Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هكذا عرفت الحسين

قتلوا الحسين في العاشر من محرم، فأعن ولادته للخلود صارخاً (الله أكبر) حراً أبا الأحرار، فأرعبت صرخته الظالمين والمستبدين ولتعلن كسر القيود وفتح الزنازين، بحرية حمراء فاتحاً الباب لها بكل يدٍ مضرجة بدماء الشهادة والكرامة مناصرة المظلومين والمحرومين والأحرار حيثما حلوا قائلاً يوم كربلاء بوجه الطغاة الجائرين وخير الجهاد كلمة حقٍ عند سلطان جائر، فكيف لو تبعها الجود بالنفس والأهل والأصحاب، فتراه يقول:
(لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد)...
ليصوغ بيان الثورة تبياناً للمؤمنين، صارخاً بوجه الإسلام المزيف صرخة (أقرأ) لكي لا يموت الإسلام الأصيل بسيف الإسلام الدخيل...
لكي لا يصبح نهج الرسول محمد (ص) تحت بساط بلاط الخلافة تدوسه أقدام الغانيات وتطأه دبكات الراقصات وتطقطق من عليه أقداح الخمور مدفوعة الثمن من خزينة بيت مال المسلمين يستنزفها أمير المؤمنين عهراً ودعارة ليبايعوه صاغرين ذليلين المسلمين ويلقبونه (خليفة المسلمين) ذلاً وهواناً، فرفض الحسين البيعة معلناً ولادة الإسلام من جديد كي لا يموت إسلام (محمد) بفعل إسلام يزيد ومعاوية، حيث ذاع بيان ثورته من كوفة العراق قائلاً:
(ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز منا بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وانوف حمية ونفوس أبية وأن نؤثر طاعة اللئام على مصراع الكرام)...
ونحن معك يا حسين نرفض البيعة لهم فيما مضى ولليوم، ففي كل زمان (حسين) و(يزيد) يتصارعان بأسماء وعناوين مختلفة...
ونحن نرفض أن نعيش بالذل والهوان يا حسين، لأنك علمتنا أن تكون لنا كرامة وإباء وأنوف حمية لا تطأطأ لشهوات النفوس وسياسات الخصوم...
من رحم الرسالة الإسلامية وُلدت ثورة إسلامية، في أول عقود الرسالة الإسلامية، قادها الحسين مسدَداً بقران الله بيمينه، وسنة جده النبي محمد بشماله، وسيف وثبات أباه علي بجنبه، وصبر ودعاء فاطمة له من خلفه، فأنتصر...
فثورة أولئك قوامها لا يصح لها إلا النصر...
لذلك تنتصر ثورة الحسين وفكره في كل زمان ومكان وفي كل حربٍ ضد ظالمٍ ومستبد، معلناً ولادة الأحرار والواعين والخالدين في كل زمان ومكان...
لذلك نبكي على الحسين، فبكاؤنا عليه ذكرى تلهم العزيمة...
ذلك نبكيه خالداً وثائراً وشهيداً ليصحح الدين الذي حرّفوه وزيفوه وركبوه بالسياسة ركباً أعوجاً بالرغم من مرور سنوات معدودة على وفاة الرسول (ص)، فهنا تكمن أهمية ثورة الحسين الذي حارب بالدين ضد الدين...
ثورة إصلاحية لا تقل أهمية عن ثورة الرسالة الإسلامية نفسها، لأن الحسين وجد الإسلام يتحول من دين الله ورسوله، لدين السلطة والسياسة والشهوة...
ثار الحسين ولم يحنيه خذلان الناصر من الصحب والأصدقاء، ولم يحنيه نفاق وتبريرات العلماء والمحدّثين والمفسرين ومنهم من بايعوه مناصرين فانقلبوا عليه قاتلين...
ولليوم هنالك منافقين وحتى ممن يظهر الحزن على الحسين وعلى قتله ويمارس شعائر وطقوس حزناً عليه، من يدٍ تبذل المال على خدمة الشعائر الحسينية من أموال الرشوة والفساد الإداري، وأيدٍ تلطم على الصدور وهي لا تؤدي فروض الله، وأرجلٍ تمشي لمرقد الحسين وكم مشت لفعل الذنوب الكبار فضلاً عن صغارها، وأعينٍ بكت على الحسين ونفس العين ملئوها بنظرات شهوة محرمة، وممن سيرمي الحسين وثورته ونهجه وراء ظهره، كما سيرمي الشعائر الحسينية وراء ظهره بعد نهاية الشهر...
