هزيمة الإرهاب وانتصار حرية الشعب العراقي
-1-بدأت تباشير النصر الذي توقعناه منذ 2003 تظهر اليوم. وبدأ العراق يدخل مرحلة النقاهة من جراء العملية الجراحية التي أُجريت له عام 2003، واستأصلت المرض الخبيث من جسمه وهو "سرطان الديكتاتورية" الذي حكم العراق ليس ثلاثين عاماً فقط، ولكن 14 قرناً، منذ بدأ حكم الأمويين في الشام. فقد مرت على العراق موجات إثر موجات، من الطغيان الأموي، والعباسي، والمغولي، والسلجوقي، والعثماني، ثم العربي مرة أخرى في العهد الهاشمي، والعهد البعثي.
-2-
فمنذ فجر التاسع من نيسان المجيد 2003، قرأنا – نحن الليبراليين- بوضوح صفحة العراق الجديد المشرقة بنور الحرية. ورغم الغيوم السوداء التي استمطرها الإرهابيون على العراق، ورغم آلاف الضحايا كل عام من الشعب العراقي، وعلى مدار خمس سنوات، ورغم أن عدد المشككين بنجاح نخلة الحرية والديمقراطية في العراق، أكثر من عدد المتفائلين بكثير، استناداً إلى أن الراعي الأمريكي لا يريد الحرية والديمقراطية للعراق، وأنه قد جاء بجيوشه لاستنزاف آخر قطرة بترول من العراق.. رغم هذا كله، إلا أننا صبرنا وصممنا على الوقوف إلى جانب حرية وديمقراطية العراق، رغم ما أصابنا من أذى وتهديد ووعيد. فلقد اعتبرنا أن حرية وديمقراطية العراق جزء من حرية وديمقراطية العالم العربي، بل هي المقدمة الصحيحة والموضوعية إلى حرية وديمقراطية العالم العربي المستعصية.
-3-
نقول أن نخلة حرية وديمقراطية العراق بدأت تطرح ثمارها. وبدأت هزيمة تنظيمات الإرهاب في العراق تتضح الآن. فبعد الهدنة التي عقدتها حكومة المالكي مع "جيش المهدي"، وسيطرتها العسكرية سيطرة تامة على الجنوب العراقي، وتفرغها لملاحقة فلول الإرهاب في الموصل ونينوى وغيرها، بدأ منسوب العمليات الإرهاب ينخفض شيئاً فشيئاً. ولولا تضخيم جزء من الإعلام العربي، وعلى رأسه بعض الفضائيات المعادية منذ اللحظة الأولى لولادة العراق الجديد، لبدأنا نبحث وننكش عن أخبار الإرهاب في العراق بحثاً ونكشاً، علّنا نعثر على خبر هنا وهناك. بل إن ما يطغى على أخبار العراق الآن في الإعلام العربي، هو تحرك حكومة المالكي السريع نحو نشر سيادة الدولة على أراضيها، والقضاء على الإرهاب، واعتماد الجيش العراقي الباسل على نفسه في حماية أمن الوطن، ودمج الفصائل الإرهابية في العملية السياسية، ما أمكن ذلك.
-4-
لقد قلنا في السابق، وفي عام 2007، بأن تنظيم "القاعدة" يشهد الآن غرق سفينته الملأى بالقراصنة وقطّاع الطرق، وأوردنا لذلك عدة أسباب، منها:
1- أن القاعدة تلقّت صفعتين دينيتين موجعتين من ذوي القربى، الأولى من مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والثانية من الشيخ سلمان العودة الداعية السلفي السعودي المشهور. وكان هذان الشيخان قد أصدرا في الفترة الأخيرة فتاوى وبيانات دينية رسمية وشعبية، تُنكر دينياً ما قامت به "القاعدة" من عمليات إرهابية في العراق وغير العراق، مما شجع باقي الجماعات الدينية المسلحة الأخرى إلى الابتعاد عن "القاعدة"، وعدم تلبية مطالبها بالانضمام إلى ما أُطلق عليه "الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي شكّلها أيمن الظاهري عام 1998. وكان آخر الرافضين في هذا الشأن "تنظيم الجماعة الإسلامية" المصري، الذي حاول ابن لادن ومن معه ضمهم إلى تنظيم "القاعدة"، ولكنه فشل حسب ما نُشر في ( جريدة "المصري اليوم"، 31/10/2007).
