِلَ ذلك الرجُل في التلفاز عندما عبرّ عن حالهِ بأنّهُ يحيا حياة طبيعية
وأنّ مشاعِرهُ موجهة للنساء وليس للرجال فعاجلهُ المهاجمون بالسؤال
عما هو الطبيعي في نظرِهِ ؟..... لقد تناقل البعض من أهالي البلاد وغربائها
الرأي في أن ما يُعرض على الشاشة من أمورٍ كهذهِ أنّما هي للأستهلاك
التلفزيوني والأثارة والترويج أكثر مما كونه واقع الحال .... لكن التلفزيون
موغل في تقديم هذهِ المنوعات فيتعاملُ مع حالات حب الرجل للرجل وحُب
المرأة لامرأة أُخرى بأعتبارهِ أمرٍ طبيعي ومُسلّم بهِ وربّما يكون من مبالغات
الحرية أن المحاكم قد فتحت أبوابها لعقد قران رجُل برجل أو امرأة بأمرأة
أو زواج المرء بنفسهِ ....... كما يعرضُ التلفاز حالات الألم والعذاب والغيرة
التي يُعانيها على سبيل المثال رجُلٌ ما من أجلِ زوجهِ الرجُل الأخر .... وكيف
أنّهُ يعاني الغيرة عليهِ من الرجال الأخرين والنساء الأُخريات ..... وهكذا بدلاً
من أن يقلق رجُل على زوجتهِ من الرجال الأخرين يقِفُ اليوم أمام غيرتهِ
من الجنسين وبدلاً من أن تخشى المرأة تأثير امرأة أُخرى على زوجها تقِفُ
اليوم أمام خوفها من الجنسين .... الا يُعقِدُّ هذا الحياة أكثر ويجعلها أكثر
صعوبةً ..... ثُم ما هو موقف الرب من هذهِ الأمور أم أنّها لاتعنيهِ في شئ وهل أن الصورة الحقيقية الطبيعية للحياة هي رجلٌ وامرأة أم أن ذلك نتاج تصوراتنا؟...... ألسنا نحنُ البشر أكثرُ حيوانيةً من الحيوانات قاطبةً ...... ألسنا
مُقززين في الكثير من مناحي حياتنا ...... الا يكونُ الأنسان مُقزِزاً حين يُحيلُ
شكلهُ بعملية جراحية الى شكل أحدى السحالي فيشطرُ لسانهُ جراحياً الى
نصفين ويُغيرُ طراز فمهِ كما في السحالي ولا يكتفي بهذا بل يُضيفُ لمسةً
نهائية تجميلية فيصبغُ جلدهُ بلون جلد السحلية ويجعلُ تسريحة شعرهِ
تزيدهُ شبهاً بالسحلية الفاتنة ثُمّ يُرّكِبُ في مؤخرتهِ ذيلاً لتكتمل الصورة
..... الا يكونُ الأنسان مُقزِزاً حين يُبالغ في أعطاءِ أكتشافاتهِ وأختراعاتهِ
أبعاداً أكبر من كُل تصور .... أبعاداً لحدّ القباحة .... لكن القباحة هي
كالجمال مقاييسها نسبية وما يبدو قبيحاً لدى فُلان يكون جميلاً لدى الأخر
...... وبهذهِ الرؤية تمّ أستغلال العمليات الجراحية المُتاحة لخدمات أنسانية
فيها الكثير من الرحمة لمعالجة الحالات في أطارات أُخرى غيرُ مُستساغة
للبعض ولكنّها وكما يبدو مُستساغة لأخرين .... فقامت النساء بتكبير
أثدائهن كما يرغبن وأحياناً لدرجة يثقُلُ على الصدر تحمُلها ... وقامت أُخريات
بنفخ شفاههن لحد التورم ..... والتجأ بعضُ الرجال كما النساء للهرمونات
....... وهكذا تحولّ الرجُل الى شبهِ امرأة وتحولت المرأة الى شبهِ رجُل
...... هل يكونُ هذا تشويهاً للجمال كما خُلِق أم لا يكون ؟ هل يدخلُ هذا في
أطار قتل الطبيعة البكر في قلب كُل أنسان ؟ ..... هل تشوهُ كل هذهِ الأمور
والأجتهادات البشرية جمالُ الحياة كما أُوجدت .... وكما عُرِفت دائماً ؟؟ .....
لم يستسغْ أبداً ذلك التكتم والسرية اللتان أحاطتا الأمور في وطنهِ وكرِه
ذلك الأحتشام المُبالغ فيهِ لطرح قضايا العلاقات الأنسانية ...... لكنّهُ أيضاً
لن يستسيغ هذا الأنفتاح الصارخ على الأمور وهذا المنحى الفاضح لتداول
الأمور الأنسانية ...... هل يستسيغُ كُل الشعب من أهالي هذهِ البلاد وكذلك
الغُرباء رؤية رجُلين أو أكثر وعبر شاشة التلفاز وهم يترقبون نتيجة الفحص
المُختبري لمعرفة أياً من هؤلاء الرجال هو والدُ هذا الطفل أو تطلبُ امرأةً ما
معرفة من يكون والد طفلها ...... وأمورٌ أخرى كثيرة وكثيرة .....هُنا تناقشُ
حيوانية الأنسان علناً ويُعترفُ بها دون خجل ..... بعيداً عن أية حدود ....