ذلك فيمن يحب الحسين، فكيف بمن يعاديه أو ينصب له العداء...!!
ها هو الحسين يصرخ فيّ وفيكم وفي الناس أجمعين: (لم أخرج أشراً-أي طالب شر- ولا بطراً –أي متبطراً- ولكن خرجت لطب الإصلاح في أمة جدي رسول الله)...
هنا يكمن التجدد في فكر الثورة الحسينية بأنها ثورة إصلاح، والإصلاح تجدد لأنه يواكب كل عصر، والإصلاح يبدأ من الذات ليعم القريب ومن ثم البعيد...
لا يتصور أحد أن الذين قتلوا الحسين كانوا لا يعبدون الله؟!
فقد كان أولئك القتلة يعبدون الله أكثر بكثير من الكثير من عبادنا اليوم، وكانوا يصلون ويصومون ويتلون القران ويبكون كثيراً، مثل الذين يبكون اليوم...
ولكن لم ينفعهم كل ذلك التظاهر العبادي والدين السلبي لما حانت ساعة الحقيقة وأختبرهم الله بثورة الحسين التي أصبحت المحك الحقيقي للأيمان فكشف حقيقتهم الأمام الحسين صارخاً يوم كربلاء:
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون).
حارب الحسين من أجل الأخلاق والإسلام الحقيقي لكي لا يصبح خليفة المسلمين وعلماء الدين ممثلين وناطقين باسم الإسلام المزيف، ففضحهم الحسين على الملأ بلسان الإسلام المحمدي الأصيل...
الإسلام الأصيل الذي دخل يوماً رجل على مجلس النبي متسائلاً في المجلس (أيكم محمد) لعدم وجود ما يميز النبي عن غيره...
واليوم جرب وأنتقد أو تكلم برأي وفكرة إصلاحية عن شيء رفضته ويؤيده بعض العلماء أو عن رجل دين بارز أو غير بارز سني أو شيعي لينتفضوا عليك رافضين ومهينين ومنهم من يهدد ويتوعد...
وإذا كان بعض رجال دين اليوم كذلك، فكيف بالسياسيين والأحزاب والناس...
لذلك صرخ الحسين بأن دين محمد لن يستقم حتى يسفك دمه الطاهر بكربلاء ليصرخ بالناس: صحصحوا وفكروا لكي لا تكونوا من عباد الله الغافلين كالذين قتلوني، بل كونوا كعباد الله الواعين الذين نصروني...
يقول الحسين يوم عاشوراء: (إن كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني)...
نبكي على الحسين ونحزن عليه لأنه مظلوماً فأنتصر، فنتذكر كيف إننا مظلومين فهو يلهمنا الثورة والسخط على الظالم، كما يلهمنا الصبر والفكر، ولا صبر إلا بفكر، ولا فكر إلا بصبر...
نبكي عليه لأن في البكاء عليه إحياء ونهضة وخلود لذكرى العزة والكرامة والثبات على الحق...
وهذا لا يعني أن كل من يحيي تلك الشعائر مؤمن ملتزم، ومتى كان الكل في الأمور قياس...!!
ومتى كان الباحث عن الحق ينظر لتصرفات البعض ويترك الجوهر...
نبكي عليه لأنه نور وهدى قد قتلوه شر قتلة وجزروه جزراً كالأضاحي، بل حتى الذبيحة يرويها القصاب ماءاً قبل ذبحها، ولكنهم كانوا قساة بقتل الحسين إلى درجة أن يقتلوه عطشاناً ومن ثم يسرقون ملابسه ويتركونه عارياً على رمضاء كربلاء دون غسل ولا كفن ولا دفن ثلاثة أيام بلياليها...
تلك القلوب التي هي أشد من الحجارة قسوة...
(ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون * أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون)اية74-75/سورة البقرة.
نبكي على الحسين لا بكاء الفارغي العقول بل بكاء من جعل الحسين قدوة يقتدي بها...
كان الحسين قدوة في تصرفاته وكان يدعو الناس لنهج الله القويم حتى من دون أن يتكلم فقد كانت تصرفاته تتكلم عنه...
لو حضر الحسين وشاهد ما يفعل البعض بحجة نصرته وشعائره لأخرسهم وردعهم ولكن ولات حين مناص...

