Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل إن رفض بناء المآذن رفض للإسلام في سويسرا؟

قبل فترة وجيزة صوت السويسريون ضد بناء المآذن في الجوامع الجديدة التي يراد إقامتها في المدن السويسرية. وهذا يعني أن القرار لا يمنع إقامة الجوامع بأي حال ولا يمنع المسلمين والمسلمات من تأدية فريضة الصلاة والعبادة, بل يرفض إقامة مآذن ترتفع في السماء حيث يرتقيها المؤذنون خمس مرات في اليوم ليعلنوا عن إقامة الصلاة أو ليؤذنوا من داخل الجوامع ويمتد الصوت إلى مسافات بعيدة من خلال مكبرات الصوت التي تنصب فوق المآذن لتوقظ المسلمات والمسلمين ناس للصلاة. ولكن هذه المآذن لا توقظ المسلمات والمسلمين فقط بل وتوقظ أتباع بقية الديانات الذين لا علاقة لهم بدين وصلاة المسلمين, بل يحترمون ذلك طبعاً. والمئذنة في الأصل ليست من أصل الدين ولم تبن الجوامع بمآذّن إلا في فترة متأخرة ولم يتحدث عنها النبي محمد ولم ترد في القرآن, فهي واحدة من إبداعات المسلمين في منافسة نواقيس المسيحيين علواً وارتفاع صوت. ولهذا فهي ليست ضرورية, إذ يمكن أن يتم الآذان في داخل الجوامع وبدون مكبرات صوت.

ومن جو هذه المنافسة كتب أبو العلاء المعري أبياته الشعرية الجميلة:

في اللاذقية ضجـة ما بيـن أحمد والمسيح

هذا بناقـوس يـدق وذا بمـأذنـة يصـيـح

كل يعـزز ديـنه يا ليت شعري ما الصحيح





إن هذا الإجراء الذي جاء بعد استفتاء شعبي فرض على الحكومة السويسرية إجراؤه بموجب الدستور السويسري يختلف في جوهره ومضمونه الديمقراطي عن السلوك الاستبدادي لجهتين أساسيتين في المجتمعات العربية والإسلامية نشير إليها فيما يلي:

1 . الموقف الحكومي لعدد من الدول العربية التي لا تسمح بإقامة الكنائس المسيحية في بلادها أو أن يسكن المسيحيين فيها, ومنها أولاً وقبل كل شيء الدولة السعودية التي لم يبق فيها من أتباع الديانات الأخرى أي فرد ولم ترتفع أي كنيسة على هذه الأرض. ونجد هذه الممارسة في عدد آخر من الدول حيث حولت الكنائس فيها إلى مساجد, كما في تركيا مثلاً.

2 . السلوك المتوحش للمتطرفين والإرهابيين من المسلمين والمسلمات الذين قتلوا أو هجروا أعداداً كبيرة من المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى من ديارهم ومنازلهم وشتتوهم في بلدان أخرى أكثر احتراماً للديانات, ومنها الإسلام. وأقرب مثال على ذلك قتل وتهجير المسيحيين من البصرة والموصل وبغداد أو الصابئة المندائيين من جنوب العراق وبغداد أو قتل الإيزيديين في أقضية الموصل ... وليس ما يجري في إيران ضد أتباع الديانات الأخرى بخاف على أحد, رغم الأسلوب الهادي الذي يمارس هناك لتهجير المسيحيين من موطنهم الأصلي إيران. علينا أن نتذكر حرق الكنائس في العراق وتركيا,

علينا أن نتذكر السلوك الوحشي للمتطرفين والإرهابيين والطائفيين المسلمين ضد المسلمين من طوائف أخرى في العراق أو في الهند أو باكستان أو أفغانستان أو إيران أو في السعودية واليمن. وما جرى ويجري في العراق حتى الآن يمنحنا الثقة العالية بأن الإجراء السويسري حضاري وديمقراطي إلى ابعد الجدود ما دام لا يمس الدين أبداً ولا أتباع هذا الدين, بل يمس بدعة من بدع المسلمين الكثيرة ومنها إقامة المآذن, مع ما يجري في بلدان العرب والمسلمين ليس إزاء أتباع ودور العبادة لأتباع الديانات الأخرى فحسب, بل وضد أتباع الدين الإسلامي أيضاً.

إن الدستور السويسري يمنح المسلمات والمسلمين إقامة الجوامع وإقامة الصلاة في أوقاتها المحددة وليس هناك من يحرمها ذلك. ومن حق الناس أن تبني ما تشاء من الجوامع أو المساجد شريطة أن لا تقيم المآذن, وهذا الإجراء غير متعارض مع حقوق الإنسان وحرية الفرد في أداء طقوس الدين والعبادة.

ولكن من المفيد أيضاً تقديم اقتراح إلى السويسريين في أن يمنعوا بناء منارات خاصة لكنائسهم الجديدة لكي لا تنصب فيها الأجراس الكبيرة ويمنع دق النواقيس في الكنائس التي أصبحت تمتلك ذات الرمزية المآذنية للمسلمين. وهو مقترح لا غير!

إن المتطرفين والإرهابيين وكذا المحافظين والمتزمتين من المسلمين والمسلمات سيثيرون ضجة كبيرة في سائر بلدان العالم ضد الإجراء السويسري بذريعة معاداة هذا الإجراء للإسلام والمسلمين والمسلمات, وهو موقف خاطئ وخطير في آن واحد وسيقود إلى عواقب سلبية, إذ يمكن أن يتجرأ البعض بممارسات إرهابية وقتل البشر بدون مبرر. وعلى شيوخ الدين ان يلعبوا دورهم في تهدئة الخواطر المتهيجة وليس في إثارة العاطفة المرضية والحماس البدائي لدى البعض من الناس الجهلة الذين لا يعرفون أن المنارة ليست من أصل الدين.

أتمنى أن ينتصر العقل لدى العرب المسلمين وغير العرب من المسلمين بحيث لا يجدوا في هذا الإجراء سوى ممارسة جماعة سكانية حقها المشروع وفق دستور بلادها وليس في جوهره عداً للمسلمات والمسلمين أو الإسلام.

10/12/2009 كاظم حبيب



Opinions