بعيداً عن أي تحشُم .... بعيداً عن أي تحفُظ وأحياناً لدرجة الأباحة التي
تُفرِغُ الأمور من محتواها ومغزاها ....... وهناك من حيثُ جاء يحاولون
جاهدين نزع هذهِ الصفة عنهُ بل نُكرانها وألباس حُلّة الرُقي للأنسان فيبذلون
الكثير من أجل تزييف الحقيقة ........
أنّهُ يحِسُّ بتفاهة كُل الأشياء .... وكل الأمور لدرجة إنّهُ لم يعدْ لكل ما في
الحياة قيمة ....لقد تعلّم دائماً أن العلاقة الجنسية بين الشريكين هي علاقة
مُقدسة ويبدو أن هذا التّصور من صُنعِ مُجتمعهِ ..... هُنا يُنظر الى الجنس
بحقيقتهِ كغريزة يُمكنُ تفهّم نزواتهِ وشطحاتهِ وجنُونهِ ...... في أي مسلكٍ
هو من كُل هذهِ الأفكار ؟ هل هو معها ؟ .... أم ضدها ؟ ..... الى أين يهرب ؟
...... وأين هو ذلك العالم المُعتدل بعيداً عن السريّة المُضنية والأنفلات
الفاضح ؟ لقد أدرك الآن أن القيم والمبادئ والأخلاق هي صنيعة المجتمعات
ومقاييس كل مجتمع لهذهِ الأمور مُختلفة عن المُجتمع الأخر .... ولكن
هذهِ المعرفة لن تُهونّ عليهِ محنته وأبداً لن يستطيع أن يتفهم تقبُلَ رجُل
ـــ على سبيل المثال ـــ يدعي حُب زوجتهِ وأحترامهِ لعملها في الدعارة
بدعوى تفهُمهِ لذلك ..... وأبداً لن يستطيع أن يُحبّ البيوت الفارغة المُفتقِدة
لدفء البشر ..... أو بيوت باردة لايقطنُ كُلٌ منها الا فردٌ واحد أو برفقة
كلب أو قطة .... وأبداً أيضاً لن يتفهم أصرار البعض على أخراج الحيوانات
من عالمها وتحويلها الى بشر فيُورِثونَ حيواناتهم بيوتهم وممتلكاتهم
وقصورهم وشركاتهم ...... فماذا يُديرُ كلبٌ مسكين وقد وجدَ نفسهُ فجأة
مالِكاً لأحدى أعظم الشركات وهل سيُورِثُها لجرائِهِ بعد عُمرٍ طويل ؟ .....
وماذا تفعلُ قِطةٌ مسكينة وقد تحولت بقدرة أحد البشر الى مليونيرة ؟
وهُنا .... وهُناك .... لطالما تعالت بعضُ الصرخات ..... صرخاتُ الأستنكار
والأحتجاج .... لكنّها صرخاتٌ ضعيفة صادرة عن حناجر مُختنقة بدُخان
الحُرية .... كُل الحُرية ...... وفي وطنهِ كانت هُناك صرخات تُماثِلُها
أحتجاجاً وأستنكاراً على تلك السرية والتكتُم المُبالغ فيهما ..... لكنّها
كشبيهاتها كانت صرخات ضعيفة صادرة عن حناجر مُختنقة بدُخان التحريم والممنوع وكُل القيود ...... هل يسيرُ العالم على غير ما يُرام
أم أن مشاعِرهُ لم تعُدْ كما يُرام ؟؟!! ......
بقلم شذى توما مرقوس
2005
ملاحظة : { هذا .... وذاك } قصة قصيرة من ضمن مجموعتي القصصية
الغير منشورة بعنوان ــــ حكايات جدُّ صغيرة ..... كبيرة ــــ عن الغُربة .
ملاحظة ثانية للقارئ الكريم : ـــ ما قرأتهُ في هذهِ القصة من آراء وأفكار
وطروحات لا تُعبر في أي حال من الأحوال عن آرائي الشخصية فلقد حاولتُ
أن أكتب هذهِ القصة من وجهة نظر خالصة للشخصية محور هذهِ القصة
دون أن أضيف شيئاً من وجهات نظري الخاصة .... وعلى شاكلة هذهِ الشخصية قد يوجد كثيرين أو قليلين ...... فأرجو من القارئ الكريم أخذ هذهِ المُلاحظة بعين الأعتبار .