ولماذا أصبحت عدد ليس بالقليل من المجالس الحسينية فارغة لا من الناس بل من الفكر المتجدد والإصلاح المتقد...
لماذا أصبحت عدد ليس قليل منها لا يوجد فيها فكرة جديدة أو نصائح هادفة ومتجددة، ولماذا الكثير من الوعاظ والمحاضرين يرددون محاضرات دينية روتينية مكررة وكأنها (إسقاط واجب)...
فارغة من أي تجدد وفكر نير...
عادة يمارسونها كأي عادة...
موروث يتوارثوه دون تفكير وتدبر...
ومن البعض ممن يمارس شعائر تؤذي الناس والجيران بأصوات مكبرات الصوت مثلاً، وتنتهك حقوق الآخرين، وتستغل الأماكن العامة وتقطع الشوارع المخصصة للناس كافة...
النبي (ص) يقول: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) هذا هو تعريف المسلم، وأما المؤمن فتعريفه مختلف كما جاء بقول مختلف عن النبي محمد (ص): (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)...
ثار الحسين برسالة النبي محمد (ص) الإسلامية ليحارب نهج يزيد بأسم الإسلام...
ومن الشعائر الدخيلة على الفكر الديني والتي يفعلها البعض عناداً، لنهي بعض الواعين منها ومن أثرها السلبي، فيعاندون ليعملوها لا قربة لله تعالى، بل عناداً لمن أراد أن يوعيّهم...!!
نحن نحزن على الحسين ليس إسقاط واجب، ولا لعادة بل لأنه ملهم للعطاء والنبل والفكر المستنير ومقاومة الطيش والخسة ونحن في وقت نحتاج إلى الكثير من القدوات الصالحة والملهمة للصبر ونيل الظفر...
النبي محمد (ص) أسوة حسنة للناس والحسين (ع) كذلك اسوة، فالنبي يقول: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً)...
فهل من المعقول أن يحب الله شخصاً أحب الحسين من دون قصد...
ألا تفكر لماذا وضع الله به هذه الأهمية على لسان جده رسول الله (ص)...؟!
ألا تفكرون لماذا وضع الله أهمية لفاطمة الزهراء (ع) حينما قال فيها الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحي: (الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها)...؟!!
ألا تفكر لماذا وضع الله بها هذه الأهمية... لدرجة أن الله يغضب لغضبها وويل لمن غضب الله عليه وأن يرضى الله لرضاها، والجنة لمن رضي الله عنه...؟!
سيعيها ويعقلها من تفكر وبحث وتدبر، وسيدعها ويتركها ويغير الموضوع ويحرف الحقيقة من من مات قلبه وعقله وإدراكه...
ليأتي اليوم قتلة جدد وبأساليب جديدة كقتلة التاريخ القديم، بتفجيراتهم ووسائل إعلامهم وسياساتهم وكتاباتهم البائسة...
ولكن هيهات منّا الذلة كما قالها الحسين ثائراً وشهيداً...
ينزعجون من ذكر الحسين وثورته بعد أن أخفاها التاريخ، فإذا بالذكرى تثور كما ثار صاحبها لتفجر صفحات التاريخ صرخات حقٍ عند تاريخٍ جائر...
تلك الصرخات التي لم يستطع التاريخ أن يغفلها وإذا بها تلهم الأجيال عطاءاً وحكمة...
علماء ومؤرخين نقلوا وأثبتوا أحاديث فضائل وكرامات بحق محمد واله بعد أن أخفاها علماء السوء اليوم والبارحة كراهة وظلماً وعدواناً وبغضاً... لأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويتركون بعض...!!
وإذا زوّر سلاطين بين أمية وبني العباس بعض التاريخ وبعض السنة النبوية، ليفرقوا بين الناس بمبدأ (فرق تسُد) ليسود سلطانهم، وليضفوا على عروشهم شرعية وهمية، وليكون كل من حاربهم وخرج عليهم خارجاً على الدين لا عليهم...
فمالكم يا شعوب اليوم ومسلميها خصوصاً، تنجرون لسياسة أسس أساسها سياسيين وسلاطين ليبقوا بالعرش وكرسي الحكم فقط مهما كان الثمن ولو بتزوير أحاديث الرسول محمد (ص)...
هنالك تاريخ صحيح مبحوث علمياً شاهد على فظاعة التزوير والتزييف فأقرؤه على أقل تقدير، لو كنتم تعقلون.
أو دعوه ولا تنجروا وراء سياسة القوم...