2- وكانت الصفعة الثالثة للقاعدة ولابن لادن بالذات، وللإرهاب الدموي الدائر في العالم العربي قد جاءت من الكويت، ومن النائب وليد الطبطبائي، الذي يمثل التيار الديني المتشدد في البرلمان الكويتي، وهو الذي قال عن قرار البرلمان الكويتي بالسماح بترشح وانتخاب المرأة الكويتية في مايو عام 2005 بأنه "يوم أسود" (جريدة "السياسة" 17/5/2005). وربط في تصريحاته بخصوص حقوق المرأة السياسية، بحالات الشذوذ التي ستنتشر وازدياد اللقطاء في حال إقرار هذه الحقوق. وهذا النائب المثير لزوابع سياسية ودينية كثيرة في الكويت، عاد إليه الوعي الديني مؤخراً، ووجّه رسالة نقد قاسية ومريرة إلى ابن لادن (جريدة "الوطن" الكويتية،27/9/2007) أعلن فيها تجريمه لابن لادن، وقال له فيها تعليقاً على خطاب ابن لادن الذي دعا فيه الشعب الأمريكي إلى الإسلام:
"يا شيخ أسامة كيف يصلح أن تدعو الشعب الأمريكي للإسلام، وأنت تعترف بجرأة كبيرة بأنك وراء قتل الآلاف منهم في أحداث 11 أيلول 2001، ألا تعتقد ويعتقد كل عاقل بأن هذا تنفير لهم من الإسلام؟"
ثم يقول الطبطبائي صراحةً وبقسوة غير مسبوقة، منتقداً ومُديناً إرهاب "القاعدة" في العراق:
"ثم يا شيخ أسامة ألا تعتقد، ويعتقد العقلاء، أن ما فعله ما يُسمّى بتنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين من خلط الجهاد ضد الاحتلال بعمليات الخطف، والذبح، والتفجير، في الأماكن العامة، واستهداف دور العبادة والمدنيين من الشيعة والسُنَّة على السواء، قد أدى إلى تشويه صورة الجهاد والمقاومة في العراق".
وينتهي الطبطبائي في هذه الفقرة من رسالته إلى نتيجة أن أعمال "القاعدة" الإرهابية، قد أضرّت بالإسلام في جميع أنحاء العالم. ويقول الطبطبائي صراحةً لابن لادن ما لم يسمعه ابن لادن من أي من السياسيين الدينيين المتشددين الآخرين:
"إن الخطَّ الذي تسيرون عليه، قد أضرَّ بالعمل الإسلامي والدعوة الإسلامية، في شتى أنحاء العالم".
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
3- ونضيف الآن سبباً ثالثاً، وهو أن القاعدة تلقت توبيخات وانتقادات من عدة جهات عربية وإسلامية، كانت تتعاطف معها، نتيجة للأعداد الهائلة التي قتلتها من الضحايا والأبرياء المسلمين في العراق وخارج العراق. وهو أكثر بكثير مما قتلته إسرائيل في حروبها المختلفة مع العرب، بل هو أكثر مما خسره العرب والمسلمون في الحروب الصليبية في القرن الثالث عشر. مما دفع ابن لادن في خطابيه الأخرين إلى عدم ذكر العراق وإرهابه فيه والتركيز على فلسطين. وهذا ما لفت انتباه كثير من المراقبين الدوليين والمعلقين السياسيين، ومنهم نايجل انكستر، مدير قسم "التهديدات الدولية والمخاطر السياسية" في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن الذي قال: "في الواقع لم تفعل القاعدة الكثير لمقاومة إسرائيل. كانت تأمل في تأسيس قاعدة في العراق للانطلاق منها لمقاومة إسرائيل، ولكنها فشلت. وأن أحد أسباب التغير في سياسة القاعدة، قد يكون كثرة الشكوى من مقتل مسلمين في العراق على يديها. مما أفقد بن لادن شعبية تضاءلت كثيراً في العالم العربي. وربما كان التركيز على فلسطين الآن، وسيلة لاستعادة الشعبية المفقودة."
ولعل هذا ما أتاح للقوات الأمريكية وللإدارة الأمريكية، أن تلتقط أنفاسها الآن، وتضطر ديفيد بتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق من الإعلان عن توصية عسكرية بخفض جديد للقوات الأمريكية قبل سبتمبر القادم، من هذا العام.