والعلم يُكتسب ويُتبع، ولا ينجر إليه إنجراراً كالحمير ...
وروايات اخرى صحيحة نقلها كتّاب الحديث والتاريخ، ولكن إذا حلت الشهوة والسياسة فلا ينفع لا حديث ولا تاريخ ولا كُتّاب، فحيثما حضرت الأحقاد والشهوات والأمزجة والسياسات، غابت العقول...
فلو أن الأشجار أقلاماً والبحار مداداً وكتبت بها لهم ليقنعوا، لا يقنعوا ...
لماذا تعيبون علينا بكاؤنا على الحسين وقد بكاه قبل قتله الرسول العالم بأذن الله وحدث به أباه علياً وأمه فاطمة وأخيه الحسن وأم المؤمنين أم سلمة كما في رواية روتها...
سيقولون البكاء بدعة واللطم من الجزع، فبالبكاء بدعة ابتدعها الرسول وأئمة أهل البيت السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري المهدي المنتظر، الذين أظهروا الحزن كلما سمعوا بالحسين (ع).
بكى على الحسين وتأثر بثورته السني والشيعي والمسيحي واليهودي والصابئي والهندوسي ومن ليس له عهداً بدين ولا بعقيدة لمّا سمع قصة ومظلومية الأمام الحسين وأهداف ثورته، ولكن المنافقين والحاقدين والقاسية قلوبهم لا يتأثرون...
هنالك بعض المسلمين ممن لا يعلنون على الملأ مذهبهم العقائدي والفكري والسياسي صراحة وينسبون أفكارهم للسنة والجماعة وما أسهل ذلك بينما هم أمويين وأصحاب أفكار مسيّسة وحاقدة وطائفية بأمتياز...
هم يكرهون تلك التعددية وتلك التنوعات لأنهم لم يعرفوا أن الله لا يدعو إلى الإكراه في الدين فالله سبحانه القائل: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) اية256/البقرة
وهم لم يعرفوا أن الطوائف والأديان سيفصل بينها الله يوم القيامة وهو من يجازي العباد بقوله سبحانه: (إن الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) اية17/الحج
وهم لم يعيروا إهتماماً لوصية الرسول محمد (ص) ولم يكترثوا لما قاله حين أوصاهم وصرخ فيهم قائلا في خطبه الوداع: (أيها الناس لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبه نفسه فلا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا)
يا رسول الله...
قد أحلوا الدماء من بعدك بل أرخصوها وباعوها ببخس دراهم معدودة، وأحلوا الأموال غصباً وهتكوا الحرمات والأنفس غيلة وفساداً وظلماً...
بدؤها بقتل من هو منك بمنزلة هارون من موسى ومن هو مع الحق والحق معه يدور معه حيثما دار، قتلوه بمسجد الكوفة من مسلم يعبد الله كثيراً...!!
وقتلوا من هو سيد شباب أهل الجنة، ومن هو منك وأنت منه، وقاتليه مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...!!
ستبقى ذكرى الحسين فينا وفي حشاشتنا، لأنها تلهمنا الثبات والحق والحكمة والثورة والصمود...
لذلك يحزن على الحسين وقتلة تلك القتلة الشنعاء ويناصر الحسين كل منصف وكل عاقل وكل فاهم، وتجاوزت نصرة الحسين معايير الطوائف بل تعدته للأديان بل تعدت الأديان ليتأثر بها العالم أجمع ممن فهم ووعى ثورة الحسين ومبادئها وأفكارها وحكمتها حتى من شيوعيين وعلمانيين...
لا يسعني ذكر أقوالهم جميعاً هنا ولكن ستجدها وما أكثرها بضغطة زر على محرك البحث (Google).
الكثير من الدول تفخر بثوارها ومبدعيها وهم لم يفعلوا شيئاً قياساً بالذي فعله الحسين...
فالحسين أول بينما هم لاحقون...
والحسين حارب الظلم وهو يعلم أنه مقتولاً لا محالة ولكنه أراد بدمه أن يوقد الثورة، ولكن الثوار يقاتلون ولهم أمل النصر...
لكن الحسين قد قتلوه وسلبوه فأنتصر وخسر قاتليه خسراناً مبيناً وهذا لم يحدث من قبل أو من بعد، أن ينتصر المقتول على القاتل نصراناً مبيناً...
الحسين ألهم للكثير من الثورات التي حصلت بعده والتي ثارت على الحاكمين الظالمين وصرخت بـ(لا) بعد أن كانت الرؤوس تطأطأ ذلاً وهواناً وتقول نعم لكل (لا)... فأصبحت تصرخ بـ(لا) لكل ظالم، كصراخها بـ(لا) اله إلا الله...
لأنها تعرف أن الدين ليس صلاة وصوم وحركات عبادية ولقلقة لسان فحسب، بل الدين فكر وتصرف وعدالة وإنصاف وحكمة وعلم ونور...
والى اليوم يرفض البعض أن يكسر قيود (نعم) لكل سلبية وقيود دين الوراثة لا دين الدراسة والبحث...
هؤلاء الجهلة والإمّعات والحاقدين لا ينزعجون من ذكر غاندي ومانديلا وسبارتيكوس وجيفارا وعمر المختار ومارتن لوثر كنغ وغيرهم من ثائرين ومصلحين بمختلف الأديان والمعتقدات...
بل ويتداولون حكمهم وأقوالهم وقصصهم...
ولكنهم ينزعجون من ذكر الحسين، ومن إنزعج من ذكر الحسين فليعلم أنه أما حاقداً أو ظالماً أو جاهلاً أو طائفي...
لأنك يا حسين مختلف، فأنت مصباح الهدى وسفينة النجاة ولا ينفع صراخ نوح بهم: (قال نوحٌ رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً * ومكروا مكراً كبّارا *) 21-22 سورة نوح
يا حسين يا شهيد...
ما أنت طائفة...
بل أنت امة للفكر والنضال والنهوض...
بل أنت ثورة تقلق الظالمين في كل يوم يُذكر فيه أسمك ويُرفع ذكرك...
بل أنت حقيقة وعقيدة ومنهج لذلك قتلوك بالأمس بالأيدي واليوم بالألسن...
لذلك يمكرون بك وبأنصارك وأحبائك المكر الخبيث ولكن: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)
الحسين ليس لطائفة بعينها بل هو للدين كله، بل هو للناس أجمعين...
ليس الحسين مجرد بكاء أو حزن بل عطاء وثورة وفكر، فمن يراجع خطاباته في كربلاء وقبل كربلاء يجده ناصحاً ومفكراً وقائداً فذاً...
واليوم...
في كربلاء اليوم وعاشوراء اليوم...
هاهم قتلة الماضي يريدون أن يطفئوا نور الله بالحاضر بالقتل والتفجير والدماء، فتفجيرات في العراق يخلف عشرات القتلى والجرحى في تفجير لحشود معزيين في شهادة الحسين (ع)!!
واستهداف لزائرين قبر الحسين (ع) بكربلاء ولزواره في كل مكان، وبكل عام حيث لم يمر عام على العراق دون أن يتم قتل كوكبة من الزائرين وبصورة مخطط لها بدقة عالية وتكاليف باهظة وتكتم إعلامي فضيع...!!
تفجيرات بمختلف الأماكن تحصد أرواح أطفال صغار وشباب يافعين ونساء محجبات لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها كما أوصى الله بذلك، ورجال صلوا الصلاة الواجبة ليقتلوهم ظلماً وعدواناً لأنه تقربوا الى الله بنصرة الحسين (ع)...
تكتم إعلامي كذلك الذي تكتم به يزيد عن الثورة الحسينية حيث أشاع بين الناس أن من قتلهم في كربلاء العراق هم مجرد (لصوص) و(قطاع طرق)... ولكن صوت أخت الحسين (زينب بنت علي) وصوت إبن الحسين الأمام علي زين العابدين (السجاد) قد أزاح الستارة عن ذلك التكتم...
صرخت زينب أمام جموع الناس في قصر يزيد، ولم تعيقها القيود في يديها ورجليها عن الكلام، ففي فمها لسان وفي رأسها دماغ كسر قيود الناس أجمعين لا قيودها فحسب، قالت مخاطبة الطاغية يزيد، وخير الجهاد كلمة حق عن سلطان جائر وكأنها ترد على الفضائيات والسياسيات والتوجهات الدينية الحاقدة والمسيسة والناصبة العداء لأهل البيت بأحسن البلاغ:
(الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن)...
أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأُسراء ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة... حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين)...
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد...
فوالله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، يأخذ بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)...
وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً، واضعف جنداً...
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى، الا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء...
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند، وأيامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين.
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، انه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل).

Opinions